"ميتافيرس" .. هذا العالم افتراضى ويمت للواقع بكل صلة!
2-11-2021

جاكلين جرجس
* مدير المركز الثقافى القبطى بجمعية جامعة المحبة

"أحداث هذا العمل الفنى من وحي خيال المؤلف .. وأي تشابه في الأحداث، أو الشخصيات، أو الأسماء هو من قبيل المصادفة لا أكثر" .. عبارة كثيرًا ما نراها فى نهاية تترات الأفلام والمسلسلات، لتبرهن لنا أن كل ما رأيناه ما هو إلا خيال فى خيال، نسجه المؤلف ببراعة وتركنا نتعايش معه ونستمتع ونتأثر به، مثلما حدث فى أحداث رواية "Snow Crash" (سنو كراش) من تأليف الكاتب الأمريكي نيل ستيفنسون، والتي صدرت عام 1992، وفيها يسرد الكاتب قصة خيالية عن وقوع مأساة كبيرة في تسعينيات القرن الماضي، وهروب الناس من واقعهم الحقيقي المنهار لينغمسوا تماماً في عالم افتراضي؛ وتم تجسيد ما يشابهها فى السينما، مثل أفلام "أفاتار، وماتريكس" وغيرهم؛ لكن كان بعيدًا كل البعد عن عقولنا أن تتحول قصص تلك الأفلام فى يوم ما إلى حقيقة معيشة بالفعل وقريبًا ستجد شخصية افتراضية تتجول فى إحدى الشوارع إلى جوارك أو تجد اثنين يلعبون الطاولة أو الشطرنج ويلقون عليك التحية وأنت فى ذهول، وربما يتشكل فريق كرة القدم المفضل لك ببعض الشخصيات الافتراضية والبعض الآخر حقيقى؛ هل توقعت يومًا ما أن تجلس فى منزلك مسترخيًا وكل ما عليك فعله هو تصفح بعض التطبيقات على تليفونك المحمول المدعم بخاصية الواقع الافتراضي (VR)، والواقع المعزز (AR)، وتعقد صفقات عمل، أو تسافر لإحدى الجزر لتكون ملاذا لك بعيدًا عن ضوضاء المدينة والعمل، وإذا أخذك الحنين إلى بعض الأماكن أو الأشخاص المتوفين كل ما عليك عمله هو استدعاؤهم وأنت فى موقعك. كثير من الأشياء التى لا تخطر على بالك ستتمكن من فعلها، ربما بحلول عام 2030 أو بعده بقليل!!

كل هذا وأكثر فاجأنا به مارك زوكربيرج مؤسس التطبيق الأكثر شهرة واستخدامًا "فيسبوك"، يوم الخميس 28 أكتوبر 2021، عندما أعلن ضم جميع الشركات تحت اسم جديد، "ميتا"، وهو مشتق من كلمة "ميتافيرس"، وهي التقنية الجديدة التي تستثمر فيها الشركة بغزارة. يشير مصطلح "ميتافيرس" إلى عالم ما وراء الإنترنت، حيث سيستخدم الأشخاص أجهزة الواقع الافتراضي والواقع المعزز بدلا من أجهزة الكمبيوتر المحمولة والهواتف للدخول إلى مساحات افتراضية توازي العالم الحقيقي. هو عالم ممزوج بين الواقع والخيال، تحتاج فيه إلى نظارة وسماعة رأس تدخلك إلى مجال الألعاب أو تسافر بها. وتعمل الشركة الجديدة على سماعة رأس تسمى "Project Cambria" (بروجيكت كامبريا)، وهي سماعة رأس "واقع مختلط" متطورة تضيف الوقائع الافتراضية على العالم الحقيقي، وتحوي مستشعرات تعمل على تتبع كامل للوجه والعين، جنباً إلى جنب مع "بروجيكت كامبريا"، كما تعمل ميتا أيضاً على زوج من نظارات الواقع المعزز تسمى Nazaré، وهي تبدو أشبه بالنظارات العادية، حيث تعرض تراكبات رقمية على العالم الحقيقي، ومن خلالها سيتاح لك التسوق والبيع لكل شىء، لكن بالعملة الافتراضية فقط، مثل عملة "ميس تشاين"، و"البيتكوين"، و"وي ون ورلد" وغيرهم، مما سينعش الحالة الاقتصادية لتلك العملات الافتراضية وارتفاع أسهمها وتحقيق مكاسب فلكية.

لا يزال أمامنا سنوات طويلة حتى تنتشر الميتافيرس كانتشار الإنترنت؛ ولعل فيسبوك رأت في ذلك فرصة لها وليس تهديدًا للابتعاد عن ضجيج التسريبات والأعطال التى لاحقت الشركة، ولإعادة تسويق نفسها للجماهير بطريقة جديدة مشوقة وجاذبة للمستخدمين، خاصة الشباب ساكنى تلك التطبيقات ومواقع التواصل الاجتماعي، كما أنها ستكون من أوائل الشركات في هذا المجال في الوقت الحالي.

برغم كل ذلك، يظل مصطلح "ميتافيرس" في المهد، ومجرد فكرة طموح قد تحدث فعلًا أو لا تحدث على الإطلاق، ولكننا سنرى قتالًا ضاريًا بين عمالقة التكنولوجيا خلال العقد المقبل.

 ويستوقفنا فى الوقت الراهن بعض التساؤلات:

- ما حجم مسئولية الشركة عن الشفافية والاستخدام الأخلاقي للبيانات التي سيتم جمعها من المستخدمين، خاصّةً أنها تجمع بيانات لا حصر لها، من خلال كاميرا الفيديو التي في النظارات؟

- ما الضرر الناتج عن استخدام تلك التقنية على الصحة العقلية والنفسية للمستخدم، خاصة لارتباطها المباشر بدماغ الشخص لقراءة مختلف أنواع الأفكار والبيانات، ليتم جمعها وتحليلها واستخدامها؟

- ما مدى عوامل الأمان تحسبا من اختراق الخصوصيات وتزيف الصور ومقاطع الفيديو من شركات الهاكرز المتخصصة لابتزاز العميل؟

- يؤثر الذكاء الاصطناعي وغيره من التقنيات على شكل الاقتصاد والمجتمع بوتيرة خطيرة السرعة، فهل تحتكر الروبوتات معظم المهام التي تقوم بها العمالة البشرية في السنوات العشر المقبلة؟

- هل أصبح الإنسان، فى حقل تجارب وحوش التكنولوچيا، مجرد فأر تجارب في متاهة منظمة بدقة تدون سلوكياتنا وردود أفعالنا، لتجني المال ولا مفر منهم ولا مخرج لنا إلا بمواجهة مؤامرات تلك الشركات التي تسعى لتجريدنا من إنسانيتنا؟

- هل سيعيش البشر كله سجناء فى عالم افتراضى، يسيطر عليهم البلد الأقوى اقتصاديًا وتكنولوجيا فى العالم؟

 يبدو لى أن ما كان خيالا في طريقه لأن يصبح واقعا متجسدا مع مصطلح ميتافيرس الجديد، الذى أخذ يغزو عوالم التكنولوجيا بشكل واسع؛ ولن نرى بعد الآن عبارة "أحداث هذا العمل الفنى من وحي خيال المؤلف .. وأي تشابه في الأحداث، أو الشخصيات، أو الأسماء هو من قبيل المصادفة لا أكثر" .. فكل ما سنعيشه افتراضيا خيالى ويمت للواقع بكل صلة!


 


رابط دائم: