أسلحة حرب النجوم للاستخدامات الأرضية
27-6-2022

م. محمد عزام
* استشاري التحول الرقمي، وعضو مجلس إدارة الجمعية الدولية لإدارة التكنولوجيا

منذ نعومة أظافرنا ونحن نشاهد أفلام الخيال العلمي، مثل سلسلة أفلام "حرب النجوم"، ونستمتع بها كبارًا وصغارًا. ودومًا نسأل هل ما نشاهده على شاشات السينما من الممكن أن يتحول لواقع، أم سيظل محض خيال مؤلفي ومخرجي تلك النوعية من الأفلام، وواقعه لن يتعدى ما يحدث داخل استوديوهات هوليود؟ 

أنا من المؤمنين بمقولة الكاتبة المعروفة لقصص الخيال العلمي "جوان دي فينج" وهي أن "علم الآثار هو أنثروبولوجيا الماضي، والخيال العلمي هو أنثروبولوجيا المستقبل."

المستقبل دوماً يبدأ بما نفعله الآن:

ومنذ اندلاع الحرب الروسية- الأوكرانية في فبراير 2022، والعالم على صفيح ساخن، أمنيًا وسياسيًا واقتصاديًا وجيوسياسيًا. كما ظهرت مؤشرات إلى إمكانية اندلاع نزاعات أخرى في مناطق مختلفة حول العالم، على رأسها احتمالية قيام الصين بغزو تايوان، لاستردادها وضمها إلى الوطن الأم، على غرار العملية العسكرية الروسية الخاصة في الشرق الأوكراني.

من هنا، ظهرت العديد من التساؤلات عن شكل الحروب المستقبلية وأسلحتها الفتاكة ودور التكنولوجيات البازغة في تلك الحروب، مثل تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا الميكروويف، ودور البشر وعلاقته بالأسلحة الجديدة، التي ستلعب التكنولوجيات المتقدمة دورًا محوريًا بها، لجعلها أكثر ضراوة وفتكًا ضد العدو، وفي الوقت نفسه تحمي القوات بفعالية أكبر على أرض المعركة، وتقلل من الخسائر البشرية، من خلال تحديد الأهداف المعادية بدقة، وتحييدها دون تدخل بشري مباشر.

ومن التكنولوجيات المتوقع أن يكون لها دور كبير في أنظمة التسليح المستقبلية تكنولوجيا "الميكروويف". وقد نجحت بعض أنظمة التسليح والتجارب الدفاعية الحديثة، التي أجريت داخل الولايات المتحدة وخارجها، في إثبات استخدام تكنولوجيا أسلحة الميكروويف عالية الطاقة بنجاح.

تستخدم أسلحة الميكروويف عالية الطاقة High Power Microwave Weaponsحزم طاقة كهرومغناطيسية مركزة بترددات تتراوح بين 500 ميجاهرتز و3 جيجاهرتز، ويمكنها تعطيل الأنظمة الإلكترونية، وتحييد شبكات الدفاع الجوي وتدمير منشآت العدو. وتسمى هذه الأسلحة أيضًا أسلحة الطاقة الموجهة Directed Energy Weapons، لقدرتها على إطلاق الطاقة على شكل موجات ميكروويف أو أشعة ليزر أو بلازما أو أشعة صوتية. الميكروويف في الأساس شكل من أشكال الإشعاع الكهرومغناطيسي، وتتراوح الأطوال الموجية لأنظمة تسليح الميكروويف من متر واحد إلى ملليمتر واحد، وتعمل بتردد يتراوح بين 300 ميجاهرتز و300 جيجاهرتز، ما يجعلها قادرة على نقل الطاقة لمسافات طويلة. ومن الممكن تصور مدى الضرر الذي قد تلحقه تلك النوعية من الأسلحة بالعدو، عندما تفكر في كيفية قيام فرن الميكروويف في منزلك بتسخين مأكولاتك في ثوان معدودة، كما ذكر الكاتب المتخصص في شئون تكنولوجيا التسليح "روبندرا براهامبهات" في مقاله المنشور على موقع ZME Scienceفي 29 نوفمبر 2021.

 يتكون هذا السلاح من ثلاث وحدات رئيسية، هي مصدر طاقة ينتج نبضات كهربائية عالية الجهد؛ ومصدر ميكروويف عالي الطاقة يولد الموجات الدقيقة، إما من خلال حزمة إلكترونية خطية، عن طريق تحويل الطاقة الحركية للإلكترونات إلى إشعاع كهرومغناطيسي؛ أو مباشرة من خلال الدوائر الإلكترونية المخصصة لهذا الغرض، وأخيرًا: هوائي يسمح بتركيز الموجات الدقيقة العالية الطاقة على الهدف. وعلى عكس وحدات المدفعية التقليدية، لا تتطلب أنظمة الأسلحة التي تعتمد على تكنولوجيا الميكروويف أي ذخائر، ولا تتطلب أي وحدات لوجستية ثقيلة أو وحدات إمداد بالذخيرة في أثناء المهام القتالية، ولكنها تتطلب كميات كبيرة من الطاقة الكهربائية اللازمة لعملها. كما تتمتع أسلحة الميكروويف بالعديد من المزايا التكتيكية، منها، على سبيل المثال، قدرة السلاح على إصابة الهدف دون أن يتأثر بأي عوامل خارجية مثل الرياح والطقس والقصور الذاتي والجاذبية، وما إلى ذلك، بالإضافة إلى أنه لا يمكن للقوات المعادية رؤية أو سماع صوت سلاح الميكروويف ما لم يكن لديها نظم ومجسات قادرة على كشف تلك النوعية من الأسلحة. وهذه هي الأسباب الرئيسية وراء إنفاق الحكومات وشركات تصنيع الأسلحة ملايين الدولارات على تصنيع أسلحة ميكروويف فعالة.

وبالفعل وفي يناير 2019، أصدرت البنتاجون بيانًا يكشف أن الجيش الأمريكي يخطط لإنشاء نظام Ultrashort Pulse Laser (USPL) من أجل تعزيز قدراته التكتيكية وتلبية متطلبات الحرب المستقبلية. وهذا النظام هو جزء من خطط حكومة الولايات المتحدة لتحديث الجيش. وعند اكتماله، يمكن أن يصبح أقوى نظام سلاح قائم على تكنولوجيا الميكروويف على الإطلاق. ومع ذلك، فإن USPLليست المبادرة الوحيدة لتطوير أسلحة الميكروويف، وبالفعل قام مكتب القدرات السريعة والتقنيات الحرجة (RCCTO) التابع للجيش الأمريكي بتطوير نظام دفاع جوي قصير المدى لإسقاط الطائرات بدون طيار المعادية. ومن المتوقع أن تدخل تلك المنظومة الخدمة عام 2022. ويُظهر مقطع فيديو تم تحميله بواسطة البحرية الأمريكية في مايو 2020 اختبارًا ناجحًا لسلاح ميكروويف يعمل بقدرة 150 كيلو وات ليطلق شعاع طاقة على طائرة بدون طيار، ليشتعل الهدف بمجرد ملامسته للشعاع ويتم تدميره بالكامل.

وهناك العديد من المبادرات من دول أخري في هذا المضمار. فيكشف تقرير إخباري صيني صدر في عام 2018 أن الصين طورت بندقية ليزر تعمل بالليثيوم أيون، يمكنها إطلاق موجات ميكروويف غير مرئية على أهداف. كما تقوم شركة MBDAالأوروبية للصناعات العسكرية بتطوير نظام أسلحة يعمل بتكنولوجيا الميكروويف يسمى "Dragonfire" يمكن نشره على السفن الحربية البريطانية. سيكون نظام سلاح الطاقة الموجه بالليزر Laser-Directed Energy Weapon LDEWالجديد قادرًا على إطلاق عدة أشعة ليزر بطاقة تقدر بآلاف الكيلووات ليوفر دفاعًا ضد الطائرات بدون طيار ووحدات العدو المحمولة جواً. وفي الآونة الأخيرة، منحت الحكومة البريطانية أيضًا عقودًا عسكرية بقيمة 100 مليون دولار لشركات مثل RaytheonوThalesلتطوير أنظمة أسلحة الطاقة الموجهة. كما تعمل منظمة البحث والتطوير الدفاعية الهندية (DRDO) على مشروع سري يسمى Durga II، وهو في الواقع نظام طاقة موجه خفيف الوزن بقدرة 100 كيلووات، ويمكن نشره في المركبات العسكرية الأرضية والطائرات والسفن الحربية.

وتشير تقارير أخرى إلى أن دولًا مثل روسيا واستراليا وإسرائيل تعمل أيضًا على تطوير أنظمة أسلحة الليزر الخاصة بها، والقائمة على تكنولوجيا الميكروويف، وتم بالفعل نشر بعض هذه الأنظمة، وبعضها الآخر في مرحلة الاختبار أو التطوير.

وكذلك من أهم تلك التكنولوجيات البازغة التي سيتم استخدامها بكثافة في الأنظمة الدفاعية، تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. هذه التكنولوجيا التي تتداخل في كل شيء من حولنا، بدءاً من نظم الصناعة والزراعة، مرورًا بإدارة سلاسل الإمداد والمعاملات المالية داخل المنظومات البنكية الرسمية أو حتى داخل المنظومات غير الرسمية مثل العملات المشفرة، وانتهاءً بوسائل النقل والمدن الذكية ونظم الطاقة والرعاية الصحية والمرافق العامة، وغيرها من الاستخدامات الاقتصادية والعسكرية والأمنية.

ويعتقد الكثير من الخبراء أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي سيكون لها أثر كبير في تقدم البشرية، ولا يقارن حتى بما حققه اكتشاف النار في العصر الحجري أو اكتشاف الكهرباء في أواخر القرن الثامن عشر على يد العالم بنجامين فرانكلين. ومن المتوقع أن تضيف هذه التكنولوجيا البازغة ما يقرب من 16 تريليون دولار للاقتصاد العالمي بحلول عام 2030، كما أشارت المديرة بمعهد الصراعات الدولية بجامعة كاليفورنيا سان دييجو "ليندسي مورجان" في دراستها المنشورة على الموقع الرسمي للمعهد في 16 أبريل 2021.

لذا، أصبحت تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي ضمن أهم اهتمامات الدول المتقدم منها والنامي على حد سواء. كما بات تطوير هذه التقنية جزءًا من سباق التسلح بين الدول العظمي، وعلى رأسها الولايات المتحدة والصين وروسيا، لحماية نطاقات أمنها القومي، لأن  تلك التكنولوجيا تستخدم كمساعد في دعم واتخاذ القرار، وفي التطبيقات الدفاعية والاستخبارية، وإدارة الخدمات اللوجستية، واستخدام الأسلحة السيبرانية الهجومية والدفاعية، والتحكم في الأسلحة التي تعمل عن بعد بدون مثل الطائرات المسيّرة، والتنسيق بينها وأنظمة التسليح الأخرى.

وقد طورت الولايات المتحدة استراتيجية دفاعية جديدة في 2014 سميت باسم Third Offset Strategy (TO)، بالإضافة إلى قيام وزارة الدفاع الأمريكية بإنشاء إدارة خاصة في 2018 لتوطين المزيد من تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في نظم التسليح لمواجهة أي تهديدات أو نزاعات مستقبلية، خاصة من جانب الصين أو روسيا، اللتين لديهما النوعية نفسها من الاستراتيجيات، لمواجهة السيطرة الأمريكية على الساحة الدولية وتحقيق توازن عالمي جديد. وتعدّ الصين المنافس الأقوى للولايات المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث تعتبر بكين تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي تكنولوجيا استراتيجية، وبالفعل ضخت بها استثمارات وصلت إلى أكثر من 21 مليار دولار خلال العقد الماضي من الزمن، ما جعل الشركات التكنولوجية الصينية أكثر تقدمًا من الشركات الأمريكية في هذا المجال. كما قامت بكين باستثمار ما يقرب من 1.3 مليار دولار، في الفترة من 2010 إلى 2017، في الشركات التكنولوجية الأمريكية التي تعمل في مجال الذكاء الاصطناعي، ما جعل الولايات المتحدة تقوم بإجراءات تحد من التوغل الصيني بها، خاصة في المجالات التي تتعلق بالذكاء الاصطناعي. أما روسيا، فتأتي خلف الولايات المتحدة والصين في هذا المضمار نسبيًا. لذا، قامت موسكو بإجراءات لسد هذه الفجوة، فدشنت استراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي لتنفيذها خلال 10 سنوات، تتضمن التوسع في البرامج التعليمية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، وكذلك تحديث البنية التحتية وضخ استثمارات في شركة ناشئة تعمل في هذا التخصص الدقيق وتحديث 30% من منظوماتها العسكرية باستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2025.

وتعتمد الاستراتيجية الأمريكية على تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي وأنظمة الأسلحة الفتاكة الذاتية التشغيل التي تعمل عن بعد Lethal Autonomous Weapon Systems (LAWS)والتي ستستدعي وجود علاقة تعاونية بين الإنسان والآلات في اتخاذ القرارات، ومساعدة القوات على الأرض لتنفيذ مهامها، والتنسيق والتكامل بين النظم القتالية المعتمدة على البشر والنظم القتالية الذاتية التشغيل العاملة عن بعد، طبقًا لدراسة أعدتها مجموعة من الباحثين في جامعة إسلام آباد ونشرها مركز الدراسات الاستراتيجية بباكستان في مايو 2021. كما أنه من المتوقع  في غضون من 20 إلى 30 سنة أن يكون الفرد المقاتل هو روبوتًا، بحيث يقوم بتحديد الهدف، ولكن لا يتم التعامل معه من إلا خلال تدخل بشري، أو يتم تحديد الهدف والتعامل معه تحت إشراف بشري، أو يمتلك الروبوت درجة ما من الاستقلالية والقدرة على تحديد الأهداف والتعامل معها دون تدخل أو إشراف بشري.

في الماضي القريب، كانت نظم الأسلحة الذاتية التشغيل أقرب إلى الخيال العلمي. ولكن مع التسارع التكنولوجي، أصبحت أمرًا من الواقع وليس الخيال. وأصبحت الدول العظمي تضع في استراتيجياتها وجود تلك النوعية من الأسلحة، المعتمدة على التكنولوجيات البازغة، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات والجيل الخامس من الاتصالات، لتشكل الجانب الأكبر من التشكيلات القتالية.

فالذكاء الاصطناعي أسهم في إعطاء صبغة من التفكير المنطقي للآلات وقدرة على التعلم المستمر. ونتيجة لذلك، فإن الآلات لا تؤدي المهام فحسب، بل تنفذ أيضًا قرارات حاسمة، إما بإشراف بشري أو بدونه. تقوم الآلات بأداء المهام، وأخذ وتنفيذ القرارات في مجالات جمع المعلومات والمراقبة والاستطلاع والأمن السيبراني ومكافحة التطرف والإرهاب وغسل الأموال والعمليات القتالية أيضًا.

وتلعب تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي دورًا مهمًا في التعامل مع المعلومات المتوافرة على منصات التواصل الاجتماعي بطريقة غير منظمة، مثل منصات "فيسبوك" و"تويتر"، بالإضافة إلى المعلومات الموجودة في المنصات السوداء والعميقة على شبكة الإنترنت Dark and Deep Web، والتي تعد بيئة خصبة تجمع محترفي القرصنة الإلكترونية والمجرمين السيبرانيين، حيث يتم تطوير مجموعة من البرمجيات بواسطة خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتكون قادرة على متابعة قنوات الاتصال المشبوهة، ومن خلالها يتم التنسيق لإعداد هجمات سيبرانية منظمة أو سرقة وتسريب بيانات سرية حساسة، وبالتالي اتخاذ إجراءات حماية وقائية، وبطريقة استباقية، من قبل مؤسسات الأمن المعنية، كما أشار الباحث والكاتب "أليكس سيارنييلو" بموقع Securityالمتخصص في أمن المعلومات، في 21 أكتوبر 2020.

بالإضافة إلى ذلك، تستخدم الجماعات المتطرفة في جميع أنحاء العالم مجموعة متنوعة من المنصات عبر الإنترنت، بدءًا من منصات التواصل الاجتماعي الشهيرة للمنصات الأقل شهرة مثل chan4وkun8، لنشر المعلومات المضللة والتجنيد والتخطيط للهجمات الإرهابية. فالذكاء الاصطناعي وعلوم تحليل البيانات أصبحا ضرورة لرصد التطرف عبر الإنترنت، لتحديد وتحليل الأحاديث المبهمة عمدًا ومؤشرات التهديد الوشيك، وكذلك تستخدم وكالات الاستخبارات حول العالم الذكاء الاصطناعي لشن حرب المعلومات في الداخل والخارج. في المقابل، تساعد تطبيقات الذكاء الاصطناعي تلك الوكالات في مراقبة تهديدات المعلومات المضللة المستهدفة لزعزعة الأمن وتكدير السلم العام. ويستخدم الذكاء الاصطناعي في عمليات التزوير المتقنة للصور والفيديو والأصوات، أو ما يطلق عليه مسمى "التزوير العميق" Deep Fake، التي تستخدم في العمليات المعلوماتية لنشر تقارير إخبارية مزيفة أو معلومات مغلوطة لتبدو كأنها حقيقية، خاصة إن جاءت على لسان مسئولين في أعلى مستويات سلم القيادة في دولة ما؛ لخلق حالة من البلبلة وفقدان الثقة لدى المجتمع. في المقابل، أصبح الذكاء الاصطناعي أيضًا يستخدم كأداة للطب الشرعي، ولكن في مجال الإعلام والميديا، في كشف عمليات التزوير العميق بصورة تلقائية، وتحديد المقاطع التي تم التلاعب بها. ويستخدم الذكاء الاصطناعي أيضًا في المجال الأمني من خلال عمل "بصمة رقمية" Digital Footprintللأشخاص، بتحليل سلوكهم على الإنترنت وماهية مشترياتهم وطرق استخدامهم لبطاقات الائتمان البنكية وسيرهم الذاتية المهنية، بغرض إنشاء ملف تعريف سلوكي شامل لهم، خاصة للعسكريين أو ضباط المخابرات المشتبه بهم أو المسئولين الحكوميين أو حتى المواطنين العاديين، بغرض استخدام مثل هذه المعلومات في عمليات التأثير المستهدف أو الابتزاز.

وفي أثناء العمليات العسكرية، يدعم الذكاء الاصطناعي أنظمة القيادة والتحكم لجعلها أكثر مرونة ودقة وفعالية وقابلية للتوقع، بحيث يتم تحليل الكم الكبير من البيانات، ومتابعة ومراقبة مصادرها، سواء كانت تلك المصادر هي منصات الإنترنت الشرعية أو من منصات الإنترنت العميق والأسود. كما تلعب تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الضخمة دورًا كبيرًا الآن وفي المستقبل في تطوير مفاهيم القيادة والسيطرة بالجيوش، بما يسهل مركزية تخطيط وتنفيذ العمليات الجوية والفضائية والإلكترونية والبحرية والبرية، بما يحقق التنسيق الكامل بين الأسلحة لتحقيق أقصى درجات الفعالية خلال العمليات. أيضًا، يستخدم الذكاء الاصطناعي لدمج البيانات من أجهزة الاستشعار في جميع هذه المجالات لإنشاء مصدر واحد للمعلومات، يُعرف أيضًا باسم "صورة التشغيل المشتركة" لصانعي القرار، بدلاً من البيانات والمعلومات الواردة بصورة منفصلة، في الوضع الراهن، لصانع القرار، والتي في الغالب تكون إما مكررة أو متناقضة. ومع نضوج أنظمة الذكاء الاصطناعي، قد تكون خوارزميات الذكاء الاصطناعي قادرة أيضًا على تزويد القادة بقائمة من مسارات العمل القابلة للتطبيق بناءً على التحليل اللحظي لساحة المعركة، ما يحسّن جودة وسرعة اتخاذ القرار في زمن الحرب والأزمات الكبرى. وفي معركة التعامل مع الكم الضخم من المعلومات والبيانات، فإن تجميع تلك المعلومات والبيانات هو نصف الحل فقط. أما النصف الآخر، فهو قيام علماء الذكاء الاصطناعي وعلماء البيانات بتنظيمها وتخزينها بطريقة مثلى للتعامل مع تطبيقات الذكاء الاصطناعي فيما بعد. لذا، يحتاج علماء البيانات العاملون في مجالات الأمن والدفاع إلى حلول لا تجمع البيانات ذات الصلة بكفاءة فحسب، بل تجمع أيضًا أكبر قدر ممكن من البيانات المنظمة أو غير المنظمة ومن مصادر متنوعة، ليتم فرزها وفهرستها بصورة فعالة، لكي تكون قاعدة كبيرة تسمح ببناء نماذج تعلم وتحليل آلي ذات كفاءة عالية. فالذكاء الاصطناعي سلاح مهم في العمليات العسكرية السيبرانية، والاعتماد على العامل البشري وحده في مواجهة أخطار الفضاء السيبراني استراتيجية فاشلة، كما صرح بذلك قائد القيادة الإلكترونية الأمريكية الأدميرال "مايكل روجرز" في إفادته أمام لجنة الدفاع بالكونجرس الأمريكي في 2016.  

كما تشمل تطبيقات الذكاء الاصطناعي في المجالات العسكرية والأمنية أيضًا العمليات الاستخبارية والمراقبة والاستطلاع، لأن الذكاء الاصطناعي له قدرة كبيرة على تحليل البيانات كما تم ذكره سلفاً. وهناك مشروع "مافن" Project Mavenالذي تنفذه وكالة الاستخبارات الأمريكية، طبقًا لما نشر في التقرير الصادر من مركز أبحاث الكونجرس في 10 نوفمبر 2020، الذي يهدف إلى تحليل البيانات التي يتم تجمعيها من الصور الملتقطة من الطائرات بدون طيار، بواسطة خوارزميات الذكاء الاصطناعي، لتحديد أي أنشطة عدائية والتعامل معها بناءً على المعلومات التي تم تحليلها، بدلاً من الاعتماد على العامل البشري الأقل دقة والأكثر استهلاكاً للوقت.  

وكذلك قد يكون للذكاء الاصطناعي فائدة مستقبلية واضحة في مجال الخدمات اللوجستية العسكرية. ففي مجال صيانة النظم العسكرية المتقدمة، خاصة في أسلحة الجو والدفاع الجوي، يتم استخدام الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بالأعطال وعمل جداول الصيانة الوقائية تلقائيًا وإبلاغها للأطقم الفنية لإجراء عمليات الصيانة اللازمة، بدلاً من القيام بعمليات الصيانة طبقاً لقواعد روتينية غير فعالة أو القيام بالصيانة عند حدوث خلل فعلي في الأنظمة، ما يجعل تلك الأسلحة قادرة على القيام بمهامها في أي وقت مطلوب منها ذلك، مع توفير الجهد والمال في آن واحد.

في الماضي، كان سباق التسلح في مجالات مثل الفضاء أو الأسلحة النووية حكرًا على الحكومات. أما سلاح القرن الحادي والعشرين "الذكاء الاصطناعي"، فيتم تطويره في شركات خاصة ناشئة يديرها شباب. لذا، فإن على الحكومات أن تعي أهمية تقديم مزيد من الحوافز لتطوير التكنولوجيات البازغة لأهداف الأمن القومي، وعلى رأسها تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات العملاقة والأجيال الجديدة من شبكات الاتصالات، واستخدام تلك التكنولوجيات المطورة محليًا داخل المنظومات الدفاعية لديها، لاكتساب مزيد من الخبرات المحلية وزيادة جودتها وبالتالي تصديرها، وفي الوقت نفسه حماية نطاقات الأمن القومي لها من خلال تقنيات وطنية لا يُعرف الكثير عن أسرارها وكيفية عملها.


رابط دائم: