عظيمات مصر ويوم عيدهن
8-3-2022

مدحت بشاي
* كاتب صحفى

‫ونحن نعيش شهر أعياد المرأة في مصر والاحتفال عالميًا بيوم المرأة 8 مارس، نتذكر بدايات الاهتمام بقضايا المرأة التي تم الالتفات إليها في بدايات عصر "محمد علي" عندما كتب مبعوثه الأبرز "رفاعة الطهطاوي" كتابه الشهير "تخليص الإبريز في تلخيص باريز" وما شعره ذلك الجيل من قلق اجتماعي تزامن مع عصر البعثات والخبراء الأجانب، حيث كان النفور من سفور المرأة، ومن تعليمها، ومن مزاولتها أي عمل من الأعمال، ومن اختلاطها بمجتمع الرجال أو مشاركتها في الحياة العامة على أي وجه من الوجوه، وبشكل خاص في الطبقات الميسورة والمستورة فقط، لأن المشكلة لم تكن قائمة في أية صورة من الصور بالنسبة لنساء الطبقة العاملة، سواء من الفلاحين أو العمال، فكلوت بك (الطبيب) يقول: "أما نساء الفلاحين فيرحن ويجئن طليقات من غير قيد، وكثيرًا ما يتفق أن يبعث أزواجهن بهن إلى الأسواق لبيع الحاصلات المختلفة أو غيرها".

فالقضية الكبرى -وفق تعليق المفكر الكبير لويس عوض- والتي كانت مطروحة على أوسع نطاق في الطبقتين الوسطى والعليا فى المجتمع المصري -إلى أي مدى يمكن للتشبه بالأوروبيين أن يتجاوز الأخذ بما لديهم من علوم متقدمة ومهارات تكنولوجية، إلى الأخذ بما لديهم من قيم ومعتقدات وأخلاق وقواعد في السلوك، ولاسيما فيما يتصل بنصف المجتمع، وهو جنس النساء، ويبدو من كلام رفاعة الطهطاوي أن المصري العادي كان إلى نحو عام 1830 يجيب بالرفض، الرفض المسبب أو الرفض الانفعالي، وأنه كان يربط بين تحرير المرأة ومساواتها بالرجل وبين الفساد الخلقي وانهيار الكيان الاجتماعي، لأن دعوة الطهطاوي بأن "وقوع اللخبطة بالنسبة لعفة النساء لا يأتي من كشفهن أو سترهن، بل منشأ ذلك التربية الجيدة والخسيسة"، هي بمنزلة رد على اعتراض قائم بالفعل في أذهان الناس. وقد رأى الطهطاوي فيه وهمًا يجب إزالته، مستندًا إلى ما رآه في فرنسا من سفور النساء وتحررهن ومساواتهن بالرجال، دون أن يؤدي ذلك إلى تدهور الأخلاق عند نساء الطبقة المتوسطة.

ولعل مثل تلك الأفكار والمعتقدات هي التي تم التركيز على إشاعتها في عام السواد الإخواني عندما دان لهم حكم البلاد ليعودوا بنا وبتاريخنا مئات السنين إلى الخلف.

وعليه، كانت المرأة القائد والمعلم في ثورة 30 يونيو، وتحملت عبء المشاركة في الثورة ومواجهة التنظيم الظلامي وتحملت من قبلها عنف الجماعة ضدها عندما كان خطابهم  السائد أن المرأة عورة ومكانها المنزل، وقام أعضاؤها بالاعتداء على المتظاهرات ضد فكرهم المتخلف بالضرب والسحل أمام مقر الجماعة بالمقطم. فقد كان من الأسباب الرئيسية للمواجهة مع الإخوان ومشاركة النساء بقوة خوفهن على مكتسباتهن اللاتى عانين لعقود طويلة من أجل الحصول عليها.

وامتدت مشاركة المرأة للاستفتاءات والانتخابات التي شهدتها مصر في أعقاب 30 يونيو .. وشكلت النساء 54% من مجموع الأصوات التي حصل عليها الرئيس عبد الفتاح السيسي، وفق بيان سابق للمجلس القومي للمرأة.

إلى ذلك، فقد انعكست مشاركة المرأة في 30 يونيو عليها سياسيا، وعلى مشاركتها في المجال العام، بل كانت أحد أسباب وصول هذا العدد من السيدات إلى قبة البرلمان لأول مرة. وحصلت النساء على أعلى نسبة تمثيل في تاريخ البرلمان، وهي 14.59% من مقاعده بموجب الكوتة التي منحت لهن في قانون الانتخابات، بالإضافة إلى تعيين الرئيس 14 سيدة ضمن نسبة 5% يعينها الرئيس .. ومن الامتيازات، التي حصلت عليها المرأة بموجب  دستور ما بعد 30 يونيو، تخصيص ربع مقاعد المجالس المحلية للنساء في المادة 180، والنص على تجريم التمييز بكل أشكاله بما في ذلك التمييز على أساس النوع وإنشاء مفوضية لمناهضة التمييز في المادة 53.

ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن هناك تشريعات وضعت لمصلحة المرأة بعد ثورة 30 يونيو، منها عقوبة الختان، وتغليظ بعض التشريعات، مثل عقوبة التحرش، ووجود قانون يعاقب على التجني على المرأة المصرية بأى شكل من أشكال العنف، وخروج قانون المجلس القومي للمرأة، وتمكين المرأة فى القضاء، وجلوسها على منصة مجلس الدولة لأول مرة. ولولا ثورة 30 يونيو ما كان حدث كل هذا الاهتمام بالمرأة وتمكينها.

وأرى أن المرأة المصرية ونضالها في تلك الفترة سيخلدها التاريخ، لأنه لأول مرة تصبح المرأة في مقدمة الصفوف، كما أن دورها أصبح يوجد فيه تنامي بشكل كبير، لتقلدها المناصب الرفيعة.

وتجدر الإشارة في هذا الصدد لما قالته المناضلة والسياسية الرائعة الراحلة المستشارة  تهاني الجبالي -نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا السابق- "إن المرأة المصرية كانت في لحظة إنقاذ تاريخي، لأنها دفعت ثمنا غاليا، فهي أم الشهيد، وأم المصاب وعانت كثيرا من الإرهاق الاقتصادي، وهي في نفس الوقت تمثل الأجيال المتعاقبة التي تسلم بعضها بعضا، فنري جيل الجدة والأم والابنة، وكانوا في مقدمة المشهد الثوري، وكانوا في موجة الخطر، حتى بعد الموجة الإرهابية الخطيرة...".

 كل عام والمرأة المصرية بخير تمارس دورها الوطني، والسياسي، والاجتماعي، والإنساني بروح 30 يونيو العظيمة.

 


رابط دائم: