المجتمع المدني والحوار الوطني
18-7-2022

مدحت بشاي
* كاتب صحفى

كم كان ضروريًا أن يتم تمثيل وحدات المجتمع المدني في تشكيل مجلس أمناء الحوار الوطني، حيث كان عام 2022 عامًا للمجتمع المدني، وفق إعلان الرئيس عبدالفتاح السيسي، عبر توصيات منتدى الشباب الأخير، حيث تقوم إدارة منتدى الشباب والمؤسسات المعنية بإنشاء منصة حوار تفاعلية بين الدولة والشباب ومؤسسات المجتمع المدنى، المحلية والدولية، ونرى أهمية أن توضع كل ما خلصت إليه فعاليات الجمعيات عبر النصف الأول من عام المجتمع المدني أمام منظمي الحوار الوطني. 

أعتقد أن كل مصري يسعده أي خطوة داعمة لدفع مؤسسات المجتمع المدني في اتجاه تفعيل دورها الإنساني والاجتماعي والتنموي والثقافي، وفي مجال المحليات وغيرها من المجالات.

لدينا أكثر من 50 ألف جمعية ومؤسسة ومركز ووحدة مجتمع مدني في كل تلك المجالات السابق الإشارة إليها، وأظن أنه من الأهمية بمكان مبادرة أهل الفكر والرأي والتخصص الاجتماعي للمشاركة بالرأي، بل وإقامة المؤتمرات وورش العمل للمساهمة الفكرية والعملية في تطوير أداء ذلك العدد الهائل من المؤسسات الذي يمثل جيشًا رائعًا في مجال تنمية وتقدم دولة أعلن فيها المواطن المصري يوم 30 يونيو نجاحه في إعادة الهوية والتقدم بعزم نحو جمهورية جديدة.

تلعب منظمات المجتمع المدني  دورا وسيطا بين الفرد والدولة، فهي كفيلة بالارتقاء بدرجة وعي مواطنينا، حيث المساهمة في نشر المعارف والخبرات ودعمها لثقافة الديمقراطية، ودفعها لتابعيها للعمل على دعم جهود التنمية الاجتماعية والاقتصادية، والتأثير في السياسات العامة، وتعميق مفهوم العمل الجماعي.

تعود بدايات ظهور المنظمات الأهلية في مصر إلى القرن التاسع عشر، حيث نشأت أول جمعية أهلية عام 1821 باسم الجمعية اليونانية بالإسكندرية.  وبعدها توالي تأسيس الجمعيات، فهناك جمعيات ذات طابع ثقافيا مثل جمعية مصر للبحث في تاريخ الحضارة المصرية عام 1859، وجمعية المعارف عام 1868، والجمعية الجغرافية عام 1875، وهناك جمعيات ذات طابع ديني، مثل الجمعية الخيرية الإسلامية عام 1878، وجمعية المساعي الخيرية القبطية عام 1881.

ازدهرت الجمعيات الأهلية في مصر وزاد عددها مع اعتراف دستور 1923 في مادته رقم (30) بحق المصريين في التجمع وتكوين جمعيات، حيث زاد عددها من 159 جمعية في الفترة بين عامي 1900 و1924 إلى 633 جمعية في الفترة بين 1925 و1944.

بدأت حركة ازدهار جديدة في المجتمع المدني عمومًا والجمعيات الأهلية خصوصًا في  السبعينيات، حيث بلغ عددها ما يقارب 16.800 ألف جمعية، تضم نحو 3 ملايين عضوًا تعمل في مختلف المجالات الاجتماعية.

ويعد إعلان عام ٢٠٢٢ عامًا للمجتمع المدني هو دعوة ونداء، بل ومطالبة من الرئيس لكل أجهزة الدولة ومؤسساتها ذات العلاقة أن تتقدم بخطط وبرامج داعمة للتعاون مع منظمات المجتمع المدني لتطوير آلياتها وتسهيل برامج عملها وتأمين احتياجاتها في إطار تكامل الجهود لتحقيق طفرات في مجال العمل المجتمعي، ولعل مساحة المقال تسمح بالإشارة إلى بعض التوجهات المأمول تفعيلها، مثل:

•  مطلوب تعاون أجهزة الإعلام بكل وسائطها للتعريف بجهود وأنشطة وحدات المجتمع المدني (على الأقل الناجح والمتميز منها وغير القادر على تحقيق عوائد مالية). هناك جمعيات ثقافية وتنويرية، وأخرى تنشط في مجالات المحليات والتنمية وخدمة المجتمع، وتحقق إنجازات هائلة في مجال نشاطها ولا يعلم بأمر فعالياتها المعنيون بخدماتها أو المطلوب مشاركتهم فيها. فنتصور -على سبيل المثال- أن برنامج، مثل "صباح الخير يا مصر" يكون لديه فقرة تكون بمنزلة نشرة يومية (نشرة أخبار المجتمع المدني) لتناول برامج وأنشطة الوحدات المتميزة السابق الإشارة إليها، والانتقال بالكاميرات لمواقع الأنشطة والتعليق عليها .

•  وها هو رئيس الجمهورية، وفي فقرة واحدة يحفز ويدعم تفعيل فعاليات وجهود وحدات المجتمع المدني والإشارة للأنشطة المطلوب الاجتهاد في مجال تنميتها، قال بالمناسبة : "ويأتى المجتمع المدنى كشريك أساسي مهم فى عملية تعزيز وحماية حقوق الإنسان بكل أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية ونشر الوعى بمتطلباتها في المجتمع ونشر ثقافة العمل التطوعي، والإسهام في جهود مكافحة التطرف والتوجهات المناهضة لقيم مجتمعنا المصري". هنا، يؤكد الرئيس على أن فعاليات تلك الوحدات ينبغي لها أن تحفز وتنخرط في كل مجالات حقوق الإنسان بالمفهوم الأشمل الذي تطرحه مصر في كل المنتديات الحقوقية ولا تقتصر فقط على الحقوق السياسية.

•  أعلم أنه قد تم إنشاء اتحادات نوعية للجمعيات تحت مظلة اتحاد الجمعيات.  ولكن إلى أي حد تم إيجاد جسور للتواصل بين تلك الجمعيات ذات الأنشطة والأهداف المشتركة؟، وما مدى تعاون تلك الجمعيات مع المؤسسات الأكاديمية والمحليات لتوجيه مسارات بعض الجمعيات نحو تحقيق أهداف أكثر أهمية لخدمة المجتمعات الموجودة فيها؟

•  50 ألف جمعية، يتم دعمها من قبل وزارة التضامن الاجتماعي، وهناك متابعة دورية من قبل أجهزة رقابية من الوزارة وغيرها، ويردد بعض المتابعين لأنشطة المجتمع المدني أن هناك بعض الجمعيات المخالفة لبنود نظامها الأساسي وأهدافها، بالإضافة للمخالفات الإدارية والمالية وتمارس عملها رغم استمرار مخالفاتها وعدم توفيق أوضاعها، ألا يمثل وجودها علامات استفهام. في المقابل، هناك جمعيات ترفض قبول الدعم المالي من جانب الوزارة، قد يكون بغرض وطني واجتماعي أو لابتغاء تقليل الالتزامات الإدارية المطلوبة أمام الوزارة، وبالتالي تحقيق المزيد من حرية العمل وتيسير الأداء، وأرى بالمناسبة أهمية توجيه الدعم المعنوي والأدبي للجمعيات الناجحة. على جانب آخر، من الضروري متابعة إنتاجها والاطمئنان إلى سياقات فعالياتها بما لا يضر بأمن البلاد والعباد. والسؤال لماذا لا يتم الإعلان في شفافية عن تقارير الوزارة ونسب الجمعيات التي تحقق الأهداف المدونة بأوراقها، والأخرى التي تخالف وتنخرط في أعمال البيزنس والإتجار بشعارات العمل الخيري ومساهمات الأعضاء المادية والإنسانية؟!

•  هناك جمعيات دينية عتيدة وناجحة في تقديم أنشطة إنسانية واجتماعية خيرية رائعة دون رفع شعارات طائفية كان يمكن أن تسهم في إثارة الفتن وشق الصف الوطني، وأرى وجوب تشجيعها إيمانًا بمقولة العملة الجيدة تطرد العملة الرديئة، حيث اتخاذ موقف موحد من تلك الجمعيات مبني على الريبة والتوجس يحرم المجتمع من تنامي جهود الطيب منها. 

•  لابد من العمل الجاد في مجال دعم حركة العمل الأهلي والتطوعي لإعلاء مجموعة من المفاهيم الإيجابية ودعم قيم الانتماء والمواطنة عبر تشجيع إقامة المزيد من الجمعيات الثقافية والتربوية والعلمية  للعمل الميداني، وألا يتم الاكتفاء بالموافقة على إنشاء جمعيات تقديم الخدمات المحلية فقط.

•  وأخيراً لابد من تحفيز الشباب على العمل الميداني، ودفع وتمكين المرأة للمزيد من المشاركة المجتمعية عبر هذه المنظومة الهائلة من الجمعيات المدنية لتنشيط  آلية متجددة لإحداث تفاعل شعبي إيجابي.


رابط دائم: