وفقًا للتقرير الذي أصدرته مؤخرا منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة، فإن العواصف تسببت في 14.6 مليون حالة نزوح على مستوى العالم، والفيضانات 14.1 مليون، وارتفاع شديد في درجات الحرارة 46 ألفًا،والجفاف 32 ألفًأ. وفي سياق متصل، أظهرت بيانات المنظمة أيضا في تقريرها، الذي يصدر كل سنتين، أن إجمالي النزوح الداخلي في جميع أنحاء العالم بسبب الكوارث المناخية ارتفع إلى 40.5 مليون في عام 2020 مقارنة بـ 31.5 مليون عام 2019 ، وذلك على الرغم من إجراءات الاحتواء للحد من جائحة كوفيد -19. وأشارت البيانات إلى أنّ الهند، على سبيل المثال، أبلغت عن ما يقرب من 4 ملايين حالة نزوح جديدة بسبب الكوارث الناجمة عن تغيّرِ المناخ عام 2020. وفي مثال آخر، شهدت منطقة جنوب شرق إفريقيا هطول أمطارٍ عزيرةٍ وفيضانات شديدة في الفترة من 11 إلى 12 أبريل الماضي، أدّتْ إلى فقدان أكثر من 40 ألف شخص منازلهم.
وبحسب تقديرات اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، فإنَّ الجفاف يؤدي إلى هجرة 22 مليون شخصٍ إضافيٍّ في إفريقيا، و12 مليون في أمريكا الجنوبية و10 ملايين في آسيا بحلول عام 2059 (مقارنة بالفترة 2000 إلى 2015).
الكوارث أرض خصبة للاتجار بالبشر:
من الآثار المترِّتبة على الهجرة نتيجة الكوارث المناخية ظاهرة الاتجار بالبشر أو ما يسميه بعض علماء الاجتماع أيضاً جرائم "العبودية الحديثة" التي تنشأ نتيجة استغلال نقاط الضعف الموجودة في المجتمع، مثل الفقر وظروف الإقامة والجنس، وتتفاقم نقاط الضعف تلك فى أثناء الكوارث الطبيعية مِمَّا يجعلُ الوضع أرضًا خصبة للمتاجرين بالبشر.وأشار مفوض الأمم المتحدة السامي لشئون اللاجئين إلى أن مثل هذا النزوح بعد الكوارث يؤدي إلى أن يصبح الناس أهدافًا سهلة لعصابات الاتجار بالبشر، موضحا أنه لوحظ ارتباط الاتجار بالبشر بالظواهر المناخية المتطرفة في جميع أنحاء العالم في العقود الماضية. على سبيل المثال، ارتفعتحوادث الاتجار بالبشر لأول مرة عقب تسونامي المحيط الهندي في عام 2004، وفقًا لتقرير صدر عام 2016 عن المنظمة الدولية للهجرة. والأمثلة الأخرى عديدة، وفقا للتقرير نفسه: في إندونيسيا، تم اختطاف أطفال ثم عرضهم للتبني. في هايتي، أدى زلزال عام 2010 إلى تفاقم حالات الاتجار بالبشر. في الفلبين - حيث كان الفقر والاتجار بالبشر منتشرين بالفعل - زادت الحالات عقب إعصار هايان في عام 2013 ، حسبما ذكرت المنظمة؛ كما شهدت تايلاند زيادة في الاتجار بالبشر بعد أن ضربها هذا الإعصار.
كتبت مانيكا كامثان، الأستاذة المساعدة في مدرسة القانون،Symbiosis Law School ، في بحث حول هذا الموضوع: "إن الاتجار بالنساء والأطفال يتم في المقام الأول تحت غطاء توفير فرص عمل، مما يضمن موائل آمنة، من بين أمور أخرى". مضيفةً: "لا ينجو شيء من الأعاصير الموسمية، وحتى إذا نجا شيء فيجب بيعه لجمع المال من أجل توفير لقمة العيش. وقد تستمر هذه المحنة لمدة سنوات. فالإعصار عندما يضرب مكانا فان المياه تغمر المنازل والأراضي الزراعية،كما أن السكان قد يصابون بأمراض نتيجة تراكم المياه وتكوُّن مستنقعات تجلب الأمراض. ولن يجد معظمهم مالاً لتوفير العلاج وتكاليف المستشفى، ويتدهور الوضع المعيشي للأسرة، وقد تضطر النساء للعمل كخادمات في منازل أخرى لإطعام الأفواه. أمًا الرجال والشباب، فمصيرهم الهجرة والنزوح والبطالة، وعندما يصبح وضع الأسرة المالي صعبًا، يفتح أبواباً كثيرة للانحراف، ومنها تتسلل عصابات الاتجار بالبشر". ليس هذا فحسب، بل إنّ الكوارث الطبيعية تشجع سلوكاً خاطئاً لدى العائلات، يتمثل في تزويج الفتيات القاصرات دون سن الـ 18 ؛ وهناك 12 مليون طفلة يتزوجن كل عام في العالم، 700 ألف طفلة منهن ينتمين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وفقا لتقرير حديث لمنظمة اليونيسيف للطفولة. وقد تعرضت فتيات صغيرات تتراوح أعمارهن بين 13 و 18 عامًا للاستغلال الجنسي "من قبل رجال في مواقع السلطة والنفوذ مقابل المال أو الطعام أوغيرها من السلع" ، بحسب دراسة لمنظمة غير حكومية أجريت عام 2002 في دول أفريقية حول زواج القاصرات.
وهكذا، فإن الكوارث المناخية والفقر يغذّيان جرائم الاتجار بالبشر ويجعلان الملايين أكثر عرضة لهذا الفخ.ويقدر برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن الاتجار بالبشر على مستوى العالم يرتفع بنسبة 20-30 ٪ خلال الكارثة. ويتوقع معهد التنمية لما وراء البحار أن يصل عدد من يعانون من الفقر المدقع مع حلول عام 2030 " نحو 325 مليون شخص يعيشون في 49 دولة هي الأكثر تعرضًا للأخطار الطبيعية والظواهر المناخية المتطرفة، وسيكون ما لا يقل عن 21 مليون شخص ضحايا الاتجار بالبشر، الذي يشمل عادة إما الاستغلال الجنسي أو العمل القسري".
ما المطلوب لإنقاذ المستقبل:
يشدّدُ الأمين العام للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، بيتري تالاس، على ضرورة ضبط متوسط درجات الحرارة العالمية عند مستوى أقل من 1،5 درجة مئوية أو درجتين ، مقارنةً بمستوياته قبل العصر الصناعي، وهو ما يتطلَّبُ العملَ بجدية على الحدِّ من انبعاثات الغازات الدفيئة، وهي خطوة يجب أن يحرص عليها العالم لمنع الآثار المناخية المتفاقمة كما يقول تالاس. ومن جانبه، يتوقع البنك الدولي أن يجبر تغير المناخ نحو 200 مليون شخص على الهجرة بحلول عام 2050، ومن بين هؤلاء سيكون هناك ما يصل إلى 86 مليون "لاجئ مناخي" داخليا في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، و49 مليونًا في شرق آسيا والمحيط الهادئ، و 40 مليونًا في جنوب آسيا. وأشار الخبراء إلى أن التصدي لتغير المناخ مسئولية عالمية مشتركة، وأن إنشاء آلية مساعدة دولية تتعلق بـ "لاجئي المناخ" يمثل أولوية قصوى.
وقد كان من المفترض أن يساعد التقرير الصادر عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية والتقارير الأخرى الأممية التي ترصد تزايد ظاهرة "لاجئي المناخي" في تزويد قادة العالم وصانعي السياسات ومتخذي القرار بآخر المستجدات حول حالة المناخ والظروف المناخية في العالم وآثارها السلبية- على اختلافها- وتهديدها لأمن واستقرار العديد من المجتمعات وزيادة المخاطر المحدقة بهم من عصابات الاتّجار بالبشر. ورغم خروج هذه التقارير، لتدقُّ ناقوس الخطر، بمشاركة خبراء من الدول الأعضاء- بما في ذلك الهيئات الوطنية والإقليمية والعالمية للأرصاد الجوية والهيدرولوجيا والبحوث المناخية، إضافة إلى منظمات الأمم المتحدة المختلفة المعنية بالبيئة والأغذية والزراعة والهجرة واللاجئين ومكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث وبرنامج الأغذية العالمي وغيرها- إلاّ أنه على صعيد السياسات، لم تُسجَّلْ حتى الآن اختراقات إيجابية تذكر في هذا الملف.
رابط دائم: