للنجاة من "تعويذة الشيطان"!
25-1-2022

جاكلين جرجس
* مدير المركز الثقافى القبطى بجمعية جامعة المحبة

حوادث غريبة وشاذة على مجتمعنا المصرى الهادئ المسالم في أغلب الأحوال .. نستيقظ كل صباح علي جرائم تقشعر لها الأبدان .. فى الشرقية "فلان الفلاني أكل لحم أخيه" وصف لجريمة بشعة يصعب الحديث عنها، لكن – للأسف-  بات متداولًا في الآونة الأخيرة على صفحات الجرائد وعلى لسان مقدمي برامج الإثارة التليفزيونية بعد أن تحول عدد من الأشقاء في الأسرة الواحدة إلى متصارعين وآكلي لحوم بشرية، دون أي إحساس بحرمة صلات الدم والرحم .. غَّيب المخدر والاكتئاب والتبعات المرضية لديهم الإحساس والشعور وألم وخزات الضمير الإنساني!

لقد تسبب عقار "الاستروكس" في تجرد عامل من آدميته ليتحول إلى وحش كاسر يدمر كل من يمنعه من تناوله، حتى وصل به الأمر إلى ذبح شقيقه بمطواة بسبب رفضه إعطاءه نقودا لشراء ذلك المخدر اللعين! كما أشعل "مدمن" النيران في أسرته لرفض والده منحه أموالًا لشراء المخدرات، ما أسفر عن إصابة والده ووالدته وشقيقه وزوجته وشقيقته وطفلها من جراء النيران، كل تلك الجرائم وأكثر منها باتت تدخلنا فى عصر جرائم "اللامعقول" حسب ما جاء فى تقرير إحدى الصحف المصرية لعام 2017. مع مزيج من الألم والحسرة، تشير الإحصائيات فى مصر إلى أن "الحشيش والبانجو" احتلا  مقدمة المواد المخدرة حتى عام 2015، إلا أن الأمر اختلف في عام 2017 وتصدر الترامادول المقدمة وأصبح الأكثر انتشارا.

لقد احتل "الاستروكس" مرتبة الأكثر خطورة بدخوله إلى مصر تحت بند بخور ونباتات عطرية، تلك الأنواع التى تستخدم فى علاجات الطب البديل في الهند وأمريكا والصين بينما يدخل في تكوينه مواد غير ممنوعة قانونا ومصرح بها طبياً. "الاستروكس" مخدر عبارة عن خلطة يم تصنيعها من مواد كيميائية، من نبات القنب، مع بعض المواد الكيميائية المسكنة والاتروبين، والهيبوسيامين، والهيوسين، وغير مصرح بتناوله للآدميين ويؤخذ بجرعات معينة لتهدئة الأسود والحيوانات المفترسة قبل عروض السيرك. مخدرات تعطى الشاب لذة وقتية ومتعة يقع فى براثنها ولا يستطيع الفكاك منها ذلك الشباب الفاقد لأهدافه والضائع تحت وطأة وهم الفشل والدونية. أضف إلى ذلك الفراغ القاتل والبطالة، وأصدقاء السوء، مع عدم المراقبة من الأسرة، وكثير من الضغوط الاقتصادية والتبعات المرضية النفسية التي يمر بها هؤلاء الشباب فتفترس البعض وتترك البعض الآخر يصارع بين الحياة والموت لا يستطيع الخلاص منها إلا من يملك إرادة قوية للنجاة من "تعويذة الشيطان" أو "الفيل الأزرق".

ثم ظهر مخدر جديد اسمه "الفلاكا" وهو ما يطلق عليه أيضا "الزومبي"، لأن المتعاطي متعاطيه، يمشي بخطوات بطيئة مثل الزومبي، وهو أقوى عشر مرات من الكوكايين ويزيد الإحساس بالمتعة، مع زيادة في درجة حرارة الجسم وحركات غير إرادية، ويورد لمصر من الصين و يباع على أرصفة مواقع الإنترنت بأسعار رخيصة وفى متناول أيدى أغلب الشباب؛ ليصل عدد مدمنى (الفلاكا) إلى 1900 زومبى حقيقى.

فبينما تبذل الحكومة حالياً جهداً كبيراً لفتح الباب لعلاج المدمنين في مستشفيات حكومية وجامعية ومراكز علاج الإدمان، وكذلك الجهود الفعالة من جهة وزارة التضامن الاجتماعى وصندوق مكافحة الإدمان من خلال تقديم البرامج التوعوية للأسر المقيمة فى المناطق السكنية الجديدة "بديلة العشوائيات" ما يسهم فى تحقيق الهدف العام للمشروع نحو تشكيل ثقافة رافضة للمخدرات، تعتمد منهجية استدامة الأنشطة الوقائية على إعداد قيادات طبيعية من داخل الأماكن المطورة وكذلك المناطق التى سيتم تطويرها فى القريب العاجل وتدريبهم على آليات الوقاية والاكتشاف المبكر ومهارات الاتصال لنشر رسائل التوعية بين أقرانهم بما يسهم فى إذكاء روح المشاركة المجتمعية بين شباب هذه المناطق، مع تطوير رسائل الوقاية لتتناسب مع كل فئة مستهدفة وفقًا لدليل علمى أعده صندوق مكافحة وعلاج الإدمان خصيصًا لهذا الغرض. كما يشمل البرنامج الوقاية والاكتشاف المبكر والعلاج والتأهيل لمرضى الإدمان والدمج المجتمعى للمتعافين والإرشاد الأسرى لذويهم.

أرى أن على كل الجهات المعنية  تكثيف جهودها بداية من الأسرة، والمؤسسات التعليمية، والمؤسسات الدينية، ووزارة الثقافة. كما ينبغي أن تقوم المؤسسات الإعلامية بحملات توعية للشباب في المدارس والجامعات وعلى صفحات الصحف ومواقع الإنترنت وعبر وسائط التواصل الاجتماعي التي يسكنها شبابنا.

فبالرغم من إدراج مواد تصنيع "الاستروكس، والفودو والفلاكا" فى الجدول الأول الملحق بقانون المخدرات فإن عقوبة الاتجار بها أو حيازتها تصل إلى الإعدام، أو الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة، وذلك وفقا للمواد: "33، و34 و37، و38، و44، 45"، من قانون المخدرات رقم 182 لسنة 1960، بالإضافة إلى غرامة مالية تصل إلى نصف مليون جنيه وذلك حال استيرادها أو تصديرها للخارج، فإن هذه السموم لا تزال تحدثنا عنها إحصائيات صندوق مكافحة الإدمان. فبناء علي نتائج المسح القومي الذي تم إجراؤه في شهر فبراير من عام 2021 ، كانت نسبة التعاطي 10%، والإدمان 3.3%. وبعد المسح الحديث انخفضت النسب ووصلت نسبة التعاطي إلي 5.6%، والإدمان إلي 2.4%، متسائلا: هل ذلك يشمل كل السكان؟، بالطبع لا، كذلك المسح يجري علي الشريحة من 15 إلي 60 سنة، موضحا أن نسبة التعاطي علي مستوي العالم 5%، ومصر في 2014 كانت ضعف المعدل العالمي.

إننا، على ما يبدو، أمام حرب شرسة، فقد تطورت أساليب تجارة المخدرات لتناسب الجيل الحديث، فيكشف لنا التقرير الأممي أن تجار المخدرات يستخدمون التكنولوجيا والعملات المشفرة التي تعمل خارج القطاع المالي المعتاد للوصول لشرائح مختلفة من المدمنين وتنامت تجارة المخدرات إلكترونيا جراء انتشار كوفيد-19، واجتياحه العالم  فأصبح الوصول لأي مخدر أسهل من أي وقت مضى مع المبيعات عبر الإنترنت. لذلك إذا كانت مصر تعاني مثل كثير من دول العالم ويلات الإرهاب وتبعاته فإن مواجهة الفساد والمفسدين بات ضرورة لأن القضاء عليه ومواجهته صارا ضرورة للأمن القومى.

قد تؤلمنا كلمات كاتبنا الكبير "عزت السعدني" في هذا الصدد، وهى نتاج ألم وتعاطف مع تلك الأزمة التي تهدد أمن وكيان وطن، حين يقول "لم يعد الإنسان هو الإنسان .. الزمان تغير وتبدل وأصبح زمان القتل، والإنسان تحول إلي وحش كاسر .. بعد أن نبتت له أنياب وأظافر .. القتل .."!


رابط دائم: