الإعلام الرقمي والانعكاس السياسي
11-4-2022

مدحت بشاي
* كاتب صحفى

‫بات من الأهمية بمكان إدراك خطورة الإعلام الرقمي بما يوفره من  تعدد المصادر في ظل منظومته التي تتسارع خطى تطورها وتفعيل آلياتها بما توفره من معلومات غزيرة، وضرورة الانتباه إلى أن تلك الخطوة قد ساهمت في تراجع الوصول بيسر إلى عملية تقييم مصداقية تلك المعلومات على نحو مقبول، وهو ما كان له نتائج غير طيبة اجتماعيًا وشخصيًا وتعليميًا إلى حد يمثل خطورة تفرض التعامل الحريص.

في هذا السياق، تذكر الباحثة د. فاطمة الزهراء عبدالفتاح أهمية دمج الشركات الموفرة للخدمات الرقمية، مثل فيسبوك وجوجل وتويتر، في عمليات المكافحة باعتبارها طرفًا أصيلاً إن لم يكن متهمًا، وكيف وافقت الحكومة الألمانية على مقترحات قوانين جديدة تجبر شبكات التواصل على المشاركة في محاربة خطاب الكراهية على الإنترنت وإلا واجهت غرامات تصل إلى 50 مليون يورو.

وتؤكد الباحثة أن هذا الدمج قد ساعد في وجود اتجاه قوي بين هذه الشركات لإغلاق الحسابات المزيفة، وتغيير سياسات الاستخدام بما يقلل من فرص ظهور النشاطات المشتبه بها، وغير ذلك من الإجراءات المهمة. على الصعيد نفسه، يتصاعد دور المؤسسات الأكاديمية والعلمية في تدشين مشروعات تتعاون فيها التخصصات التكنولوجية والإعلامية والاجتماعية لاستحداث منصات تستخدم التكنولوجيا في رصد الشائعات ومكافحتها دون الاقتصار على الرصد الأمني وأساليب المعالجة التقليدية، الأمر الذي يشير إلى الأثر البالغ لنشاطات البحث العلمي وربطها باحتياجات المجتمع، وفتح قنوات للتواصل بينها وبين المؤسسات المجتمعية المختلفة.

نعم، فالبيئة الرقمية تشكل فضاء تتسارع من خلاله عمليات نقل الأخبار والمعلومات عبر اختيارات متعجلة أيضًا للمصادر، فتشكل آلية أسيرة لفورية الخبر، وبالتالي في عدم الوثوق بصحته لضرورة سرعة نشره في النهاية.

وعليه، بات المتلقي الرقمي الجديد مشغولًا بمظاهر وآليات بيئة التقنيات الرقمية، وباتت تخدعه مهارت استخدام الأدوات الرقمية التي تتطور باستمرار، وهو ما يلزم التوقف لدراسة مثل تلك السلبيات عند الشروع في إنتاج الأخبار، وكيفية تعامل الشباب معها.

على الجانب الآخر، فإن الفضاء الافتراضي اليوم المعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي أصبح يمثل ساحة حروب، حيث حالات التجييش والتعبئة والاحتقان والعداوات والمؤامرات والمراهنات الغبية والسجالات غير المنطقية والمداخلات الموتورة وإثارة الأفكار الطائفية والتمييزية والعنصرية، وإقصاء الحلول الواقعية والأفكار البناءة، وجميعها لا تغيب عن المنصات التي تحولت الى حلبة صراع وقودها جيوش إلكترونية يتردد على مواقعها أشاوس النضال المجنون لإدارة عمليات الانتصار لأفكار يدافعون عنها بشراسة وإلحاح!

نعم، لدينا مشكلة فى الفضاء الإعلامى، وعلينا البحث فى آليات الهيمنة على الخبر الإلكتروني، والعمل على الحرب النفسية المضادة، وأن نبحث كيفية التعامل مع اللجان الإلكترونية، فقد بات من يؤثر فى الرأى العام حاليًا ليسوا الشرفاء وأهل الخبرة وإنما اللجان المبرمجة التي تدار من إدارات في الخارج والداخل.

لاشك فى أن فضائيات زماننا، العام منها كما الخاص، الشامل منها كما المتخصص، تبقى تابعة فكريًا وعمليًا لأغراض وأهداف مالكها أو ممولها، أو من يستضيف برامجها على أرضه، أو من يمنحها سبل الارتباط عبر هذا القمر الصناعي أو ذاك، أو من يضخ المال بميزانياتها عبر الإعلان والإشهار، أو من يزودها بالمعلومات ومصادر الأخبار، وما إلى  ذلك من عوامل تمكين، وبالتالي فالاستراتيجية الإعلامية هنا تبقى مترجمة لنوايا من ذكرنا للتحكم المادي المباشر.

والإعلام كما الفنون، دائمًا ما يكون السؤال بشأنهما: هل نقرر أن وظيفة الإعلام أن يعكس ما يروج بأرض الواقع، وأن يكون مرآة لما يعتمل داخل المجتمع من وقائع وأحداث وقضايا، ويعكس بالصوت والصورة حقيقة ما يجري دون تجميل، أم يكون الإعلام أداة للتغيير والتحول والانتقال للأفضل، عبر خطط علمية وموضوعية توعوية وتنويرية بمساهمة فعلية في التصدي للتعامل مع أهم التحديات التي تواجه صانع ومتخذ القرار؟

على سبيل المثال، في مجال مواجهة مكافحة الشائعات المزيفة للواقع من الأدوات المستحدثة التي اتجهت إليها دول العالم وجود محاور أساسية في الاستراتيجيات العامة لمكافحة الشائعات والأخبار المزيفة، أهمها بروز دور الآلة في عمليات الرصد والتعقب، وهو ما يتواكب مع الانفجار الهائل في البيانات، أو ما يسمى البيانات الضخمة التي تنمو بمعدلات فائقة ويصعب على الفرق البشرية التقليدية تحليلها وتتبعها.

لقد كان العمل على ضبط أخلاقيات المهن الإعلامية منذ بدايات القرن العشرين، عندما تم اقتراح وضع منظومة كمدونة لضبط التجاوزات المهنية في الولايات المتحدة الأمريكية في مجال الإعلام تبعتها السويد ثم فرنسا، ثم تبعتهم دول عدة بعدها ومنها دول عربية. كما أن الكثير من الجمعيات والمنظمات الدولية أو الإقليمية وضعت نصوص شرف أو مواثيق حاولت من خلالها تدعيم العمل الإعلامي بضوابط كان يفترض أن تحكم وتؤطر عمل واضعي المحتويات الإعلامية، مع الالتزام بشروط الموضوعية والدقة والتوازن في صياغة تلك المحتويات، وبشكل رافض لكل أشكال التضليل والتزييف، ومقاومة إثارة النعرة القومية أو الدينية التي قد تسهم في التمييز بين أبناء البشر. غير أن المتابع للممارسات الإعلامية في السنوات الأخيرة يلاحظ تزايدًا لحجم المحتويات المضللة ولخطاب الكراهية، سواء كان هذا في محتويات وسائل الإعلام التقليدية، أم في محتويات وسائط التواصل الاجتماعية الإلكترونية، ما يوجب علينا التوقف للدراسة والتفكير والبحث الموضوعي لفهم مسببات التفاوت بين الخطاب النظري والعمل الفعلي على الأرض.


رابط دائم: