الاعتمادات المستندية وواقع قبولها عالميًا
21-2-2022

د. عمرو يوسف
* قسم الاقتصاد بأكاديمية الإسكندرية للإدارة والمحاسبة، زميل الجمعية المصرية للمالية العامة والضرائب

تعتبر تقنية وأداة الاعتماد المستندي الأكثر رواجًا في استخدامها في مجال  تمويل عمليات التجارة الخارجية على مستوي دولي، نظرا لما لهذه الطريقة من خصائص تضمن حقوق الأطراف المتعاقدة، وكذلك  للتقليل من مخاطر عدم تنفيذ عقود البيع الدولية أو سوء تنفيذها. فقد استطاعت هذه الأداة خلق الضمانة الكافية لكل من البائع والمشتري من حماية، وكذلك دفع المخاطر التي قد يتعرض لها كل منهما، ولذلك تعتبر الاعتمادات المستندية أهم العمليات المصرفية لما تقوم به من دور فعال وحيوي في مجال التجارة الخارجية، وذلك بالطبع لا ينفي وجود مخاطر، سواء على المُصدر، أو المستفيد، أو حتى البنك.

وقد مرت هذه التقنية في مسألة تمويل نظام التجارة العالمي، تاريخيًا، للعديد من التطورات، خاصة بعد اعتماد المؤسسات المصرفية، وكذا الأطراف التجارية، لتصبح ذلك أداه رئيسية في تمويل عمليات التجارة العالمية.

ويقف التاريخ شاهدًا على نشأة ما يعرف بغرفة التجارة الدولية International Chamber of Commerceعقب الحرب العالمية الأولي، حينما كان العالم آنذاك لا يعترف ويعتد بنظام عالمي تحكمه قواعد موحدة بالتجارة والاستثمار وقضايا التمويل والعلاقات التجارية، وتحتفل، فى هذه الأيام، بالعيد المائة لإنشائها لتكون بذلك المؤسسة الدولية صاحبة الاختصاص الأصيل في مسألة تقنين الممارسات الدولية عن طريق اختيار أفضل الممارسات الخاصة بالتجارة الدولية.

وقد كان الهدف من وراء إنشاء (ICC) هو تيسير حركة التجارة العالمية وحمايتها من تعسف السياسات الحمائية المحلية لكل دولة، وقد كان لها الأثر الأكبر والدور المهم في مسألة تنظيم وتوحيد إجراءات الاعتمادات المستندية Documentary  Credits  ، عبر وثيقة عرفت باسم (UCP 600) أو لائحة الأصول والأعراف الموحدة للاعتمادات المستندية Uniform Customs and Practice for Documentary Credits ، والتي تم نشرها لأول مره عام 1933، لتمر عبر ذلك على سلسة من التحديثات والتغييرات، لتصبح بذلك أنجح وسيلة دولية فى توحيد القوانين بشكل مطلق. وقد كان آخر تعديل لها وفق اجتماع (ICC) بباريس فى الخامس والعشرين من أكتوبر 2006، حيث بدأ العمل رسميًا بتلك التعديلات بحلول يوليو 2007.وقد أصدرت غرفة التجارة الدولية عام 2019 ملحقًا محدثًا للقواعد الخاصة بالتجارة الإلكترونية .

وتم تعریف الاعتمادات المستندیة بوثيقة (UCP 600) بالمادة الثانية منها بأنها تعهد نهائي من المصرف المصدر بالوفاء مقابل تقدیم مستندات مطابقة لشروط الاعتماد.

وعلى الصعيد العالمي، وتأكيدًا على الاهتمام الدولي بهذه الوثيقة، وبالتالي بوسيلة الاعتمادات المستندية كأداة مهمه فى مجال التجارة الدولية، فقد تم التصديق على أحدث مراجعه من قبل غرفة التجارة الدولية رسميًا من قبل لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي UNCITRALفى دورتها السنوية الثانية والأربعون في فيينا، حيث يعد هذا الاعتراف من قبل المنظمة بمثابة شهادة أحقية ونجاح لما تمثله من جهد غير مسبوق لمواءمة القواعد على المستوى الدولي، وقد رحب بها المندوبون وأثنوا على النص لتمتعه بالشمولية . وقد بلغ عدد الدول المستفيدة من تلك الوثيقة نحو 175 دولة حول العالم، لتشكل بذلك نحو تريليون دولار أمريكي من حجم التجارة سنويًا.

وتساهم مجموعه قواعد (UCP 600) في وضع وتوحيد القواعد المهمة التي تمس التجارة العالمية، وذلك على النحو التالي :

-  تعريف المصطلحات الرئيسية السائدة في التجارة الدولية.

-  كيفية توقيع مستندات التجارة الدولية (خطابات الاعتماد) والاعتراف بها من قبل جميع الأطراف.

-  الفرق بين المستندات والسلع والخدمات (وأي الأطراف تتعامل معها).

-  أي أجزاء من خطاب الاعتماد قابلة للتفاوض وغير قابلة للتفاوض؟

-  كيف يعمل الائتمان وكيف يتم السداد؟

-  كيف يمكن للبنوك توصيل تأكيد البضائع (الإرسال عن بعد)؟

-  نقل البضائع ووسيلة النقل ومن يتحمل المسئولية؟

-  كيفية التعامل مع التناقضات والتنازلات وتقديم الإشعار.

-  توفير المستندات الأصلية أو النسخ الإلكترونية.

-  فواتير الشحن.

-  تأمين وتغطية تكلفة البضائع.

-  فقدان مستندات الشحن فى أثناء النقل.

وتأكيدًا على صدى أهمية الاعتمادات المستندية في مجال التجارة الدولية، تم فى السابع عشر من يناير عام 2014 باجتماع لجنة بازل بشأن الرقابة المصرفية، تعديل اللوائح الخاصة بالرفع المالي للبنك بطريقة تدعم التجارة، لما لهذا التعديل من أهمية في مسألة توفير التمويل التجاري للعالم النامي، وقد أقرت اللجنة تنفيذا لذلك خطابات الاعتمادات المستندية كأداة رئيسية للدفع .

وعن سبب الزخم الدولي والاهتمام بآليات الاعتمادات المستندية واعتبارها أداة أساسية من أدوات التجارة العالمية، يمكن إرجاعه لأكثر من سبب، وذلك على النحو التالي :

-  تقليل مخاطر الائتمان وضمان الدفع، وكذلك حلول تمويل التجارة لتحسين تدفق السيولة النقدية.

-  تأمين المستحقات المالية.

-  الضمان والاستقرار في تمويل عمليات التجارة الخارجية من استيراد وتصدير.

-  العمل على الحد من تجاوزات يرتكبها بعض المستوردين، وكذلك التلاعب بالفواتير.

-  الرقابة الصارمة على خروج العملات الأجنبية، والعمل على ترشيد استخدامها.

-  الحد من استيراد بعض السلع الاستفزازية  أو غير الجيدة.

-  مكافحة التهرب الجمركي.

وقد عانت الاعتمادات المستندية، خلال الفترة السابقة، بعد رفض عدد من المصدرين والمستوردين من بعض الدول، والعزوف عن فتحها بسبب تراجع الطلب العالمي. ونتيجة لذلك، ففي دول إفريقيا وأمريكا الجنوبية أديا إلی انخفاض التعامل بهذه الأداة. وبالنسبة للتعامل مع أستراليا ودول أوروبا وأمريكا فلا يزال التعامل به قويا.

 وتعد أسعار الصرف وتذبذب العملات، خاصة في بعض الدول المصدرة، وارتفاع الدولار الأمريكي أمام العملات المحلية، سببا رئيسا لرفع مخاوف المستثمرين والمستوردين وتدفعهم دفعًا إلى الإحجام عن التعامل من خلال الاعتمادات المستندية، تخوفا من هبوط تلك العملات، وبالتالي خسارتهم.

ومنذ أزمة 2007-2008، كان صناع السياسة قلقين من أن التجارة العالمية يمكن أن تتضرر من نقص التمويل التجاري. ونتيجة لمثل هذه المخاوف، قامت مؤسسات، مثل البنك الدولي وبنك التنمية الآسيوي، بتشغيل برامج تمويل تجارية كبيرة تركز على إصدار وتأكيد خطابات الاعتماد كوسيلة للتبادل التجاري.

وعن انتشار الوساطة المصرفية في التجارة العالمية، فقد أكدت بيانات جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك the Society for Worldwide Interbank Financial Telecommunication (SWIFT)خطابات الاعتماد ورسائل جمع المستندات التي تتبادلها البنوك في جميع أنحاء العالم. ونظرًا لأن جميع الاتصالات المصرفية تقريبًا تعمل من خلال هذه المنصة، فقد التقطت بياناتها نحو 90٪ من إجمالي التدفقات عبر خطاب الاعتماد العالمي من بنك إلى بنك، ولذلك نجد -على سبيل المثال- أنه قد تم  دفع أكثر من ثلث واردات الصين من خلال خطابات الاعتماد. فى المقابل، تعتمد أقل من 2٪ من واردات الولايات المتحدة على هذه الأداة ومن بين أكبر البلدان المصدرة المملكة المتحدة، حيث تطلب معظم خطابات الاعتماد من المشترين. وتغطي خطابات الاعتماد حالياً 2.5٪ من حجم التجارة العالمية بما يعادل 2.3 تريليون دولار من التجارة العالمية في السلع.

وتبقي الاعتمادات المستندیة بهذه الكيفية من أهم وأمن طرق الدفع في التجارة الخارجیة وسط اعتراف دولي بها، إلا أن عدم تنفیذ أي من التزاماتها أو شروطها یجعلها من أخطر طرق الدفع في التجارة الخارجیة. ولذلك، فعلى البنوك أخذ الدقة والحذر في فحص مستندات الشحن للتأكد من مطابقتها لشروط الاعتماد، كذلك ضرورة الالتزام بتطبیق القواعد الموحدة للاعتمادات المستندیة، مع قيام المؤسسات المصرفية المركزية بدراسة واقع الاعتمادات المستندیة، ومعرفة أهم المشكلات التي تواجهها، والاستفادة من هذه النتائج.

 


رابط دائم: