جهود مكافحة الفساد فى إفريقيا والدور المصرى
9-11-2021

ياسمين مجدي
* باحث اقتصادي، طالب ماجستير - كلية الدراسات الإفريقية العليا، جامعة القاهرة.

 يعد الفساد من الظواهر المجتمعية الموجودة في كل المجتمعات، سواء كانت متقدمة أو نامية، ولكن تختلف أوضاع الفساد من دولة إلى  أخرى نتيجة لاختلاف أسبابه وطبيعته ومعدلاته ونتائجه، وكذلك التفاوت في معدلات التنمية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ولذلك يوجد الكثير من التحديات أمام مكافحة الفساد في الدول الإفريقية.

وللفساد درجات، فتختلف حدته من مجتمع لآخر، وفقا لعدة اعتبارات، منها قدرة الدولة علي مكافحة الفساد، ولكن ينتشر الفساد في الدول النامية نظرا لضعف مؤسساتها وأجهزة الرقابة بها، ولذلك نستطيع القول إن الفساد سبب من الأسباب الرئيسية لفشل الدول النامية، وعدم القدرة على الإصلاح الهيكلي بها .
ويعد الفساد من المؤشرات التى تؤثر علي النمو الاقتصادي والتنمية الاقتصادية ، وطبقا لمؤشر الشفافية العالمي، الذي يصنف 180 دولة وإقليم حسب المستويات المدركة لفساد القطاع العام، ويتراوح المقياس من صفر لـ 100، والصفر يمثل الأكثر فسادا والـ 100 الأكثر نزاهة، وكان ترتيب مصر الـ 117 من 180 دولة، وأصبح ترتيبها الـ 11 علي الدول العربية، كما سجلت إفريقيا جنوب الصحراء 32%، وهي تعتبر المنطقة الأضعف أداء في مدركات الفساد، مما يظهر عدم تحسن يذكر عن السنوات السابقة، ويؤكد ضرورة اتخاذ قرارات عاجلة لمواجهة الفساد في القارة الإفريقية بشكل عام، وإفريقيا جنوب الصحراء بشكل خاص.
وبالمقارنة بدول أوروبا الغربية والاتحاد الأوروبي، فهي المنطقة الأعلى أداء في مؤشر مدركات الفساد، ولكن تراجعت نسب مواجهتها للفساد عام 2020، نظرا للضغط الهائل الذي تشهده الآن بسب جائحة كوفيد 19، والذي بسببها زاد مؤشر الفساد في هذه الدول .




وتشمل مظاهر الفساد التي يغطيها المؤشر، وفقا للموقع الرسمي للمنظمة، الرشوة، واختلاس المال العام، وانتشار ظاهرة المسئولين الذين يستغلون المناصب العامة لتحقيق مكاسب شخصية دون مواجهة العواقب، وقدرة الحكومات على الحد من الفساد وفرض آليات فعالة لتكريس مبدأ النزاهة في القطاع العام، بالإضافة إلى عبء الإجراءات الروتينية والبيروقراطية المبالغ فيها، والذي من شأنه زيادة فرص ظهور الفساد، والمفارقة بين التعيينات القائمة على الكفاءة والتعيينات القائمة على المحاباة في الوظيفة العمومية.

أنواع الفساد وتجارب إفريقية ناجحة فى محاربته:

للفساد أنواع كثيرة، منها الفساد السياسي والموسمي والمؤسسي والبيروقراطي، ومن أنواع الفساد الأكثر شيوعا وخطورة في القارة الإفريقية هو الفساد البيروقراطي، وهو باختصار فساد الخدمة المدنية العامة، وينبع من السياسيين الذين يستغلونه لتمرير عملياتهم المتعلقة بالفساد، وفي نفس الوقت يحتاج الموظف في الخدمة المدنية لدعم السياسيين لحمايته والبقاء في منصبه، ولذلك فهو يسمي بالفساد المزدوج، وبالتالي  فهذا النوع من الفساد سبب رئيسي لضعف الاقتصاد وكل مؤسسات الدولة الحيوية .
وقامت بعض الدول الإفريقية بتجارب مهمة فى مواجهة الفساد، وحققت نجاحات كبيرة، ومنها كينيا وبتسوانا وسيراليون.

تجربة كينيا:
قامت الحكومة الكينية بإنشاء وحدة محاربة الفساد والجريمة الاقتصادية، وبالرغم من كان من ضعف العمل علي محاربة الفساد في كينيا، إلا أنهم كانوا علي وعي بضرورة الاستمرار في محاربته، حتى ولو بخطوات بسيطة، إلى أن وصلت كينيا الآن، طبقا لآخر تقرير لمؤشر الشفافية العالمي، للدرجة 31، في المرتبة 124 علي مستوي العالم، وما زال مكافحة الفساد مستمر.

تجربة بتسوانا:
استطاعت بتسوانا أن تكافح الفساد، من خلال قانون مكافحة الفساد والجرائم الاقتصادية، فكانت من أفقر 25 دولة، إلى  أن أصبحت من ضمن أسرع الاقتصادات نموا في إفريقيا. ومن أشهر قضايا الفساد في بتسوانا قضية بنك بتسوانا للتنمية الوطنية، فقد تسبب بعض الساسة والمسئولين من الحزب الحاكم فى تدهور وانهيار البنك بالحصول علي قروض لم يكونوا مؤهلين للحصول عليها وعجزوا عن سدادها .
فتم التحقيق مع المشتبه بهم ومقاضاتهم، كما كان للشعب دور في مكافحة الفساد في بتسوانا، من خلال المساندة العامة من جانب الجمهور، فلا يمكن أن تنجح أي استراتيجية إلا من خلال الوعي الجمهوري، كما كان للإعلام دور في توعية الشعب، وإلى الآن تحاول بتسوانا مقاومة الفساد، فوصلت في آخر تقرير لمؤشر الشفافية العالمية، للدرجة 60، وهي رقم 35 علي مستوى العالم في المؤشر، وهذا مؤشر جيد جدا على قدرة بتسوانا علي مقاومة أشكال الفساد لديها.

التجربة المصرية:
إيمانا من القيادة المصرية بأن الفساد يعوق النمو والتنمية ويضرب الاقتصاد في البلاد، كانت لمصر تجربة رائدة في مكافحة الفساد، فتبلورت جهود الدولة في سن وتفعيل تشريعات وقوانين، بالإضافة إلى  إنشاء كل من اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة الفساد والأكاديمية الوطنية لمكافحة الفساد، وسط التزام بمعايير ونظم المحاسبة والمراجعة الدولية وفقا لأعلى المتطلبات، وانضمت مصر لاتفاقية الاتحاد الإفريقي لمنع الفساد ومكافحته، والتي تعد الوثيقة القانونية الأساسية للقارة الإفريقية في مكافحة الفساد، كما أنشأت الدولة إدارات مختصة لمكافحة صور الفساد المالي  والإداري، وإجراءات التحول الرقي لتعزيز الحوكمة الإدارية والمالية والمساعدة في القضاء علي البيروقراطية .

دور مصر في مكافحة الفساد كأبرز التحديات التي تواجه إفريقيا:
 ومنذ تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي سدة الحكم، وهو يولي اهتماما كبيرا بالدائرة الإفريقية. ولأن الفساد يعوق أى إصلاحات اقتصادية، ويمثل عقبة كبيرة أمام النمو والتنمية بشكل عام، وتحقيق أجندة 2063 " إفريقيا التي نريدها"، بشكل خاص، واستدامة موارد القارة الإفريقية لخدمة أهداف التنمية المستدامة، أطلق  الرئيس عام 2018 العام الإفريقي لمكافحة الفساد.
 وعندما مثلت الرئاسة المصرية الاتحاد الإفريقي، دشنت المؤتمر الإفريقي الأول لمكافحة الفساد عام 2019، حرصا علي نقل التجربة المصرية في مكافحة الفساد للقارة، وجاءت أعمال المنتدى تحت عنوان" نحو موقف إفريقي مشترك لاسترداد الأموال المنهوبة" بمشاركة 51 دولة، و4 دول عربية، وشخصيات رفيعة المستوي بالقارة السمراء في مجالات السياسة والأمن .
وأكد الرئيس السيسى علي الاهتمام المصري بوضع الأطر القانونية والدستورية لمبدأ التزام الدولة بمكافحة الفساد، وفرض التزام الهيئات والأجهزة الرقابية المختصة بالتنسيق فيما بينها من أجل المكافحة، وتعزيز قيم النزاهة والشفافية ضمانا للحفاظ علي المال العام، وتحقيقا لحسن إدارته وتعظيم الاستفادة منه لمصلحة الشعب فى المقام الأول .
كما قام السيد الرئيس بمضاعفة المنح التدريبية التي تقدمها الأكاديمية الوطنية لمكافحة الفساد للكوادر الافريقية .

أهم التوصيات الصادرة عن المؤتمر الإفريقي الأول لمكافحة الفساد:

- العمل علي إعداد خطة استراتيجية متكاملة لمكافحة الفساد ومنعه بالقارة الإفريقية ( مجالات التعليم والبحث العلمي، والإعلام والقضاء، المكافحة الفنية، وتعزيز التنمية الاقتصادية والبشرية ) .
- تضافر الجهود لوضع مؤشر افريقي لقياس الفساد في افريقيا ، بحيث يكون نابعا من الدول الإفريقية، ومعبرا عن واقع الحال في القارة، خصوصا مع مراعاة الفروق الفردية بين الدول الإفريقية .
- تدشين منصة قارية من خلال نقاط اتصالات وطنية تتولي متابعة تطورات قضايا الفساد، ونتائج جهود المكافحة، ومتابعة التزام دول القارة الموقعة علي اتفاقيتي الأمم المتحد والاتحاد الإفريقي لعام 2003، من حيث قيام كل دولة باتخاذ ما يلزم من تدابير وإجراءات وفقا لنظامها القانوني ومبادئها الدستورية للحد من ظاهر الفساد .
- إعداد آلية إلكترونية مؤمنة للتبادل الفوري للمعلومات عن جرائم الفساد، وغسل الأموال وتمويل الإرهاب بين الدول ذات الاهتمام المشترك، مع التوسع في نشر جهود الأجهزة المعنية .
- ضرورة إجراء مراجعة مستمرة لآليات مكافحة الفساد والعمل على تطويرها لتتماشي وخصوصية الدول التي ستطبق فيها، مع التأكيد علي الأهداف الشتركة للدول الإفريقية في تحقيق مستوي عال  من الشفافية ، علي أن يتم ذلك في المؤتمرالسنوي لاتحاد هيئات مكافحة الفساد .
لم يكن الفساد الإفريقي هو الملف الوحيد الذي تهتم به الدولة المصرية في القضايا الإفريقية، بل اهتمت الإدارة المصرية بقضايا رئيسية أخري، مثل: مكافحة الإرهاب، والهجرة غير الشرعية، وتطوير البنية التحتية، وتدشين منطقة التجارة الحرة القارية، وغيرها الكثير .
ولم تكتف مصر خلال رئاستها للاتحاد الإفريقي، بتوصيف التحديات الإفريقية، بل بدأت في تقديم الحلول لها، ومنها على سبيل المثال وليس الحصر :
    • المقاربة الشاملة للظاهرة الإرهابية .
    • أهمية مشروعات البنية التحتية القارية .
    • التعويل علي منطقة التجارة الحرة الإفريقية في تدشين عهد جديد للتنمية الإفريقية .
    • التطلع لبناء شراكات جادة بين الأشقاء الأفارقة والشركاء الدوليين .
    • أهمية تقديم ضمانات استثمار حكومية للشركات الدولية .
    • العمل على تهيئة السبل لتعزيز المبادلات التجارية على أسس أكثر عدالة مع القارة، استنادا إلى المصالح المشتركة.
    • توفير التمويل الدولي لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة في البلدان الإفريقية لكونها الأكثر مساهمة في توفير فرص العمل وزيادة الصادرات .
    • الارتقاء بمستوى ومعدلات الإنتاج الصناعي والخدمي في القارة الإفريقية بما يعزز الترابط مع سلاسل القيمة العالمية .

صاحب ذلك كله الوعى بضرورة تعزيز جهود مكافحة الفساد، خاصة دعم دور المجتمع المدنى والقطاع الخاص فى مواجهة الفساد بإفريقيا، وتنمية الموارد البشرية فى مختلف أوجه مكافحة الفساد بالقارة الإفريقية.
كما تم التأكيد علي ترسيخ مبدأ " الحلول الإفريقية للمشكلات الإفريقية"، لأن إفريقيا أكثر قدرة علي فهم تعقيدات مشكلاتها وخصوصية أوضاعها، ومن ثم أقدر علي إيجاد حلول ومعالجات جادة وواقعية، تحقق مصالح شعوبها وتصونها من التدخل الخارجي.

المصادر:
- مصطفى خواص، الفساد السياسي في بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2019.
- محمد أنور، تقرير المنتدى الإفريقي الأول لمكافحة الفساد، الهيئة العامة للاستعلامات، العدد49، 2020.  
- مؤتمر مدركات الفساد، منظمة الشفافية الدولية- الائتلاف العالمي ضد الفساد برلين: ألمانيا،2020.   
- تقرير رئاسة مصر للاتحاد الإفريقي في 2019  "دعم التنمية الإفريقية... وترسيخ المكانة الدولية"، دورية آفاق إفريقيـة، العدد 49، 2020.   
- ممدوح عبد الواحد الحيطي، ظاهرة الفساد وانعكاساتها الاجتماعية علي عملية التنمية.. قراءة سوسيولوجية تحليلية، مجلة كلية الآداب، جامعة كفر الشيخ، المجلد رقم 43، 2015.
- فومباد ، تشارلز مانجا وآخرون، ترجمة:البهنسى محمد، مكافحة الفساد في إفريقيا بعض الدروس المستفادة من تجربة بتسوانا، المجلة الدولية للعلوم الاجتماعية، الناشر: منظمة اليونسكو، 1999.
- عبد الفتاح طارق، الفساد في إفريقيا.. التجربة الكينية، مجلة دراسات مجتمعية، الناشر: مركز دراسات المجتمع، 2008.

https://www.dohainstitute.org/ar/BooksAndJournals/Pages/Political-Corruption-in-Sub-Saharan-Africa.aspx

 https://documents1.worldbank.org/curated/en/162941468052755262/pdf/434100NEWS0Box10jan08issue01PUBLIC1.pdf

 


رابط دائم: