المصريون بين عبور العزة والكرامة وبناء الإنسان
12-10-2021

جاكلين جرجس
* مدير المركز الثقافى القبطى بجمعية جامعة المحبة

  لدى كل شعب ذاكرته التى تتسع بحجم تاريخ دولته، فتمتلئ على مر الأزمان بذكريات الانتصار والنجاح وفترات الانكسار والهزيمة. وبالرغم من ذلك لم يحدثنا التاريخ عن دولة اقتنصت النجاح والتقدم دون إخفاق سابق ومحاولات للنهوض من جديد بتحديات أعتى وأصعب فى كل مرحلة، بل إن كل دول العالم مرت بأزمات اقتصادية وسياسية واجتماعية جراء الحروب والتهديدات الخارجية والداخلية؛ ولكن يظل دائما صمود الشعب وعزيمته وإصراره هو حائط الصد والدافع والحافز لنهضة الأمم وتطورها، لذلك لم تكن ذكرى الانتصار فى السادس من أكتوبر 1973 مجرد احتفال سنوي بل شاهد قوي على تلاحم الشعب وثقته فى قيادته، فهو دائمًا وأبدًا يد واحدة جيشا وشرطة وشعبا، يد من حديد تضرب أعداء الوطن لحماية مقدراته وأهدافه، ويد واحدة للبناء والتنمية للنهضة والصمود والكفاح لاستعادة دور مصر الريادى وسط العالم. وغافل من يظن أن الحرب انتهت ولأنها تغير جلدها وتتطور بكل الأشكال مع التطور التكنولوجي المتسارع وظهور الحروب الباردة، فنجد إن مصر مستهدفة باستمرار فى العصر الحديث، وخلال الأعوام الثماني والأربعين عامًا المنصرمة مرت مصرنا بمراحل وفترات قاسية، آخرها ما كان بعد ثورة 2011، حيث كانت مراحل اضطراب غير مسبوقة بتغلغل الجماعات الإرهابية فى مفاصل الدولة، ومحاولة هيمنة أذرعتها على مقدراتنا .

  وهنا بدأ العبور الثانى وتحدي الحفاظ على دولتنا ومنع انهيارها، ومواجهة خطر الفراغ السياسي والفوضى، وانتشار الإرهاب المسلح الغادر. ومع المراوغة وحملات التكذيب والتشهير بجيشنا الباسل وشرطتنا القوية من جانب تنظيم الإخوان الإرهابى، صدرت تقارير سلبية مشددة على ضرورة الاهتمام بحقوق الإنسان، بالرغم من أن الجميع يعلم أن الكثير من تلك التقارير الصادرة ضد مصر تُعد مسبقًا وتخرج في توقيتات محددة، فى محاولة لتسييس قضايا حقوق الإنسان. كذلك، فإن هناك دولاً استهدفت مصر باستماتة فى فترة ما لتصدير قوالب ومعايير محددة لحقوق الإنسان، وحاولت بعض الدول والمنظمات استخدام هذا الملف كورقة ضغط على مصر؛ لكن القيادة السياسية الحكيمة فطنت لذلك وعملت على أن يكون لدى مصر مفهوم واضح لحقوق الإنسان، حيث إن المفهوم المصرى لحقوق الإنسان يعتمد على المواطنة والتنمية والبناء، وأن الحياة الكريمة أعظم الحقوق، وتستهدف إعداد البنية الأساسية والارتقاء بالخدمات وبمستوى معيشة المواطن وتطوير المجتمع.

  لذلك، فإن الاستراتيجية الوطنية الجديدة لتعزيز حالة حقوق الإنسان في مصر، والتي أعلنها الرئيس عبد الفتاح السيسي، ستكون أبلغ رد على مثل هذه التقارير، كما أنها ستنقل حياة المصريين نقلة نوعية كبيرة كبداية لمرحلة واعدة، كونها أول استراتيجية ذاتية متكاملة وطويلة الأمد في هذا المجال. وقد جاءت هذه الاستراتيجية نتيجة لجهد كبير بُذل على مدار عام ونصف العام إلى أن أتت ثمارها فى أربعة محاور رئيسية: الحقوق المدنية والسياسية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وحقوق المرأة والطفل وذوي الإعاقة والشباب وكبار السن، والتثقيف وبناء القدرات في حقوق الإنسان. أيضًا، تبنت الدولة حرية الفكر والإبداع والتعبير والعمل على تعزيز قيم المواطنة والتسامح والحوار ومكافحة التحريض على العنف والتمييز، والترسيخ  لمبادئ المواطنة والعدالة، والمساواة في الحقوق والواجبات دون أي تمييز، وجعل تكافؤ الفرص أساسًا لبناء المجتمع، والحرص على استقلال السلطة القضائية وإنفاذ القانون باعتباره وسيلة الإنصاف الأساسية التي تضمن الإنفاذ الفعلي لجميع الحقوق .

  كل ذلك كان كفيلًا ليعلن الرئيس السيسى أن عام 2022 هو عام المجتمع المدنى، مؤكدًا أننا ننتهج نهج أجدادنا الفراعنة العظماء؛ فهم أول من نادوا بحقوق الإنسان فى مجتمع "ماعت" الذى كان يقدر بصدق قيم الحب والسلام والمساواة، فمصر هى التى سبقت الدنيا، وانتبهت مبكراً لأهمية إقرار قانون ونظام يحكم العلاقة بين الحاكم والمحكومين، وكذلك العلاقة بين المحكومين وبعضهم بعضا، فكانت "ماعت" هي النظام والحق والحضارة في مواجهة الفوضى والقوة والتوحش، حيث كان لابد من انتصار قيم النظام والحق والحضارة لقيام الدولة المصرية .

 ولأن الأحفاد يرثون خصال الأجداد، أرى أنه بتحقيق هذه الاستراتيجية نثبت للعالم كله أننا نسير بخطى ثابتة نحو الإصلاح والتنمية الشاملة بداية من الإنسان نفسه وثقافته وتعليمه واستعادة قيمه وهويته المصرية. ويتبقى لنا تعريف المواطن المصرى البسيط بمفاهيم حقوق الإنسان وخطة مصر فى هذا الملف وما تقدمه الحكومة له من إنجازات من خلال إعلام واعٍ. كما نحتاج أيضا لتكامل وتواصل بين هيئات المجتمع المدنى والحكومة لتعمل جميع مؤسسات الدولة والمجلس القومى لحقوق الإنسان فى تناغم وترابط لمتابعة المسار الإصلاحي المصري، والعمل على الانخراط فيه حتى تصبح تلك الاستراتيجية الطموح نموذجا يدرس فى جامعات العالم، ومثلاً أعلى يسعى إلى تغيير واقع حقوق الإنسان العالمى .

 


رابط دائم: