رمانة ميزان المجتمع إلى أين؟!
25-10-2021

جاكلين جرجس
* مدير المركز الثقافى القبطى بجمعية جامعة المحبة

يقول الكاتب الفرنسي جان انزيلمي بريلات في مقولة شهيرة له: " قل لي ماذا تأكل أقول لك من أنت "، وهي مقولة تلخص أن شخصية الإنسان تبدو للآخرين من خلال ما يتناوله من طعام، وكذلك من طريقة تناوله للطعام، مرورًا بآداب الطاولة وطريقة إعداد الطعام. لا شك فى أن آداب الطعام ونوعيته، بل تكلفته وطريقة الإنفاق عليه تعبر عن مدى ثقافة الشخص وحالته الاجتماعية والمادية، وإلى أى طبقة ينتمى. فمذاق الكابتشينو لم يعد يعبّر عن نمط جديد من القهوة، وإنما دليل على أنتمائك للطبقة الوسطى العليا، أى أولئك الذين يملكون التحدث بعدة لغات مختلفة ويرتادون مقاهى ستاربكس وكوستا وغيرها. أما الذين يتناولون فطورهم البسيط على عربة فول بالتحويجة أو بالزيت الحار يتقوتون به ليسد جوعهم طول فترة العمل حتى انتهاء دوام اليوم والعودة لبيوتهم. هؤلاء يصنفون بالطبقة الفقيرة وينفقون على فطورهم نحو الجنيهات العشرة؛ أما أصحابنا المنتمين للطبقة الوسطى العليا لا تكفيهم الخمسون جنيهًا فى مشروب.

كنت أعرف أن الطبقات مقسمة اقتصادياً حسب علاقة الدخل بالمصروفات، فمن يتساوى دخله مع مصروفاته فهو من الطبقة الفقيرة، ومن يزيد دخله عن مصروفاته بقدر يتيح له هامش قليل للترفيه أو مواجهة أى ظرف طارىء فهذه هى الطبقة المتوسطة .. أما من يزيد دخله عن مصروفاته زيادة كبيرة فهذه هى الطبقة الغنية .. أما الآن فهل لازالت الطبقة الوسطى موجودة وقادرة على إحداث حراك اقتصادى أم تلاشت وأصبح المجتمع مصنفا إلى طبقتين الطبقة الفقيرة والطبقة الغنية؟

للإجابة عن هذا التساؤل، يجب أن نذكر أن الطبقة المتوسطة متعددة الشرائح، ومن ثم تتباين التأثيرات الاقتصادية عليها، نظرًا لتباين الفئات التي تضمها الطبقة المتوسطة، فتم تقسيمها إلى ثلاث شرائح (دنيا، ومتوسطة، وعليا)، مع مراعاة الاختلاف بين الفئات الثلاث. كما أن التفاوت بين تلك الشرائح في مستويات الدخول يؤدي إلى اختلاف في تأثيرات السياسات الاقتصادية عليها.وبالرغم من معاناة شرائح الطبقة المتوسطة وتراجع الإنفاق الاجتماعي واضطرارهم لتغيير النمط الاستهلاكى والسلوك الشرائى فى المأكل والمشرب والملبس ووسائل الانتقال ؛ إلا أنها تبقى رمانة الميزان فى أى مجتمع. إن الطبقة الوسطى هى الطبقة التى يشير تناميها واتساعها إلى مدى نجاح السياسات الاقتصادية والاجتماعية فى تحقيق العدالة، وفى توزيع الدخل وتنمية المجتمع ككل، فهى أحد الأعمدة الأساسية للاستقرار السياسى والسلم الاجتماعى.

وهذا ما أكده تقرير  لوكالة "فيتش سولوشنز" حول توقعات خصائص الأسرة المصرية حتى عام 2025، فيتش تتوقع: "إذا كان نمو دخل الأسر المصرية مدفوعًا بالنمو الاقتصادي واستقرار معدل التضخم، وانخفاض معدل زيادة الأسر حتى عام 2025 عن السنوات السابقة، لتصبح 29 مليون أسرة في عام 2025، مقارنةً بنحو 27 مليون أسرة في عام 2021؛ فإن ذلك سيحدث نموًّا في حجم الطبقة المتوسطة المصرية التي يتراوح دخلها السنوي بين 78 ألف جنيه و156 ألف جنيه؛ مما يجعلها من أسرع الطبقات نموًّا على مستوى العالم، ليزيد بنسبة 58.2% في عام 2025، مقارنة بنحو 34.3% في عام 2021. وستزيد نسبة الأسر التي يزيد دخلها السنوي على 390 ألف جنيه إلى 11% في عام 2025، مقارنة بنحو 4.6% في عام 2021".

يأتى هذه التقرير بالرغم من تداعيات جائحة كورونا التى أجبرت العالم كله على الإغلاق مما أدى إلى انكماش الحالة الاقتصادية على كل شرائح المجتمع وتراجع الحالة الاقتصادية فى دول العالم؛ لكن بسبب سياسة مصر الحكيمة تجاه جائحة كورونا واتباعها خطوات مختلفة كليا لسياسة التعامل مع الوباء، خاصة فيما يتعلق بالإغلاق والتطعيم والتعايش مع الفيروس، وحملات التوعية التي ساهمت بشكل مختلف في ارتفاع معدل التنمية، فإن ذلك ساهم فى أن يتحرك الاقتصاد المصري كقطار سريع، نتيجة لاستمرار نموه الإيجابي الذي يعتمد على المعدل الاستهلاكي للمواطنين خاصة الشباب، واستمرار تدفق التحويلات المالية، والقيود الحكومية القليلة على التنقل، مما ساهم في انتعاش السياحة الداخلية ؛ وجعل الاقتصاد المصري يثبت أن خطوات الدولة المصرية أتت ثمارها، وأنه مازال هناك الجديد من التقدم والتنمية على المدى الطويل؛ خاصة أن مصر كانت تتعافى من آثار مدمرة لعدم استقرار بعد ما عرف بـ"الربيع العربى" طيلة سنوات، ومن بعدها جائحة كوفيد-19 التى انتشرت على مستوى العالم، مما يعني أن هذه الشهادة ستؤدي إلى زيادة معدلات النمو؛ والذى سيؤدى بدوره إلى نمو في حجم الطبقة المتوسطة المصرية.

تجربة مصر الجديدة لم تكتمل بعد، فنحن لانزال نسير بخطى ثابتة لتحقيق خطة التنمية المستدامة 2030. قد يشعر المواطن أن حركة التغيير بطيئة أو مردودها على الأسرة غير واضح، وقد يظن أنها مرهقة ومكلفة، لكن بنظرة مستقبلية وأمل وإيمان بالله وقيادتنا الحكيمة سيتحقق الحلم وسنجنى الثمار. نحن نزرع ليحصد أولادنا وأحفادنا من بعدنا، لذلك تظهر أهمية الطبقة الوسطى لتحقيق التوازن المجتمعى فهى رمانة الميزان للمصريين، وأيضًا من بين أدوارها حماية القيم الاجتماعية والثقافية من الانهيار، حيث إنها أحد الأعمدة الأساسية للاستقرار السياسى والسلم الاجتماعى. وأخيرا لابد من مواجهة أى تدهور اقتصادى أو ثقافى للطبقة الوسطى حتى تستطيع القيام بواجبها ودورها فى مجالات التنمية بالجمهورية الجديدة.


رابط دائم: