الأهمية الاستراتيجية للغاز المصري
10-1-2022

د . أحمد سلطان
* مهندس استشارى- رئيس لجنة الطاقة بنقابة مهندسين القاهرة

بالرغم من اختلاف الثقافات واللغات، وبعد المسافات بين مصر واليونان وقبرص والأردن، تتشارك الأسر المصرية واليونانية والقبرصية والأردنية في عامل مشترك فيما بينها، ألا وهو الغاز الطبيعي المصري، الذي تستدفئ به الأسر. فالغاز المصري أصبح في عهد الرئيس السيسي، وبالتحديد بعد عام ٢٠١٤ هدفاً استراتيجياً وثروة آمنة للمصريين وأداة ثقل للدولة المصرية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، ومؤشراً لنجاح الدولة المصرية والرؤية السياسية ما بعد ٢٠١٤، وغدت مصر لاعبًا أساسيًا في صناعة الطاقة العالمية.

موسكو وأنبوب الغاز الأوروبي:

على الرغم أن أزمة الغاز بين روسيا أوكرانيا لم يكن لها تأثير مباشر على الدول الأوروبية، إلا أن الأزمة كانت كفيلة بلفت أنظار الجميع إلى خطورة تبعيتها لموسكو وشدة اعتمادها عليها فيما يتعلق بتزويدها بأحد أهم مصادر الطاقة الحيوية المتمثلة في الغاز الطبيعي. وبالرغم من أن دول القارة العجوز تستطيع زيادة إنتاجها من الغاز الطبيعي، لكن لوبي المناخ يعارض بقوة هذه الخطوة، معترضًا على تقنية وتكنولوجيا عمليات التكسير الهيدروليكي، التي تعتمد على ضغط الغاز المحصور أسفل طبقات الصخور، لجعله يتدفق على هيئة سائل بسهولة، وهي طريقة تعرضت لسهام الانتقاد، وطريقة اتُّهمت كثيرًا بالتسبب في الزلازل، وتلوث المياه الجوفية، وازداد الأمر تعقيدًا عندما قرر الألمان وقف اعتمادهم على الطاقة النووية بعد انفجار مفاعل فوكوشيما النووي في اليابان عام ٢٠١١، وكذلك بعد توقف الاعتماد على الفحم في العديد من الدول الأوروبية، مثل إيطاليا والمملكة المتحدة، التزامًا بأهداف تخفيض انبعاثات الكربون والتهديدات البيئية العالمية.

مصر تنجح في فرض استراتيجيتها بأن تُصبح محوراً رئيسياً، ونقطة انطلاق قوية لتصدير الغاز الطبيعي المسال لأغلب الدول، حيث بات من المؤكد اعتماد العديد من الدول على الغاز الطبيعي المصري كمصدر رئيسي لا غنى عنه.

مؤشرات ودلالات لأهمية الغاز المصري:

كل هذه المؤشرات أعطت الغاز المصري وقطاع الطاقة بصفة عامة، أبعاداً دولية وسياسية، وغطاء اقتصاديا هام للعديد من دول القارة العجوز، كما أولته أهمية تخطت الحدود والمسافات والثقافات واللغات، في ضوء التوقعات العالمية بزيادة الطلب العالمي على الغاز الطبيعي، وسوف تتزايد مع التغيرات المناخية التي تشهدها دول العالم حالياً، خاصة باحتفاظ الغاز الطبيعي بلقب الأقل تلوثاً وصديقاً للبيئة من بين مصادر الطاقة الأخرى. 

وعندما أنجزت مصر في بضع سنين ما لم يتم تحقيقه في عقود كاملة، وتحقيق حلم وهدف الدولة الاستراتيجي، وأيضاً الوصول إلى الاكتفاء الذاتي من الكهرباء، بادرت إلى تصدير الفائض إلى الخارج، والعمل على تعزيز دورها الحيوي في أمن الطاقة العالمي، وقامت الدولة المصرية باستغلال واستثمار ميزتها الاستراتيجية كمنتج مهم للطاقة المتجددة الرخيصة في منطقتي بنبان وجبل الزيت، كما توسعت في تنويع مزيج الطاقة المصري، وشهد العام الحالي أكبر نسبة مشاركة لقطاع الطاقة المتجددة والجديدة، والعمل على زيادة نسبة مساهمة الطاقة المتجددة فيه إلى ٢٢٪ بنهاية العام الحالي. وفى مجال الهيدروجين الأخضر، لم تتوانَ مصر عن استخدام تكنولوجيا الهيدروجين الأخضر؛ لمواكبة التوجه العالمي في تقنيات الطاقة النظيفة.

وتقدر احتياطيات مصر من الغاز الطبيعي نحو ٢.١۸٦ تريليون متر مكعب، أي ما يعادل  ٧٧.٢تريليون قدم مكعبة، وفقًا لبيانات من شركة بي بي وإدارة معلومات الطاقة الأمريكية، وبدأت مصر خطوات واسعة وسريعة نحو تحقيق حلم التحول لمركز إقليمي للطاقة، وساهمت في إنشاء منتدى غاز شرق المتوسط والذي يهدف للتعاون بين الدول وإنشاء سوق إقليمي للغاز في المنطقة، كما تخطط مصر لمد خطوط بين دول المنتدى للاستفادة من إنتاج الغاز بين الدول وبعضها بعضا.

وتوسعت مصر في تصدير الغاز الطبيعي المسال مع إعادة افتتاح مصنع دمياط لإسالة الغاز، بعد توقف ۸ سنوات بسبب مشكلات حول تشغيل المصنع، ومنح إعادة فتح مصنع دمياط للإسالة، مصر مصدرًا إضافيًا للتصدير في ظل طموحات القيادة السياسية بأن تصبح مصر مركزًا إقليميًا للغاز مع زيادة إنتاجها من الغاز الطبيعي عبر الحقول المكتشفة حديثًا، وعلى رأسها حقل ظُهر العملاق، وبرزت القاهرة كمورد أساسي للغاز الطبيعي المسال، وتحرص مصر على الاستفادة من جميع الموارد للتوسع في مشروعات الطاقة المتجددة واستغلالها في مشروعات الربط الكهربائي، كما ترى أن المستقبل يتطلب التعامل مع معطيات عديدة، منها الهيدروجين الأخضر، للمساهمة في تقديم الحلول اللازمة والسريعة لتوفير الطاقة بشكل آمن ومستدام.

ختاماً، أصبح الغاز المصري ثروة لمصر والمصريين وأداة ثقل سياسية واقتصادية، على المستوىين العالمي والإقليمي، وغيّر خريطة العالم في أسواق الغاز العالمية، وفى منطقة شرق المتوسط، بعد أن أصبحت القاهرة لاعبًا أساسيًا في صناعة الغاز الطبيعي، وسيزيد تأثيرها، خلال السنوات القليلة المقبلة مع التوسع في عمليات التصدير، وأيضاً في ضوء وجود المركز الرئيس لمنتدى غاز شرق المتوسط في القاهرة، وتعمل مصر على تعزيز تجارة الغاز الإقليمية، من خلال استضافة المنتدى، والذي تأسس لتعزيز صادرات الغاز من المنطقة.

مصر تنجح في فرض استراتيجيتها بأن تُصبح محوراً رئيسياً، ونقطة انطلاق قوية لتصدير الغاز الطبيعي المسال لأغلب الدول، حيث بات من المؤكد اعتماد العديد من الدول على الغاز الطبيعي المصري كمصدر رئيسي لا غنى عنه.


رابط دائم: