الإعلام واستضاءات إعادة الوعي
7-2-2022

مدحت بشاي
* كاتب صحفى

أعتقد أن الإعلام المصري قد قدم نموذجًا مهنيًا وطنيًا صادقًا مؤثرًا فاعلًا منذ اليوم التالي لصعود جماعة الإخوان إلى كراسي الحكم، ولا ينكر جاحد كيف شكل الإعلام كتيبة نضال يومية للتصدي لكل محاولات الأخونة وإصابة الهوية المصرية الأصيلة بقرارات وإقالات لرموز التنوير وتشكيل لجنة لوضع دستور إخواني .. قام الإعلام المصري باحترافية وحماس بالغ بإعداد متابعات إعلامية فاضحة وكاشفة لكل بدايات المشاريع الإخوانية الخائنة لمستقبل وتطلعات الوطن والمواطن .. متابعات بالصورة والصوت والقلم الصحفي والتحليل السياسي والاجتماعي الكاشف والفاضح .. ملاحقات إعلامية كاشفة لتوجهات رموز وقيادات ذلك التنظيم الخائن وفاضحة لمخططاتهم المناهضة لأحلام المواطن ..

ولكن، نأمل أن تواصل أجهزة الإعلام دورها في دعم وتوطين ثقافة المواطنة.. لقد بتنا نرصد نوعيات من الإعلام يتجه إلى صياغة نماذج إيجابية في حالات قليلة، وصياغة أخرى سلبية في حالات هي الأكثر وجودًا وانتشارًا للأسف ..

ولعل من النماذج الإيجابية التي بتنا نتابعها ما يمكن أن نطلق عليه إعلام التصارح الموضوعي : ويُقصد به التناول العلمي الجاد لكافة علل ومشاكل نعيشها ومنها التي تعوق نشر مفاهيم المواطنة عبر فتح حالة حوار وطني جاد لا يسعى للإثارة من خلال فض أوراق ملفات بعضها كان مُغلقًا على ما فيه للمتاجرة بعناوينه السلبية، والآخر بعد أن تم التركيز حول قضايانا الأهم، وكان أغلبها يستحيل الاقتراب منها ..

وفي مجال السعي نحو تحقيق "المواطنة" شهدت الساحة الإعلامية في الفترة الأخيرة تناول قضايا ملحة على أرضية جديدة أكثر انفتاحاً وجرأة والتزاماً بشفافية العرض،  وبالسرعة المطلوبة ورد الفعل الأكثر اتساعاً ..

ولعل ظهور جماعات وتيارات إصلاحية تقوم أحياناً بتبني وجهات نظر متجددة تسعى إلى تحريك قوى المجتمع المدني لدفع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية للقيام بدورها في دعم قيم المواطنة وتفعيل مفاهيمها خير شاهد على ذلك وداعم لذلك التوجه، وفي هذا الإطار أرى بعض النماذج الإيجابية لإعلام قد تفهم فحوى رسائل إصلاحية داعمة لتفعيل الاصطفاف المُحايد من أجل تقديم وجهتي النظر الموالية والمعارضة بشفافية كان لها صدى جيد في الشارع المصري .

ولكن للأسف هناك العديد من الصور والنماذج الإعلامية الجديدة التي تحاول أن تُحدث قدرًا من التوازن الوهمي عبر اللعب على محاور متضادة الأهداف والاتجاهات بشكل مُربك ومُتوه في تصور أن ذلك يتيح لها قاعدة أكثر اتساعًا من القراء أو المستمعين أو المشاهدين، فتكون النتيجة تراجع المصداقية وبهتان المشهد الإعلامي والتأثير السلبي على حال المواطنة، وهو إعلام يتصور صانعوه أنهم يقدمون نموذجًا حرًا مستقلًا ..

وفي المقابل هناك بعض القنوات الفضائية الدينية المستنيرة، ونوعية قليلة من الصحف التي تعمل بشكل جاد وأمين وصادق في مجال إثراء الوعي الديني والروحي النبيل ونشر المفاهيم التي تُعلي من قيم الانتماء للوطن وللأديان وتوظيفها في الدعوة إلى الإصلاح والتقدم والمزيد من العمل المخلص والإنتاج الطيب ونبذ العنف ورفض التزيد في أشكال التدين المظهري .. الخ، وأرى ضرورة  أن تجد هذه المنابر الإعلامية المعتدلة دعمًا مُجتمعيًا لمجابهة هذه الموجة الشرسة من قنوات وصحف أخرى تعمل وفق رؤية متعصبة وطائفية بتنا نستشعر خطورتها وتأثيرها في الشارع والمسجد والكنيسة، بل وداخل بيوتنا عبر رسائلها السلبية التي تضخمت من حيث المحتوى وأعداد متابعيها واجتذاب كوادر من الشباب المحدود المعرفة والتجربة والخبرة بدعوى العمل من أجل حماية الأديان والمعتقدات من خلال بث رسالة رئيسية يتم تكرارها أن هناك نُظمًا وحكومات لا تحكم بعدل الأديان وشرائع السماء وأن الفضيلة تنتحب والعقيدة تتوارى أحكامها ونواهيها ودعواتها المقدسة في مجتمع يرونه يسعى إلى تحقيق تقدم أرضي زائف ..

أما عن أهم أشكال وتبعات تلك الرسائل السلبية لتلك القنوات أنها صارت تباعد بيننا كبشر ومجتمعات ونحن في سبيلنا لتوطين ودعم قيم المواطنة على أرض جمهورية جديدة بتنا على أبوابها بحماس ووطنية قيادة مصرية رائعة  ..

لقد بتنا للأسف نشاهد ونسمع برامج ونتابع إنتاج قنوات ووسائط إعلامية متعددة تروج لمعارف سلبية في انحراف وتنازل مذهل عن سبل المعرفة العلمية للترويج ــ على سبيل المثال ــ لعلاج المرضى بآيات الأديان ووضع الأيادي على رؤوس الغلابة وإدعاء صنع المعجزات ...والتسويق لمنتجات إعلامية ( كتب وكتيبات ونشرات ـ اسطوانات كمبيوترية ) نراها تباع على أبواب المساجد والكنائس لتبيع للناس نشرات التحريض على رموز وأجهزة حكومية وتكفير نخب الاستنارة والإبداع وأهل الفكر بعيدًا عن شرطة المصنفات وكل أعين الرقابة للسطو على قلوب ووجدان ومشاعر وعقول البسطاء الذين ينتظرون حلولًا تأتيهم من العالم الآخر بدلًا من الطبيب والدواء والعيادة والمستشفى وبعيداً عن تكاليفهم فيكون العيش في عالم الأحلام الوهمية حتى لو أدركوا مدى استحالة تحقيق تلك الأحلام، إلا أن ختمها بصكوك الآيات والتعاليم الدينية والروحية يدفع البسطاء عبر حالة إيمانية وهمية تبشر بها تلك القنوات للتواصل معها من خلال ربطهم بوصلات البكاء والنحيب للتكفير عن الخطايا والإعلان عن تواصل الأرض بالسماء والناس بخالقهم على طريقتهم !!


رابط دائم: