فى الطريق إلى COP27.. الطاقة والتغير المناخي
25-1-2022

د . أحمد سلطان
* مهندس استشارى- رئيس لجنة الطاقة بنقابة مهندسين القاهرة

يتسارع تغير المناخ العالمي مهددًا سكان الأرض بأخطار لا حصر لها، تمثل مواجهتها تحديًا كبيرًا، فالتغير المناخي هو من أهم القضايا البيئية في عصرنا، والذي يضيف ضغوطاً كبيرة على البيئة، وعلى مجتمعاتنا. وبدءاً من تغير أنماط المناخ التي تهدد إنتاج الغذاء، وصولاً إلى ارتفاع منسوب مياه البحر الذي يزيد من خطر حدوث فيضانات كارثية، فإن آثار التغير المناخي عالمية النطاق وغير مسبوقة من حيث المخاطر والحجم. وبدون البحث عن سرعة اتخاذ إجراءات جذرية الآن، سيكون التكيف مع هذه الآثار والمخاطر في المستقبل أكثر صعوبة وتكلفة. يتطلب هذا التحدي ضرورة حدوث تحوُّل جذري وواضح في قطاعات الطاقة بأكملها بما يعزز مبدأ الكفاءة في كيفية استغلال واستخدام الموارد، ويعمل على رفع مستوى إنتاج وصناعة الطاقة المتجددة، وينتج آليات أكثر فعالية لتوزيع التكلفة النهائية على المستهلكين على نحو يحقق مبدأ العدالة الاجتماعية، لأنه من الممكن تحقيق المواءمة العادلة اجتماعيًا بين حماية البيئة ودعم الاقتصاد إذا تمت عبر آليات واضحة وأكثر فعالية.

أهمية الطاقة:

الطاقة شريان الاقتصاد العالمي، ومحرك التنمية، وقلب التطور النابض، ومؤشر النمو لمختلف دول العالم، والدول التي تعتمد بصورة كلية أو جزئية على الطاقة التقليدية أو الوقود الأحفوري في توليد الطاقة، تعي جيداً نضوب هذه المصادر، وإذا أراد العالم معالجة قضية التغير المناخي، فعليه أولاً الابتعاد عن الوقود الأحفوري والاتجاه وبسرعة نحو نظم الطاقة منخفضة الكربون، والقائمة في الأساس على التجدد، ولا شك فى إن هذا التحول السريع يتطلب المزيد من العلم والابتكار، بيد أن التغيير العلمي ليس الجزء الأصعب في هذه المعادلة، فالتقنيات الأساسية موجودة بالفعل، وتتطور بصورة سريعة مع إمكانية نشرها على نطاق واسع. بالإضافة إلى ذلك، يشهد العالم انخفاضاً واضحًا في أسعار تكنولوجيات إنتاج وصناعة الطاقة المتجددة فأصبح بعض أنواعها أرخص مصادر الطاقة المعروفة، وهو ما يعد فرصة ذهبية يجب على الجميع اغتنامها والتوسع في الاستثمار في المجالات المختلفة من الطاقة المتجددة، ويتطلب ذلك قرارات وإجراءات حكومية مدروسة جيدًا.

لعلاج قضية التغير المناخي، يجب أن نضع نصب أعيننا ثلاث ركائز: أمن الطاقة والازدهار الاقتصادي، ورفاهية سكان العالم بأسره، وتغير المناخ وأهميته، وعلينا الاهتمام بها في آن واحد دون التهاون في واحدة دون الأخرى.

الحاجة إلى نقلة في مجال الطاقة:

لقد بلغ المعدل الإجمالي لغازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي مستوًى قياسيًا جديدًا، بينما زاد التأثير الإشعاعي الإجمالي بنسبة تتعدى٤٠٪ منذ عام ١۹۹٠، وهو ما يشكل خطرًا وجوديًا على رفاه الكوكب في الحاضر والمستقبل، وسيؤدي عدم اتخاذ إجراءات سريعة إزاء ذلك إلى تغير مدمر في المناخ، تصاحبه آثار مدمرة للحياة على الأرض، من بينها انقراض نحو ٢٠٪من الكائنات الحية الحالية، بالإضافة إلى إفناء الشعب المرجانية، وارتفاع كبير في مستوى سطح البحر، كما سنواجه الجفاف الشديد والفيضانات التي تؤدي إلى موجات النزوح وتفجر الصراعات، ولا يمكن معالجة تلك التهديدات والمخاطر، التي من الممكن زيادة خطورتها بشكل غير متوازن على الفئات الأضعف عالمياً إلا من خلال شراكة عالمية واضحة وجادة وأكثر فعالية، حيث قُطِع شوطٌ مهمٌ وواضح في هذا الصدد بالتصديق على اتفاقية باريس عام ٢٠١٥، وعلى خطة التنمية المستدامة لعام ٢٠٣٠، ومن بين سبعة عشر هدفًا من أهداف التنمية المستدامة يتمثل الحد من التغير المناخي في الهدف الثالث عشر، وهو:اتخاذ إجراءات عاجلة لمكافحة تغير المناخ وآثاره من خلال تنظيم الانبعاثات والنهوض بمجالات الطاقة المتجددة، لكن كيف يمكننا تحقيق العدالة الاجتماعية فى أثناء هذا التحول؟

أيضاً، يشير الهدف السابع من أهداف التنمية المستدامة إلى وجود صلة واضحة وقوية بين العدالة الاجتماعية والحد من تغير المناخ، وذلك من خلال زيادة فرص الاستثمار واستخدام الطاقة المتجددة، كما ينص الهدف السابع صراحة على أن الرفاه العام للمجتمع يعتمد على خدمات طاقة موثوقة وبأسعار معقولة من أجل التنمية بشكل منصف وعادل، ويرجع ذلك إلى أن عدم توافر الطاقة بأسعار معقولة يعرقل التنمية الاجتماعية بسبب تضرر قطاعات حيوية مثل التعليم والصحة وغيرها من القطاعات الفعالة في المجتمع العالمي.

وتجدر الإشارة إلى أن مبدأ كفاءة استخدام الطاقة يمثل أهمية كبرى تتعدى مبدأ استخدام الطاقة المتجددة، أيضاً تنعكس زيادة التكلفة على ميزانية الدولة، وبالتالي على المستهلكين؛ وهو ما لا يتوافق مع الهدف السابع من أهداف التنمية المستدامة، والذي يدعم القدرة على تحمل التكاليف، ولأن المجتمع يجب أن يراعي استدامة البيئة من أجل الأجيال القادمة، مع وضع العبء المالي على الجيل الحالي في الحسبان.

التحديات والمعوقات في عمليات التحول نحو الطاقة المتجددة:

ترتكز الأجزاء الصعبة في عمليات التحول إلى الطاقة المتجددة على كيفية التغلب على المقاومة الثقافية والمؤسسية لعملية التحول، مع الابتعاد عن الهيكل الحالي لنظم الطاقة الحالية، والقائمة على الطاقة التقليدية أو ما تسمى الوقود الأحفوري، لأن الوقود الأحفوري ليس مُرسخًا فقط في تكنولوجيا نظم الطاقة، بل في النظم السياسية والمالية والمؤسسات، لذا فإن الاستجابة للتغير المناخي لا تتطلب استثمارات في الابتكار التكنولوجي فحسب، لكنها تحتاج كذلك إلى تعهد صريح وواضح بتغيير النظم الاقتصادية والفكر المؤسسي. فنظام الطاقة العالمي الحالي لا يزال يعتمد على الطاقة التقليدية، والتي تساهم بأكثر من ٦٠٪ من انبعاثات غازات الدفيئة المسؤولة عن التغير المناخي، وعلى الرغم من المعدلات السريعة للابتكار التكنولوجي وعمليات خفض التكاليف، فإن تكنولوجيات الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة لا تزال تتنافس بشدة مع تكنولوجيات الطاقة مكثفة الكربون.

لا مفر، إذاً، من تقليل استخدام الكربون في الصناعة والأعمال، مما يجعل التحول عن قطاع الطاقة التقليدي مطلبًا حتميًا، ولن يُتاح الانتقال من نظام توليد الطاقة القائم على الوقود الأحفوري إلى نظام خالٍ من الكربون بأسعار مقبولة إلا بتفعيل ثلاثة مبادئ مهمة: الاستثمار في موارد الطاقة المتجددة، وتعزيز الممارسات الموفرة للطاقة، واعتماد تكنولوجيات الطاقة النظيفة.

مساعي وجهود الدولة المصرية في قضية المناخ:

وإذا تطرقنا إلى الحديث عن المساعي والجهود المصرية في قضية المناخ، فالدولة المصرية تسعي بقوة لدعم جهود المجتمع الدولي في قضية التغير المناخي، وفي سبيل تحقيق ذلك تتوسع مصر في مشروعات الطاقة النظيفة والصديقة للبيئة، حيث وجه الرئيس عبدالفتاح السيسي عددا من الوزارات والمؤسسات الحكومية للعمل بقوة على قضية وملف التغير المناخي من أجل بيئة نظيفة في الأراضي المصرية، تحد من الانبعاثات الكربونية والاعتماد على الطاقة النظيفة، والعمل على التوسع في توليد الكهرباء من طاقة الرياح، وكذلك ضخ الاستثمارات في نشر ثقافة مشروعات الطاقة الشمسية، بدءاً من مشروع بنبان للطاقة الشمسية في أسوان، وصولاً إلي نشر ثقافة توليد الطاقة الشمسية فوق أسطح البيوت بدعم واضح من القيادة السياسية وأجهزة الدولة.

مؤتمر الأمم المتحدة المعنى بتغير المناخ COP 27:

إن اختيار مصر جاء لاستضافة القمة، لأنه كل عام يتم انتقاء إقليم جغرافي وفي نطاق إفريقيا أجمعوا على أن مصر لديها الخبرة والحالة الخاصة لتفيد غيرها ولديها تحديات يريد العالم التعرف عليها، كما أن مصر من الدول التي بها تصنيف عالمي في الطاقة النظيفة وطاقة الرياح. فنحن من الدول الأفضل من حيث الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وذلك هبة من الله، ومصر لها دور مهم كجسر بين الشمال والجنوب في مجال مواجهة التغيرات المناخية، وتعمل مصر على التحدث مع جيرانها وتستغل استضافتها مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ لعام ٢٠٢٢لوضع أرضية مشتركة لمواجهة التغيرات المناخية وتشجيع دول المنطقة على العمل لخفض الانبعاثات الكربونية.

ختاما، فإن التغير المناخي هو من أهم القضايا البيئية في عصرنا، والذي يضيف ضغوطاً كبيرة على البيئة، وعلى مجتمعاتنا، وبدءاً من تغير أنماط المناخ التي تهدد إنتاج الغذاء، وصولاً إلى ارتفاع منسوب مياه البحر الذي يزيد من خطر حدوث فيضانات كارثية، فإن آثار التغير المناخي عالمية النطاق وغير مسبوقة من حيث المخاطر والحجم، وبدون البحث عن سرعة اتخاذ إجراءات جذرية الآن، سيكون التكيف مع هذه الآثار والمخاطر في المستقبل أكثر صعوبة وتكلفة، ومن الضروري أيضا نشر ثقافة التحول إلى الطاقة المتجددة على نطاق واسع يعني في المقام الأول تغيير أساليب إنتاج واستخدام وتوزيع الطاقة، ويعني أيضًا إعادة تقييم وإعادة ترسيم المسلمات المؤسسية والثقافية والمالية العتيقة المتعلقة بمجالات الطاقة المختلفة، كما يتطلب هذا تعلمًا بالممارسة، حيث تكتسب المرافق، والمنظمون، ومطورو الطاقة المتجددة، والمجتمعات، والعملاء خبرة في تنفيذ نظم الطاقة المتجددة.

تتطلب عملية التحول ضرورة تحليل الوضع الراهن لتحديد الأدوات التي يمكن تطبيقها على النحو الأمثل في كل بلد، أما على المدى الطويل، فإن الحد من الكربون هو الحل الوحيد للتعايش المستدام بين البيئة والاقتصاد والمجتمع.


رابط دائم: