دعوة قوانا الناعمة لاستعادة الجمال
28-11-2022

مدحت بشاي
* كاتب صحفى

من الروعة بمكان أن تكون مسألة مراعاة القيم الجمالية فى الشارع المصرى أمرا ووضعا يشغل اهتمام الرئيس عبدالفتاح السيسى ورعايته، وهل ننسى كيف تابع بكل اهتمام مشروع قدَّمه شباب المبدعين لإعداد وتنفيذ رؤية بصرية لمدينة الأقصر، وكيف دعم سيادته الفكرة وطالب بتعميمها فى كل محافظات مصر، وتابع العمل حتى ظهر المشروع للنور بشكل رائع، فضلا عن متابعته للمشروعات الأخيرة بشأن الاهتمام بالشكل والرونق العام للمبانى والشارع المصرى، ولعل القرار الأخير بأن يقوم أصحاب البيوت بطلاء مبانيهم، وألا تترك الجدران على الطوب أو الحجارة، خير مثال على توجه الإدارة المصرية وأجهزتها للتعامل مع مناطق القبح، وتفعيل دور مؤسسات النظافة والتجميل والتنسيق الحضارى لأداء مهامها بكفاءة، ولعل أمثلة إقامة الأحياء البديلة للعشوائيات وإخراجها بهذا القدر من مظاهر الجمال المعمارية ما يؤكد تلك الإرادة الجديدة للإدارة المصرية فى دعم القيم الجمالية وإشاعة ثقافة التذوق الفنى لكل الموجودات من حولنا.
لقد عرف الفيلسوف "سنتيانا" الفن بأنه متعة جمالية، أو لذة جمالية، وغيره الكثير من الكتاب المحدثين يربطون بين مفهوم الفن ومفهوم الجمال، أو القدرة على توليده، أو المهارة فى استحداث ما يطلق عليه متعة جمالية، ويعرف المفكر الألمانى "لانج" الفن بأنه مقدرة الإنسان على إمداد نفسه وغيره بلذة قائمة على الوهم، وليس له أى غرض شعورى يرمى إليه سوى المتعة المباشرة، ويؤكد تولستوى أن الفن ضرب من النشاط البشرى الذى يتمثل فى قيام الإنسان بتوصيل عواطفه إلى الآخرين، بطريقة شعورية إرادية.
أما مايكل أنجلو فهو نموذج لنحات ومصور وشاعر ومعمارى ومخطط مدن من طراز فريد، وفى زاوية من هذا الموضوع ذكر بالنص ما يلى عبر وسائط الاتصال الإعلامية، وفق ما جاء بمقال للمبدع الراحل الفنان والناقد الكبير "أحمد فؤاد سليم"، قال: حين أنجز "مايكل أنجلو" تمثاله الضخم الشهير "داود" من الحجر، دعت البلدية فى يوم ٢٥ يناير عام ١٥٠٤ أحد عشر فنانا من عظماء القرن السادس عشر ليختاروا موقعا فى المدينة لتمثال "مايكل أنجلو"، كان من بين هؤلاء الأحد عشر عضوا كل من أستاذه "جيرلاندايو" ١٤٥٢ ـ ١٥٢٥، و"كوزيمو روزيللى" ١٤٣٩ ـ ١٥٠٧، و"سانر تشيلى" ١٤٤٤ ـ ١٥١٠، و"فيليبو ليبتى" ١٤٥٧ ـ ١٥٠٤، ثم "ليوناردو دافينشى" نفسه ١٤٥٢ ـ ١٥١٩، ولكنهم اختلفوا جميعا حول الموقع، وانتهى الاجتماع بأن أصدروا قرارهم بأن يتولى "مايكل أنجلو" نفسه اقتراح الموقع.
بعد تقديم تلك الرؤى المختلفة والتعاريف المتنوعة للفن وأدواره الكثيرة والمهمة فى دنيا الناس، والمثال الرائع عندما تم تشكيل تلك اللجنة الرائعة من كبار مبدعى ذلك العصر لاختيار موقع وضع العمل، تقديرا لأهمية العمل ومكانته وتوقع تأثيره الفنى والجمالى والروحى والاجتماعى، أرى أهمية أن يصل ما سبق من إشارات لتأكيد دور الفن ورسائله الإنسانية عبر اللوحة والتمثال واللحن وكل ألوان التعبير وتنمية الوعى والتذوق الفنى لدى المتلقى، نأمل كمواطنين على أرض أقدم حضارة إنسانية أن تصل تلك الرسائل إلى متخذ القرار والمنفذ فى المحليات ومن قبلهما المخطط من أجل مناهضة القبح بكل أشكاله وفى كل مواقع انتشاره.
لقد كتبت عشرات المقالات، وتحدثت عبر الكثير من وسائط الميديا ــ ومعى كثيرون ــ حول التماثيل التى انتشرت فى الفترة الأخيرة فى العديد من الميادين الكبرى فى الحقبة الأخيرة من ولاية الفنان "فاروق حسنى" إدارة وزارة الثقافة .. نعم، ومع استحداث هيئة للتنسيق الحضارى لأول مرة .. هى أعمال تمثل جريمة ازدراء للفنون الجميلة ولعيون المصريين، ولمن أقيمت لتكريمهم، فبتنا أمام أعمال تقلل من قدرهم ومن مظهرهم ومن رسائلهم الوطنية والإنسانية لوطنهم.
لقد قام الفنان "أحمد فؤاد سليم" بسؤال بعض فنانينا الكبار حول رأيهم فى تلك الأعمال (تمثال الشهيد البطل عبد المنعم رياض كمثال)، قال الفنان الدكتور "مصطفى الرزاز" حول تمثال البطل العظيم الشهيد عبد المنعم رياض: إنه تمثال خال من فكرة البطولة والاستشهاد، تمثال لا يليق حتى بخامته للمتحف المصرى، ولا يليق بميدان عام، ويفتقر للرصانة وللكبرياء، بل إن القاعدة ذات طابع كاريكاتورى، وهناك تورط واضح فى تشكيل الساق والقدم، بل والتشريح أيضا، إنه تمثال غير صرحى، ربما لو تم تصحيح أخطائه الكثيرة، يمكن حينئذ وضعه على "كومودينو"!
وقال المثَّال "السيد عبده سليم": إنه تمثال سيئ جدا، يده اليمنى أطول من اليسرى، وقدمه اليسرى تبدو كما لو كانت مكسرة، وهناك عيوب واضحة فى الخامات، وأما القاعدة فتبدو مثل بكرة خيط مقلوبة، وأضاف المثال "أحمد جاد" أستاذ النحت بكلية الفنون الجميلة، إنه تمثال كاريكاتورى، إن الأكتاف هزيلة، والرأس صغير، والكرمشة فوق الملابس خنقت الفورم.
وقال المثال "حليم يعقوب": أنا صدمت، وأعرف أنه حين ينشر رأيى هذا للناس سيتهمنى البعض بالحقد والغيرة، ولكن عليهم أن يبحثوا عن "النحاتين" وليس عن "ألقاب النحاتين"، لقد حزنت جدا، فهذا تمثال خال من الشموخ ومجرد من العزة، وأضاف الناقد المعروف "محمد حمزة" هذا تمثال مائع، هل هناك عسكرى وصل إلى رتبة فريق أول ويوجد فى خط المواجهة الأول فى مشاهد بطولية رائعة، ثم يقف بمثل هذه الميوعة المتبدية فى التمثال؟!
وللأسف عندما ناشدنا الوزير فاروق حسنى اتخاذ قرار بشأن تماثيل "طه حسين" و"نجيب محفوظ" و"عبد المنعم رياض" وغيرها من تماثيل القبح عند تركيبها، كان رده محزنا: "ماعندناش مختار تانى"، رغم ما تزخر به مصر من عمالقة فى فن وصنعة "النحت.


رابط دائم: