التحالفات الهشة وضبابية الموقف فى إثيوبيا
13-12-2021

داليا سعد الدين
* باحثة دكتوراه فى فلسفة التاريخ

فى بيان دولى موقّع من ست دول، هى: الولايات المتحدة الأمريكية، وكندا، والمملكة المتحدة (إنجلترا)، والدنمارك، وهولندا واستراليا؛ نشرته الصحف والمواقع العالمية صباح يوم الاثنين 6 ديسمبر 2021[1]، أعربت الدول الموقعة عن مدى قلقلها إزاء تردى الأوضاع الإنسانية فى إثيوبيا، مع استمرار الحكومة فى منهجية الاعتقال وقفا لمبدأ العرق. حيث تحدثت تقارير اللجنة الإثيوبية لحقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية عن اعتقالات واسعة النطاق لأفراد قومية التيجراى، دون مراعاة لسن أو جنس، شملت عجائز، وأمهات، وأطفال، وأيضا قساوسة أرثوذكس،دون توجيه أى تهم إليهم، أو عقد جلسة استماع أمام المحكمة؛ مما يشكل انتهاكات للقانون الدولى. كما أشار البيان إلى عرقلة الحكومة الإثيوبية لأعمال المراقبين الدوليين فى مناطق الصراع. ويشكل عدم وضوح الخط الفاصل بين المقاتل والمدني جراء انضمام أعداد غفيرة من الشباب والفتيات لجبهتى الصراع، مخاوف فعلية؛ إذ يزيد من مخاطر الانتهاكات الإنسانية وميوعة محاسبة الفاعل، كنتيجة لصعوبة السيطرة على ميليشيات غير مدربة، كما قد يؤدى إلى تأجج الصراع العرقى بشكل كبير.

ففى أنحاء العاصمة أديس أبابا، انتشر المواطنون مسلحون بالعصى فى حالة تأهب، ومتحرشون بالمواطنين من قومية التيجراى؛ تحديدا بعد حملات الاعتقال الواسعة التى شنتها حكومة آبى أحمد فى نوفمبر الماضى[2]. واللافت للنظر فعلا أنه منذ سبع سنوات كانت القومية السودانية فى إقليم بنى شنقول-جوموز قد تعرضت لهجمات من ميليشيات الأمهرا، بل إن كافة الأخبار والفيديوهات المتعلقة بذلك تم تدميرها! فقد تعرضوا لكافة أنواع الإنتهاكات الإنسانية حين تم اقتحام بيوتهم وسحبهم إلى الشوارع للتنكيل بهم، لا لشىء إلا لاعتراضهم على التعدى وسحب أراضيهم الزراعية والرعوية لمصلحة مشروع السد المقام فى إقليمهم، كل ذلك دون أن يحرك هذا الأمر ساكنا لدى المجتمع الدولي.

الرئاسة الإثيوبية.. انتخابات نزيهة أم تحالفات مبيتة؟

تجدر الإشارة إلى أن منصب رئيس الدولة الإثيوبية هو منصب شرفى فى المقام الأول؛ إذ تناط جميع السلطات التنفيذية وصلاحياتها برئيس الوزراء. وقد تم تشريع هذا المنصب بموجب دستور 1987 لجمهورية إثيوبيا الشعبية الديمقراطية؛ إذ كان منجيسو هايلى ماريم وقتئذ هو الرئيس حتى سقوط نظامه فى 1991، ومن بعده تم اعتماد دستور 1995 الذى حدد واجبات وسلطات رئيس الجمهورية فى الشئون الخارجية، حيث يتم اعتماد واستقبال الدبلوماسيين، وفى التصديق على المعاهدات الدولية بتفويض من مجلس نواب الشعب، وفى الشئون البرلمانية، حيث يفتتح الجلسة المشتركة لمجلسى نواب الشعب ومجلس الاتحاد عند بدء دور الانعقاد السنوية. أما فى المجال التشريعى، فهو الذى يصدق على إصدار القوانين التى يقرها مجلس نواب الشعب.

وكان مليس زيناوى هو أول من تولى منصب رئيس الوزراء منذ 1995، وحتى وفاته فى أغسطس 2012، حيث كان قائد جبهة التيجراى التى قادت تحالفات الحرب لتحرير إثيوبيا من براثن الحكم العسكرى الفاشى بزعامة منجستو هايلى ماريام. ومن بعده تولى هايلى ماريام ديسالين من 2012 إلى فبراير 2018، بينما كان رئيس الدولة هو مولاتو تاشيما (أكتوبر 2013- أكتوبر 2018). ورغم أنه كان من قومية الأورومو؛ إلا أن فترة حكمه شهدت اضطرابات واحتجاجات شعبية واسعة من قومية الأورومو. كما شهد عام 2015 انتهاكات إنسانية خطيرة ضد القومية السودانية فى إقليم بنى شنقول-جوموز، على يد ميليشيات من قومية الأمهرا، كما سبقت الإشارة.

ثم كان انتخاب رئيسة الدولة حاليا ساهلى- وورك زوْدى، وهى من قومية الأمهرا؛ منذ يونيو 2018، حيث إنها أول سيدة تتولى رئاسة الدولة؛ إذ جاء انتخابها عقب الإعلان الغامض للرئيس مولاتو تاشيما بالإستقالة. وعلى الرغم مما أبدته ساهلى من رؤية سياسية- اجتماعية نافذة بإعلان إصدار العفو عن أكثر من أربعة آلاف سجين فى كل من مارس وأبريل 2020 كخطوة جادة للحد من انتشار فيروس كوفيد-19 فى إثيوبيا [3]، ثم إصدارها خلال شهر ديسمبر من نفس العام إعلان تخفيف حكم الإعدام الصادر غيابيا فى عام 2008 ضد وزير الخارجية الأسبق برهانو بايه، فى نظام منجستو هايلى ماريام،[4]، والذى هو أيضا من قومية الأمهرا، غير أن توقيت انتخابها كرئيسة لإثيوبية، والذى جاء مباشرة بعد كل من انتخاب آبى أحمد لرئاسة الوزراء، ثم إبرامه اتفاق الصداقة والتعاون الإثيوبى- الإريترى فى 2018، وقبل أقل من عام على إعلان حزب الرخاء الإثيوبى فى ديسمبر 2019؛ يبدو أن كل ذلك لم يكن وليد المصادفة، خاصة أن تلك الفترة أيضا تخللتها تغيرات وزارية جذرية قام بها رئيس الوزراء آبى، وكذا إعلان تأسيس الحزب الواحد، مما أدخل البلاد في حالة من عدم الاستقرار منذ نوفمبر 2020.

كل ذلك وغيره؛ لابد وأن يشى بأن انتخاب ساهلى وورك زوْدى كأول سيدة لرئاسة دولة بحجم إثيوبيا لم يكن إلا تكتيكا سياسيا. فمن حيث كونها أول سيدة تتولى منصب الرئاسة؛ يدعم مركز آبى أحمد دوليا، لاسيما حصوله على العديد من الجوائز الإقليمية والدولية، على رأسها جائزة نوبل للسلام بعد سنة واحدة من تولي ساهلى- وورك زوْدى الرئاسة، كل تلك الجوائز لم يكن للمجتمع الدولي أن يمنحها لأفريقي في ذلك الوقت القياسي دون دعم دولي كبير، خاصة أن حكومته شملت العديد من السيدات الآئى تولين الحقائب الوزارية[5]. فتولى المرأة سواء للحقائب الوزارية أو لرئاسة الدولة هو حق أصيل لها، شريطة أن لا يكون استغلالا للتوجه العالمى بضرورة تمكين المرأة.

وعلى الصعيد الداخلى، يبدو أن اختيار رئيسة الدولة من قومية الأمهرا لم يكن أيضا عشوائيا، ذلك أن الأمهرا تمثل ظل السلطة الشرعية تاريخيا. كما أن انتخابها هو خيار استراتيجى لمغازلتهم من جانب، ولرأب صدع التوتر مع قومية الأورومو من جانب آخر. وقد بدا ذلك فعالا؛ إذ شكلتا القوميتان معا غالبية الحزب الجديد، وبالتالى أصبحتا جناحى سلطة آبى أحمد سياسيا.

لماذا لم تسقط أديس أبابا حتى الآن؟

فى السادس من أكتوبر الماضى، تم تعيين إبراهام بيلاى وزيرا للدفاع بجانب كونه الرئيس الثانى لحكومة تيجراى الانتقالية، وبعد شهر واحد أعلنت قوات جبهة تحرير التيجراى السيطرة على المدن الاستراتيجية فى سبيل حصار العاصمة. خلال تلك الآونة، أطلق آبى أحمد دعوة مفتوحة لجميع المواطنين لحمل السلاح، ونتيجة لذلك انضم أكثر من 200 ألف شاب وفتاة لميليشيات الحكومة من جميع أنحاء أديس أبابا والأقاليم المتاخمة[6]. وأعلنت الحكومة الإثيوبية منذ أيام أنها استعادت السيطرة على المدن التى كانت فى حوزة جبهة تحرير التيجراى، فى تزامن مع إعلان قادة الجبهة انسحابهم التكتيكى [7].

لذا، تبدو شعبية آبى أحمد وحزبه حاشدة بين كلا من الأمهرا والأورومو الذين يشكلون غالبية سكان العاصمة أديس أبابا. كما أن تاريخ سيطرة التيجراى على مقاليد السلطة، ليس بالبعيد؛ لذا انخرط الجميع فى ميليشيات للدفاع عن العاصمة، وعن سياسة الحكومة.

هل يعيد التاريخ نفسه فى إثيوبيا؟

وفقا للوضع الراهن، فإن سقوط العاصمة فى قبضة التيجراى لن يؤدي لسيطرتهم المطلقة على مقاليد الحكم مثلما حدث فى عام 1991، حيث إنهم أصبحوا أمام خيارين: إما مزيد من لامركزية الحكم، أو تفعيل المادة 39 من الدستور، ومن ثم الانفصال. لكن استراتيجيتهم الأكثر وضوحا الآن تكمن فى هزيمة حكومة آبى أحمد، وتحرير غرب التيجراى من الأمهرا.

على صعيد آخر، فإن التحالفات التى تبدو ظاهريا متماسكة، سواء التحالف السياسى للأمهرا والأورمو فى الحزب الجديد، أو التحالف العسكرى للتيجراى مع جيش تحرير أوروميا؛ كلاهما يبدو هشًا. فسياسيا، قد يستشعر الأمهرا عدم جدية التحالف، خاصة بعد إبعاد آبى أحمد للتيجراى من السلطة. أما تحالف التيجراى والأورومو، فإن أشباح الماضى تطارده؛ إذ أقصاهم التيجراى عن السلطة خلال سيطرتهم على الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية –EPRDF.

ومن ثم، يعد الوضع الحالى فى إثيوبيا لا يدعو للتفاؤل بعكس تعليق آمال المجتمع الدولي على رئيس الوزراء عقب منحه جائزة نوبل للسلام فى أكتوبر 2019. وقد تضرجت يداه الآن بدماء الأطفال والأبرياء من مختلف قوميات إثيوبيا، وليس فقط قومية التيجراى، والتى يبدو أنها تتعرض لنوع من التطهير العرقى المنظم. ورغم إدانة جميع الأطراف، إلا أن حجم الفظائع التى ارتكبتها القوات المتحالفة مع الحكومة تفوق الوصف.

المراجع:


[1]Joint Statement on Detentions in Ethiopia, OFFICE OF THE SPOKESPERSON, DECEMBER 6, 2021:https://www.state.gov/joint-statement-on-detentions-in-ethiopia/

 

[2]Andrew Harding, Ethiopia's Tigray conflict: Mass arrests and ethnic profiling haunt Addis Ababa, BBC: https://www.bbc.com/news/world-africa-59347230

 

[3]Bukola Adebayo, Ethiopia pardons more than 4,000 prisoners to help prevent coronavirus spread, CNN: https://edition.cnn.com/2020/03/26/africa/ethiopia-pardons-4000-prisoners-over-coronavirus/index.html

Ethiopia Pardons Additional 1, 559 Inmates: https://www.fanabc.com/english/ethiopia-pardons-additional-1-559-inmates/

 

[4]EoinMcSweeney, Ethiopian war criminals able to leave Italian embassy after nearly 30 years, CNN: https://edition.cnn.com/2020/12/30/africa/ethiopia-italian-embassy-intl/index.html

 

[5]"The women smashing Ethiopia's glass ceiling", BBC News, 18 November 2018: https://www.bbc.com/news/world-africa-46110608

 

[6]Nicholas Bariyo, Volunteer Fighters Raise Stakes in Ethiopia’s Bitter Conflict, Wall Street Journal, Dec. 7, 2021: https://www.wsj.com/articles/volunteer-fighters-raise-stakes-in-ethiopias-bitter-conflict-11638869586

 

[7]Ethiopia's war in uncertain phase after Abiy's advance, France 24, 04/12/2021: https://www.france24.com/en/live-news/20211204-ethiopia-s-war-in-uncertain-phase-after-abiy-s-advance


 


رابط دائم: