هل ينتهى عصر النفط قبل أن ينتهي النفط؟!
14-12-2021

د . أحمد سلطان
* مهندس استشارى- رئيس لجنة الطاقة بنقابة مهندسين القاهرة

"العصر الحجري لم ينته بسبب نقص الحجارة، وعصر النفط سينتهي قبل أن ينتهي النفط"، قالها وزير النفط السعودي السابق أحمد زكى يماني في السبعينيات، وأصبحت منذ ذلك الوقت بمنزلة بوصلة يهتدي بها الخبراء وصانعو القرار عندما يتعلق الأمر بقضايا الطاقة عالمياً، ويبدو أن هذه المقولة الشهيرة أصبحت على وشك الظهور في صورة واقعية بغض النظر عن اتخاذ قضية التغيير المناخي وتبعاتها على عصر استخدام الوقود الأحفوري، حيث تشير أحدث التقديرات العلمية والجيولوجية، بشأن ما يتعلق بمدى وفرة النفط والقدرة على تحمل تكلفته، إلى أن العالم سيضطر قريباً إلى تخفيض استهلاكه كمصدر للطاقة، ومع هذا تتعالى يومياً الأصوات القائلة، إن العالم لا يستطيع السير نحو نفاد النفط، لكن زيادة الطلب المتوقعة تهدد إمكانيات الاعتماد عليه كمصدر حيوى وضروري للطاقة.

الانتقال الرابع للطاقة وتبعاته على عصر النفط:

تاريخ عصر انتقال الطاقة طويل ويمتد للقرن التاسع عشر، حيث الانتقال الأول للطاقة عندما حل الفحم مكان الكتلة الحيوية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، والانتقال الثاني ارتبط بضرورة التوسع في استخدام النفط، من ٣٪ عام ١۹١٥ إلى ٤٥٪ عام ١۹٧٥، والانتقال الثالث أتى مع انتشار ظهور والتوسع في استخدامات الغاز الطبيعي الذي ارتفعت نسبة مشاركته من ٣٪ في عام ١۹٣٠ إلى أكثر من ٥٠٪ في عام ٢٠٢٠.

لذلك، فإن الانتقال الرابع للطاقة بالتوسع في استخدامات مصادر متنوعة للطاقة المتجددة سوف يتم، مثلما حدث في العصور الماضية، على حساب مصادر الطاقة التي سبقته، وعلى رأس تلك المصادر الطاقة التقليدية، أو ما تعرف بالطاقة الأحفورية (الفحم والنفط والغاز)، بالمرتبة الأولى على حساب الفحم والنفط، ويظهر ذلك جليا، من خلال عمليات التوسع والإحلال في صناعة السيارات التي تستخدم المحرك الكهربائي بدلاً من محرك الاحتراق الداخلي الذي لا تزال تستخدمه معظم السيارات الآن. وعملية التحول هذه سوف تتوسع بصورة كبيرة في المستقبل، والتوقعات جميعها تشير إلى أن نصيب السيارات التي تعتمد على الطاقة المتجددة في توليد الكهرباء سوف يصل بحلول عام 2040 إلى أكثر من ٤٥٪ من إجمالي السيارات المستخدمة، وهو تحد خطير لصناعة النفط، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن وسائل النقل المختلفة هي على رأس مستهلكي الطاقة عالمياً.

العلاقة بين مصادر الطاقة المختلفة:

العلاقة بين مصادر الطاقة المختلفة (المتجددة وغير المتجددة) عبارة عن علاقة تكاملية، وليس من المنطق أو الحكمة ما يسمى محاولات التهميش أو التحييد لأي مصدر من هذه المصادر تحت أي ذريعة، بل إنه من الضرورة الملحة عمل الجميع خاصة متخذى القرار في صناعة الطاقة العمل على رفع كفاءة الإنتاج والاستهلاك لجميع مصادر الطاقة المختلفة. إن مزيج الطاقة أصبح من الضروريات الأساسية للمحافظة على المصادر النابضة منها وللمحافظة على أمن الطاقة العالمي والمستقبلي والمحاط بالعديد من المخاطر، وأهمها شح الطاقة وتكلفة إنتاجها وانعكاساته الكارثية، فالعلاقة تكاملية لو نظرنا إليها بصورة أكثر شمولية وبعين أكثر إنصافاً، أى عين تنظر إلى المستقبل بتحدياته و آماله بمسئولية والتزام نحو توفير طاقة بشكل آمن ومستدام. 

التوجه العالمي نحو عالم نظيف:

الوصول إلى صافي صفر انبعاثات في مدد زمنية مختلفة هو التوجه العالمي المعلن، بل يتم تأكيده من جانب كثير من دول العالم بين الحين والآخر، فمنهم من صرح بالوصول إلى هذا الهدف بحلول عام ٢٠٥٠، ومنهم قبل ذلك أو بعده، وهذا توجه في منتهى الأهمية والإيجابية، ولكن يتطلب بذل المزيد من الجهد الكبير وضرورة تكاتف الجميع وجدية في السعي إلى تحقيق ذلك. إن التحول إلى الطاقة المتجددة مهم جدا، ولكن يجب أن يتم وفق إطار زمني مدروس وعملي يتفق مع قضية الطلب العالمي المتزايد على الطاقة يومياً، ونمو هذا الطلب المطرد، حتى لا يواجه العالم في المستقبل أزمة، أو بمعنى أدق فجوة هائلة لا يمكن إغلاقها بين عمليتي العرض والطلب، وفتقاً لا يمكن رتقه.

ضرورة مواصلة ضخ الاستثمارات في مجال الطاقة:

شهدت أسواق النفط العالمية كثيرا من المتغيرات، وواجهت أيضا كثيرا من التحديات خلال العامين السابقين بسبب جائحة كورونا، حيث انخفض الطلب على النفط ومشتقاته بصورة قياسية بسبب الحظر الكلي أو الجزئي الذي سنته جل الدول. إن إغلاق كثير من الأنشطة الاقتصادية، وتقييد السفر، الذي أدى بدوره إلى انخفاض الطلب على وقود الطائرات وغيرها يعد من العوامل التى هوت بأسعار النفط إلى مستويات تاريخية.

وهناك العديد من الأصوات المتناقضة، والتي بدأت تعلو بمطالبة منتجي الوقود الأحفوري، وعلى رأسها متخذو القرار في صناعة النفط، تارة بخفض الإنتاج عندما انهارت الأسعار تحت ذريعة حماية البيئة من التلوث، ومن المنبر ذاته منادية بزيادة الإنتاج عندما ارتفعت الأسعار. الجدير بالتنويه أنهم يضربون بقضية تغير المناخ والبيئة عرض الحائط عندما يلامس الموضوع مصالحهم الشخصية ومصالح شعوبهم، وهذا ليس جديداً ولا مستغرباً، والشواهد التاريخية كثيرة في هذا الصدد.

فالمهم أن يعي المهتمون جيداً والمطالبون بضرورة عملية تقويض صناعة المنبع، وعلى رأسها صناعة النفط، أن الظروف التقنية والطبيعية التي تؤثر على إمدادات الوقود الأحفوري تنسحب أيضاً على صناعة الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية والنووية وطاقة الرياح وغيرها. وعليه، فإن عملية تنويع مصادر الطاقة هو الخيار الاستراتيجي الأمثل لحماية أمن الطاقة العالمي، لا بتقويض صناعة المنبع ووقف الاستثمارات الجديدة في أنشطة التنقيب. العلاقة بين مصادر الطاقة علاقة تكاملية، وستبقى للأبد حقيقة هذه العلاقة.

أخيرا، لا تزال الطاقة المتجددة تكافح من أجل إثبات وجودها ومكانتها، وأنها البديل الأمثل للطاقة التقليدية، وهذا الكفاح نابع من أن التبرير في التحول وضخ الاستثمارات في الطاقة المتجددة يأتي أساساً من فكرة أخلاقية، هي ضرورة المحافظة على البيئة ومواجهة التغيرات المناخية. ويبقى السؤال الأهم من سينتصر في النهاية؟


رابط دائم: