الإطار التشريعى وآليات تحقيق الحياد المناخى
10-11-2022

د. سحر مصطفى حافظ
* أستاذ القانون البيئي، مستشار بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية

يمثل تغير المناخ إحدى أهم القضايا البيئية على المستويين الوطنى والعالمي، نظراً لما ينطوى عليه من مخاطر اقتصادية، واجتماعية، وبيئية. وقد حظيت هذه القضية باهتمام مبكر وبالغ فى مصر، وتعددت الجهود التى تبذلها الدولة لمواجهة تداعيات التغير المناخى والتكيف مع تأثيراته المحتملة على النظم البيئية والقطاعات الاقتصادية، وتبنت فى سياق هذه الجهود مجموعة مهمة من الاستراتيجيات وفى رأسها الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050، وكذا السياسات التى شملت سياسة التنويع الاقتصادى والتركيز على الاقتصاد الأخضر تحت شعار «اتحضر للأخضر»، وسياسة تنويع مصادر الطاقة بالتركيز على الطاقة المتجددة والنظيفة وتعزيز كفاءة الطاقة، وسياسة النقل المستدام، والتخطيط الحضرى المستدام، وغيرها.

ولتحقيق الحياد المناخى  فى الحالة المصرية كما وصلت إليه بعض الدراسات المقارنة المتطورة(1) الأمر يتطلب الاتساق المتكامل والتنسيق الجامع بين حزمة من التشريعات والسياسات والمؤسسات للوصول إلى المعالجة الشاملة للآثار السلبية على عناصر المنظومة البيئية الإنسانية وعلى منظومة حقوق الإنسان بأجيالها الثلاثة، وذلك لكفالة الأمن المناخى لكل من البيئة والتنمية المستدامة وجودة الحياة وجودة الإنسان على السواء. وبناء عليه ومع تزامن توصيات المؤتمر السادس والعشرين للأطراف فى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية COP 26، وانعقاد المؤتمر السابع والعشرين للأطراف COP 27 فى شرم الشيخ نوفمبر القادم 2022. فالأمر وطنيا فى حاجة إلى معالجة تشريعية وتنفيذية متكاملة وحماية قانونية شاملة جامعة لمجابهة التداعيات البيئية والاجتماعية لظاهرة تغير المناخ وآثارها السلبية على المواطنين وأسرهم ومن يعاونهم، ومعيشتهم وأماكن وجودهم، وفرص عملهم ومصادر رزقهم، وإدارة مخاطرها الشديدة على التنمية المستدامة، ومواجهة كوارثها البيئية على جودة الحياة وجودة الإنسان، خاصة على الفئات الأكثر ضعفا من كبار السن والأطفال والنساء والأقل حماية والأكبر فقرا، وعلى المناطق الأشد ضررا من منظور مجتمعى يتضمن الأبعاد البيئية، والإدارية، والمؤسسية، والاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية، والصحية(2)، وذلك من أجل كفالة الأمن المناخى فى ضوء مبادئ العدالة المناخية التى ينادى بها العالم أجمع(3).
لذا يهدف هذا المقال إلى وضع مقترح لإطار تشريعى تنظيمى متكامل للحياد المناخى بين هذه الأنماط المختلفة ذات الصلة بمواجهة  الآثار المختلفة لتغير المناخ بما ييسر التطبيق ويحقق فعالية أكبر فى الحماية القانونية الشاملة. كما يهدف إلى إلقاء الضوء حول ملامح السياسة التشريعية والتنظيمية والعقابية للمنظومة التشريعية المصرية لمعالجة أسباب تغير المناخ محل الدراسة، واستقراء مدى مواءمتها مع أحكام ومفاهيم الاتفاقيات البيئية الدولية لتغير المناخ وملحقاتها. إذا هناك ارتباط بين التشريعات المحلية القوية المتعلقة بتغير المناخ وتحقيق طموح دولى كبير فى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ خاصة وبرتوكولاتها ومعاهداتها الملحقة، وكذا الوثائق الدولية الأخرى ذات الصلة(4).
فى الوقت نفسه يحاول المقال التعرف على ملامح المنظومة التشريعية والتنظيمية المطبقة فى مصر، وبيان المعوقات المجتمعية التى تحول دون إنفاذها فى الواقع البيئى المعيش، ووضع تصور مقترح للإطار التشريعى والتنفيذى والتنظيمى فى ضوء البدائل المتاحة، والحلول المصرية الممكنة، والمتدرجة بخطط طويلة ومتوسطة وقصيرة الأجل، والمدرجة فى الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ والتى صدرت أخيرا وبدء تنفيذها فى 9 يونيو 2022(5)، وهى محاولة للوصول إلى بيان لكل من  توصيف للملمح ثم  تحديد المعوق ثم طرح المقترح على النحو الترتيبى التالى، وفى ضوء المداخل الدولية والوطنية:

المحور الأول- الاتفاقيات الدولية لتغير المناخ:
ظلت قضية تغير المناخ والآثار الناجمة عنه أحد أبرز اهتمامات المجتمع الدولي. اختلفت مواقف الدول بشأن آليات تنظيمها تبعا لمصالحها وطموحاتها التصنيعية وحاجتها للطاقة الأحفورية، إلى أن تم إبرام اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ 1992 والبروتوكولات والاتفاقات المكملة لها حتى الآن،مثل برتوكول كيوتو وتعديل الدوحة عليه، ومونتريال، واتفاقية باريس لتغير المناخ. تهدف مجمل هذه الترتيبات التعاقدية إلى الحد من انبعاث الغازات الدفيئة (Greenhouse Gases)، إلى المستوى الذى لا يؤثر سلبا على قدرة النظم البيئية الطبيعية على التكيف والحفاظ على مستودعات هذه الغازات (sinks and reservoirs)، مثل الغابات والمساحات وزيادتها لامتصاص انبعاث الغازات المسببة لظاهرة تغير المناخ، وتهدف كذلك إلى بناء نظم وآليات بحث وقياس تقدير انبعاث الغازات، ودراسة الآثار السلبية الناجمة عنها، والآثار المترتبة على سياسات وخطط مواجهة هذه الظاهرة. وتوطيد برامج التوعية والتدريب والتعاون، وتطوير تقنيات صديقة للبيئة لتخفيف انبعاث الغازات الدفيئة. كما تهدف الاتفاقية إلى رفع قدرة الدول على التكيف مع التغير المناخي. وتشير هذه الوثائق كذلك إلى التزامات خاصة ملقاة على عاتق الدول المتقدمة (دول المرفق الأول Annex I Parties) تجاه الدول النامية والأقل نموا لمساعدة الأخيرتين لتعزيز القدرة على التكيف مع الآثار الناجمة عن ظاهرة التغير المناخي،بالإضافة إلى الالتزامات العامة المشتركة بين جميع الدول الأطراف؛ كتقديم تقارير دورية عن الأنشطة التى تقوم بها الدول الأعضاء/الأطراف فيما يتعلق بالتعامل مع ظاهرة التغير المناخى من حيث الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة أو التكيف مع الآثار السلبية لظاهرة التغير المناخي. تعتبر مسألتا الحد أو التخفيف من انبعاثات الغازات الدفيئة، والتكيف مع آثار تغير المناخ جوهر اهتمام النظم القانونية المختلفة فى معالجة ظاهرة تغير المناخ. وتهدف سياسات التخفيف من الانبعاثات إلى إبطاء وتيرة تغير المناخ من خلال خفض الانبعاثات الغازية، فى حين ترمى سياسات التكيف إلى التعامل مع الآثار السلبية التى يسببها تغيّر المناخ؛ لتجنب أو تخفيف الضرر أو استغلال الفرص النافعة(6).
ويمكن عد مسألة التكيف مع الآثار الناجمة عن ظاهرة تغير المناخ المسألة الأهم بالنسبة للدول النامية ومن ضمنها مصر؛ وذلك لمحدودية مساهمتها فى انبعاث الغازات الدفيئة. فى هذا الصدد، تشير الجهات الدولية المعنية بقضايا تغير المناخ إلى خمسة عناصر ينبغى على الحكومات الوطنية، لاسيما فى الدول النامية، أخذها فى الحسبان عند إعدادها لسياسات تكيف فعالة مع تغير المناخ، هي: المشاركة العامة، وإتاحة المعلومات المتعلقة بالقرارات المتخذة، والتصميم المؤسسى الملائم، وأدوات التخطيط، ورسم السياسات والموارد.
وتجدر الإشارة إلى تكامل مفهوم إدارة مخاطر الكوارث مع ظاهرة التغير المناخي، مما يستوجب التعامل معهما على نحو يخدم جهود تعزيز استقرار التنمية الوطنية الشاملة والمستدامة، وخلق بيئة وطنية آمنة ومستقرة، وتوجيه إعداد السياسات والاستراتيجيات والخطط للحد من عوامل المخاطر الرئيسية والتخفيف من آثارها والتكيف معها، بالشراكة مع الجهات الحكومية، والقطاع الخاص والاستثماري، والقطاع التعاونى، والقطاع الأهلى ومؤسسات المجتمع المدني، والمؤسسات العلمية والأكاديمية شركاء التنمية المستدامة(7). ويشير الجدول رقم (1) للاتفاقيات الدولية لتغير المناخ وموقف مصر القانونى من الانضمام والتوقيع والتصديق، وتطورها الزمنى.



المحور الثانى- المنظومة التشريعية والتنظيمية:
ونعرض لتلك المنظومة من خلال الملامح والمعوقات ومقترحات لتصور تشريعى وتنظيمى:
أولاً- المنظومة التنظيمية:
أ) الملمح التنظيمى:
سعت مصر نحو خطة مؤسسية بإنشاء الكيانات الخاصة بمواجهة تغير المناخ وتطورها، وقبل ذلك إنشاء جهاز شئون البيئة على النحو الترتيبى التالى:
- منذ إنشاء جهاز شئون البيئة بقرار رئيس الجمهورية رقم 631 لسنة 1982 ثم إعادة إنشائه برئاسة مجلس الوزراء بموجب القانون رقم 4 لسنة 1994 فى شأن حماية البيئة صار الجهاز هو الجهة القومية المختصة بدعم العلاقات البيئية بين جمهورية مصر العربية والدول والمنظمات الدولية والإقليمية، ويوصى باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة للانضمام إلى الاتفاقيات الدولية الإقليمية المتعلقة بالبيئة، ويعد مشروعات القوانين والقرارات اللازمة لتنفيذ هذه الاتفاقيات وأصبح مختصا بمتابعة تنفيذ هذه الاتفاقيات الدولية والإقليمية المتعلقة بالبيئة(8).
وفيما يلى بيان بتلك الكيانات المشار إليها، وتاريخ إصدارها الزمنى على النحو الترتيبى التالى(9):
أ ــ تم بتشكيل المجلس الوطنى للتغيرات المناخية بقرار رئيس مجلس الوزراء 1912 لسنة 2015.
ب ــ قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1129 لسنة 2019 باعتبار (المجلس الوطنى للتغيرات المناخية) المنشأ بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1912 لسنة 2015 هى الجهة الوطنية المعنية بملف التغيرات المناخية.     
جــ ــ تم إنشاء صندوق مصر السيادى للاستثمار والتنمية بالقانون رقم 177 لسنة 2018، وتم تعديل بعض أحكام القانون رقم 177 لسنة 2017 بإنشاء صندوق مصر (صندوق مصر السيادى للاستثمار والتنمية) بالقانون رقم 197 لسنة 2020.
وجاء إنشاء صندوق مصر السيادى كأحد الآليات لتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص، ما يمثل الذراع الاستثمارية للحكومة، موضحة أنه تم إنشاء صندوق مصر السيادى فى عام 2018 وذلك فى إطار خطة الدولة المصرية لتحقيق التنمية المستدامة رؤية مصر 2030، ويستهدف صندوق مصر السيادى القطاعات ذات النمو المرتفع والتنمية المستدامة، والقطاعات التى تخدم الاقتصاد المستقبلى لمصر، ويضع استراتيجية الاستثمار بناء على رؤية الحكومة واحتياجاتها قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى. وقام الصندوق السيادى بالاستثمار فى العديد من المشروعات فى مجال تغير المناخ والتى تدعم توجه الدولة للتحول إلى المشروعات الخضراء.فقد أنشأ الصندوق مشروعات منها:  مشروع إنتاج الهيدروجين والأمونيا الخضراء، بالشراكة مع عدد من الشركات العالمية المتخصصة, مشروعات تحلية المياه(10).
2 ــ  المعوق التنظيمى:
قد يؤدى من الناحية التنفيذية إلى التداخل وتعدد الجهات والتشريعات المختصة، والمؤسسات يبن صندوق حماية البيئة المنشأ بأحكام المادة رقم (14) بقانون البيئة رقم 4 لسنة 1994وتعديلاته، والصندوق السيادى المنشأ 2018 المشار إليه.
3 ــ المقترح التنظيمى:
ولتلافى التضارب يبن صندوق حماية البيئة المنشأ بأحكام المادة رقم (14) بقانون البيئة رقم 4 لسنة 1994وتعديلاته، والصندوق السيادى المنشأ 2018 المشار إليه، ومنعا للتكرار والتداخل المؤسسى بينهما. فهناك اقتراح تنظيمى للتوحيد والتنسيق المؤسسى تحت إشراف قانونى وجهة مختصة واحدة من خلال أسلوبين: الأول: تعديل مادة بقانون بإحلال وإنشاء صندوق خاص لمواجهة تغير المناخ تحت مسمى مثلا (صندوق الحياد المناخى) كنقطة اتصال مباشر على المستوى الوطنى  لتفعيل آليات التمويل والمنح والمساعدات الفنية والتقنية من قبل صندوق المناخ الأخضر على المستويين الدولى والإقليمى. أو الأسلوب الثاني: تعديل مادة بقانون بإضافة وتشغيل «صندوق وطنى للبيئة والمناخ» بمواصفات فنية وشفافية عالية لرفع القدرة على استقطاب وإدارة تمويل أنشطة البيئة وتغير المناخ وتحقيق أهداف التنمية المستدامة لمصر. يتولى مهام استجلاب الأموال والنظر فى طلبات التمويل، وتقييم الطلبات، ووضع أولويات للدعم وفقا للاستراتيجيات المقررة عامة، واستراتيجية تغير المناخ خاصة، وتنسيق الدعم، والرقابة على التنفيذ، بالتعاون مع جهات رسمية أخرى مختصة،مع وضع قواعد شفافية ومساءلة لعمل الصندوق فى ضوء تعديل أحكام قانون البيئة.

ثانياً- المنظومة التشريعية:
1 ــ الملمح التشريعى:
أدخلت مصر العديد من الأحكام والمفاهيم ضمن تشريعات حماية البيئة المباشرة وغير المباشرة أو ذات المغزى البيئى، سواء بالإضافة أو التعديل أو الحذف لمواجهة جرائم ضد البيئة عامة والمناخ خاصة، وعلى رأسها قانون البيئة رقم 4 لسنة 1994 وتعديلاته المتتالية بالقانون رقم 9 لسنة 2009، والقانون رقم 105 لسنة 2015، وحاليا جار إعداد مشروع بقانون بتعديل بعض أحكام قانون البيئة المطبق لإدخال بعض الإضافات الملائمة للواقع البيئى والمناخى المعيش، والمواجهة لجرائم البيئة وتغير المناخ والمواكبة لأحكام الاتفاقات الدولية للبيئة، والتنمية المستدامة وتغير المناخ.  
2 ــ المعوق التشريعى:  
ــ غلب على نصوص قانون البيئة وتعديلاته الاهتمام بالحد من التلوث البيئى عامة والتلوث الهوائى خاصة (التخفيف من أسباب آثار تغير المناخ)، واهتمامه، إلى حد معين، بالحد من هذا التلوث. لكن خلا أحكام القانون من نصوص صريحة تنظم مسألة التكيف مع التغيرات المناخية،ومحدودية مساهمتها فى إحداث التلوث البيئي، وانبعاثات الغازات الدفيئة، فى ضوء التشريعات المقارنة الحديثة(11)، لاسيما الصناعية منها، ويبقى التكيف من أهم المحاور التى يجب العمل عليها تنظيميا وتشريعيا، إلى جانب تطوير سياسات تشريعية محفزة تساهم فى تخفيف والحد من أسباب ظاهرة  تغير المناخ،  بالإضافة إلى قصور القانون فيما يتعلق بتوفير ورصد مخصصات مالية لجهود التخفيف من انبعاثات الغازات الدفيئة والتكيف مع هذه الآثار السلبية لظاهرة تغير المناخ، وكذلك تصميم إطار مؤسساتى واضح المعالم بمهام وصلاحيات ومسئوليات محددة (كجسم مركزي) للتنسيق بين جهات الاختصاص المتعددة.  
ــ ضعف السياسات التشريعية المحفزة لتشجيع الاستثمار فى النقل العام البري، على الرغم من أهميتها لخفض انبعاث الغازات الدفيئة لتفعيل أكثر لمنظومة النقل المستدام.
ــ ضعف معظم التشريعات ذات المغزى البيئى السارية بشأن تشجيع المبادرات الوطنية للتكيف مع تغير المناخ والتخفيف من الانبعاثات وإشراك جميع قطاعات المجتمع، بما فى ذلك الفئات الفقيرة والضعيفة والمهمشة(12).
3 ــ المقترح التشريعى:
هناك ثلاثة سيناريوهات لصياغة تشريع معاصر لمواجهة مخاطر تغير المناخ يضمن كفالة الحياد المناخى:
أ ــ إصدار قانون خاص بتغير المناخ يشمل كل الجوانب المشار إليها سابقا.
ب ــ تعديل القوانين العادية الرئيسية المشار إليها سابقا بما يستوعب قواعد جديدة بشأن تخفيف آثار تغير المناخ والتكيف مع هذه الآثار، ويمكن جمع هذه التعديلات من خلال قانون/ قرار بقانون واحد يشير إلى تعديل مواد معينة بعينها فى كل قانون.
جـ ــ تعديل قانون البيئة الحالي، واستكمال العمل على التشريعات الثانوية التى لم تصدر بعد فى رزمة القوانين السارية، ومنها مقاييس وحدود نسبة الانبعاثات كما ورد فى قانون البيئة، مع إدخال تحوير عليها بما يشير إلى الانبعاثات المتصلة بتغير المناخ، وتكليف الجهات المعنية كل بالعمل ضمن نطاق اختصاصه، بالإضافة إلى صياغة تشريعات ثانوية جديدة بحسب ما يتطلبه التعديل المقترح لقانون البيئة لتفصيل الأحكام العامة المدخلة إليه من النواحى الفنية.
وفيما يلى إيجابيات وسلبيات كل طريقة:
ــ  تعد الطريقة الأولى الأنسب لجهة شمولية التنظيم ودقته ووضوح مساره، باعتبار أن أحكام القانون الخاص تسمو على أحكام القانون العام، وتتقدم عليه فى التطبيق. لكن يؤخذ على هذه الطريقة أنها مسألة شاقة ومكلفة أيضا؛ إذ ستتطلب عملية إعداده وقتا طويلا نسبيا لما تستلزمه من مناقشة موضوعاته مع كل الأطراف ذات العلاقة قبل إصداره، فضلا عن أهمية إيجاد سياسات تهيئة ملائمة لضمان تطبيقه وإنفاذه، بالإضافة إلى اختبار آثاره المختلفة ومنها تكلفته المالية والاجتماعية.
ــ  الطريقة الثانية تستجيب للمخاوف التى تفرزها الطريقة الأولى، لكن يعاب عليها تعدد التعديلات التى ستطال قوانين مختلفة، والأهم من ذلك صعوبة استيعابها، من الناحية الفنية، للبناء المؤسساتى المقترح. فالإطار المؤسساتى هو واحد للجميع، ففى أى قانون سيتم إدماجه؟
ــ الطريقة الثالثة والأخيرة تستجيب للمخاوف المشار إليها فى الطريقتين الأولى والثانية، لكن لا تحقق كل الايجابيات التى يمكن تحقيقها من خلال الطريقة الأولى. وقد تبين لنا أن قانون البيئة ينظم مرحلة الحد من آثار تلوث البيئة بطريقة معقولة (يدخل فى مفهومها تغير المناخ، وإن كان بشكل غير مباشر) ويحيل إلى الاتفاقيات الدولية فيما لا نص فيه، مما يعنى أن التعديل المنتظر سيكمل الجوانب التى غفل عنها قانون البيئة الحالى فيما يخص مسألة التخفيف من آثار تغير المناخ، وسيركز بشكل خاص على قضايا التكيف وتحديد الفرص، بالإضافة إلى إدماج الإطار المؤسساتى المتوافق عليه مع أصحاب العلاقة المختلفين مع بيان صلاحياته ومسئولياته وآليات تنسيقه مع الجهات الأخرى، أو ترك هذه المسائل الإجرائية لأنظمة وتعليمات خاصة، وما يتبع ذلك النص على تأسيس صندوق خاص بالبيئة وتغير المناخ وبيان أحكامه الأساسية من النواحى الإدارية والمالية والرقابية والحوكمة والمساءلة، أو ترك تحديد هذه المسائل وغيرها لقانون خاص يصدر لاحقا، وكذلك تعزيز الوعى والتدريب والبحث العلمي. لذا، يقتصر التعديل على إضافات محدودة، لكنها تلبى الغرض من التعديل، ويتم من خلالها منح كل الجهات المختصة سلطة إعداد أنظمة وتعليمات للأحكام العامة التى سترد فى التعديلات(13).
ولما كان قانون البيئة من أوثق القوانين السارية بظاهرة تغير المناخ، وهو ذاته يشير إلى التعاون والتنسيق مع جهات عديدة مختصة، فيمكن القول إن الطريقة الثالثة قد تكون الأنسب حاليا لمصر. وبعد دخول التعديلات حيز النفاذ بفترة معينة، وحال اكتمال بناء القدرات الفنية والبشرية والمادية، يمكن بعدها سن قانون جديد للبيئة يشمل قضايا تغير المناخ من النواحى المختلفة، الأمر الذى يجعل إنفاذه سهل المنال، نظرا للخبرة والتجربة المتراكمة لدى المؤسسات المسئولة عن تطبيق القانون، وكذلك الأشخاص المخاطبين بأحكامه.
ومن مميزات هذا الخيار أيضا، هو أنه سوف يستفيد من مجموعة الأحكام العامة التى يتضمنها قانون البيئة والأحكام الخاصة بالبيئة الهوائية، وبتقييم الأثر البيئي، والموافقة البيئية، والرقابة والتفتيش، والصلاحيات الممنوحة فى هذا المجال، ومنظومة المسئولية الجنائية والمدنية، والصلاحيات الإدارية التى خولها القانون لبعض الجهات فى التعامل مع الجرم البيئي، وكذلك الإحالة إلى الاتفاقيات الدولية والأحكام الخاصة بها(14).

وفيما يلى مختصر المقترح التشريعى فى نقاط:
- وضع مفهوم قانونى للحياد المناخى ولمؤشرات جودته بما يتماشى مع مؤشرات جودة الحياة.
- مراجعة المنظومة التشريعية فى ضوء دراسة مقارنة لتشريعات الحياد المناخى  المعاصرة لكفالة العدالة المناخية بما يتوافق ومفاهيم وأحكام الاتفاقات الدولية والواقع البيئى المصرى لكفالة الأمن البيئى والمناخى.
- تطبيق مبدأ التدرج التشريعى فى إزالة أسباب تغير المناخ وآثاره السلبية ومخاطره المستقبلية(15).

ثالثاً- منظومة الحوافز:
1 ــ الملمح الحافزى:
- أصدر المشرع المصرى عام 1994  أحكام المادة 17 من أول قانون خاص لحماية البيئة المصرية ولائحته التنفيذية. فإنه لم يتم ما أوجبه من وضع نظام للحوافز التى يمكن أن يقدمها الجهاز إلى الجهات الإدارية المختصة للهيئات والمنشآت والأفراد وغيرها الذين يقومون بأعمال أو مشروعات من شأنها حماية  البيئة وكفالة الحياد المناخى حيث تقاعس جهاز شئون البيئة فى تطبيق نظام الحوافز الذى أناط به القانون ووضعه بالتنسيق مع وزارة المالية والتى يقدمها الجهاز والجهات الإدارية المختصة للهيئات والمنشآت والأفراد وغيرهم من الذين يقومون بأعمال أو مشروعات من شأنها حماية البيئة بالمخالفة لنص المادة 17 من القانون رقم 4 لسنة 1994، والمادة التاسعة من لائحته التنفيذية رقم 338 لسنة 1995، وتعديلاته بقرارات رئيس الوزراء أرقام (495) لسنة 2001، و(1741) لسنة 2005، و(1095) لسنة 2011، و(964) لسنة 2015، ورقم (1963) لسنة 2017.
2 ــ المقترح الحافزى:
يحتاج الأمر  إلى تفعيل أحكام هذه المادة المهمة الخاصة بالأدوات الاقتصادية وآلياتها الحديثة لمواجهة المواكبة لتداعيات تغير المناخ حيث تعد الأدوات الاقتصادية من أكثر أدوات السياسة البيئية فعالية. ويقصد بها مجموعة الوسائل والطرق المستخدمة فى حماية البيئة، والتى من شأنها التأثير على نفقات وإيرادات المشروعات الاستثمارية، وكذلك أسعار المواد النهائية. ومن أهم صور هذه الأدوات، الضرائب والإعانات وتصاريح الانبعاث، وتسمى الأذون السوقية، إضافة إلى الإعفاءات الضريبية والجمركية. والضرائب البيئية هى تلك الضرائب التى تفرض خصيصاً لتحقيق أهداف بيئية، أو التى تؤثر تأثيراً إيجابياً فى البيئة عامة والبيئة الهوائية خاصة(16).
إذا يمكن إدراج حوافز اقتصادية مجدية وتشجيع فرص الاستثمار فى مختلف القطاعات المختلفة المتأثرة بتغير المناخ، مثل قطاع الصحة، والصناعة، وحفظ الطاقة، والزراعة، والغابات، والوقود الحيوي، ومعايير انبعاثات المركبات، والمياه والصرف الصحي، والبحار والحياة البحرية، وغيرها، وتوجيه هذه الحوافز للقطاع الخاص، والمؤسسات الأهلية، والمجتمع الأكاديمي، ومزودى التكنولوجيا. ومن أمثلة هذه الحوافز: الدعم المباشر، الدعم غير المباشر من خلال الإعفاءات الضريبية والجمركية، وكذلك تسهيلات فى البنى التحتية، وضمان الدولة للاستثمارات الخاصة، تعاقدات ميسرة، وعقود امتياز... إلخ.
تخصيص موازنات سنوية لتغير المناخ لمصلحة جميع الوزارات والهيئات ذات الصلة.

رابعاً- المنظومة الحمائية:
1 ــ الملمح الحمائى:
إن تغير المناخ هو قضية اجتماعية، وثقافية، واقتصادية، وأمنية، وتنموية، وبيئية، وإنسانية، لها آثار وخيمة على منظومة حقوق الإنسان بأجيالها الثلاثة: السياسية/ المدنية/الاقتصادية/الاجتماعية/البيئية/التنموية بشكل مباشر أو غير مباشر على المستوى الفردى والجماعى. كما أن آثاره السلبية تتوزع بشكل غير متكافئ، وتتعدى آثاره الأجيال الحالية لتمس بحقوق الأجيال اللاحقة. وتعد مصر كغيرها من الدول عرضة لتداعيات سلبية للتغير المناخى تتضمن مجموعة كبيرة من الاضطرابات البيئية يقابلها العديد من الاضطرابات الاجتماعية من عدم الاستقرار والتماسك الاجتماعى، والنزوح، والتشريد، والنزاع والهجرة القسرية وغيرها. وكذا الاضطرابات النفسية كالقلق والتوتر البيئى مما يؤثر على الصحة النفسية والعقلية للمواطنين(17). وبناء عليه، ومع تزامن توصيات المؤتمر السادس والعشرين للأطراف فى اتفاقية الأمم المتحدة. فقد خلت أحكام المنظومة التشريعية لحماية البيئة عامة والبيئة الهوائية خاصة من هدف الحماية الاجتماعية المتكاملة لمجابهة التداعيات المجتمعية لظاهرة تغير المناخ وآثارها السلبية على المواطنين وخاصة الفئات الأكثر ضعفا والأقل حماية، والمناطق الأشد ضرراً من منظور مجتمعى يتضمن الأبعاد البيئية، والقانونية، والإدارية، والمؤسسية، والاجتماعية، والثقافية، والنفسية.
2 ــ المقترح الحمائى:
- الاهتمام بالجوانب الاجتماعية الحمائية للآثار المجتمعية لتغير المناخ لحماية متضررى المناخ من نزوحهم وعدم وجود مأوى لهم، وإن جاز إطلاق مسمى عليهم «لاجىء المناخ - مهاجرى المناخ» من الآثار النفسية والاجتماعية، وكذا حمايتهم من الآثار الاقتصادية لهم من فقدان فرص العمل - مصدر الرزق - وإتاحة مجالات التعليم، وغيرها.
- وضع تقسيمات لخريطة قانونية للأماكن الأكثر تعرضا، والفئات الأكثر تضررا لتفعيل أساليب الحماية الاجتماعية الشاملة فى ضوء مبادئ العدالة المناخية.  
- وضع مبادئ حسابات التكلفة الاجتماعية، وتقييم الأثر الاجتماعى والاقتصادى، والمشاركة المجتمعية وجلسات الاستماع الجماعية بين إصدار القانون و إنفاذه.

الهوامش:

  1.  البوابة البرلمانية، التشريع الخاص بتغير المناخ. old.agora-parl.org/ar/resources/aoe
  2.  سحر حافظ، تصور مقترح لمواجهة التداعيات الاجتماعية والبيئية لتغير المناخ بعنوان: «تغير المناخ وأثره على البيئة الاجتماعية»، المواجهة / الحماية، 2022.
  3.  الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، http://www.agora-parl.org/ar/agora
  4. موقع الاتفاقيات الدولية: research.un.org/ar/docs/law/treaties
  5.  قرار رئيس الوزراء رقم 1860 لسنة 2022 باعتماد الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية 2050.
  6.  الموقف المصرى من مفاوضات تغير المناخ، ومدى توافقه مع الموقف العربى والإفريقى.
  7.  تقرير حول الإطار القانونى والتنظيمى لتغير المناخ فى فلسطين: مسح وتقييم ومقترحات.
  8.  د. سحر مصطفى حافظ: دراســــة التشريعات البيئية فى الدول العـربية ومدى التزامها بمتطلبات الاتفاقيــات الدوليــة البيئيــة والمفاهيــم الحديثــة، جامعة الدول العربية، 2008.
  9.  بوابة التشريعات المصرية،  25 أغسطس 2022.
  10.  الصندوق السيادى فى مواجهة تغير المناخ، اليوم السابع، 22 أبريل 2022.
  11.  National climate change legislation:The key to international  agreements more ambitious.
  12.  د. سحر حافظ، جرائم ضد البيئة وتطورها: منظور تنموي، المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، القاهرة، 2021.
  13.  تقرير حول الإطار القانونى والتنظيمى لتغير المناخ فى فلسطين .. مسح وتقييم ومقترحات، مرجع سابق ذكره.
  14.  د. سحر مصطفى حافظ، دراســــة التشريعات البيئية فى الدول العـربية ومدى التزامها بمتطلبات الاتفاقيــات الدوليــة البيئيــة والمفاهيــم الحديثــة، مرجع سبق ذكره.
  15.  تقرير المسح البيئى، إشراف د. سحر حافظ ، المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، القاهرة، 2016.
  16.  سحر حافظ، الحماية القانونية لحقوق المياه كحقوق الإنسان فى ضوء التشريعات الدولية/الإقليمية/العربية،  الندوة العلمية الحادية عشرة لمنطقة العواصم والمدن الإسلامية، الرياض، المملكة العربية السعودية، 2013.
  17.  الثورة القادمة فى شمال إفريقيا: الكفاح من أجل العدالة المناخية: تحرير حمزة حموشان وميكا مينيو-بالويللو، ترجمة: عباب مراد، الطبعة الأولي، مارس 2015. www.platformlondon.org

رابط دائم: