مصر الحضارة وانتعاشة قطاع السياحة
28-11-2021

جاكلين جرجس
* مدير المركز الثقافى القبطى بجمعية جامعة المحبة

مِصرُ الحَضارةُ والآثارُ شَاهِدةٌ            مِصرُ السَّماحةُ مِصرُ المجدُ مِن قِدَمِ

مِصرُ العَزيزةُ إنْ جارَتْ وإنْ             عَدَلتْ مِصرُ الحَبيبةُ إنِ نَرحَل وإنْ نُقِمِ

نحنُ الضُيوفُ على رَحبٍ ومَكرُمَةٍ وإنَّا لحفَّاظون للذِّمَمِ

جِئنا حِماها وعِشنا آمينينَ بِهِ مُمَتَّعينَ كأنَ العيشَ في حُلُمِ

تلك السطور  للأديب اللبناني خليل مطران تعبيرًأ عن شدة ولعه وحبه لمصر؛ فهى بلد العطاء والملاذ الآمن لكل ملتجىء؛ كما أنها تمتلك أجمل الوجهات السياحية فى العالم وأكثرها ثراء حضاريا وثقافيا، فهى بوتقة انصهرت فيها مختلف الحضارات القديمة، وإليها لجأ أعظم سائح فى التاريخ وهو السيد المسيح الذى جاء هو والعائلة المقدسة مباركًا لأرض وشعب مصر فى رحلة استغرقت تقريباً ثلاث سنوات فكانت رحلتهم إحدى ركائز السياحة الدينية.

   وبالرغم من الضرر الكبير الذى وقع على قطاع السياحة بكل أنواعها بسبب جائحة كورونا؛ إلا أن تصنيف مصر في المركز الرابع كوجهة سياحية يبعث أمل التعافي من جديد، خاصة مع اهتمام وزارة الآثار والسياحة بوضع الخطة الاستراتيجية الحالية للتنمية المستدامة وفق رؤية 2030، وارتباطها بأهداف التنمية المستدامة لمصر، والتى تتضمن ستة محاور هي الإصلاح المؤسسي والتشريعي، ورفع القدرة التنافسية للمقصد السياحي المصري، والأهداف الاقتصادية، والعمل على دمج العديد من المنتجات والأنماط السياحية، من بينها الترويج لمنتج سياحي جديد يمزج السياحة الثقافية بالسياحة الشاطئية؛ مما بعث الأمل فى نفوس العاملين بالقطاع والاطمئنان لعودة السياحة من جديد.


وتابع العالم كله بكل الفخر والاعتزاز افتتاح طريق الكباش والاحتفال بعيد "الأوبت"، وهو احتفال مصري قديم كان يُقام سنويًا في طيبة (الأقصر) في عصر الدولة الحديثة وما بعدها، يتم فيه نقل تماثيل آلهة ثالوث طيبة المكونة من: "الإله آمون، والإلهة موت، وابنهما الإله خونسو"، داخل مراكبهم المقدسة في موكب احتفالي كبير من معبد آمون في الكرنك إلى معبد الأقصر، في رحلة تمتد إلى نحو 2700 متر. وكان يتم التأكيد في ذلك الاحتفال على لقاء الإله آمون رع، رب معابد الكرنك، مع الإله آمون، رب معبد الأقصر، وتجديد الولادة، وكان الموضوع الأساسي في ذلك الاحتفال، وكذلك إعادة تتويج الملك وتجديد شرعيته لحكم البلاد.

وجاءت كلمة الأوبت من التعبير "حب نفر إن أوبت" في اللغة المصرية القديمة، ويعنى "العيد الجميل الخاص بالأوبت". وكان يتضمن ذلك الاحتفال أيضًا اللقاء السنوي والزواج المقدس بين الإله آمون رع وزوجته الإلهة موت. وكان يتم نقل تمثال الإله آمون رع من قدس الأقداس في معبده بمعابد الكرنك ووضعه في زورقه المقدس. وكانت تُحمل الزوارق المقدسة الخاصة بالرب آمون رع وزوجته الربة موت وابنه الرب خونسو على أكتاف الكهنة، وكانت الرحلة تبدأ بالزوارق المقدسة وسط مجموعة من العازفين والموسيقيين والزمارين ومجموعة من الجنود على العربات الحربية متجهين إلى معبد الأقصر على ترانيم تُمجّد الإله آمون رع وتُعلى من شأنه وتدعوه إلى إسباغ فضله وحمايته ورعايته على ملك البلاد. وكان يبحر قارب ملكي مع قوارب الآلهة المقدسة. وكانت الطقوس في "غرفة الملك الإلهي" تعيد الاحتفال بتتويج الملك، وبالتالي تأكيد أحقيته بمُلك البلاد. وفى نهاية الاحتفالات في معبد الأقصر، كانت تعود المراكب المقدسة مرة أخرى إلى معابد الكرنك. وفى الاحتفالات المتأخرة من تاريخ مصر القديمة، كان يتم نقل التماثيل من وإلى معابد الكرنك ومعبد الأقصر عن طريق القوارب في النهر، وليس عن الطريق البري؛ ومن المتوقع توثيق طريق الكباش كأطول طريق أثرى فى العالم من خلال موسوعة "چينيس"، فهو  يربط معبدي الأقصر والكرنك بطول 2700 متر، وعلى جانبيه 1200 تمثال فرعوني من الكباش التي يزن كل واحد منها نحو ثمانية أطنان.


وعليه، فإن هذه الاحتفالية المبهرة ستؤدى إلى انتعاشة فى قطاع السياحة لما أحدثه الاحتفال من شغف لدى السياح، والحرص على مشاهدته والسير فيه، والتقاط الصور التذكارية مع تماثيل الكباش المكتشفة على القواعد المخصصة لها، وكذلك التقاط الصور مع المراكب الملكية الثلاثة الموجودة في قلب الطريق للثالوث المقدس (آمون وموت وخنسو)، وخلال السنوات القادمة، ستتغير الخريطة للسياحة الثقافية، مما يجعل من الأقصر مقصدا من أهم مقاصد السياحة باعتباره أطول طريق للاحتفالات عرفه العالم عبر التاريخ، وأكبر متحف مفتوح في العالم.

   وبما أن كل جزء فى مصرنا العزيزة وكل شبر ملىء بكنوز أجدادنا العظماء وسحر آثارنا الفريدة، كما أنها عامرة بتنوع وثراء ثقافى وتاريخ ضارب بجذوره فى عمق الأرض؛ فنحن نأمل أن يكون هناك احتفالية فى كل محافظات مصر تحكى وتحاكى تاريخها وفلكلورها الشعبى المتوارث عبر الاجيال، وأن تتم طباعة طوابع بريدية تذكارية عليها ما يميز كل محافظة وتوزيعها على السائحين ترحيبا بهم فى المطارات أو محطات وصولهم، كما يجب عدم إغفال المناطق الأثرية الدينية وأتوقع أن يكون على رأسها افتتاح مسار رحلة العائلة المقدسة عن قريب، خاصة فى أجواء احتفالات أعياد الميلاد، وتذكار قدوم أعظم سائح فى التاريخ إلى أرضنا المحبوبة .. مبارك شعب مصر إلى الأبد.


رابط دائم: