في تفسير ما يحدث في السودان!
26-10-2021

أحمد بديوي
* كاتب وصحفي مصري

المؤسسات العسكرية في العالم، فلسفتها: الضبط والربط.. تُدار بصرامة وحسم؛ لأن العدو في ميادين القتال لن ينتظر: ديمقراطية الديمقراطيين، وتنظير المنظِّرين، وتقعير المقعِّرين.. في المعارك، لا مجال لجماعة «خليني أكمل كلامي» وشلة «أوضَّح فكرتي»، ومن ثم تتحرك، استباقيًا لمواجهة المخاطر.

في المؤسسات العسكرية، يفكر المتخصصون، ويقدِّرون الموقف، والأبعاد «الاستراتيجية- الاستباقية»، وفق معطيات شديدة الدقة، قبل تحرك المقاتلين والآليات العسكرية للمواجهة.. يعرفون جميعًا أن الذخائر بعد انطلاقها، لن تعود، مجددًا، لفوهة القاذفات.

في أزمة السودان، ثمة اتهامات بفشل السياسات خلال العامين الماضيين، بسبب تقديم الشكل على المضمون.. مرت مصر بالحالة نفسها، عندما طمع في حكمها كل من هب ودب (كيانات، ومسميات كثيرة خلال الفترة من 2011 إلى صيف 2013)، قبل وقوف شعبنا ومؤسساته في مربع واحد، تحت علم واحد.

 استشعر أصحاب المظلوميات القديمة (في شرق السودان، ومناطق أخرى)، بأنه لا أفق لحل أزماتهم.. عطَّلوا مصالح الحكومة.. جمَّدوا مهامها في مناطقهم، قبل أن يبادر رئيس المجلس السيادي (القائد العام للقوات المسلحة السودانية)، عبد الفتاح البرهان، بحل المجلس، والحكومة.. وإعلان حالة الطوارئ!

«الفاعل الخارجي»، تغلغل في السودان بقوة، خلال الـ24 شهرًا الماضية.. تأثرت السيادة الوطنية، وكذا صناعة القرار.. مكاشفة الحكومة بالأخطاء، لم يُقابل بخطة واضحة لتصحيح البوصلة، وتصويب المسيرة.. واصلت السير في طريق اللاعودة.. أحيانا، بينما تكون الوقفة مطلوبة لحماية الدول، وإنقاذ مستقبل الشعوب.     

تكثر المصطلحات المعلبة (انقلاب عسكري، إجهاض الديمقراطية، معاداة الحقوق والحريات...).. تكون مجرد تمهيد خارجي من قوى المصالح الدولية، بهدف «خلط الأوراق»، وتأليب الرأي العام على مؤسساته الرسمية.. حدث هذا من العراق (شرقا)، إلى تونس (غربا)، وبعد وقوع «الفأس في الرأس»، قالوا: «معطياتنا كانت خاطئة»!

تصريحات رئيس الحكومة (المقال)، عبد الله حمدوك، المتناقضة، أثارت الدهشة.. أعلن «التمسك بالسلمية»؛ لكنه طالب بـ«احتلال الشوارع» (!!).. بعدها، تم اقتحام حواجز عسكرية في محيط مبنى القيادة العامة للقوات المسلحة بالخرطوم، فيما السؤال الذي يطرح نفسه: هل صاحب الموقف السليم يلجأ للتحريض المباشر؟!!

أساليب إسقاط الأنظمة تبدأ بالتشويه السياسي- الإعلامي، مرورًا بتدمير الأعمدة التي تستند إليها الدولة (الاقتصاد، القوات المسلحة، السلم الأهلي، النظام البرلماني، السمعة الدولية...)، ثم العمل على توسيع رقعة الاحتجاجات.. والأخطر، الدعوة إلى العصيان المدني (الجزئي، والشامل) في جميع أنحاء البلاد!

تحويل السلم الأهلي إلى عمليات تخريب وتدمير ممنهجة، يبدأ بمهاجمة مؤسسات الضبط الاجتماعي (مقار عسكرية، وأمنية، وقضائية...).. أحيانا، يتم استهداف الذاكرة الوطنية (متاحف العراق، المجمع العلمي، والجمعية الجغرافية المصرية، نماذج)، فيما شرائح من الجماهير (المدفوعة بالتحريض)، تنفِّذ المطلوب!

تتنوع أساليب الهدم المخطط للدول (تحدى القوانين، كسر القيود الاجتماعية، التحريض على القرارات الرسمية، وغيرها من الممارسات التي يتم تدريب قوى وظيفية عليها لشلِّ الدولة المستهدفة: سياسيًا، اقتصاديًا، وفي شتى المجالات)، حتى ترضخ إلى الاملاءات الخارجية، بزعم إرغامها على الاستجابة لمطالب الجماهير!!

المخطط يحدِّد 10 وسائل لإنهاك مؤسسات الدول المستهدفة (الإرهاق الإداري للخدمات الحكومية، والاعتصامات، وقطع الطرق، واعتراض المواكب، واحتلال المباني، وطلاء مبان رئيسة بالأسود، وتغيير أسماء الشوارع، والإضراب عن الطعام، وشغل السجون بأعداد ضخمة؛ تمهيدًا لإعلان مناطق محررة، وحكومة موازية)!!

تتعدد أساليبهم للفت الأنظار (المسيرات الصامتة والصاخبة، الحداد السياسي، الجنازات الرمزية، الإضرابات المهنية والفئوية، تعميم البرامج الساخرة، الأغاني الهزلية، القصص الفكاهية للتقليل من القيادات الرسمية، الاحتجاجات، تدمير الممتلكات العامة والخاصة)، والتحالف مع الخصوم ضد المؤسسات!!

تنشط المجموعات الوظيفية (المدربة)، وسط الجماهير في الأسواق، والمساجد، وأماكن العمل.. يجرى تصوير أحداث مثيرة للمشاعر (إنسانيا، ودينيا)، لاسيما إذا كان طرفها الآخر، سيدة أو فتاة.. تستخدم المجموعات المعنية بالتنفيذ تكتيكات قصيرة وطويلة الأجل.. تزداد حالة السيولة مع مطالبة الأفراد والجماعات بالمشاركة في اتخاذ القرارات السياسية!

هناك أساليب أخرى تلجأ إليها المجموعات التحريضية، بهدف لفت الأنظار.. يظهر هذا بقوة في الاتفاق على أنشطة جماعية تظهر وجود حالة عامة ضد الأنظمة المستهدفة (قرع أواني الطهو، وإطلاق الألعاب النارية، وترديد هتافات محددة، وتعطيل مصالح الناس، بهدف الضغط على الحكومات!

تركز التدريبات المشبوهة على «العصيان الإلكتروني» (سرقة المعلومات، تعطيل النظام المعلوماتي، أو تدميره، التشويش على الاتصالات الحكومية، التحكم في أنظمة الشركات والمؤسسات، خاصة: الطيران، المطارات، الاتصالات، البنوك، وكل ما يُدار إلكترونيًا...).

الأساليب والتكتيكات كثيرة.. يتم إيهام المغرر بهم، بأن من يلقى القبض عليه سيصبح بطلا، يتحدث عنه الإعلام.. يجرى تدريب نشطاء على ما يسمى بـ«رفع تكلفة الاعتقال» (التخطيط لنشاط يُتوقع أن تعقبه اعتقالات، مع الاستثمار الإعلامي لكل حالة اعتقال، من منظور إنسان، لا جنائي، وتحويل المعتقل إلى رمز)!

تلعب وسائل الإعلام، واللجان الحقوقية، والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني (التابعة، والمخترقة)، دورها المرسوم في الترويج والتحريض، والضغط.. يتم إلصاق خسائر المجموعات الفوضوية بالمؤسسات الرسمية.. يبالغون في التهويل وتسويق الدماء وعدد القتلى والمصابين.

تقوم «فرق الأبطال» (مجموعات شبابية مدربة على القتال في الخطوط الأمامية للمواجهات مع الأمن)، بقيادة الاحتجاجات الدموية في الشوارع، ضد الأمن والمواطنين، وارتكاب عمليات القتل إذا لزم الأمر.. يقولون: كل نضال يتطلب تضحيات.. لابد من تقديم جرحى وشهداء (!!)، لزيادة التعاطف الشعبي!

الآن، «تجمع المهنيين السودانيين» (المعارض)، يدعو إلى احتجاجات وعصيان مدني في السودان.. في المقابل، يرجع القائد العام للقوات المسلحة السودانية، عبد الفتاح البرهان، القرارات التي اتخذها لـ«وقف التكالب بين مكونات شراكة الحكم على السلطة، والتحريض على الفوضى، وتهديد الاقتصاد والأمن في البلاد...».

«البرهان»، يرى أن الإجراءات التي اتخذها «تحفظ السودان وثورته، بعد الانقسامات التي كانت تهدد البلاد...»، متعهدًا بـ«التزام القوات المسلحة بالانتقال الديمقراطي، حتى تسليم الحكم للمدنيين والمحكمة الدستورية قبل الانتخابات».

وتستمر الخيارات المفتوحة.


رابط دائم: