طه حسين وتجديد الخطاب الديني
31-10-2022

مدحت بشاي
* كاتب صحفى

منذ خطاب "تنصيب الرئاسة الأولى" أوضح الرئيس عبد الفتاح السيسى رؤيته فى قضية إصلاح الخطاب الديني ؛ حيث أفرد فيه محورا لما سماه "تجديد الخطاب الديني "، شرح فيه وظيفة الدين فى المجال العام، وأن الدولة التي ينادى بها هى التي تعرّف "صحيح الدين"، و"تصون منظومتنا القيمية والأخلاقية"، و"تحافظ على الصورة الحقيقية للأديان، وصولا إلى مطالبته أمانة الحوار الوطني بعقد مؤتمر لإصلاح الخطاب الديني الإسلامي والمسيحي ..".

ونحن نعيش أجواء ذكرى وفاة عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، أرى أهمية الاقتراب من رؤية ذلك المفكر العظيم في كيفية تجديد وتطوير الخطاب الديني، فبالإضافة إلى كل ما طرحه عبر مؤلفات ومعتركات ومواجهات فكرية شهيرة مع علماء الأزهر الشريف، نجده يطرح رؤيته لتجديد الخطاب الديني  المسيحي.

في أزمنة الاستجابة لدعوات التنوير، استقبلت مجلة "مدارس الأحد"، وهى المجلة الأهم والأشهر الصادرة عن الكنيسة الأرثوذكسية المصرية على مدى قرن من الزمان، رسالة مهمة من عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، إمام التنويريين، يدعو فيها المؤسسة الدينية لتقويم وإصلاح بعض الأمور، فتنشرها المجلة بكل أريحية.

من بعض ما ذكر العميد في رسالته: "إن إعداد رجال الدين المسيحي لإخواننا الأقباط محتاج إلى عناية خاصة من الدولة ومن الأقباط أنفسهم، لأسباب طبيعية يسيرة أيضا، فإن الأقباط مصريون يؤدون الواجبات الوطنية كاملة كما يؤديها المسلمون، ويستمتعون بالحقوق الوطنية كاملة كما يستمتع بها المسلمون، ولهم على الدولة التي يؤدون إليها الضرائب، وعلى الوطن الذي يذودون عنه، ويشاركون في العناية بمرافقة ما للمسلمين من الحق في العناية بتعليمهم وتقويمهم وتثقيفهم على أحسن وجه وأكمله. وما نظن أن أحدا يستطيع أن ينكر ذلك أو يجادل فيه بل ما نظن أن أحدا أنكر ذلك أو جادل فيه، وقد قرر الدستور المصري الذي نؤمن به جميعا أن المصريين سواء في الحقوق والواجبات، لم يفرق في هذه المساواة بين المسلمين وغير المسلمين، [والملاحظ] أن الظروف المصرية الخاصة لا تسمح في هذه الأيام، ولا ينتظر أن تسمح في المستقبل القريب بإعفاء الدولة من التعليم الديني في بعض مراحل التعليم..".

ويشير د. طه حسين إلى أن ملاحظته لا يقتصر تطبيقها على المسلمين وحدهم، وإنما نلاحظ ذلك بالقياس إليهم وإلى غيرهم من أبناء مصر، ومادام القيام بالواجبات الوطنية، هو مدار الاستمتاع بالحقوق الوطنية وجودا وعدما كما يقول الفقهاء، ومادام الأقباط يستوون مع غيرهم في أداء الواجبات الوطنية بغير استثناء، فلابد أن يساووهم في الاستمتاع بالحقوق الوطنية بغير استثناء أيضا، والتعليم من هذه الحقوق، فلا بد إذن من أن يشترك المصريون جميعا فيما يمكن أن يشتركوا فيه من مقومات الوحدة الوطنية، ولا بد إذن من أن تنفرد طوائفهم الدينية بما لا بد من أن تنفرد به من التعليم الديني الخاص. ولست أرى بأسا بهذا النوع من الانفراد والافتراق، فهو لا يمس الوحدة الوطنية ولا يعرضها لخطر ما، ولعله يعين على تقويتها وتذكية جذوتها.

  ولعل الاختلاف بين المسلمين والأقباط في الدين أشبه بهذا الاختلاف الذي يكون بين الأنغام الموسيقية فهو لا يفسد وحدة اللحن، وإنما يقويها ويذكيها، ويمنحها بهجة وجمالا، وما أريد أن أدخل في تفصيل التعليم الديني للأقباط في بعض مراحل التعليم، وكيف يكون وعلى أي نحو ينظم، فهذا شيء تستطيع الدولة أن تنتهي به إلى غايته، مستشيرة في ذلك القادرين على أن يشيروا عليها فيه من المثقفين المدنيين والدينيين بين الأقباط أنفسهم.

وإنما أريد أن أصل إلى تقرير ما بدأت به هذا الفصل من وجوب العناية بالإعداد الصالح لرجال الدين المسيحيين، فهم سيتصلون بالصبية والشباب من الأقباط، يعلمونهم دينهم ويفقهونهم فيه، فلابد من أن تتحقق الملاءمة بينهم وبين المعلمين والمدنيين لتتحقق الملاءمة بين الثقافة الدينية التي يحملونها إلى هؤلاء الصبية والثقافة المدنية التي يحملها إليهم المعلمون المدنيون، وحتى يعصم الصبية من التناقض الشنيع الذي يكون بين ما يلقيه إليهم المعلم وما يلقيه إليهم القسيس إنْ وكِّل هذا التعليم للقسيسين الذين سيتصلون بطبقات الطائفة القبطية على اختلاف مراكزها الاجتماعية وعلى اختلاف حظوظها من الثقافة، واتصال القسيسين بالمؤمنين من الأقباط أشد من اتصال رجال الدين بطبقات المسلمين كما هو معروف.

فلابد إذن من أن يُثقَّف هؤلاء القسيسون تثقيفا ملائما للحياة الحديثة وللعصر الحديث، حتى لا يحملوا إلى الناس باسم الدين ثقافة تضطرهم إلى الحيرة والاضطراب والعجز عن احتمال أعباء الحياة المدنية.

والكنيسة القبطية مجدٌ مصرىٌّ قديمٌ ومقومٌ من مقومات الوطن المصري، فلابد من أن يكون مجدها الحديث ملائما لمجدها القديم، ولا ينبغي أن نخلى بين رجالها وبين هذه المحافظة الخاطئة التي تغض من هذا المجد وتضع من قدره، وما ينبغي أن نقارن بين رجال الكنيسة القبطية ورجال الكنائس الأخرى، فنرى هذه الفروق التي أقل ما توصف به، أنها لا تلائم الكرامة المصرية ولا ينبغي أن يرضى عنها المصريون.

ويبقى السؤال: كيف لا تضم مناهج التعليم تلك الرؤى التي ضمنها العميد العديد من مؤلفاته: (نقد وإصلاح)، ( مستقبل الثقافة في مصر) على سبيل المثال؟!


رابط دائم: