الإشكاليات البيئية وتحديات تمكين المرأة
8-11-2022

د. علياء عبدالرءوف عامر
* خبير ديموجرافى

 ارتبطت الطبيعة بالمرأة ارتباطا وثيقاً على مر العصور، حيث تصدرت المرأة المشهد فى بعض الثقافات باعتبارها رمزاً معنوياً من رموز الطبيعة، كما أعطت البيئة الهوية والصفات الأنثوية كالرعاية والإنتاج والحياة. وبالرغم من ذلك، نجد أنه من النادر أن يتم توثيق مشاركة المرأة فى الحفاظ على البيئة وتعاونها مع الرجل فى إدارتها، وذلك على مدار تاريخ العديد من الشعوب، حيث تعد الأنماط السلوكية للأفراد أحد التحديات التي تواجه الحفاظ على استدامة البيئة. هنا. تلعب المرأة دورا مهما فى تحقيق تلك الاستدامة من خلال ممارساتها اليومية داخل إطار الأسرة وخارجها، حيث تساعد التوعية البيئية للمرأة على تمكينها من اتخاذ قرارات بيئية صحيحة، مثل شراء منتجات صديقة للبيئة أو إعادة تدوير النفايات، وغير ذلك من قرارات بيئية سليمة. كما يساعد تزويد المرأة بالمعلومات البيئية السليمة على غرس تلك الممارسات لدى أبنائها، وإشراكها فى عمليات الوعي والتثقيف البيئي بشكل عام لتساهم فى إيجاد بيئة سليمة مستدامة، كما تتحمل المرأة مسئولية إدارة البيت مما يجعل لها شأنا فى مواجهة التلوث المنزلي وفى اختيار السكن المناسب بيئيا، كما تقوم المرأة دائما باختيار السلع الغذائية والأدوية والملابس المناسبة لأسرتها، وبإمكانها اختيار السلع الصديقة للبيئة. أما المرأة الريفية التي تفلح الأرض وتزرع المحاصيل وترعي الحيوانات؛ فهي أكثر أفراد المجتمع احساسا بالمشكلات البيئية بدءا من تدهور التربة الزراعية والجفاف وتلوث المياه والهواء والأمراض ومن ثم فإن هناك ضرورة لتعزيز دورها البيئي.

ويعتبر الاعتراف بحق المرأة فى حماية الطبيعة من الظواهر الأكثر أهمية فى العقود الأخيرة والتي انعكست فى العديد من الاتفاقيات الدولية،  حيث إن علاقة المرأة بالبيئة أشد ارتباطًا وتأثيرًا مقارنة بالرجل، وتتعدد الأسباب التي تؤدي إلي ارتباط هذه العلاقة من حيث كونها كأم تحتاج دائماً إلى توفير الأمن الغذائي لها ولأطفالها خاصًة فى فترتي الحمل والرضاعة، وأسباب اجتماعية ترتبط بتأثيرات التغيرات المناخية؛ حيث تشير منظمة الفاو (منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة)، فى أحد تقاريرها عن التأثيرات الزراعية المرتبطة بتغير المناخ، إلى أن المرأة ستكون أكثر تأثيرًا بتلك التغيرات المترتبة على تغير المناخ، مثل التهجير المرتبط بتغير المناخ حيث تبين من تقديرات الأمم المتحدة عام 2018، أن 80% من النازحين بسبب التغير المناخي كن من النساء فى ظل غياب نظم الحماية الاجتماعية وفى الحالات التي يقترن فيها انعدام الأمن الغذائي وبإفلات مرتكبي العنف من العقاب وضعف مؤسسات إنفاذ القانون. فضلاً عما إذا حدثت صراعات أو حروب أو تأثيرات قوية فى البلدان ستزداد نسبة العنف القائم على النوع الاجتماعي والاستغلال البدني والنفسي للمرأة.
يركز هذا المقال على ثلاثة محاور رئيسية؛ يستعرض الأول الاختلافات الجندرية البعد الغائب للاستجابة لتحديات حماية البيئة، ويرصد الثاني نظم الحماية البيئية وتحديات تمكين المرأة فى مصر؛ ويركز الثالث الأخير علي الاقتصاد الأخضر والتحديات البيئية.

أولاً- الاختلافات الجندرية البعد الغائب للاستجابة لتحديات حماية البيئة:
ترتبط المساواة بين الجنسين والتنمية المستدامة ارتباطا وثيقاً، ليس فقط لأسباب أخلاقية ومعنوية، إنما أيضاً لأن تحقيق المساواة -كحق من حقوق الإنسان- يعتبر شرطاً أساسياً نحو عالم عادل ومستقبل مستدام، كما تُعتبر التنمية المستدامة محوراً مركزياً لتحقيق الأهداف التنموية التي لا يمكن تحقيقها بدون تحقيق المساواة. عالمياً، هنالك تصور عام بأن المرأة أقرب إلى الطبيعة من الرجل، وذلك لطبيعة دورها الاجتماعي الأسري والذي يسمح لها بالتفاعل المباشر وبشكل مكثف مع المحيط الطبيعي أكثر من قرينها الرجل، مما أدى إلى تعميق فهمها وخبرتها ومعرفتها حول البيئة الطبيعية، ولقد أظهرت العديد من الدراسات حول المرأة والبيئة، أن المرأة تلعب دوراً رئيسياً فى معالجة بعض المشكلات البيئية الرئيسية، وفى إدارة الموارد الطبيعية والحفاظ على البيئة والحد من استنزافها.
كما أن هناك ارتباطا قويا بين الاختلافات الجندرية وتغير المناخ؛ فغياب المساواة بين الجنسين يزيد من مخاطر تغير المناخ على النساء، فى الوقت نفسه، فإن تغير المناخ يمثل عامل ضغط إضافى من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم أوضاع عدم المساواة القائمة بين الجنسين، وهناك عدد من العوامل الأساسية التي تجعل آثار تغير المناخ أكثر وضوحًا على النساء، كما تتأثر النساء بشكل أكبر بفقر الطاقة؛ نتيجة التأثير التراكمي لارتفاع مخاطر الصحة والسلامة الناشئة عن الإضاءة غير الفعالة، وتلوث الهواء المنزلي، ووقود الطهي الملوث. وانطلاقا مما سبق، يمكن توضيح أهم الأدوار التي تتأثر بها المرأة من خلال التغيرات البيئية والمناخية كالاتي:

إدارة موارد المياه الزراعية:
يتعذر على السياسات وعمليات إدارة شئون المياه الأخذ فى الاعتبار احتياجات النساء والرجال المتعددة من المياه والقيود المفروضة على أساس نوع الجنس. فعلى سبيل المثال، تشير بيانات وضعت مؤخرا إلى أن آليات تخصيص المياه تُعطي الأولوية للإنتاج الزراعي والصناعي وإنتاج الطاقة على حساب الاحتياجات الأسرية. وقد أظهرت التقديرات الحالية أن 70٪ من المياه فى العالم يستخدم فى الزراعة و20% فى الصناعة، ولا يستخدم للأغراض الشخصية إلا 20٪ فقط، على الرغم من الترابط بين هذه الأبعاد، حيث يؤثر الاستخدام الزراعي والصناعي للمياه أيضا فى الاستخدام الشخصي والمنزلي. وتنحو سياسات الاقتصاد الكلي وسياسات المياه أيضا إلى عد الأسر المعيشية مجرد وحدات استهلاكية، فى حين تشمل استراتيجيات المرأة للتكيف من أجل انتشال نفسها من وحدة الفقر أعمال التنظيف والحفظ والتخزين وإعداد الطعام، وجميعها مهام تتطلب استخدام المياه الصالحة للاستخدام الآدمي(1).
ويعتقد أن الاختلافات الجندرية فى إدارة موارد المياه الزراعية تنشأ عن تقسيم العمل بين الجنسين والأعراف المتعلقة بالجنسين فى المجتمع، التي تُسند مسئوليات كثيرة تتعلق بالمياه إلى المرأة بينما تخول معظم السلطات والحقوق المتعلقة بالمياه للرجال. والواقع، أن الدراسات الواردة من 45 بلدا ناميا تظهر أن النساء والأطفال يضطلعون بالمسئولية الرئيسية لجمع المياه فى 76% من الأسر المعيشية، وفى 12% من الأسر المعيشية يضطلع الأطفال بالمسؤولية الرئيسية عن جمع المياه، بينما يحتمل أن تبلغ نسبة الاناث دون سن الخامسة عشرة اللاتي يضطلعن بهذه المسئولية ضعف نسبة الذكور فى السن نفسها(2).
إن تمكين المرأة بصفتها مستخدمة مستقلة للمياه، وتمكينها من الحصول على حقوق استخدام المياه بغض النظر عن ملكية الأرض فى إدارة الموارد المائية الزراعية بوصفها طريقا لتحقيق المساواة بين الجنسين تتطلب الاعتراف بدور المرأة كمزارعة وقائمة بالري، وتصحيح وصولها غير المتناسب إلى الموارد الإنتاجية، والخدمات، ومجالات صنع القرار. وغالبا لا تأخذ سياسات وعمليات إدارة شئون المياه فى الاعتبار احتياجات النساء والرجال المتعددة من المياه والقيود المفروضة على أساس الاختلافات الجندرية. حيث تشير بيانات وضعت أخيرا إلى أن آليات تخصيص المياه تُعطي الأولوية للإنتاج الزراعي والصناعي وإنتاج الطاقة على حساب الاحتياجات الأسرية. وقد أظهرت التقديرات الحالية أن 70% من المياه فى العالم يستخدم فى الزراعة و20% فى الصناعة، ولا يستخدم للأغراض الشخصية إلا 20% فقط؛ على الرغم من الترابط بين هذه الأبعاد، حيث يؤثر الاستخدام الزراعي والصناعي للمياه أيضا على الاستخدام الشخصي والمنزلي. وتنحو سياسات الاقتصاد الكلي وسياسات المياه أيضا إلى اعتبار الأسر المعيشية مجرد وحدات استهلاكية، فى حين تشمل استراتيجيات المرأة للتكيف من أجل انتشال نفسها من حدة الفقر فى أعمال التنظيف والحفظ والتخزين وإعداد الطعام، وجميعها مهام تتطلب استخدام المياه.

الفقر والأمن الغذائي:
يعتبر القطاع الزراعي من أهم القطاعات الحيوية ومن ركائز التنمية الاقتصادية التي يجب أن تولي الحكومات الأهمية الكبيرة له ومرتبط ارتباطاً وثيقاً بالبيئة والمحافظة عليها ، (فهو المصدر الرئيسي للغذاء والأمن الغذائي)، والذي يعكس الأمن الاجتماعي والأمن الاقتصادي  وهو مصدر دخل لنسبة كبيرة من الأيدي العاملة  وله تداخلات مع معظم القطاعات الحيوية الأخرى، مثل القطاع الصناعي، والسياحي، والتجاري وغيرها من القطاعات . ويمثل القطاع الزراعي أهمية اقتصادية عالية فهو يساهم فى حل مشكلة الفقر والبطالة ومجال كبير لعمل المرأة لتأمين الغذاء اللازم والوصول إلى الاكتفاء الذاتي، وتمثل الزراعة  المُحرِّك الرئيسي للنمو فى المجتمعات الريفية فى جميع أرجاء العالم، وأن المرأة هي العمود الفقري للأسر خاصة الريفية منها. حيث تبدأ الأزمات الإنسانية بانعدام الأمن الغذائي ونقص التغذية، وقد تبين من البيانات الخاصة ببرنامج الأغذية العالمي أن أكثر من 80% ممن يعانون من انعدام الأمن الغذائي فى العالم يعيشون فى بلدان معرضة للصدمات الطبيعية وتتسم بتدهور الأراضي والنظم الإيكولوجية بها، ومع تبعاتها المختلفة على النساء والرجال والفتيات والفتيان، فإنها تؤدي إلى تفاقم عدم المساواة بين الجنسين وتهدد بنقض مكاسب التنمية. وعلى الرغم من أن النساء يشاركن فى عمل مدفوع الأجر -إلى حدّ أنهن يشكّلن، فى المتوسط، أكثر من 40٪ من القوى العاملة الزراعية فى البلدان النامية، ونحو  20٪ فى أمريكا اللاتينية  ونحو 50٪ أو أكثر فى أجزاء من إفريقيا وآسيا فإنهن يتقاضين أجورًا أقل مقابل عملهن مقارنةً بالرجال(3).
كما يؤدي تدهور الأراضي والموارد الطبيعية الأخرى الناتجة عن التغيرات المناخية إلى تقليص الإنتاج الزراعي فى جميع أنحاء العالم، وهو ما يضر بأشد الناس فقرًا. كثيراً ما تكون المرأة عُرضة لانعدام الأمن الغذائي، بسبب احتياجاتها الغذائية فى أثناء الحمل والإرضاع والولادة. إن ضعف التغذية هو أحد عوامل انتشار فقر الدم بين النساء، الذي ارتفع معدل الإصابة به بين النساء فى سن الإنجاب عالميًا من 30.3% فى عام 2012 إلى 32.8% فى عام 2016(4)، وتشكل المرأة أربعة أخماس القوى العاملة فى المزارع الصغيرة.  وتعتبر النساء فى الدول الإفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى هي المسئولة عن 60٪ من تسويق الأغذية، وعن نحو 50٪من تخزين المواد الغذائية وتربية الماشية. ويعاني ما يقرب من نصف النساء الحوامل فى البلدان النامية من فقر الدم. وهو ما يفسر وقوع 110 آلاف حالة وفاة أثناء الولادة سنوياً. وتساعد هذه الأرقام على تفسير ضرورة تعزيز المساواة بين الجنسين، والتي تنطوي على تقديم المساعدات الغذائية بطرق توفر عوائد متساوية للنساء والرجال مع احترام  اختلافاتهم(5). ولاتزال أشكال اللا مساواة قائمة على المستويات كافة، مع ما يترتب على ذلك من تأثيرات سلبية على الحد من الفقر والأمن الغذائي، وخاصة بالنسبة إلى أكثر الناس ضعفًا وتهميشًا على مستوى العالم وصغار المنتجين والنساء والشباب، والشعوب الأصلية والعاملين ذوي الوضع الهش فى النظم الغذائية. فقد كان التقدم بطيئا بما يتصل بتمكين المرأة، مما يؤثر سلبا على الأمن الغذائي على نحو بالغ الأهمية، نظراً للمهام المتعددة التي تؤديها المرأة فى النظم الغذائية(6).

الطاقة الجديدة والمتجددة:
يعد قطاع الطاقة المتجددة مسئول عن توفير شروط الانتقال السلس للعالم نحو الطاقة النظيفة. وتصوّر مستقبله وتصميمه لا يمكن أن يتحقق بجنس دون آخر، ونحتاج إلى التجارب والأفكار من الجميع فى كل أنحاء العالم، خاصة أن عدد سكان الأرض سيصل بحلول عام 2050 إلى 9 مليارات شخص، ومن المحتمل أن يكون مليار منهم غير قادرين على تحمل نفقات الحصول على الطاقة(7).
وتشير البيانات إلى أن النساء والأطفال هم أكثر الفئات تأثراً بتداعيات التغير المناخي والعواقب المقترنة بنتائجه على المدى البعيد. وبحسب المؤشرات التي ترصد تأثيرات تغير المناخ على عالمنا، فإن ما يقارب ثمانين بالمائة من النازحين واللاجئين بسبب التغير المناخي هم من النساء، وهن أيضاً الأكثر عرضة للخطر فى الكوارث الطبيعية. رغم ذلك، لا تزال نسبة تمثيلهن ضئيلة، باستثناء بعض الدول، فى مراكز صناعة القرار والعمل البيئي من أجل إحداث فارق إيجابي وتعزيز مستقبل الطاقة النظيفة، حيث لا تزال نسبة حضور المرأة محدودة فى المناصب الإدارية العليا والوظائف التقنية فى قطاع الطاقة، باستثناءات ضئيلة على الرغم من الصعود المستمر لمفهوم التوازن بين الجنسين فى مختلف قطاعات العمل، والإنجازات الإيجابية التي حققها المجتمع الدولي فى هذا المجال لتحقيق الهدف الخامس من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة الداعي لتحقيق التوازن بين الجنسين وتمكين المرأة. وتشكل النساء 52٪ من سكان العالم. رغم ذلك، فإن 7 من كل 10 باحثين علميين هم من الرجال. و32% فقط من الوظائف فى قطاع الطاقة المتجددة عالمياً تشغلها نساء. هذا التمثيل غير المتوازن موجود فى قطاعات حيوية عدة، بما فى ذلك 3٪ فقط من النساء فى تخصصات تكنولوجيا المعلومات، و5٪ فقط فى الرياضيات. فى حين تقارب نسبة النساء العاملات فى مهن مرتبطة بالعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات 25%، بحسب تقارير المنتدى الاقتصادي العالمي. ومن الممكن تحويل كل هذه التحديات إلي فرص بشكل يحقق للمرأة توازنها وتمكينها فهناك الكثير من الإشارات التحذيرية لغياب مثل هذا التمثيل المتوازن للمرأة، خاصة أن النساء المتأثرات بالتغير المناخي سيكنّ الأكثر معاناة من عدم توافر الطاقة(8).

ثانياً- نظم الحماية البيئية وتحديات تمكين المرأة فى مصر:
تمثل المرأة خط الدفاع الأول فى محاربة آثار التحديات البيئية والتغيرات المناخية، فهى تبحث بطبيعتها دائما عن حلول للمشكلات الناتجة عن آثار تغير المناخ، مثل طرق الوصول للمياه النظيفة والتعليم الأفضل، والصحة، وطرق التعامل مع المخلفات والاستفادة منها، وايجاد البيئة المناسبة للأسرة، بالإضافة إلى دورها فى توفير شبكات تواصل مجتمعية واسعة تدعم أجندة العمل المناخي الوطنية، والقدرة على نشر الأفكار ورفع الوعي، إلى جانب تمتعها بالاستعداد الفطري لمواجهة المشكلات والتغلب عليها، وعلى الرغم من التحديات العديدة إلا أن الفرص موجودة أيضاً، وهناك العديد من الأمثلة على مسارات بديلة، التي تتحرك نحو تعزيز إجراءات إشراك المرأة الكاملة والفعالة فى تحقيق الاستدامة البيئية وبالتزامن مع المساواة، وتلائم دورها فى حماية البيئة وإدارة مواردها ورسم السياسات لدعم ذلك، ومن هذا المنطلق بدأت الحكومات فى دعم دور المرأة وإشراكها فى شتى المجالات. واهتمت الدول بتعزيز وتفعيل دور المرأة فى جميع مناحي الحياة وأطلقت الكثير من المبادرات الناجحة فى هذا الإطار، ومن هنا يمكن استعراض بعض التحديات البيئية الرئيسية فى مصر طبقا لتقرير التنمية المستدامة الصادر عن وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية عام 2021 كالآتي:

تلوث الهواء والصحة العامة:
تتمثل المخاطر الرئيسية فى التعرض للهواء المحيط الملوث بالجسيمات الدقيقة (PM2.5)، وفقاً لتقييم أجرته منظمة الصحة العالمية ومشروع العبء العالمي للمرض، فى أمراض القلب والأوعية الدموية والوفيات الناتجة عن أمراض الجهاز التنفسي وسرطان الرئة، حيث يقدر متوسط الوفيات المبكرة السنوية جراء التعرض للهواء الملوث بالجسيمات الدقيقة فى القاهرة الكبرى نحو 59%، بالإضافة إلي أن الهواء الملوث المحيط بهذه الجسيمات قد تسبب فى نحو 250 مليون يوم قضاها كثيرون فى المرض خلال عام 2017، بينما يمثل داء السكري من النوع الثاني أكبر نسبة من هذه الأيام نحو 60% من عدد أيام المرض حيث يرجع هذا العدد الهائل من الأيام التي يقضيها الناس مرضي سنوياً إلي الطبيعة المزمنة لمعظم التأثيرات الصحية، كما تقدر التكلفة السنوية للتأثيرات الصحية لتلوث الهواء المحيط بالجسيمات العالقة فى القاهرة الكبرى بنحو 45 إلي 48 مليار جنية فى الفترة 2016 -2017، ومقارنة بدراسة أجراها البنك الدولي عام 1999 اتضح أن وضع جودة الهواء فى القاهرة الكبرى قد تحسن مما أدي إلي انخفاض عدد الوفيات وانخفاض تكاليف تدهور جودة الهواء.

تلوث المياه والصحة العامة:
حققت الدولة إنجازات كبيرة فى مراقبة ورصد تلوث مياه النيل، إذ أُنشئت 21 محطة رصد لمراقبة جودة مياه النيل وجودة مياه الصرف الصناعي التي تصرف فيه مباشرة، ومن المتوقع أن يصل عدد محطات الرصد إلي 95 محطة فى عام 2030، وتشير التقديرات إلي أن 98% من السكان يمكنهم الوصول إلي مصدر محسن لمياه الشرب، ولكن يختلف الأمر بين المناطق الريفية والحضرية، إذ تتوافر خدمات الصرف الصحي لنسبة 92.2% من الحضر مقابل 47% من الريف، ومن المخطط أن يغطي تطوير خدمات الصرف الصحي 100% من سكان الريف بحلول عام 2030 بتكلفة، اجمالية تبلغ 200 مليار جنيه مصري.
كما يشير تقرير التنمية المستدامة إلي أن 89.7% من السكان لديهم مرافق غسل اليدين بالماء والصابون، بالإضافة إلي أن نحو 90% من السكان لديهم دورات مياه مستقلة طبقاً لبيانات عام 2015.

الطاقة وسياسات مصر المناخية:
يعد قطاع الطاقة أكبر منتج للغازات الدفيئة فى مصر بسبب الاعتماد الكبير على النفط والغاز، ويتحمل قطاع الطاقة مسئولية توفير احتياجات الطاقة لتغذية الاقتصاد المصري، بالإضافة إلي زيادة مساهمة القطاع فى الناتج المحلي الإجمالي، لا سيما من خلال الاستثمار الأجنبي المباشر، ويعتمد قطاع الطاقة بشكل أساسي على الوقود الأحفوري (النفط والغاز الطبيعي)، حيث يمثل قيمة 98% من إجمالي استهلاك الطاقة الأولية، وتحاول مصر خلق بيئة مواتية لتعزيز الطاقة المتجددة وهي خيار أخر من خيارات الطاقة المستدامة الصديقة للبيئة التي تتبناها مصر حيث تهدف استراتيجية الطاقة فى مصر حتى عام 2035 إلي تحقيق هدف وطني يتمثل فى إنتاج 42% من القدرة الكهربائية المركبة باستخدام مصادر الطاقة المتجددة، وتشير بيانات استطلاع رأي «معهد نزاهة السياسة» إلى أن خبراء الاقتصاد يتوقعون توسعاً سريعاً فى استخدام تقنيات الطاقة النظيفة ويقدرون أن أكثر من 50% من إجمالي الطاقة العالمي سيتم إنتاجه من مصادر نظيفة بحلول عام 2050. كما يعتقد 89% من الاقتصاديين أن التغير المناخي سيؤدي إلي تفاقم عدم المساواة فى الدخل بين الدول ذات الدخل المرتفع والدول منخفضة الدخل، ما يؤدي إلي خلق تحديات كبيرة للدول التي تواجه أزمات اقتصادية ومعدلات مرتفعة من الفقر(9).

ثالثاً- الاقتصاد الأخضر والتحديات البيئية:
تكتسب المساواة بين الجنسين والاستدامة البيئية زخمًا سياسيًا بحسبانهما من التحديات العالمية التي تتطلب إجراءات عاجلة على الصعيدين الوطني والدولي. يظهر كلاهما بشكل بارز، وإن كان مع روابط متبادلة محدودة، فى جدول أعمال الأمم المتحدة لعام 2030، كما أن اعتبارات المساواة بين الجنسين تشق طريقها ببطء نحو الالتزامات البيئية والمناخية الدولية. ويمكن أن يساعد اتباع نهج متكامل للمساواة بين الجنسين والاستدامة البيئية؛ أي الاعتراف بالعلاقة بين الاختلافات الجندرية والبيئة -فى التخفيف من القيود المفروضة على المساواة بين الجنسين والتمكين الاقتصادي للمرأة وتعزيز أدوارها فى الاستدامة البيئية والنمو الأخضر. وبالمثل، فإن تعزيز المساواة بين الجنسين، والتمكين الاقتصادي للمرأة وصنع القرار، يمكن أن يؤدي إلى نتائج وسياسات بيئية ومناخية أفضل، وقد فرضت التحديات البيئية مجموعة من الأدوات الاقتصادية الجديدة لتحقيق الاستدامة فى مواجهة موجة التقلبات الحرارية فى الأعوام الأخيرة. واحد من تلك الاتجاهات هو التحول نحو الاقتصاد الأخضر. وسط مصاعب فى التنفيذ بسبب الفقر من جهة وعدم القدرة على الإنفاق على أدوات التحول المرغوبة من ناحية أخرى، حيث تواجه مصر تحديًا كبيرًا فى مجابهة أزمة التحديات البيئية والتغيرات المناخية وتداعياتها على العديد من القطاعات الرئيسية، لذلك يعتبر الاقتصاد الأخضر اقتصادًا يوجَّه فيه النمو فى الدخل والعمالة بواسطة استثمارات فى القطاعين العام والخاص. من شأنها أن تؤدي لتعزيز كفاءة استخدام الموارد، وتخفيض انبعاثات الكربون والنفايات والتلوّث ومنع خسارة التنوّع الأحيائي وتدهور النظام الإيكولوجي. وهذه الاستثمارات موجّهة أيضاً  بدوافع تنامي الطلب فى الأسواق على السلع والخدمات الخضراء، والابتكارات التكنولوجية. بواسطة تصحيح السياسات العامة الضريبية، فيما يضمن أن تكون الأسعار انعكاساً ملائماً للتكاليف البيئية، كما يمثل الاقتصاد الأخضر، طوق النجاة للدول لمواجهة التحديات الكبيرة التي تواجه البيئة. ومن هذا المنطلق تولي مصر الاقتصاد الأخضر أهمية كبرى، من خلال تنفيذ مئات المشروعات فى هذا المجال. وكشفت وزارة التخطيط أن مصر تعمل على تعزيز ركائز عمل الاقتصاد الأخضر ضمن خطتها الهادفة للتنمية المستدامة فى 2030. لذلك قامت بتنفيذ عدد من المشروعات العملاقة فى هذا المجال شملت قطاعات الطاقة، والكهرباء، والنقل، والصرف الصحي. وأكدت وزارة التخطيط أن ما جرى إنجازه حتى الآن فى مشروعات الاقتصاد الأخضر يقدر بنحو 30%. وتستهدف وصوله لنحو 50% خلال الثلاث سنوات المقبلة، وقد جرى إدراج نحو 691 مشروعًا تقدر تكلفتها بنحو 447.3 مليار جنيه فى خطة العام المالي الحالي 2020/2021. ووفق وزيرة التخطيط هالة السعيد فإنّ 15% منها مشروعات خضراء، وتستهدف الحكومة الوصول بتلك النسبة لنحو 50% فى عام 2024-2025، كما أصدرت مصر فى سبتمبر 2020 أول سندات خضراء بقيمة 750 مليون دولار لتمويل مشروعاته، ليكون لها السبق فى الأمر.
وقد بدأت الحكومة المصرية أن قضايا وإشكاليات التغيرات المناخية التي تؤثر فى المرأة من أهم أولوياتها، كما أولي المركز الدولي للزراعة الملحية (أكبا) اهتمامه بوضع المرأة الريفية فى صميم جهوده البحثية من أجل التنمية فى مناطق مختلفة. وعلى مدى العقدين الماضيين، قدّم المركز الدعم للمرأة الريفية عبر مجموعة متنوعة من المشروعات ومبادرات تنمية القدرات، مع تزويدهن بالأدوات والمهارات اللازمة لزراعة محاصيل قادرة على التكيف وتحسين سبل معيشتهن، وعلي غرار مشروع الكينوا الكبير الأخير فى المغرب؛  وقد ساعد مشروع مماثل فى مصر فى الأعوام 2015-2018 المجتمعات الريفية، لا سيما النساء، فى زراعة محاصيل مقاومة للملوحة، مثل الكينوا والساليكورنيا. كما شجع المشروع النساء على استخدام الكينوا فى الأطباق التقليدية. إضافة إلى ذلك، تم تدريب مئات النساء الريفيات على إنتاج ومعالجة الأغذية والأعلاف من هذه المحاصيل المقاومة للملوحة.
وأخيراً قامت مصر بالتحضير لرئاسة مؤتمر المناخ COP 27، والذي يقام فى نهاية هذا العام بغرض تكثيف الجهود فى ظل الحاجة العاجلة لاتخاذ إجراءات تنفيذية لمواجهة تغير المناخ عالميا ووطنيا(10).

الهوامش:

  • 1- نداي آيساتو نجيي، المرأة وإدارة مــــوارد المـياه الزراعية طريق إلى تحقيق المساواة بين الجنسين، وقائع الأمم المتحدة، الأمم المتحدة.
  • 2- مرجع سابق.
  • 3- https://www.ecomena.org/women-food-security-ar/
  • 4- المركز الدولي للزراعة الملحية (إكبا)، الـمـرأة الـريـفـيـة: قـوة دافـعـة لـتـحـقـيـق الأمـن الـغـذائـي والـرخـاء، الإمارات العربية المتحدة، دبي، 2021.
  • 5- برنامج الأغذية العالمي، المساواة بين الجنسين، سياسة المساواة بين الجنسين 2015-2020.
  • 6-الأمن الغذائي والتغذية بناء سردية عالمية نحو عام 2030، اللجنة التوجيهية لفريق الخبراء الرفيع المستوى المعني بالأمن الغذائي والتغذية.
  • 7-نوال الحوسني، المرأة فى قيادة الطاقة المتجددة.. تحويل التحديات إلى فرص، جريدة الاتحاد، الامارات العربية المتحدة، 2021.
  • 8-مرجع سابق.
  •  9-اتجاهات عالمية، الاقتصاد الأخضر، تقرير صادر عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، مجلس الوزراء، العدد الرابع  2021, ص: 48.
  • 10-المركز الدولي للزراعة الملحية (إكبا)، الـمـرأة الـريـفـيـة: قـوة دافـعـة لـتـحـقـيـق الأمـن الـغـذائـي والـرخـاء، الامارات العربية المتحدة، دبي، 2021.

المراجع:

  -اتجاهات عالمية، الاقتصاد الأخضر، تقرير مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، مجلس الوزراء، العدد الرابع  2021، ص48.
- الأمن الغذائي والتغذية بناء سردية عالمية نحو عام 2030، اللجنة التوجيهية لفريق الخبراء الرفيع المستوى المعني بالأمن الغذائي والتغذية.
  -المركز الدولي للزراعة الملحية (إكبا)، الـمـرأة الـريـفـيـة: قـوة دافـعـة لـتـحـقـيـق الأمـن الـغـذائـي والـرخـاء، الامارات العربية المتحدة، دبي، 2021.
  -برنامج الأغذية العالمي، المساواة بين الجنسين، سياسة المساواة بين الجنسين 2015-2020.
  -تقرير التنمية البشرية فى مصر 2021، التنمية حق للجميع مصر المسيرة والمسار، وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية، القاهرة، 2021.
  -صدفة محمد، الحماية الاجتماعية فى مواجهة تغير المناخ، الجامعة الأمريكية بالقاهرة، 2021.
  -علياء عامر، التغيرات المناخية وتحديات تمكين المرأة، «الواقع والمأمول»، مؤسسة الأهرام، مجلة الديمقراطية، العدد 86، إبريل، 2022.
  -نداي آيساتو نجيي، المـــرأة وإدارة مــــوارد المـياه الزراعية طريق إلى تحقيق المساواة بين الجنسين، الأمم المتحدة.
  -نورة عبود، المرأة والبيئة فى المنطقة العربية...طاقة عظيمة يجب الالتفات لها، مجلة آفاق البيئة والتنمية، العدد 99، المملكة الأردنية الهاشمية، 2017 .
  -نوال الحوسني، المرأة فى قيادة الطاقة المتجددة... تحويل التحديات إلى فرص، جريدة الاتحاد، الإمارات العربية المتحدة، 2021.
  -Wedeman, N., & Petruney, T. (2019). Invest in girls and women to tackle climate change and conserve the environment. Women Deliver Organization.
  -https://www.ecomena.org/women-food-security-ar


رابط دائم: