نحو عدالة مناخية دولية
10-11-2022

أحمد دياب
* مدير تحرير مجلة الديمقراطية، مؤسسة الأهرام.

 لم يعد الانشغال والاهتمام بـ«المسألة» المناخية أو البيئية مجرد تنظيرات وطروحات نخبوية، أو شعارات ومزايدات سياسية لأحزاب أقلية فى مناسبات انتخابية، بل صارت هماً وجوديا وضرورة حياتية للأمم والبشرية، تقتضي تضافر الجهود والاستراتيجيات الدولية لوضع حلول بشأن كيفية مواجهة تلك «المعضلة» التي باتت تهدد مستقبل البشرية علي الكرة الأرضية.
إن علاقة الإنسان بالطبيعة هي علاقة متشابكة ومتداخلة، تكاملية/توافقية أحياناً، وصراعية/تدافعية فى أحايين أخرى. فهي قضية صراع أزَلي للتحدي من أجل بقاء الإنسان ورفاهيته، فالحضارة التي بلغها الإنسان فى مسيرته علي الأرض، هي جهده المبذول فى مواجهة تحدي الطبيعة فى المقام الأول، وطموحه فى سبر أغوارها واكتشاف مكنوناتها تارة، وتطويعها وتوظيفها تارة ثانية، واستغلالها وربما استباحتها تارة ثالثة، أي إن علاقة الإنسان بالطبيعة تدرجت عبر ثلاثية: «التقديس»، و«التدنيس»، و«التسييس».

فقد تغيرت العلاقة بين الإنسان وبيئته من مرحلة تاريخية لأخرى، ففى مرحلة مبكرة، خضع الإنسان لتقلبات الطبيعة وعواصفها. وفى مرحلة تالية، سعى لتوظيف الموارد الطبيعية لصالحه، ثم حاول استغلالها بشكل أكثر تكثيفا. ومع تطور البشرية واستمرار التقدم التكنولوجي والعلمي، تغيرت العلاقة بين الطرفين، وأثبتت الطبيعة أنها ليست عنصرا خاملا أو سلبيا، وأنها تستطيع أن ترد على عدوان الإنسان عليها، وأن تكلفه -مقابل ذلك ثمنا غاليا.
فى المراحل الأولى لتطور البشرية، خضع الإنسان لتقلبات الطبيعة من عواصف وصواعق وأمطار، وانتقل من مكان لآخر وفقا لوجود الموارد التي تسمح له بالحياة الآمنة. فى هذه المرحلة، سادت بين البشر عادات عبادة الظواهر الطبيعية من نار، وعواصف، وصواعق، إذ وقف الإنسان تجاه هذه الظواهر موقف الضعيف العاجز وغير القادر على الفهم. ومع تقدم الحياة واكتشاف الزراعة، بدأ الإنسان فى استغلال الطبيعة أولا بأدوات بسيطة، ثم فى مراحل أخرى بطرق أكثر تقدما، وفى مرحلة لاحقة، انتقل الإنسان من (استغلال الموارد الطبيعية) أو (توظيفها) لمصلحته، إلى محاولة استغلالها والسيطرة عليها.
وكانت الأديان السماوية الثلاثة (اليهودية، والمسيحية، والإسلام) سببا فى تحوُّل جذري فى وعي الإنسان بذاته وإحساسه بتميُّزه عن سائر المخلوقات التي تشاركه الحياة فى هذا العالم، إذ ولّدت الرسالات السماوية إحساسا عند الإنسان فى العصور القديمة والوسطى بأنه جزء من نظام كوني روحاني فريد، وهو مستخلف فيه لتعميره وتلبية احتياجاته، مما عزّز عند الإنسان إحساسه بمركزيته فى العالم وأولوية حياته على حياة سائر المخلوقات.
وقد ذهبت الرؤية الحداثية للإنسان خطوة إضافية للأمام بعد الأديان الثلاثة، عبر علمنة رؤيتها للإنسان بوصفه سيد هذا العالم ومالكه والمتصرف الأوحد فى كل موارده لا مستخلفا فيه فقط، فالتصور الإبراهيمي التوحيدي الذي اعتبر الإنسان ظل الإله فى الأرض حسب التصور المسيحي/اليهودي، أو خليفة الله فى الأرض حسب التصور الإسلامي، تم علمنته، فمن مفهوم الخلافة أصبح الإنسان الحديث هو سيد هذا العالم وسيد جميع المخلوقات ومالك جميع الموارد، وكانت هذه الفكرة هي المنطق الثقافى الذي ساهم فى إنتاج الثورة الصناعية فى غرب أوروبا فى القرن الثامن عشر، وهي الثورة الصناعية التي غيّرت شكل الحياة على كوكب الأرض طوال قرون تلت بعد ذلك.
أعطى مفهوم السيادة، منذ ظهور الدولة الوطنية أو الدولة- الأمة، لمختلف الشعوب إحساساً بخصوصيتها، وبقدرتها على اتخاذ ما تراه مناسباً لمصالحها من قرارات، وإن كان مفهوم السيادة لم يعد أيضاً متوائماً الآن مع مقتضيات وظروف القرن الحادي والعشرين، نظراً لترابط العالم واعتماده المتبادل، وعدم استطاعة أية دولة أو أمة العيش منفردة فى قراراتها وخياراتها عن بقية الأمم، الذي يشترك معها، شاءت أم أبت، فى منافع ومصالح العالم، ويتحمل، علاوة على ذلك المسئولية التضامنية عن كوارثه.
إن العلاقة بين الإنسان والطبيعة فى التصور الحداثي، بل الإنساني الكلاسيكي عموماً، هي أن الطبيعة مسخرة لتحقيق مطالب الإنسان، وبالتالي فإن الإنسان هو الذات المراد توفير مصادر إرواء حاجاتها، فى حين أن الطبيعة هي الموضوع، أي مصدر إرواء هذه الحاجات.
من ثم، فإن الطبيعة تعتبر وجوداً قائماً خارج الكيان الإنساني، وإن كانت هي مجال وموضوع فاعلية الوجود الإنسان. وبعبارة أخرى فإن العالم الواقعي، أو لنقل الطبيعة، ليست شيئاً آخر غير محيط حيوي يستخدمه الإنسان، ويمتلك السيادة عليه، بشكل مطلق. ومن هنا جاءت مختلف أشكال استنزاف واستهلاك، بل إهلاك، موارد الطبيعة، دون أي إحساس بالخطأ أو الخطر.
وقد حفزت الدول فى عهد ما بعد الثورة الصناعية أشد غرائز الاستهلاك والإهلاك تلك، تحت دعاوى تحقيق رغبات أفراد سكانها من جهة، وأيضاً ممارسة سيادتها واستغلال مواردها فى مجالها الحيوي من جهة أخرى. بل إن مفهوم الدولة الحديثة نشأ أصلاً استناداً إلى فكرة ضمنية، مفادها أن على البشر الاجتماع وتوحيد جهودهم، وتنظيم العمل والمهام والأدوار فيما بينهم، لمكافحة الطبيعة والسيطرة عليها واستغلالها لمصلحة الإنسان.
بلغت عملية تسييس العلاقة بين الإنسان والطبيعة ذروتها مع ظهور الدولة الرأسمالية خاصة، التي فتحت شهية كافة أنواع الرغبات الاستهلاكية، واخترعت من الآلات والأدوات الإنتاجية ما هو كفيل باستنزاف موارد الطبيعة، إلى أقصى حد ممكن. وساد هذا المنهج لاسيما فى القرن التاسع عشر، الذي شهد سيادة الفلسفة الوضعية، حيث انتشر الاعتقاد بأن تاريخ الإنسانية هو إلى تقدم، وأن التقدم هو سنة الحياة، وأن هذا التقدم يعني مزيدا من السيطرة على الطبيعة من جانب الإنسان ولصالح الإنسان، وأن التاريخ صائر إلى أمام، وأنه لا يمكن تصور حدوث نكسة أو انقطاع فى التطور التاريخي، ومن ثم حتمية التقدم البشري، وأن هذا التقدم يرتبط بالسيطرة على الطبيعة وتسخيرها لصالح الإنسان.
تدريجيا، اتضح عدم صحة هذا الاعتقاد. فالتقدم ليس سنة حتمية فى المجتمعات البشرية، والأزمات وحالات الركود التي يتعرض لها النظام الرأسمالي من وقت لآخر هى أوضح دليل على ذلك. كما أن الطبيعة ليست عنصرا سلبيا وخاملا، وقد تبين أن هناك قوانين طبيعية وسننا كونية على الإنسان أن يحترمها، فإذا لم يفعل ذلك، فإن الطبيعة تفاجئه بما قد لا يسرُّه، وتفسد مشروعاته ومخططاته، والأمثلة على ذلك كثيره وفى كل المجالات.

نحو عدالة مناخية دولية:
اليوم، يواجه ملايين الأشخاص فى البلدان النامية وطأة استغلال مناخ الأرض الذي يرتكبه شمال الكرة الأرضية. تسبب الفيضانات المفرطة والأمطار الغزيرة وموجات الحر الشديدة فى حدوث دمار هائل فى هذه الدول، ويرجع ذلك أساسًا إلى الأنشطة الصناعية التي بدأت فى القرن الثامن عشر من أوروبا. بحلول الوقت الذي شعر فيه المجتمع العالمي بالجوانب السلبية لاستخدام الوقود الكربوني لاستهلاك الطاقة، مثل النفط الخام، والفحم، والغاز الطبيعي، كانت المياه بالفعل فوق الرءوس وكان الملايين من الناس يدفعون ثمن حياتهم وسبل عيشهم ومنازلهم -معظمهم فى الجنوب العالمي.
بمجرد أن بدأت الدول المتقدمة فى الدعوة إلى استخدام مصادر الطاقة النظيفة -الطاقة الكهرومائية، والطاقة الشمسية، وطاقة الرياح- بدلاً من الاعتماد على الوقود الأحفوري الذي تنبعث منه الكربون لإنقاذ البيئة العالمية من المزيد من التدهور، توصلت البلدان النامية إلى سرد غير مسبوق عن »العدالة المناخية«. يستلزم أن المناخ العالمي قد تم استغلاله بشكل رهيب من قبل شمال العالم إلى حد أنه فى الأزمنة المعاصرة، يتحمل الجنوب العالمي العواقب الوخيمة لذلك. ولوضعها فى منظورها الصحيح، ساهمت البلدان المتقدمة، تاريخيًا، فى نحو 92% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الزائدة التي تدمر الآن حياة الناس الذين يقيمون فى البلدان الفقيرة نسبيًا.
على سبيل المثال، تساهم باكستان بأقل من 1% من الانبعاثات العالمية لغازات الاحتباس الحراري، لكنها تُصنَّف باستمرار بين الدول العشر الأكثر تأثراً بتغير المناخ. وبالمثل، ساهمت القارة الإفريقية بأكملها فى 3% فقط من إجمالي انبعاثات الكربون العالمية، لكن البلدان الإفريقية تواجه حاليًا أكثر العواقب المروعة لتغير المناخ. علاوة على ذلك، تُجبر البلدان النامية الآن على التوقف الفوري عن استخدام الوقود الأحفوري لأغراض الطاقة واعتماد وسائل الطاقة المتجددة من أجل منع الخراب التام للكوكب.
وفى حين أن الجهود المبذولة للحفاظ على النظام البيئي للأرض صالحًا للعيش من أجل الأنواع المتنوعة يبدو أمرا مفهوماً، بل ومطلوبا ومرحبا به، إلا أن الشاغل الرئيسي للبلدان النامية يظل أن تغير المناخ لم يؤثر على كل منطقة من مناطق العالم بطريقة موحدة. إن الأنشطة الصناعية للرأسماليين الذين يتوقون إلى الربح فى البلدان المتقدمة مسئولة عن الوضع الكارثي الحالي لمناخ الأرض، وبالتالي توجد مسئولية إضافية على شمال الكرة الأرضية لدفع تعويضات إلى الجنوب العالمي عن الأضرار التي أحدثوها. وبسبب أن جنوب الكرة الأرضية يعد فقيرًا، فسيتطلب مساعدة مالية ضخمة لإنشاء البنية التحتية اللازمة لمواجهة التهديدات المروعة لتغير المناخ.
استجابة لذلك، تم إنشاء صندوق المناخ الأخضر (GCF) بعد مؤتمر الأطراف السادس عشر لمؤتمر الأطراف فى كانكون فى عام 2010 والذي تعهد فيه قادة العالم بتخصيص 100 مليار دولار سنويًا لتمويل تغير المناخ للبلدان النامية اعتبارًا من عام 2020 فصاعدًا، حتى يتمكنوا من معالجة الآثار الرهيبة المترتبة على ذلك. لكن المناخ تغير علي نحو يفوق ما لديهم من قدرات. ومع ذلك، تم حشد 83.3 مليار دولار فقط لتمويل المناخ فى عام 2020 وفقًا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، وهو أقل بكثير من الهدف المنشود البالغ 100 مليار دولار. لهذا السبب، سيتم الآن الوصول إلى المبلغ المتعهد به البالغ 100 مليار دولار بحلول عام 2023، شريطة أن تظل جميع الإجراءات المتوقعة كما هي. وهذا يوضح مدى جدية البلدان المتقدمة فيما يتعلق بتعزيز جهود التخفيف والتكيف مع المناخ، حيث تقدر التكلفة الفعلية لتأثيرات المناخ بنحو 5.9 تريليون دولار بحلول عام 2030.
إن كل صيحات دول شمال الكرة الأرضية لتحفيز الدول الضعيفة الأقل مسئولية عن التسبب فى تغير المناخ للحد من انبعاثات الكربون هي مجرد غطاء خادع، خاصة عندما يتم التعامل مع جهود التخفيف من آثار تغير المناخ بالقروض- التي يتعين سدادها - ولا يمنح. وذكرت منظمة »أوكسفام« فى عام 2020 أن 80% من إجمالي تمويل المناخ الممنوح للبلدان النامية كانت فى الواقع قروضًا، والتي بدورها تواصل إغراق البلدان المتأثرة بالمناخ فى دائرة ديون أولئك المسئولين فعليًا عن معاناتهم.
علاوة على ذلك، فإن شركات الوقود الأحفوري فى البلدان المتقدمة تضغط باستمرار لعرقلة الجهود المبذولة لتنظيم انبعاثات الكربون وإدارة حملات العلاقات العامة الخبيثة لتشويه سمعة بدائل الطاقة القابلة للتطبيق. هذه الشركات العملاقة، بدلاً من التعامل مع أجندة المناخ الأخضر، تتفاوض وتؤسس مصانعها فى دول الجنوب، لتجنب فرض ضرائب على الكربون وانبعاثات الكربون القصوى المسموح بها فى بلدانهم.
وكما تبدو الأمور، فإن العالم فى طريقه إلى درجة حرارة كارثية تبلغ 2.4 درجة مئوية بحلول نهاية القرن الحادي والعشرين. إذ لا يزال الوقود الأحفوري يشكل نحو 80% من الطاقة العالمية وسيواصل القيام بذلك فى المستقبل القريب، وستظل دول الجنوب تعاني من تداعياته.
وإذا كان المجتمع العالمي جادًا بالفعل فى التخفيف من أزمة المناخ والتحول إلى مصادر الطاقة المتجددة، فعليهم أولاً ضمان العدالة المناخية لجنوب الكرة الأرضية، من خلال هذه الإجراءات:
- يجب التنازل عن الديون المرهقة المفروضة على البلدان منخفضة الدخل لأنها تنفق على خدمة هذه الديون أكثر بكثير من التعامل مع تحديات تغير المناخ فى المقام الأول.
- تمامًا مثل جرائم الحرب والإبادة الجماعية، يجب عدّ الإبادة الجماعية جريمة دولية حتى لا يجرؤ أي شخص على تخريب مناخ الأرض.
- يجب إيقاف جميع دعم الوقود الأحفوري فى أقرب وقت ممكن، والذي كان -وفقًا لصندوق النقد الدولي- 5.9 تريليون دولار أو 6.8% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي فى عام 2020، ومن المتوقع أن يرتفع إلى 7.4 تريليون دولار بحلول عام 2025.
- بالإضافة إلى ذلك، يجب على البنوك الدولية التوقف عن تمويل مشروعات الوقود الأحفوري الجديد لمنع المناخ من مزيد من التدهور، وبدلاً من ذلك، يجب إنشاء مصادر تمويل طويلة الأجل للمساعدة فى انتقال الجنوب العالمي إلى البنية التحتية الصديقة للمناخ.
- يجب ضمان توفير مبلغ 100 مليار دولار أمريكي لتمويل المناخ للبلدان النامية فى أسرع وقت ممكن، وبما أنه ليس كافياً، يجب التوصل إلى إجماع على زيادة هذا المبلغ تدريجياً.
- أخيرًا، لا يزال تمويل التخفيف هو المحور الرئيسي لشمال العالم حتى الآن، ولكن من أجل اتخاذ خطوات تطبيقية نحو مواجهة أزمة المناخ، يجب أن يحظى تمويل التكيف بالاهتمام الواجب أيضًا. والطاقة الخضراء هي الطريق الذي يجب أن نسلكه إذا كان المجتمع العالمي يرغب فى البقاء، ولهذا فإن إصلاح البنية التحتية فى جنوب الكرة الأرضية هو مسئولية الدول المتقدمة، لأن الفوضى هي التي تسبب الدمار فى البلدان منخفضة الدخل.
فى زمن الكوارث الطبيعية والأوبئة يظهر الحديث عن ضرورة احترام وخضوع الإنسان للطبيعة بشكل متكرر، والاعتراف بكونه ضيفا ثقيلا على هذا العالم، وأنه يعيش بجانب نظام طبيعي داخله كائنات حية تشاركه هذا العالم وربما تسكنه من قبله، وأن تلك الكوارث والأوبئة وما يترتب عليها من خسائر فى الأرواح والأموال هي تدخُّل مُعجِز من الطبيعة من أجل إعادة التوازن للعالم أو انتقام وعقاب من الطبيعة للإنسان لانتهاكه لها.
ويدعو الفكر الاجتماعي المعاصر إلى المصالحة مع البيئة، وإلى إقامة علاقة وئام وسلام وتكيف مع الطبيعة. والإنسان يدرك، بشكل متزايد، أن الطبيعة ليست عنصرا خاملا أو ساكنا، وأن لها قوانينها التي ينبغي أن تحترم، وأن العبث بهذه القوانين يؤدي إلى إيجاد مواقف مازال الإنسان غير قادر على التعامل معها، ناهيك عن التحكم فيها، فما زالت الزلازل خارج قدرة الإنسان، ومازالت أنواع عدة من الفيروسات والأمراض خارج قدرته أيضا، لم يعد مطلوبا سيطرة الإنسان على الطبيعة، بل أن يعيش فى وفاق معها، محترما قوانينها وتوازناتها.
مشكلة البشر أنهم ظلوا دوماً ينظرون إلى الطبيعة -أو لنقل البيئة- باعتبارها وجوداً خارجياً بالنسبة لهم، فى حين يتعين عليهم أن يفطنوا إلى أنها وجود داخلي أيضاً، لأن الأزمة البيئية "الإيكولوجية" الراهنة تؤثر فى وجودنا الفردي والجماعي على حد سواء، كما تظهر تناقضات بعض المبادئ والأسس السياسية التي تقام عليها الدول المعاصرة.
يكمن الخروج من هذا المأزق فى الإيمان برؤية إنسانية أكثر رحابة، وفى أن الإنسان ليس منفصلا عن الطبيعة أو جزءا منها، بل هو كائن حي داخل نظام كوني روحاني فريد ومعجز مستخلف فيه لا سيد عليه، نظام كوني مشبع بآيات واضحات بينات فى الطبيعة وفى الإنسان تُشير عند الكثيرين إلى قداسة ما خارج هذا العالم. لذا، لا بد من البحث عن حلول جذرية للمشكلة البيئية فى الوعي الفردي، وليس فى سياسات الدول التلفيقية. وأولى خطوات إصلاح الوعي الفردي تجاه البيئة هي تغيير مفهومنا على الطبيعة نفسها.


رابط دائم: