أبعاد حماية حقوق الملكية الفكرية في مصر
9-10-2022

د. نورهان موسي
* باحثة في القانون الدولي والعلاقات الدولية

يمكن تعريف حقوق الملكية الفكرية بأنها تلك الحقوق التي ترد على أشياء غير مادية ولا يمكن تقويمها بالنقود كالأفكار والمخترعات الناتجة عن الذهن البشري، ومن أمثلتها حق الكاتب أو الأديب على مؤلفاته، وحق المخترع على اختراعه، وحق صاحب المصنع على الرسوم والنماذج الصناعية التي تتميز بها منتجاته.

وعرفت الملكية الفكرية أيضا أنها عبارة عن سلطات يخولها القانون لشخص على شيء معنوي هو ثمرة فكره وإنتاجه الذهني، أو أنها كل ما ثبت للشخص من حق بقوة القانون على إنتاجه الفكري أو الذهني أيا كان نوع هذا الحق، وأيا كانت طبيعته.

وتتمثل الملكية الفكرية فيما يبتكره ذهن الإنسان وعقله، ومن الممكن القول بصورة عامة أن الملكية الفكرية تتعلق بمعلومات يمكن إدراجها في أشياء ملموسة وتوفيرها في الوقت ذاته بعدد غير محدود من النسخ في أماكن مختلفة في العالم[1].

أهمية حماية الملكية الفكرية:

تتمثل أهمية حماية الملكية الفكرية في أنها تُعد مورداً اقتصادياً مهما يعزز التنافسية الاقتصادية للدول، حيث إن التوسع في الاقتصاد الإبداعي يمكنه مساعدة الاقتصاد على الخروج من الأزمات والركود، خاصة في ظل ما تعاني منه أغلب دول العالم في الوقت الحالي.

كما تُسهم حماية الملكية الفكرية في تشجيع الإبداع والابتكار، إذ يؤدي الحفاظ على تلك الحقوق إلى تشجيع الأفراد على مزيد من الإبداع وتسجيل تلك الإبداعات وتطويرها بشكل مستمر وتراكمها فكريا ومعرفيا.

والواقع أن الموارد الفكرية لدى أي دولة أضحت مورداً مهما لا يقل عن مواردها البشرية والطبيعية، كما تعتمد الكثير من المنتجات التي يتم تصديرها على مدى الارتكاز على الأبحاث العلمية والتطويرية.

ومع التطور العلمي والتكنولوجي الذي شهده العالم في الفترة الأخيرة، فإن مجال الملكية الفكرية أصبح مجالاً للمنافسة بين الدول لا يقل عن التنافس الاقتصادي والعسكري فيما بينها، وليس أدل على ذلك من الخلاف الأمريكي- الصيني حول هذا الأمر بشكل دفع الإدارة الأمريكية السابقة "إدارة الرئيس دونالد ترامب" إلى إصدار أمر بمنع الشركات التقنية الصينية من شراء الشركات التقنية الأمريكية لسبع سنوات قادمة[2].

جهود الدولة المصرية لحماية الملكية الفكرية:

تهتم الدولة المصرية بالملكية الفكرية وتحرص على دمجها في سياستها الوطنية واستراتيجيات التنمية بما ينعكس على تحقيق أهداف التنمية المستدامة ورؤية مصر 2030، لاسيما أن المعرفة والابتكار والبحث العلمى تعد ركيزة أساسية للمجتمع والتنمية الاقتصادية. وهنا يمكن استعراض أبرز تلك الجهود، وذلك على النحو التالي:

أولاً- القانون رقم 82 لسنة 2002:

هو القانون الأساسي المنظم للملكية الفكرية في مصر، وقد أتى لاغياً لكل القوانين السابقة التي كانت تُعنى بتنظيم الملكية الفكرية، ومنها القانون رقم 57 لسنة 1939 بشأن العلامات والبيانات التجارية، والقانون رقم 132 لسنة 1949 بشأن براءات الاختراعات والرسوم والنماذج الصناعية، والقانون رقم 354 لسنة 1954 بشأن حق المؤلف وغيرها.

ويضم القانون بين طياته أربعة كتب رئيسية، هي: الكتاب الأول: براءات الاختراع ونماذج المنفعة، ومخططات التصميمات للدوائر المتكاملة، والمعلومات غير المفصح عنها، الكتاب الثاني: العلامات والبيانات التجارية والمؤشرات الجغرافية والتصميمات والنماذج الصناعية، الكتاب الثالث: حقوق المؤلف والحقوق المجاورة، الكتاب الرابع والأخير الأصناف النباتية.

ويضم القانون مواد عّدة، منها على سبيل المثال[3]: أن تمنح براءة اختراع طبقاً لأحكام هذا القانون عن كل اختراع قابل للتطبيق الصناعي، يكون جديداً، ويمثل خطوة إبداعية، سواء كان الاختراع متعلقاً بمنتجات صناعية جديدة أو بطرق صناعية مستحدثة، أو بتطبيق جديد لطرق صناعية معروفة. كما تمنح البراءة استقلالاً، عن كل تعديل أو تحسين أو إضافة ترد على اختراع سبق أن منحت عنه براءة، إذا توافرت فيه شروط الجدة والإبداع والقابلية للتطبيق الصناعي، ويكون منح البراءة لصاحب التعديل أو التحسين أو الإضافة وفقاً لأحكام هذا القانون.

كما نص على أن يُعد بمكتب براءات الاختراع سجل خاص معتمد، تقيد فيه طلبات براءات الاختراع ونماذج المنفعة وجميع البيانات المتعلقة بكل منها وباستغلالها والتصرفات التي ترد عليها وفقاً لأحكام هذا القانون على النحو المبين في لائحته التنفيذية، وأن تكون مدة حماية براءة الاختراع عشرون سنة تبدأ من تاريخ تقديم طلب البراءة.

ثانياً- القوانين ذات العلاقة بحماية الملكية الفكرية:

كما قامت الدولة في سبيل الحفاظ على الملكية الفكرية بإصدار عدد من التشريعات ذات الصلة، منها على سبيل المثال:

●   قانون رقم 175 لسنة 2018 بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات: هذا القانون واجه الاعتداء على سلامة شبكات وتقنيات المعلومات بمواجهة شاملة، منها جريمة الانتفاع بدون حق بخدمات الاتصالات، وجريمة الدخول غير المشروع على المواقع، وجريمة تجاوز حدود الحق فى الدخول على المواقع والشبكات وجريمة الاعتداء على الشبكات وسلامة البيانات ونظم المعلومات والاعتداء على البريد الإلكترونى أو المواقع والشبكات الخاصة، وجريمة الاعتداء على الملكية الفكرية[4].

●   قانون رقم180 لسنة 2018 بشأن تنظيم الصحافة الإعلام والمجلس الأعلى للإعلام: هو القانون الذي نص في المادة 70 منه على وضع وتطبيق الضوابط والمعايير اللازمة لضمان التزام الوسائل والمؤسسات الإعلامية والصحفية بأصول المهنة وأخلاقياتها، والحفاظ على حقوق الملكية الفكرية المتعلقة بمحتواها[5].

قانون رقم190 لسنة 2008 بشأن المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية: الذي ينص على بنود تنظم المنافسة وتوقع عقوبات على الممارسات الاحتكارية في مختلف المجالات، ومنها مجال الملكية الفكرية،[6]وغير ذلك من القوانين.

ثالثاً- الاتفاقيات الدولية التي وقعتها مصر بشأن الملكية الفكرية:

● اتفاقية برن لحماية المصنفات الأدبية والفنية: تم توقيعها في مدينة برن السويسرية في 9/9/1688، وعدلت صياغتها في باريس في24/7/1971. ووفقاً لإحصائيات المنظمة العالمية للملكية الفكرية (wipo) لعام 2003، فإن هذه الاتفاقية تضم في عضويتها 149 دولة منها 17 دولة عربية هي (الأردن، تونس، الجزائر، لبنان، البحرين، ليبيا، مصر، المغرب، موريتانيا، جيبوتي، سلطنة عمان، قطر، الصومال، فلسطين، السودان،الإمارات العربية المتحدة)[7].

● الاتفاقية العالمية لحقوق المؤلف: تم توقيعها في جنيف في 6/9/1952، وعدلت صياغتها في باريس في 24/7/1971. ووفقا لإحصائيات المنظمة العالمية للملكية الفكرية (wipo) لعام 2003، فإن عدد الدول المنظمة للاتفاقية بلغ 95 منها 5 دول عربية لم تكن منها مصر[8].

● اتفاقية التسجيل الدولي للمصنفات السمعية والبصرية:تم توقيعها في 18/4/1989، ويبلغ عدد أعضائها 13 دولة ولم ينضم إليها أي من الدول العربية (باستثناء مصر) التي وقعتها ولم تنضم إليها، وقد صدرت لائحتها التنفيذية في 20/2/1992[9].

● اتفاقية مدريد: تم توقيعها في23/12/1979، هي اتفاقية متعددة الأطراف موضوعها منع الازدواج الضريبي على حقوق المؤلف ، تم اعتمادها في مدريد في ديسمبر1979 ، انضمت إليها عدة دول، منها مصر والعراق، إلا أن هذه الاتفاقية لم تدخل بعد حيز النفاذ. وحتى يتحقق ذلك فإن الإشراف عليها سيكون للمنظمة العالمية للملكية الفكرية(ويبو).

● اتفاقية واشنطن لحماية الدوائر المتكاملة: تم توقيعها في واشنطن العاصمة الأمريكية في 26/5/1989، ولم تدخل حيز التنفيذ بعد، ولم تنضم إليها من الدول العربية إلا مصر في نوفمبر 1999.

● اتفاقية روما: تم توقيعها في 1961 لحماية فناني الأداء، ومنتجي التسجيلات الصوتية (الفونوجرامات)، وهيئات الإذاعة، وقد انضم إليها وفقاً لإحصائيات المنظمة العالمية للملكية الفكرية في نوفمبر 1999 63 دولة؛ أما من الدول العربية فلم ينضم إليها إلا دولة واحدة هي لبنان.

● اتفاقية جنيف: تم توقيعها في جنيف في 29/10/1970، بهدف حماية منتجي التسجيلات ضد النسخ غير المشروع، وتسجيلاتهم الصوتية، وعدد الدول المنضمة إليها 57 دولة، ومن الدول العربية لم ينضم إليها إلا مصر وفقاً لإحصاء نوفمبر1999 للمنظمة العالمية للملكية الفكرية.

● اتفاقية توزيع الإشارات حاملة البرامج عبر التوابع الصناعية: تم توقيعها في بروكسل بلجيكا عام 1974، وعدد الدول المنضمة إليها حتى نوفمبر 1999 بلغ 20 دولة، ليس من بينها إلا دولة عربية واحدة هي مصر.

● قانون تونس النموذجي: الصادر عن منظمة اليونسكو، والمنظمة العالمية للملكية الفكرية (wipo) عام 1976، وقد وضع نص هذا القانون لغرض أن تستعين به الدول النامية عند وضع تشريعاتها في هذا المجال، وهو نص استرشادي لهذه الدول، ولا يخرج هذا القانون عن اتفاقاتي برن وجنيف المعدلتين في صياغتهما لعام 1971. 

والواقع أن هناك قصوراً في التشريعات المصرية فيما يتعلق بالعلاقة بين حقوق الملكية الفكرية وحقوق المؤلف بشأن الحماية القانونية للمصنفات الأدبية والفنية. وعلي سبيل المثال، القانون المصري في المادة 184 من القانون رقم82 لسنة 2002م نجد أنه ألزم الناشر ومنتجو المصنفات والتسجيلات والبرامج بإيداع نسخة أو أكثر من المصنف بالمكاتب المخصصة لذلك بوزارة التجارة، وحدد المشرع عقوبة في حالة الإخلال بالالتزام بالإيداع؛ ألا وهي غرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد على ثلاثة آلاف جنيه، ونري في ذلك قصور بين من أن المشرع لم يلزم المؤلف بذلك حماية لحقوقه وحجبا لأي من المنازعات المستقبلة بخصوص مؤلفه. كما أن العقوبة الواردة بالمادة غير رادعة أو كافية ويسهل علي هؤلاء المنتجين دفع الغرامة وكأن هذا الإلزام لم يكن له وجود، ومن هنا تسقط هيبة القوانين التي شرعت من أجل تنظيم المجتمعات وحماية الحقوق الخاصة والعامة، وفي رأينا أيضا لإيداع المصنف وتسجيله أهمية كبيرة تحمي حقوق المؤلفين وتحفزهم علي المضي في إنتاجهم وإثراء المجتمع بأفكارهم ومخترعاتهم التي تسهم أيضا في نمو الاقتصادات للدول[10].

أبرز التحديات:

تتمثل أبرز التحديات، التي تواجه حماية حقوق الملكية الفكرية في مصر، في الآتي:

● تشتت الجهات التي تعمل على تنفيذ قوانين حماية الملكية الفكرية وعدم وجود هيئة موحدة مسئولة عن حماية حقوق الملكية الفكرية، وتداخل الاختصاصات بين وزارات الثقافة والاتصالات وحتى الخارجية.

● تعرض صناعة النشر للعديد من المخاطر التى تهدد بقاءها، مثل التزوير والقرصنة، وهى التحديات التى زادت بشدة فى فترة ما بعد جائحة كورونا، حيث أصبحت تحت تهديد القرصنة الرقمية مع تزايد الاعتماد على التكنولوجيا، وتزيد هذه التحديات فى الدول العربية والأفريقية، وتسببت القرصنة فى فترة ما بعد الجائحة فى خسائر ضخمة لصناعة المحتوى فى العديد من الدول، منها الهند التى بلغت خسائر مؤلفيها 5 أضعاف ما يصنعونه، وارتفاع الجمارك على مستلزمات الإنتاج بما يزيد الفجوة بين سعر الكتب الأصلية والكتب المقلدة[11].

● ضعف الاهتمام بتنمية القراءة، وانخفاض عدد المكتبات العامة، وعدم وجود قاعدة بيانات عن النشر العربى، وضعف الميزانيات المخصص للثقافة ودعم الحكومات لصناعة النشر.

● تراجع الوعي بقضية الملكية الفكرية في المجتمع ولدى المستخدمين أنفسهم.

استجابة الحكومة المصرية للتحديات التي تواجه حماية الملكية الفكرية:

أولت الحكومة المصرية اهتماماً بحماية حقوق الملكية الفكرية، لما لها من أهمية اقتصادية  واجتماعية وثقافية مهمة، حيث تسهم الصناعات الإبداعية بنحو 5% من الناتج القومي الإجمالي[12]، كما أنها ذات أبعاد إبداعية وابتكارية مهمة، كما تم التوضيح آنفاً، وقد استجابت الحكومة المصرية مؤخراً لمطالب إنشاء جهة موحدة لحماية الملكية الفكرية، ومن المنتظر إنشاء جهاز قومي لحماية الملكية الفكرية الشهر المقبل، وفق مع أعلنه رئيس الوزراء في المؤتمر العالمي للتعامل مع الأزمة الاقتصادية العالمية[13]، وهو ما يمثل حلاً لمشكلة تشتت الجهات العاملة في هذا المجال في مصر، بالإضافة إلى إعداد استراتيجية قومية لحماية الملكية الفكرية لأول مرة في مصر.

التوصيات:

●   ضرورة إيلاء الدولة اهتماماً بمجال حماية حقوق الملكية الفكرية باعتبارها إحدى الركائز الاقتصادية والثقافية المهمة التي تدفع عجلة التنمية بمفهومها الشامل.

● المشاركة الواسعة للخبراء والمنظمات المعنية والأطراف ذات الصلة في إعداد الاستراتيجية الوطنية للملكية الفكرية، وضمان تحقيق أهدافها ومتابعة تنفيذها من خلال مستهدفات ومؤشرات قياس أداء واضحة.

● مراجعة وتحديث الأطر القانونية المنظمة لحقوق الملكية الفكرية، وعلى رأسها القانون رقم 82 لسنة 2002، بما يتواكب مع المستجدات والتطورات والاتجاهات الحديثة في هذا المجال.

● رفع الوعي بأهمية الملكية الفكرية باعتبارها موردا اقتصاديا وثقافيا مهما للدولة.

● تفعيل وتوسع انضمام مصر للاتفاقات الدولية الخاصة بحماية حقوق الملكية الفكرية، والمنظمات الدولية ذات العلاقة، وعلى رأسها المنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO) .

● مراجعة الاتفاقيات الدولية الخاصة بحماية الملكية الدولية التي تشارك فيها مصر، بما يتماشى مع القوانين الوطنية في هذا الشأن.

● قيام النقابات المهنية والجمعيات المتخصصة ومنظمات المجتمع المدني بالضغط لمصلحة توقيع مصر على الاتفاقيات الدولية التي تعزز حماية الملكية الفكرية للصناعات الإبداعية، خاصة ما يتعلق منها بالمحتوى على الإنترنت.

● مطالبة وزارة الثقافة بمتابعة تنفيذ قرارات إعداد استراتيجية لحماية حقوق الملكية الفكرية وإنشاء جهاز قومي لها.

الهوامش:

[1]ماهية حقوق الملكية الفكرية، الأكاديمية الدولية للوساطة والتحكيم، https://bit.ly/39S1w4S

[2]https://bit.ly/3Gjs773

[3]قانون رقم 82 لسنة 2002 بإصدار قانون حقوق الملكية الفكرية، https://bit.ly/3MQpJHx

[4]https://bit.ly/3lK9lfz

[5]https://bit.ly/3GhRw0Z

[6]https://bit.ly/38TeoaJ

[7]https://bit.ly/3LJmFLP

[8]https://bit.ly/3wJY99g

[9]https://bit.ly/3wNC5cw

[10]بو علام، محاضرات في "الحماية القانونية لحقوق المؤلف"، التشريعات الفنية في الجزائر.

[11]https://bit.ly/3LZS1OF

[12]https://bit.ly/3NraLaO

[13]https://bit.ly/3GlLXPi

 


رابط دائم: