العاشر من رمضان والحضور القبطي الوطني
14-4-2022

جاكلين جرجس
* مدير المركز الثقافى القبطى بجمعية جامعة المحبة

حلت منذ أيام قلائل ذكرى انتصار أكتوبر المجيد الذي يوافق العاشر من رمضان لعام 1973. ورغم الثمن الباهظ الذي دفعه الشعب المصري إبان هزيمة يونيو 1967، من دماء وأرواح وتضحيات مادية وعسكرية ومعنوية ونفسية، إلا أن استيعاب الدروس الناجمة عن ارتكاب الأخطاء الكبيرة قد تم بشكل عبقري وسريع ومدروس وعبر رؤية متكاملة لتجاوز كل أسباب الهزيمة والانكسار بشكل علمي وموضوعي ووطني، والأهم الذهاب لإعادة اكتشاف قدرات وإمكانيات وطبيعة الإنسان المصري.

لقد أدركت القيادة السياسية والعسكرية أهمية الحشد والتعبئة والتخطيط والتجهيز والتدريب، ولعلنا ونحن نحتفل بمرور 49 عاما على تحقيق انتصار أكتوبر العظيم، أن نتوقف عند واحد من أهم قرارات صناعة النجاح وبلوغ النصر:لقد كان لروح أكتوبر ودعمها لمفهوم " المواطنة " ودعم أواصر الوحدة الوطنية الأثر البالغ في تكامل المشاركات الإنسانية لتحقيق الانتصار.

ومعلوم أن المواطن القبطي ــ شأنه كشأن أي مواطن ــ عندما يستشعر أنه حاضر وغير مغيب أو منتقص الحقوق، فإنه يشارك بكل قوة في حماية وطن شعر في حماه بكل مشاعر الولاء والانتماء.

بهذه المناسبة، نعرض لبعض نماذج من بطولات وأدوار وطنية قدمها بعض أبناء مصر من الأقباط للتأكيد على أن روح أكتوبر كانت دافعة لكل المصريين لإحراز بطولات عبقرية، بكل شرف، لرفع راية النصر فالضابط باقى زكى- كانعمره 35 عاما آنذاك- هو من قدم فكرته العبقرية التى أهدت النصر لمصر، عندما قال : "الحل فى خرطوم المياه للتخلص من خط بارليف المنيع" كان قائد الفرقة هو سعد زغلول عبدالكريم فاجتمع مع الضابط «باقى» الذى طلب منه تسجيل فكرته باسمه، ليتصل به فيما بعد: «أنا مضيت النهارده على أشرف وثيقة، وأنت اديتنا مفتاح بوابة النصر».

    أما اللواء «شفيق مترى سدراك» المولود فى أسيوط عام 1921، فكان ضابطا مقاتلا فى سلاح المشاه، وهو أول ضابط شهيد فى حرب أكتوبر. خاض شفيق حروب مصر فى أعوام 1956 و1967 و1973، وكان بطلا فذا فى معركة «أبوعجيلة» عام 1967 وتعد من أرقى معارك الجيش المصرى، كان وقتها قائدا لكتيبة مشاه، وكبد إسرائيل خسائر فادحة نال بسببها ترقية استثنائية من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر.

   ونقرأ عن البطل الفذ الطيار سمير عزيز، فى سيرته البطولية آراء، مثل: «كسر العديد من النظريات العلمية حول عمل الطائرات المقاتلة»، وبحسب رأى العميد طيار أحمد المنصورى: «قمم الأشجار تئن من طائرته التى تطير ملامسة لها بسرعة كبيرة جدا، طائرة سمير عزيز لابد أن يكون بطنها مشوه الطلاء بفعل قمم الأشجار التى تمسح الطلاء من عليها»، و«قادر على تطويع الطائرة لتلبى ما يريده».

كان الموت رفيق الطيار سمير عزيز خلال فترات حياته فى الخدمة العسكرية حتى إنه "اختصت طائرة إسرائيلية مطاردته على الأرض يوم النكسة المشئوم، أما فى أثناء حرب الاستنزاف فأقلع بمفرده من مطار الغردقة وبدون أوامر وبدافع الغيظ تجاه أحد مطارات العدو جنوب سيناء «رأس نصرانى - شرم الشيخ حاليا» كى يبث الرعب والفزع فى نفوس الإسرائيليين، ودرس بطلنا الموقف تماما ورسم لنفسه خط سير ليفاجئ الإسرائيليين مفاجأة تامة، ويعود لقاعدته بدون أن يخبر أحدا" .

   وعن البطل النقيب مجدى بشارة ابن الـ27 عاما حين قاد معركة «الجزيرة الخضراء»،، وكانت موقعا للدفاع الجوى الذى يحمى مدينة السويس، وأرادت إسرائيل احتلالها قبل حلول ذكرى ثورة 23 يوليو لـ«كسر أنف جمال عبدالناصر»، بدأت العملية فى الساعة الثانية عشرة ليل 19 يوليو، وكانت قواتنا نحو مائة جندى و5 ضباط، و30 صندوقا لقنابل يدوية بالإضافة إلى قذائف لهب وذخائر وألغام بحرية تم زرعها تحت المياه لمواجهة ضفادع إسرائيل البشرية. واجهت هذه القوات إنزال حوالى 800 جندي إسرائيلى حاولوا التسلل بصمت لذبح كل الجنود المصريين، لتبدأ مواجهة عنيفة عجز الإسرائيليون خلالها عن دخول الصخرة بدماء شهدائنا. استنفدت الذخيرة، وأصبح عدد جنودنا 24 فقط، وطلب مجدي بشارة إمدادا من قائد الجيش الثانى، فأرسل له 40 جنديا عبر لانش بحرى لكنهم استشهدوا بغارة إسرائيلية قبل وصولهم، وبعدها رفض قائد الجيش تكرار الإمداد قائلا لـ«بشارة»: «حارب بما هو موجود لديك»، فقال له بشارة: «أرجوك بعد 10 دقائق افتح كل مدفعية الجيش الثانى على الموقع لإبادة كل من فيه»، فرد قائد الجيش: «أنت مجنون»، فقال بشارة: «نموت أفضل من سقوط الموقع»، أعطى بشارة أوامره لجنوده بنزول المخابئ، وتم فتح النيران ليحدث ما توقعه، فالقوات الإسرائيلية لم تتحمل وانسحبت، وفى أثناء الانسحاب طاردهم أبطالنا بمدفعين فأغرقوا لنشات إسرائيلية، وقتل 62 وأصيب 110 إسرائيليين، وهذا ما أعلنته إسرائيل، وفى الساعة السادسة صباحا حطت ثلاث طائرات إسرائيلية على سطح المياه لانتشال خسائرهم.

   فى قائمة البطولات أسماء، مثل اللواء مهندس نصرى جرجس، الذي قاد وحدة الرادار المسئولة عن اكتشاف الطائرات المعادية والإبلاغ عنها، واللواء طيار مدحت قلادة صادق صاحب لقب «أفضل قائد قاعدة جوية»، والعميد ميخائيل سند ميخائيل الذي كان مسئولا ضمن قوات الردع الصاروخى، وكانت مسئوليته المحددة هى سحب الصواريخ الموجودة على الناقلات الخلفية بالقصاصين، واللواء فكرى بباوى الذى أصيب فى حرب أكتوبر إصابة بالغة فصمم رفاقه المسلمين، ومنهم زكريا عامر ومحمد مصيلحى، أن يحملوه رغم المخاطر الهائلة لمسافة ثلاثة كيلومترات، واحتموا بساتر حتى وصلوا به إلى موقع الإسعاف، وهناك أبطال آخرون مثل اللواء أركان حرب طيار جورج ماضى عبده الذي وصل إلى منصب رئيس أركان الدفاع الجوى، واللواء طيار نبيل عزت كامل، واللواء نعيم فؤاد وهبة أحد قيادات الدفاع الجوى فى حرب أكتوبر، واللواء أركان حرب صليب بشارة رئيس هيئة البحوث العسكرية من مايو 1971 حتى أكتوبر 1973.

   أما البطل الفولاذي الذي حين تأتى سيرة حرب أكتوبر يقفز اسمه على الفور هو اللواء فؤاد عزيز غالى الذي حصل على رتبة فريق بعد الانتصار، قاد «غالى» الجيش الثاني فى أثناء الحرب، وكان صدى صوت وزير الحربية المشير أحمد إسماعيل يرن في أذنه: «مكتوب على جبهتك القنطرة، وأتركك الآن حتى تحررها، وسوف تعود إلى قيادة الفرقة 18 مشاه»، وفعلها غالى، وقام بتأمين منطقة شمال القناة من القنطرة إلى بورسعيد، ومعه فرقته وجيشه الثاني بمسلميه وأقباطه، ومنهم اللواء ثابت اقلاديوس رئيس غرفة عمليات مدفعية الفرقة الثانية.

   كانت حرب أكتوبر فى العاشر من رمضان ملحمة خالدة وبطولة لكل المصريين، مسلمين وأقباط، وإلى الآن في حربها  ضد الإرهاب وقوى الشر لم تعرف مصر التفرقة أو العنصرية أو التمييز فالكل في بوتقة واحدة،  ينصهر الجميع فيها لرفع راية النصر. وتحيا مصر رغم المحن والصعاب وتبقى راية الوطنية هى الأعلى والأقوى بالرغم من بعض حوادث الكراهية التى تطل علينا بظلالها من حين لآخر لإفساد روح المحبة المتأصلة بين أبناء الوطن، لكن يظل البقاء للوطن وللإنسانية.


رابط دائم: