مصر تنطلق نحو التحول الرقمى الشامل
18-7-2022

جاكلين جرجس
* مدير المركز الثقافى القبطى بجمعية جامعة المحبة

مما لا شك فيه أن التحول الرقمي يعد ثمرة من ثمار الثورة الصناعية الرابعة، التي أطلقها المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، سويسرا في عام 2016، كما أحدثت الثورات الثلاث السابقة، التي بدأت في أواخر القرن الثامن عشر، تغييراتٍ كبيرةً على حياتنا، تمثَّلت فى تطوّر الحياة الزراعية البدائية التي استمرت نحو عشرة آلاف سنة، إلى جانب حياة تعتمد التكنولوجيا على المستويين الفردي والمجتمعي، وانطلاق الثورة الصناعية الرابعة الإنجازات الكبيرة التي حققتها الثورة الثالثة، خاصة شبكة الإنترنت وطاقة المعالجة (Processing) الهائلة، والقدرة على تخزين المعلومات، والإمكانات غير المحدودة للوصول إلى المعرفة. فهذه الإنجازات تفتح الأبواب أمام احتمالات غير محدودة من خلال الاختراقات الكبيرة لتكنولوجيات ناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي، والروبوتات، وإنترنت الأشياء، والمركبات ذاتية القيادة، والطباعة ثلاثية الأبعاد، وتكنولوجيا النانو، والتكنولوجيا الحيوية، وعلم المواد، والحوسبة الحكومية، وسلسلة الكتل (Blockchain)، وغيرها.

فإذا كنا نقول إن الثورة الصناعية الرابعة تمثِّل الرقمنة الإبداعية القائمة على مزيجٍ من الاختراقات التقنية المتفاعلة تكافلياً عن طريق خوارزميات مبتكرة، فإن الثورة الصناعية الخامسة ستقوم على دمج البشر والتكنولوجيا بعناية، مما يضمن أن كليهما يعمل معاً بشكل وثيق وقوى، فيزود كل منهما الآخر بفوائد لا حصر لها، خاصة ونحن الآن فى عالم باتت المتغيرات فيه أكثر سرعةً ممّا كانت عليه من قبل، وكان ذلك جليًا مع تفشى وباء كورونا، ومع ظهور العديد من عمليات الإغلاق والحجر الصحي والقيود المفروضة على خطوط النقل والإنتاج بسب الأزمة الصحية، مما أكد على الحاجة المُلحة للتحوّل إلى سياسية البقاء للأسرع لكي تتمكّن الشركات والصناعات المختلفة من البقاء صامدة في ظل هذه المتغيرات، وهو ما ارتكزت عليه خطة مصر فى التحول الرقمى لبناء استراتيجية رقمية واضحة، وإجراء تحسين على الوضع الراهن، ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا من خلال قياس الإمكانيات الرقمية الحالية لتحديد أفضل هيكل عمل لأنشطة التسويق الرقمى للوصول إلى الأهداف الاستراتيجية للتحول الرقمى.

وعليه، تم إطلاق منصة مصر الرقمية رسميا كتطبيق عمليا لفكر الجمهورية الجديدة؛ وهى منصة للتيسير على المواطنين فى إنجاز خدماتهم الحكومية "أون لاين" بسهولة ويسر، تحتوي علي 138 خدمة حكومية رقمية، مشروع مصر الرقمية يتميز عن غيره من المحاولات السابقة للدولة لميكنة الخدمات الحكومية بتوافر الإرادة السياسية من أجل تقديم الخدمات للمواطنين بسهولة ويسر، علاوة على المتابعة الدورية من رئيس الدولة شخصيًا لجميع تفاصيل المشروع، وتوجيهه الدائم بسرعة تنفيذ المشروع بأعلى معايير الجودة والكفاءة، حيث خصصت الحكومة الدعم المالى والفنى اللازمين لتمويل المشروع، فيما يرتكز على ثلاث قواعد، وهى بنية تحتية كفء، وريادة دولية، وسياج تشريعى وحوكمى.

إذن هل للتحول الرقمى فوائد تعم على المواطن والدولة؟

أثبت  التحول الرقمى أنه يوفر فى الوقت التكلفة والجهد بشكل كبير؛ فمن منا لم يعانى يوما ما من إهدار اليوم كله تقريبا أمام المصالح الحكومية لتخليص بعض الأوراق، ناهيك عن بعض الممارسات المستفزة لبعض العاملين. أما فى وجود الرقمنة، التى عملت على تحسين جودة الخدمات للمواطن وتبسيط الإجراءات للحصول على الخدمات المقدمة للمستفيدين، أصبح الأمر أسرع وأفضل ومناسبا لعصر السرعة الذى نعيشه الآن، كما يخلق فرص لتقديم خدمات مبتكرة وإبداعية بعيداً عن الطرق التقليدية في التسويق للخدمات المقدمة للجمهور، كما يساعد المؤسسات الحكومية والشركات على التوسع والانتشار في نطاق أوسع والوصول إلى شريحة أكبر من العملاء.

وتأتى أهم أهداف عملية التحول الرقمى فى تعزيز الاقتصاد الوطنى من خلال زيادة مساهمة قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وتشجيع صناعة المحتوى الرقمي، إضافة إلى تعزيز مكانة مصر على الخريطة العالمية، وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية من خلال رفع الوعى بالميزات التنافسية لمصر فى مجال الاستثمار.

لكن هل للتحول الرقمى أضرار أو مخاطر؟

بالطبع، ينتاب القلق قطاع غير قليل من المواطنين على بياناتهم خوفا من سرقتها أو التلاعب فيها أو بيعها واستغلالها، خاصة أن الحفاظ على الخصوصية فى العالم الرقمى أكثر صعوبة، ومن هنا تأتى أهمية عملية أمن البيانات .

مخاطر عدم الكشف عن الهوية:توفر التكنولوجيا الرقمية مجالًا واسعًا للمستخدمين لإخفاء هوياتهم إذا لم يعتقدوا أنه ستكون هناك أي عواقب، لذلك، علينا سن القوانين لحماية المواطن وحقوقه.

إهدار الوقت والمال:وهو الجانب السلبى للرقمنة، حيث سببت وسائل التواصل الاجتماعي وألعاب الكمبيوتر والمواقع الإلكترونية المختلفة إدمانًا حقيقًا لجيل بأكمله؛ إذ يريدك صانعو الألعاب أن تلعبها حتى تشتري الإصدار التالي. وتريدك مواقع الويب أيضًا أن تتفاعل حتى تتمكن من جلب أموال الإعلانات، وينتهي الأمر بالمستخدمين إلى إهدار كميات هائلة من الوقت ونزيف الأموال مقابل لا شيء.

العزلة الاجتماعية:فبالرغم من أن العالم أصبح قرية صغيرة إلا أن المجتمع يسير فى اتجاه العزلة وتصبح فيه العلاقات غير شخصية أكثر فأكثر، يفقد فيها الحميمية والتواصل الاجتماعى كأننا أصبحنا روبوت بلا مشاعر أو شعور، مما يعزز الشعور بالوحدة. مع الأسف، قلة الاتصال البشري أصبح نمطًا شائعًا في عصر التحول الرقمي، وقد يكون هناك مخاطر أسوأ وأصعب، بل أكثر من ذلك بكثير، لكن هذا لا يعنى التخلى عن عطاءات العلم والتكنولوجيا والرقمنة، بل علينا تعلم كيفية إدارتها لمصلحة المواطن، مع محاولة التقليل من مخاطرها، خاصة بعد إعداد المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية دراسة حول نجاح مصر فى أن تصبح نقطة انطلاق للتحول الرقمى، من خلال عدد من المحاور تشمل محور تطوير البنية التحتية للاتصالات والخدمات البريدية، وتطوير وتحديث الخدمات الرقمية، والبنية المعلوماتية للوزارات والهيئات الحكومية، وتعزير القدرات البشرية والقومية، وتفعيل المواطنة الرقمية ومحور تطوير وتنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات، وكذلك تشجيع الإبداع والتعاون الدولي؛ حيث تهدف عملية التحول الرقمى فى مصر إلى بناء مجتمع معرفى تتقلص فيه الفجوة الرقمية بحيث يستطيع جميع أعضائه النفاذ إلى مصادر المعلومات عن طريق زيادة معدلات انتشار خدمة الإنترنت فى المناطق المحرومة منها. أما فيما يخص إدارة الهوية الرقمية، فقد شهدت السنوات القليلة الماضية نموًا كبيرًا فى هذا القطاع كجزء من عملية بناء الثقة فى التعاملات عبر الإنترنت وتشجيع المواطن على استخدام الخدمات الإلكترونية، حيث تندرج إدارة الهوية الرقمية تحت منظومة الأمن السيبراني.

ويبقى على صانعى القرار في مجال تكنولوجيا المعلومات تدريب التوعية على الأمن السيبراني لتمكين الموظفين وتقليل الخطأ البشري بهدف تقوية مستويات الدفاع على مستوى المؤسسة. فهم يواجهون تحدّيات مستمرة في تأمين الحماية لجهود التحوّل الرقمي من المجرمين السيبرانيين، كما أن إطلاق إطار تشريعي حاكم يُعد من أهم القرارات، من خلال إطلاق قانون حماية البيانات الشخصية في يونيو 2020، الذي يعد انطلاقة تشريعية نحو تأمين البيانات الشخصية للمواطنين، إذ ينظم القانون حماية البيانات الشخصية، ويجرم جمع البيانات الشخصية بطرق غير مشروعة أو دون موافقة أصحابها، فهنيئًا لمصر ثورتها التكنولوجيا والرقمية للوصول إلى عاصمة ذكية فى الجمهورية الجديدة.

 


رابط دائم: