القائد وخطابه السياسي
22-11-2021

مدحت بشاي
* كاتب صحفى

لعل أسوأ ما عانى المواطن المصري على مدى زمن حكم تنظيم الإخوان الإرهابي وأيامه الصعبة، ما أتحفنا به الرئيس الإخواني من مجموعة الخطابات والتصريحات في الداخل والخارج، وكنا دائمًا نلهج بسؤال مشترك "يا ترى الناس بره بيقولوا علينا إيه؟" .. والبعض منا بلهجة استنكارية يردد "معقولة جه اليوم علينا ويكون الكلام ده ممن يفترض أن يمثل مصر بكل تاريخها الحضاري والإنساني؟".

لم يكن "مرسي" يعي أن الخطاب السياسي مهم في توثيق الأخبار الواردة فيه، ومنحها شرعيّةً قانونيّةً تساعد في جعلها تتناسب مع الموضوع الرئيسي للخطاب السياسي، كما أنه لم يكن يدري أهمية ما يقول في منح صفةٍ رسمية لحقيقةٍ ما، أو التعديل عليها لجعلها قابلةٍ للتطبيق ضمن النطاق الرسمي والقانوني .. فقد كان كمْ العبارات الهزيلة والكاذبة والمفجعة لا يمكن أن تصب في النهاية لمصلحة تكوين رؤية واضحة للهدف من اللقاء، وذلك مع ضعف المعلومات، وركاكة اللغة، وعدم الجاهزية قبل أن يفرغ هذا الغثاء في وجوه الناس. وهل يمكن أن ننسى، وهو ينتظر ما يمليه عليه مرشد جماعته، وهو يجلس بجواره هامسًا في فضيحة غير مسبوقة لرئيس دولة كبيرة، أم ننسى خطابه وما أدلى به في حوار مع عدد من السياسيين والكتاب والمسئولين على الهواء (وهو ومن معه لا يدرون أن كلامهم كان يبث على الهواء) حول أزمة سد النهضة في مشهد يكشف حالة جهل عام وعدم مسئولية؟!

لعل جماعة الشر يتابعون خطابات الرئيس السيسي، وهو يمتلك الرؤية الواضحة للغرض الذي من أجله كان الخطاب وأهمية المناسبة، حيث تعتمد صياغته على وضوح اللغة واستراتيجية نظرية تختلف من خطاب إلى آخر باختلاف المناسبة، وإذا ما كان الهدف من الخطاب الإبلاغ عن أمر مهم في التوقيت المناسب، أو تحفيز الشعب نحو المشاركة والتفاعل الإيجابي لتحقيق هدف قومي ووطني، أو كان الخطاب لأهمية وضرورة وجود الرئيس وسماع موقفه.

إن المتابع لخطابات الرئيس يدرك مدى إيمانه بما يطرح، وأنه يعي أهمية أن تكون وسيلته لتوصيل رسالته عبر خطاب مباشر، ولا يمكن الاكتفاء بوسائل أخرى، مثل إعداد بيان، أو كتابة مقالات، أو الإدلاء بتصريحات موجزة، واختيار التوقيت، ومراعاة الإيقاع عند قراءة الخطاب، ودرجة ومدى حدة الصوت في التناغم مع المطلوب بشكل عام من الخطاب الرئاسي.

ويؤمن الرئيس السيسي بأهمية الخطاب المباشر مع الشعب في الداخل، ومخاطبة الشعوب لو أن الأمر يتعلق بمصالحهم، وما يتحقق من منافع مشتركة مع شعبنا .. مع مراعاة الخلفية الثقافية والحضارية والتاريخية للشعب المخاطب من قبل الرئيس.

ولعل خير مثال لكل ما سبق من مواصفات، تم توافرها في خطابات الرئيس، ما جاء في خطابه أمام مؤتمر باريس حول ليبيا -موجها حديثه للشعب الليبى: "اسمحوا لى أن أخاطب أشقاءنا فى ليبيا مباشرة من القلب، فأقول لهم، يا أحفاد عمر المختار، لقد حان الوقت لكى تستلهموا عزيمة أجدادكم الذين بذلوا الغالى والنفيس من أجل الحرية واستقلال القرار الوطنى، وأن تلفظوا من بلادكم كل أجنبى ودخيل مهما تغنى بأن فى وجوده خيرا لكم، فالخير فى أياديكم أنتم، إن تجاوزتم خلافاتكم وعقدتم العزم على بناء بلادكم بإرادة ليبية حرة .. وفى هذا، ستجدون فى مصر سندا لكم وقوة متى احتجتموها، دعما لأمنكم ولخياراتكم وطموحاتكم المشروعة فى غد أفضل، وإعلاء لمصالح بلادكم العليا، ويدا تمد العون لنقل الخبرات من أجل تعظيم مصالحنا المشتركة، إيمانا من مصر بوحدة الهدف على طريق البناء والتطوير والتنمية بما يحقق آمال شعبينا الشقيقين فى ظل ما يربطهما من أواصر الأخوة والجوار والانتماء العربى والإفريقى والمصير المشترك..".

لا شك في أن الخطاب يدعم الحالة الوطنية ويستثير مشاعر النخوة، فيذكرهم بأمجاد الزعيم الليبي ودوره التاريخي العظيم، ليتبع الشعب خطوات رمزه الوطني الخالد لتحقيق الاستقلال المنشود بخروج كل أجنبى ودخيل مهما تغنى بأن فى وجوده خيرا لليبيا وشعبها.

وفي مثال آخر من خطابات الرئيس عندما وجه كلمة إلى الشعب الإثيوبى أمام  الجلسة المشتركة لمجلسى البرلمان، وصف فيه وقوفه أمام بيت الشعب الإثيوبي بأنها لحظة تاريخية فارقة، مؤكدا أنه يحمل رسالة محبة ومودة وأياد ممدودة بالخير من الشعب المصري.

من بين ما قال "إنها لحظة تاريخية فارقة .. تلك التى أقف فيها أمامكم .. فى بيت الشعب الإثيوبى .. لأحمل لكم رسالة أُخُوَّة صادقة ومحبة خالصة .. وأيادٍ ممدودة بالخير .. تنشد التعاون من أجل التقدم والرخاء .. من أخوتكم فى مصر .. الذين تطلعوا معكم لتلك اللحظة .. التى تجسد إرادة سياسية متبادلة للحوار والتواصل والتعاون على كل المستويات، ومن خلال مختلف المحافل .. فنحن ومنذ بدء التاريخ .. ننهل ونرتوى من نهر النيل العظيم .. الذى أجراه الخالق ليحمل الحياة والنماء لشعوب حوضه .. إنه النهر الذى باتت مياهه تجرى دماءً فى عروق المصريين والإثيوبيين الذين سيظلون دوماً أشقاء .. ولن يسمحوا لأى خلاف بأن يدب بينهم أو أن ينال من قوة الروابط التى تجمعهم .. وهو ما يؤكده تواصلى المستمر مع أخى رئيس الوزراء الإثيوبى منذ لقائنا الأول فى مالابو .. وثقتى كاملة فى أنه يتطلع معى إلى توثيق وتفعيل ما بيننا من صلات والبناء عليها فى كل المجالات .. وقد تأكدت تلك الثقة عندما سعدت بلقاء الأخ العزيز رئيس مجلس نواب الشعب الإثيوبى فى القاهرة بصحبة نخبة من أعضائه ووفد الدبلوماسية الشعبية ...".

وأكد الرئيس في ختام خطابه على أهمية الاستفادة من الماضي "أدعوكم أيضاً لنأخذ العبرة من الصعاب التى خضناها .. ومن العقبات التى اعترضت سبيل علاقاتنا".

وهكذا دائما، خطابات الرئيس لا تعرف الاستعلاء، والخيلاء السياسي، والكلام الفوقي الحنجوري، وتؤكد على أهمية احترام حق الشعوب في الحرية والتنمية، وأن تنعم بالسلام والأمن في تجاور بديع وتبادل للمصالح المشتركة.


رابط دائم: