العلاقات المصرية - اليونانية في عهد الرئيس السيسي
28-10-2021

د. نهى الشريف
* عضو مجلس الشيوخ - لجنة الشئون الخارجية والعربية والأفريقية، إدارة العلاقات الدولية بالهيئة العامة للاستثمار

منذ أن تولى الرئيس عبدالفتاح السيسي رئاسة الجمهورية، حققت مصر نجاحات كبيرة وعظيمة في ملف العلاقات الخارجية، بعد أن عانت مصر لسنوات عجاف من صعوبات ومشكلات في هذا الملف الحيوي، نتيجة للظروف الصعبة التى شهدتها مصر خلال الفترة التى سبقت تولى السيسي رئاسة الجمهورية، واعتلائه كرسي الحكم. ومن أهم الملفات التي ركزت عليها القيادة السياسية الملف المصري - اليوناني لما يمثله من حجر الزاوية في منطقة شرق المتوسط، كما تحظى علاقات مصر واليونان بخصوصية كبيرة، لا لأنها تضرب بجذورها في أعماق الحضارة الإنسانية فحسب، بل كونها تمثل -على مدار عقود- نموذجًا للترابط والتعايش بين الثقافات والأديان والتعاون الاستراتيجي في منطقة شرق المتوسط.

العلاقات المصرية - اليونانية عبر التاريخ:

تتمتع مصر واليونان بعلاقات ثنائية طيبة، وتقارب في الرؤى تجاه مختلف القضايا الإقليمية والدولية بشكل عام، وذلك يرجع -في جانب منه- إلى الروابط التاريخية والجغرافية والثقافية بين البلدين، فضلاً عن عراقة العلاقات الدبلوماسية بينهما، والتي ترجع إلى عام ١۸٣٣، إلى جانب وجود جالية يونانية كبيرة في مصر، وأخرى مصرية في اليونان. إن العلاقات السياسية بين مصر واليونان هي من أعرق العلاقات بين بلدين في العالم، إذ يعود تاريخها إلى ما قبل الميلاد بنحو ٣٠٠ عام، أى منذ نشأة الإسكندرية من قبل الإسكندر الأكبر، ولعل من الطبيعي، وبفعل حركة الحياة ونواميسها، يمكن أن تطفو على السطح بعض الاختلافات في الرؤى والتوجهات، وفى هذا الإطار يمضي العقلاء إلى بلورة الحلول، وتذليل العقبات بهدف تعظيم الاستفادة العظمى، أما الحمقى فلا يعرفون سوى لغة البطش والسيف الذين باتوا يتشدقون بها على المنابر المغتصبة. وترتبط مصر بعلاقات وثيقة وقوية مع اليونان تحديداً منذ فجر التاريخ، ومع انطلاق ثورة ٣٠ يونيو، شهدت علاقات البلدين تقاربا كبيراً، لاسيما بعد تأييد أثينا خيارات الشعب المصري إبان الثورة.

وفى مصر الحديثة، فإن العلاقات الدبلوماسية بين القاهرة وأثينا تعود إلى عام 1833، ويمكن القول إن العلاقات المصرية - اليونانية عريقة وضاربة في جذور التاريخ، أى من زمن التنافخ والتثاقف الفرعوني - الإغريقي، وحتى اليوم.

القاهرة وأثينا .. رؤى سياسية متقاربة وطفرة اقتصادية:

في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي، شهدت العلاقات المصرية - اليونانية تطورًا لم يحدث منذ بدء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عام 1833، وذلك بفعل تقارب الرؤى تجاه الملفات الإقليمية، وتضافر الجهود في مكافحة الإرهاب، بالإضافة لارتفاع حجم التبادل التجاري بين البلدين. فمنذ تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي الحكم في مصر عام ٢٠١٤، شهدت العلاقات المصرية -اليونانية نقلة نوعية على مختلف الأصعدة، خاصة السياسية والاقتصادية والثقافية والأمنية لتتوالى الزيارات الرئاسية والدبلوماسية بين البلدين، سواء بشكل ثنائي، أو في إطار القمم الثلاثية بين مصر واليونان وقبرص التي تستضيفها الدول الثلاث بالتناوب، وانعقدت ۹ قمم ثلاثية سابقة بين مصر، وقبرص، واليونان، كانت الأولى في شهر نوفمبر من عام 2014 بالعاصمة المصرية، فيما انعقدت القمة الثانية في أبريل من العام التالي 2015 في قبرص، ثم القمة الثالثة في ديسمبر من العام نفسه في أثينا، والقمة الرابعة في القاهرة في أكتوبر 2016، وانعقدت القمة الخامسة في شهر نوفمبر عام 2017 في نيقوسيا، ثم القمة الثلاثية السادسة في اليونان في أكتوبر عام 2018، والقمة السابعة في القاهرة في أكتوبر عام 2019، ثم القمة الثلاثية الثامنة في نيقوسيا في أكتوبر 2020، ثم القمة التاسعة في اليونان في أكتوبر 2021.

العلاقات الاقتصادية بين القاهرة وأثينا وحالة من الازدهار:

شهدت العلاقات الاقتصادية بين البلدين تقاربًا، ليواصل الجانبان تحقيق المكاسب الاستثمارية والتجارية، وارتفعت صادرات مصر غير البترولية لليونان في الربع الأول من عام ٢٠٢١، وأشارت أحدث الإحصاءات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى أن قيمة التبادل التجاري بين مصر واليونان اقتربت من ٥٠٠ مليون دولار بنمو ٧٤٪ خلال نفس الفترة من العام الماضي، وسجلت الصادرات المصرية إلى اليونان ارتفاعا قدره ١٤٤٪، خلال الربع الأول من ٢٠٢١ مقارنة بنفس الفترة من العام السابق له بأكثر من ٣٥٠ مليون دولار، هي قيمة الصادرات المصرية لليونان، لتستحوذ على 3.8% من إجمالي قيمة الصادرات المصرية للخارج، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

ترسيم الحدود:

تم توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر واليونان، وهدفها الرئيسي هو تحقيق الأمن والاستقرار بمنطقة البحر المتوسط، وتؤكد الاتفاقية احترام القاهرة وأثينا القانون الدولي الذى يكفل لكل الدول البحث عن الثروات الطبيعية وممارسة الأنشطة الاقتصادية، ولكن بالتوافق مع الدول المتاخمة أو المقابلة معها بحريًّا، خصوصًا أنه وفقًا لمعاهدة الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982، فإنه لا يجوز البحث عن الثروات البحرية إلا بعد التوافق حول أسلوب استغلال تلك الثروات بالإنصاف مع الدول المتاخمة والمتقابلة كما هي حالة مصر واليونان المتلاصقتين معًا في الحدود البحرية، ويتيح الترسيم البحري الأخير، الذي أبرمته مصر مع اليونان، لكل منهما تعظيم الاستفادة من الثروات المتاحة في المنطقة الاقتصادية الخالصة لكل منهما، خاصة مجالي احتياطيات النفط والغاز الواعدين.

منتدى غاز شرق المتوسط:

فى سبتمبر ٢٠٢٠، تم توقيع الدول المؤسسة لمنتدى غاز شرق المتوسط على الميثاق الخاص بالمنتدى، والذي بمقتضاه يصبح منظمة دولية حكومية في منطقة المتوسط تسهم في تطوير التعاون في مجال الغاز الطبيعي، وتحقق استغلالا أمثل للموارد.

نتائج القمة الثلاثية التاسعة مصر واليونان وقبرص:

في إطار تعزيز التعاون في مجال الطاقة بين الدول الثلاث الواقعة في شرق المتوسط، أمضت مصر واليونان وقبرص اتفاقا حول نقل الكهرباء، وأعربت الدول الثلاث الأعضاء أيضا في منتدى غاز شرق المتوسط مع ست دول أخرى، من بينها فرنسا، وإيطاليا، وإسرائيل، والأردن، عن نيتها تعزيز تعاونها في استكشاف ونقل الغاز الطبيعي، وهو عامل مساعد في استقرار منطقة شرق المتوسط.

في الأخير، دخلت السياسة الخارجية المصرية مرحلة جديدة وتاريخاً أكثر إشراقاً بعد الإطاحة بحكم أهل الشر في ٣٠ يونيو ٢٠١٣، ثم تولى الرئيس عبدالفتاح السيسي مقاليد الحكم في البلاد بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية في يونيو ٢٠١٤. وقد تمثلت السياسة المصرية في عهد السيسي في تبنى عدد من الأهداف والدوائر الحيوية. فبالإضافة إلى استمرارية الأهداف التقليدية للسياسة الخارجية المصرية، يمكن القول إن مرحلة ما بعد ٣٠ يونيو قد تضمنت عدة أهداف يوجد بينها قدر من الترابط والتعاون كما يوجد الشق التاريخي بينها وبين العديد من دول المنطقة والعالم، وأصبح لها أولوية في رؤية الدولة المصرية وتوجهاتها وعلاقاتها الخارجية والدولية، كما شهدت العلاقات المصرية - اليونانية -تحديداً خلال السنوات الماضية- تطورًا ملحوظًا في جميع المجالات، وأصبحت نموذجًا يحتذى به في التعاون الثنائي لمصلحة الشعبين، وتعزيز الاستفادة من الثروات الطبيعية في شرق المتوسط، وحفظ الأمن والاستقرار في المنطقة.

تنطلق السياسة الصحيحة من أسس الندية، والتعاون، وتقاسم المنافع، بعيداً عن النزاع واختلاق ما يمكن تفاديه، واحترام الجيران والقوى الإقليمية الدولية لمصر ورئيسها الذي جعل من البلد ركيزة استقرار ومصدر أمان، يسعى الجميع لنسج العلاقات الفاعلة معها.


 


رابط دائم: