هوامش على نتائج اجتماعات القمة العربية بالجزائر
7-11-2022

د. جوزيف رامز أمين
* خبير فى الشئون الإفريقية

 أولا - هل نجحت القمة فى تحقيق الأهداف المطلوبة منها؟
وفقا لما أكده وزير الشئون الخارجية والجالية الوطنية الجزائرى بالخارج, "رمطان العمامرة,", فإن الجزائر, بقيادة الرئيس عبد المجيد تبون, قد نجحت فى تحقيق الأهداف المسطرة خلال القمة العربية التى كانت "للم الشمل العربى". وقال السيد العمامرة، خلال ندوة صحفية نظمها فى ختام القمة العربية الـ31، التى احتضنتها الجزائر يومى الثلاثاء والأربعاء الماضيين: إن هذا الموعد كان "ناجحا جزائريا وعربيا ودوليا", مشددا على أن الجزائر كانت حريصة على جمع كل شروط النجاح من الجوانب اللوجستية أو السياسية, إلى جانب "انخراط رئيس الجمهورية من خلال لقاءاته مع بعض إخوانه العرب, وتسليم رسائل للبعض الآخر".                          
ولفت بهذا الصدد إلى أن القادة العرب "حرصوا على أن تكون القمة التى عقدت بعد 3 سنوات ونصف السنة من الانقطاع بسبب جائحة كورونا أساسا, ناجحة من جميع الجوانب", وأشاد المتحدث بتميز الحضور والاستعدادات, وحرص جميع المشاركين على تقديم أفضل ما يمكن تقديمه وبالطبع البلد المنظم والجامعة العربية، والتى برهنت فى هذا السياق "على قدرة تفاعلها مع الأحداث والتأقلم مع مستجدات العمل العربى المشترك وأداء دورها كاملا فى تأطير هذا العمل والتسريع من وتيرة التجديد.                                                 
وفى تعليقه على "إعلان الجزائر" المتوج للقمة, أكد الوزير أن الجزائر "حرصت على بناء توافقات بين كل الأطراف وعلى كل المستويات ولم تتسرع فى اتخاذ أى قرار, كما عملت على بناء جسور بين المواقف من أجل الوصول إلى توافق تام حول كل النصوص المعروضة للنقاش التى لم يكن حولها اعتراضات".
 وحتى لا تبقى مخرجات القمة حبرا على ورق, أكد "ضرورة توفر الإرادة السياسية بوصفها العنصر المهم فى تنفيذ هذه النصوص", والتى قال إنها "تبلورت خلال هذه القمة بعد أن أدرك العرب جيدا ضرورة العمل العربى المشترك لخلق الظروف المناسبة للتموقع فى الساحة الدولية".
وبخصوص سوريا, أكد السيد العمامرة أن شغلها لمقعدها فى الجامعة العربية من جديد "أمر طبيعى وسيتحقق", معربا عن يقينه بأن سوريا لديها من التاريخ والقدرات ما يمكنها من تقديم قيمة مضافة إلى العمل العربى المشترك, "بما يعزز الحلول السلمية للنزاعات فى عالمنا العربى ويحقق سلاما عادلا فى الشرق الأوسط يفضى إلى استرجاع سوريا للجولان المحتلة". يذكر أن الجزائر سعت فى الكواليس بتشجيع من روسيا لإعادة دمشق إلى الجامعة العربية، التى علقت عضويتها فيها نهاية عام 2011 فى بداية الحراك ضد نظام بشار الأسد، لكنها تخلت عن هذا المسعى رسميا بناء على طلب النظام السورى نفسه.
ويبدو أن الجزائر أدركت أن "دعوة سوريا إلى قمة الجزائر فى الوضع الراهن تنطوى على مخاطرة كبيرة، من ثم قد أدركت عواقب هذا الوجود على نجاح قمتها وبالتعاون مع دمشق تخلت عن مبادرتها".                                                     
وعن مجال التنمية والشراكة العربية - العربية, أكد العمامرة أنها "مسألة أساسية", خاصة أن بعض القرارات الصادرة عن القمة دعت إلى تحقيق تكامل اقتصادى وبناء سوق عربية مشتركة وفتح الحدود للتكامل الاقتصادى والاستثمار"، وأبرز أهمية الشراكة العربية - الصينية وغيرها, حيث يتم العمل - حسبه- "على إنجاح هذه الشراكات" بالنظر إلى أهميتها.
بدوره، أكد الأمين العام لجامعة الدول العربية, أحمد أبو الغيط, نجاح القمة العربية الـ 31 التى كانت "من بين أكثر القمم حضورا من حيث المستوى. وبخصوص الظروف التنظيمية التى طبعت القمة, أكد أبو الغيط أن الجزائر "وفرت كل الظروف اللازمة لإنجاحها", فالتنظيم كان بالفعل "متقنا جدا", واقترانها بالذكرى الـ68 للفاتح نوفمبر, "أعطاها طابعا خاصا", لافتا إلى أن أهم ما ميز هذا الموعد العربى هو "التوافق الكبير" بين القادة فى الرؤى وعدم رصد أى "تحفظات تذكر".
أما بخصوص القمة العربية المقبلة, فقد أشار أبو الغيط إلى أنه اتفق على عقدها فى العاصمة السعودية الرياض "قبل 30 مارس القادم".
وعموما يبدو أن اختيار الجزائر تاريخ انعقاد القمة العربية فى دورتها الـ 31 بعد انقطاع استمر ثلاث سنوات ونصف السنة على قمة تونس 2019 بسبب الجائحة، لم يكن أمرا اعتباطيا ومن دون حسابات مسبقة لاستحضار هذا الموعد الوطنى لذكرى ثورة نوفمبر الجزائرية وما يكتسبه من أهمية لا فى ذاكرة شعب المليون ونصف المليون شهيد فحسب ولكن أيضا فى ذاكرة كل الشعوب العربية التى شاركت الجزائر مسيرتها النضالية بكل أنواع الدعم والتضامن القائم آنذاك بغرض إنهاء أكثر من مائة وثلاثين سنة من الاحتلال الفرنسى للجزائر، وهو تضامن عربى معنوى ومادى وإنسانى نفتقده فى هذا الزمن ونقول دون تردد: ما أحوجنا  إليه فى زمن تعمقت فيه الصراعات وتعددت الأزمات وتعطلت فيه المصالحات وتأجلت اللقاءات وأصبحت فيه إسرائيل أقرب للعربى من  المواطن العربى، تماما كما أن هذا الاختيار يحمل رسالة لا تخفى على مراقب بأن الجزائر تواصل دعمها لكل الشعوب العربية التى تتطلع للحرية وفى مقدمتها الشعب الفلسطينى والقضية الفلسطينية التى كانت على رأس الأولويات فى قمة الجزائر. 

                                          
ثانيا - مداولات القمة وأهم جلساتها:
افتتحت الثلاثاء 1 نوفمبر قمة جامعة الدول العربية فى العاصمة الجزائرية بكلمة للرئيس التونسى قيس سعيد رئيس الدورة الماضية، دعا فيها إلى "تجاوز الخلافات" و"لم الشمل". ثم سلم سعيد الرئاسة لنظيره الجزائرى عبد المجيد تبون الذى أشار إلى ضرورة "بناء تكتل اقتصادى عربى منيع يحفظ مصالحنا المشتركة".
وبدوره أشار تبون إلى أن "العالم العربى لم يعرف فى تاريخه المعاصر مرحلة عصيبة كما هو الآن "مشيرا إلى الخطر على "الأمن الغذائى" فى المنطقة، لذلك "يتعين علينا بناء تكتل اقتصادى عربى منيع يحفظ مصالحنا المشتركة"، وفى حين غاب قادة عدة دول عربية عن القمة، وجه الرئيس الروسى فلاديمير بوتين رسالة للمجتمعين أعرب فيها عن استعداد بلاده للتعاون مع دول الجامعة العربية "بهدف توطيد الأمن على المستويين الإقليمى والعالمى".                                                                                              
يذكر أن النزاع الإسرائيلى الفلسطينى والوضع فى سوريا وليبيا واليمن كان مدرجا على جدول أعمال القمة، من ثم تعين على القادة العرب والوفود المشاركة إيجاد مخارج دبلوماسية معقدة فى صياغة الإعلان النهائى الذى يقر بالإجماع، لتجنب الإساءة والإحراج إلى أى دولة رئيسية فى المنظمة.
وأفادت مصادر من الجامعة العربية، أن وزراء الخارجية العرب حاولوا خلال عملهم على البيان الختامى "إعلان الجزائر"، إيجاد صيغة توافقية للتنديد بـ"تدخل بعض القوى الإقليمية فى الشئون العربية، وقد طلب بعض الأعضاء ذكرها بالاسم بينما عارض آخرون ذلك.                                                                          
ثالثا - كلمة الرئيس السيسى فى القمة العربية 31 بالجزائر:
أكد الرئيس عبد الفتاح السيسى، ضرورة تعزيز وحدة الصف العربى لمنع التدخلات الخارجية، مشيرا إلى أن القمة العربية فى الجزائر تأتى فى توقيت مهم بالتزامن مع عدد من الأزمات العالمية، منبها إلى أن التحديات تشتد إقليميا وعالميا، ودعا الرئيس السيسي، فى كلمته أمام القمة العربية فى الجزائر، إلى تبنى مقاربة لتعزيز قدراتنا العربية، لافتا إلى أن مصر تطمح إلى شراكة فعلية مع دولنا العربية استنادا إلى ما يجمعنا من تاريخ مشترك والتطلع إلى مستقبل أكثر ازدهارا ضمن سياق أوسع من تعزيز العمل الجماعى العربى.               
وشدد على أن مصر لن تدخر جهدا فى سبيل دعم الجامعة العربية (بيت العرب) بما يحقق مصالح الشعوب الشقيقة، معربا عن ثقته بأن آليات العمل العربى المشترك ستشهد قوة دفع ملموسة فى ظل رئاسة الجزائر للقمة العربية الحالية، ومشددا على أن مصر ستظل داعمة للأمن القومى العربى.
وأكد الرئيس السيسى ضرورة التوصل إلى اتفاق ملزم بشأن سد النهضة، معربا عن تطلعه لأن تسفر قمة شرم الشيخ للمناخ عن حلول لقضايا المناخ.                                                                                          
وشدد الرئيس على ضرورة التوصل إلى تسوية سياسية للأزمة فى ليبيا وخروج المرتزقة والمقاتلين الأجانب من البلاد، وأعرب عن سروره لوجوده فى القمة العربية بالجزائر "بلد المليون شهيد"، موجها الشكر والتقدير للرئيس الجزائرى عبد المجيد تبون على حسن الاستقبال وكرم الضيافة.                                        
وقال الرئيس السيسى: إن الأخطار التى تداهمنا واحدة وترتبط فى مجملها بتهديد مفهوم الدولة الوطنية وتدخل قوى إقليمية أجنبية فى شئون المنطقة من خلال تغذية النزاعات وصولا إلى الاعتداء العسكرى المباشر على بعض الدول العربية، وكلها عوامل أفضت إلى طول أمد الأزمات دون حل فى زمن تشدد فيه التحديات الاقتصادية والتنموية والبيئة عالميا وإقليميا ويزيد فيه الاستقطاب الدولى الذى أصبح عنصرا ضاغطا سياسيا واقتصاديا وعلى نحو بات يؤثر علينا جميعا.                                                                
وشدد الرئيس على أنه يتعين علينا تبنى مقاربة مشتركة وشاملة تهدف إلى تعزيز قدرتنا الجماعية على مواجهة مختلف الأزمات، استنادا إلى أسس واضحة تقوم على تكريس مفهوم الوطن العربى الجامع من ناحية، والدولة الوطنية ودعم الدول ومؤسساتها الدستورية من ناحية أخرى، ما يسهم فى حفظ السلم الاجتماعى، وترسيخ ركائز الحكم الرشيد، والمواطنة وحقوق الإنسان، ونبذ الطائفية والتعصب، والقضاء على التنظيمات الإرهابية، والمليشيات المسلحة وقطع الطريق أمام أى محاولات لدعمهم، أو منحهم غطاء سياسيا أو توظيفهم من قبل بعض القوى سواء الإقليمية أو الدولية لإنشاء مناطق نفوذ لها فى العالم العربى.                              
وأكد الرئيس السيسى أن ضمان قوة الصف العربى ووحدته هى خطوة أساسية على صعيد تأسيس علاقات جوار إقليمى مستقيمة تستند إلى مبادئ غير قابلة للمساومة وملزمة للجميع وأيضا لاحترام استقلال وسيادة وعروبة دولنا وتحقيق المنفعة المتبادلة، وحسن الجوار والامتناع الكامل عن التدخل فى الشئون العربية، وأشار إلى أن مصر ستظل طامحة وراغبة فى تحقيق شراكة فعلية فيما بين دولنا على أرضية ما يجمعنا من تاريخ مشترك، والتطلع نحو مستقبل أكثر ازدهارا يتشكل من خلال اطلاع كل دولة بمسئولياتها على النطاق الوطنى فى سياق أوسع من العمل الجماعى على تعزيز قدراتنا العربية سياسيا واقتصاديا وأمنيا.                                    
وأكد الرئيس أن تكامل القدرات المتباينة ينشئ منظومة صلبة قادرة على مواجهة التحديات المشتركة، والأزمات الدولية المستجدة بما فى ذلك أزمتا الطاقة والغذاء، كما ستوفر الحماية الرئيسية لنا جميعا من الاستقطاب الدولى الآخذ فى التصاعد فى الفترة الأخيرة، منبها إلى أن هذا الاستقطاب باتت له تبعات سلبية على التناول الدولى لأزمات منطقتنا العربية، وأعاد للأذهان مظاهر حقبة تاريخية عانى فيها العالم بأسره.                
وأشار الرئيس السيسى إلى أن المضى قدما على طريق اللحاق بركب التقدم والتنمية يتطلب العمل الجاد على تسوية مختلف أزمات عالمنا العربى، وعلى رأسها دوما وأبدا، القضية الفلسطينية، لافتا إلى أن قدرتنا على العمل الجماعى لتسوية القضية واسترجاع الحقوق الفلسطينية، كانت تاريخيا وستظل المعيار الحقيقى لمدى تماسكنا، مشددا على أن المبادرة العربية للسلام ستظل تجسيدا لهذا التماسك ولرؤيتنا المشتركة إزاء الحل العادل والشامل على أساس حل الدولتين، ومبدأ الأرض مقابل السلام، وبما يكفل إنشاء دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو لعام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية تعيد للفلسطينيين وطنهم، وتسمح بعودة اللاجئين بما يتسق مع مبادئ القانون الدولى والشرعية الدولية.                                                      
وقال الرئيس: "إننا مازلنا نحتاج لمزيد من العمل العربى الجماعى حتى فى التعامل مع الأزمات الجديدة التى جاءت لاحقة على القضية الفلسطينية، فى ليبيا وسوريا واليمن والعراق والسودان، وإلا فسيظل أمن وسلم الشعوب الشقيقة فى تلك الدول مهددين بتجدد ويلات تلك الأزمات، وستظل الأخيرة ثغرات فى المنظومة العربية ومراكز لعدم الاستقرار، وهو ما يؤثر فينا جميعا ويعرقل جهودنا فى التنمية والتكامل.                              
وتابع الرئيس السيسي:"إنه من الملائم أن أشارككم هنا رغبتنا فى دعمكم لمساعينا الحالية فى ليبيا الشقيقة للتوصل فى أسرع وقت إلى تسوية سياسية بقيادة وملكية ليبية خالصة دون إملاءات خارجية، وصولا إلى إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بالتزامن، واحترام مؤسسات الدولة وصلاحياتها بمقتضى الاتفاقات المبرمة، وتنفيذ خروج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة والمقاتلين الأجانب فى مدى زمنى محدد، وإعادة توحيد مؤسسات الدولة الليبية وحل الميليشيات، بما يحول دون تجدد المواجهات العسكرية ويعيد للبلاد وحدتها وسيادتها واستقرارها".
ونبه الرئيس السيسي إلى معضلة الأمن المائى التى تؤثر فى عدد من الدول العربية، التى تأتى فى سياق وحدة الأمن القومى العربى، وتنذر بعواقب وخيمة إذا تم تجاهلها، مجددا تأكيده فى هذا السياق على أهمية الاستمرار فى حث إثيوبيا على التحلى بالإرادة السياسية وحسن النوايا اللازمين للتوصل إلى اتفاق قانونى ملزم بشأن سد النهضة الإثيوبى تنفيذا للبيان الرئاسى الصادر عن مجلس الأمن فى سبتمبر 2021، والأخذ بأى من الحلول الكثيرة التى طُرحت عبر العديد من جولات المفاوضات، والتى تؤمن مصالح الشعب الإثيوبى الاقتصادية الآن ومستقبلا، وتصون فى الوقت ذاته حياة الشعبين المصرى والسودانى.                        
وأكد الرئيس أن تحدى الأمن المائى لا ينفصل عن تحديات أخرى تواجهها المنطقة، وفى مقدمتها تغير المناخ الذى أصبح واقعا مفروضا على العالم، معربا عن تطلعه لاستقبال القادة العرب فى مصر يومى 7 و8 نوفمبر بقمة شرم الشيخ لتنفيذ تعهدات المناخ لتحويل هذا التحدى إلى فرصة حقيقية للتنمية والانتقال إلى أنماط اقتصادية أكثر استدامة لصالحنا جميعا.                                                                   
ووجه الرئيس السيسي، فى ختام كلمته، رسالة إلى الشعوب العربية قائلا:" ثقوا بأمتنا العربية، فهى صاحبة تاريخ عريق وإسهام حضارى ثرى وممتد، ومازالت تلك الأمة تمتلك المقومات اللازمة لمستقبل أكثر استقرارا وازدهارا، وعلى رأسها عزيمتكم وعقولكم وسواعدكم، وثقوا بأن مصر ستضع دوما نصب أعينها تماسك الكيان العربى، وصونه وحمايته، وستظل دائما حاضرة دعما لكم، وستبقى على أبوابها مفتوحة أمام كل أبناء العرب فى سبيل الدفاع عن حاضرهم ومستقبل الأجيال القادمة".  

                           
رابعا - مستقبل العمل العربى المشترك: 
يبدو أن المستقبل العربى ملىء بالتحديات المتعددة بشان الأمن الغذائى والمائى والاقتصادى، من ثم, فقد تظل القمة العربية بعيدة عن اهتمامات المواطن  المخنوق بقضاياه اليومية أو تطلعات الشارع العربى المحكوم بأزمات اقتصادية واجتماعية ونفسية لا تنتهى، ناهيك عن مغامرة الارتماء فى أحضان التنظيمات الإرهابية والشبكات المتطرفة أو الانسياق إلى قوارب الموت علها تجد فرصة لكرامة غائبة فى أوطانها على الضفة الأخرى للمتوسط.                                                                                       
ويبدو أنه وحتى إشعار آخر ستبقى القمة العربية موعدا سنويا عابرا للاجتماع والتقاط الصور وتشخيص الأوضاع وتأجيل بحث الحلول بكل ما يعنيه ذلك من جروح ومآس، لكنه وبلغة الأرقام فإن نحو أربعة أشهر ستفصل بين قمة الجزائر تحت شعار لم الشمل وبين القمة المرتقبة التى ستعود إلى الرياض فى موعدها التقليدى مارس 2023، وهى ربما إشارة أيضا من السعودية أن محادثات الكواليس وقنوات التواصل استطاعت امتصاص غضب الجزائر وأزالت ما رافق القمة من تأويلات بعد تراجع ولى العهد محمد بن سلمان عن حضور قمة الجزائر، وقد سبق الإعلان عن مشاركته بوفد وزارى من 16 وزيرا بما مهد ربما لاحتضان السعودية القمة المقبلة خلال أشهر وترحيل الملفات الحارقة المتوارثة بين قمة وأخرى وسيظل على رأسها القضية الفلسطينية وتفعيل ما أعلن من قرارات، فضلا عن بقية الملفات المتعلقة بالحرب الطاحنة فى اليمن والحوثيين وليبيا وحتى سوريا التى غابت مجددا عن القمة العربية بسبب استمرار رفض بعض القوى الإقليمية والدولية عودة سوريا إلى الجامعة.                                                                                 
ولأن الأمور تقاس بخواتيمها فسيتعين التطلع إلى تجسيد قرارات القمة على أرض الواقع على الأقل فى نقطتين أساسيتين تتعلق الأولى بالقضية الفلسطينية وتعزيز الجهود العربية والإفريقية لحصول دولة فلسطين على عضوية كاملة وليس عضوا مراقبا فى الأمم المتحدة وهى مسألة قابلة للتحقيق عمليا إذا سبقتها حملة دبلوماسية مكثفة لفرض هذا الأمر، كما هو الحال بالنسبة لإسرائيل، وأما النقطة الثانية، المقدور عليها برغم هشاشة المشهد العربى الراهن، فتتعلق بتأجيل الخلافات السياسية والانتباه إلى الإمكانات الطبيعية والبشرية القائمة لإقامة مشروع السوق العربية المشتركة المؤجلة منذ تأسيس الجامعة العربية والسعى لاستباق الأسوأ وتجنيب شعوب المنطقة أزمة غذائية خانقة ومجاعة باتت تهدد الملايين.                                      
خاتمة: يمكن القول إنه إذا كان افتتاح أشغال قمة الجزائر يتزامن مع إحياء ذكرى الثورة الجزائرية فإن اختتامها يتزامن مع حدث تاريخى خطير، وهو ذكرى وعد لفور الـ 105 الذى منح ما لا يملك لمن لا يستحق، وهو أيضا الموعد الذى تم اختياره لتنظيم الانتخابات الإسرائيلية وهى رسالة إسرائيلية واضحة ومباشرة للقمة العربية مع عودة فريق يمينى عنصرى فاشى بزعامة نتنياهو إلى السلطة، وهو يعلم جيدا أن إسرائيل راهنت على التطبيع، واستطاعت جر عدد من الدول العربية إلى هذا المسار دون تقديم أى تنازلات أو التزامات باتفاقات السلام، ويتبقى بالطبع إدانة واضحة وصريحة لتدخل بعض الدول الإقليمية فى المنطقة وتمسك الجزائر بأن الرفض يجب أن يكون بنفس الوضوح بشأن التدخل الإسرائيلى أيضا وتحديدا فى الفضاء المغاربى وهو ما لم يكن بإمكان المغرب قبوله، فكان الاقتصار على رفض التدخل الخارجى بكل أبعاده.
هذا وقد نص إعلان الجزائر صراحة أيضا على  دعم مصر التى تستعد لاحتضان الدورة الـ27 لمؤتمر الدول الأطراف فى الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة حول تغير المناخ، وأكد مساندة دولة قطر التى تتأهب لاحتضان نهائيات بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022 ورفض كذلك حملات التشويه والتشكيك المغرضة التى تطولها، ودعم استضافة المملكة المغربية للمنتدى العالمى التاسع لتحالف الأمم المتحدة للحضارات يومى 22 و23 نوفمبر الجارى بمدينة فاس، وأعلن دعم الإمارات  فى التحضير لاحتضان الدورة الـ28 لمؤتمر الدول الأطراف فى الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة حول تغير المناخ، وكذلك دعم ترشيح مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية لاستضافة معرض إكسبو 2030، وإن كان البيان قد غاب عنه أيضا أى دعم لتونس فى احتضانها لقمة الفرانكفونية.                                                                                                  
وتبقى الأمنيات العربية فى أن تدفع مخرجات القمة العربية الحادية والثلاثين المنعقدة فى الجزائر، العمل العربى المشترك، إلى آفاق أرحب تلبى طموحات الشعوب العربية فى التنمية والازدهار، وتدعم الأمن والسلام فى المنطقة، كذلك تتعلق الآمال فى إمكانية أن ترى اللجنتان الوزاريتان اللتان دعا إلى تشكيلهما الرئيس الفلسطينى محمود عباس للتحرك على المستوى الدولى النور، فقد دعا الرئيس الفلسطينى "القمة" لدعم فلسطينى من خلال إصدار قرار بتشكيل لجنة وزارية عربية للتحرك على المستوى الدولى، لفضح ممارسات الاحتلال، وشرح روايتنا، وتنفيذ مبادرة السلام العربية، ونيل المزيد من اعتراف الدول الأوروبية بدولة فلسطين، والحصول على العضوية الكاملة فى الأمم المتحدة، ومنع نقل سفارات الدول إلى القدس، وعقد مؤتمر دولى للسلام على قاعدة الشرعية الدولية، وتوفير الحماية الدولية لشعبنا الفلسطينى، وتطبيق قرار مجلس الأمن 2334، والقرارين 181 و194، اللذين كانا شرطين لقبول عضوية إسرائيل فى الأمم المتحدة.
 

 


رابط دائم: