انتخابات البرلمان الألماني.. من يخلف ميركل؟
26-9-2021

د. غادة عبدالعزيز
* باحثة متخصصة في العلاقات الدولية

يتوجه الألمان إلي صناديق الاقتراع اليوم الأحد 26 سبتمبر لانتخاب البرلمان الاتحادي الجديد في أهم انتخابات في تاريخ ألمانيا منذ عقود حيث تشهد معها ألمانيا بدء حقبة سياسية جديدة؛ فالنتيجة ستقرر من سيخلف المستشارة أنجيلا ميركل، التي ستغيب عن حكم ألمانيا بعد 16 عاماً، وهو ما يدعو للترقب والتساؤل حول من سيخلفها، وأي نوع من التحالف الذي سيتولى السلطة، وهل ستستمر أم ستتغير السياسة الألمانية بشكل جذري؟، وما مدي قدرة من سيخلف المستشارة أنجيلا ميركل علي ملء الفراغ الذي ستتركه، والحفاظ علي تماسك الاتحاد الاوروبي والعمل علي تقويته، وكذلك الاحتفاظ بقوة ألمانيا كلاعب فاعل علي المسرح الأوروبي والعالمي؟.

وتجري الانتخابات كل أربعة سنوات في اقتراع سري يتم عبر 299 دائرة انتخابية موزعة علي 16 ولاية، ويقوم المواطنون الألمان بانتخاب أعضاء البرلمان "البوندستاغ"؛ الذين يقومون بدورهم بانتخاب المستشار الاتحادي الذي سيخلف المستشارة أنجيلا ميركل التي ستترك منصبها بعد أربع ولايات متتالية امتدت لستة عشر عاماً في الحكم.وتتميز ألمانيا بنظام انتخابي معقد بعض الشيء يحول دون استئثار حزب واحد بالأغلبية في البرلمان، مما يدفع للتساؤل حول طبيعة هذا النظام الانتخابي؟، وما  عدد الأصوات التي يمتلكها كل ناخب؟،ولماذا يصعب تحديد عدد المقاعد في البرلمان الألماني؟، وما عتبة الـ 5%؟.

من يحق لهم التصويت؟

يحق لكل مواطن يحمل الجنسية الألمانية ويزيد عمره على الـ 18 عاماً أن يصوت في الانتخابات البرلمانية، ويوجد نحو  60.4 مليون مواطن ألماني يحق لهم المشاركة في هذه الانتخابات، منهم نحو 31.2مليون امرأة، و29.2 مليون رجل، من بينهم نحو 2.8 مليون مواطن ممن بلغوا سن الثامنة عشرة ويحق لهم المشاركة في الانتخابات للمرة الأولي، ويشكلون بذلك نسبة 4.6% ممن يحق لهم التصويت في الانتخابات، وبهذا يكون عدد من يحق لهم الانتخاب قد تراجع عن انتخابات البوندستاغ التاسع عشر في 2017 بنحو 1.3 مليون. وتجدر الإشارة هنا إلي أن نصف الذين يحق لهم الانتخاب تقريباً يقطنون الولايات الثلاث الأكبر من حيث عدد السكان، وهي نوردراين-فيستفالن"12.8 مليون"، بافاريا"9.4 مليون"، بادن-فورتمبيرغ"7.7 مليون".

ووفقاً لمكتب الإحصاء الاتحادي، فإن الهيكل العمري لمن يحق لهم الانتخاب في انتخابات عام 2021،  من 18: 21 عام نحو 3.6%، ومن 21: 30 عام نحو 11.8%، من 30: 40 عام 13.9%، من 40: 50 عام نحو 14.7%، ومن 50: 60 عام نحو 20%، ومن 60: 70 عام نحو 15.4 %، ونلاحظ هنا أن كبار السن يشكلون الأغلبية، لذا فهم يحددون نتائج هذه الانتخابات.


عدد الأصوات التي يمتلكها الناخب:

يجمع النظام الانتخابي بين التصويت الفردي والقائمة النسبية علي القوائم الحزبية، وكل ناخب له صوتان، الصوت الأول ينتخب الناخب مرشح لدائرته الانتخابية "الانتخابات المباشرة"، أما الصوت الثاني، فيمنح لقائمة حزب معين "التصويت النسبي" للأحزاب علي مستوي الولاية، ويعد التصويت الثاني أكثر أهمية لأنه يحدد توزيع مقاعد البرلمان "التمثيل النسبي".

ويكون الأساس في عدد مقاعد البرلمان 598 مقعد، حيث يكون الأساس بالبرلمان 299 للصوت الفردي المباشر، و299 مقعد للقوائم الحزبية "والتي يضاف لها الأصوات التعويضية"، حيث يصوت المواطنين من خلال الصوت الثاني علي قائمة الحزب، ثم يتم حساب الأصوات الصحيحة علي مستوي الجمهورية، ثم تقسم عدد الأصوات الصحيحة لكل ولاية علي عدد الأصوات التي يستحقها كل مقعد فينتج عن ذلك عدد المقاعد الكلية التي تحصل عليها كل ولاية، ثم يحسب الوزن النسبي "النسبة الحزبية"، لكل حزب في كل ولاية، وبناء عليه يمنح كل حزب نسبة من عدد المقاعد الكلية تعادل تماماً نسبة الأصوات التي حصل عليها الحزب منسوبة إلي عدد الأصوات الكلية للولاية، وهذه النسبة تمثل عدد المقاعد التي يستحقها كل حزب عن قائمته فتؤخذ الأسماء الأولي علي القائمة حتي يصل عددها إلي عدد المقاعد التي يستحقها الحزب بهذه الولاية، وذلك بعد خصم ما حصل عليه الحزب من مقاعد من خلال التصويت الأول "المباشر".

المقاعد التعويضية؛ قد يحصل الحزب علي عدد مقاعد مباشرة أكثر من عدد المقاعد التي يستحقها الحزب في هذه الولاية، وبالتالي يمنح الحزب مقاعد تعويضية، مما يؤدي إلي زيادة عدد أعضاء البرلمان عن العدد القانوني " 598" مقعد، وهو ما يطلق عليه المقاعد الزائدة أو التعويضية، والتي تضاف لعدد مقاعد البرلمان لمنع حدوث خلل في الأوزان النسبية للأحزاب.

وهذه الأصوات التعويضية التي تصعب عملية التنبؤ بعدد مقاعد البرلمان القادم، حيث تزيد عدد مقاعد البرلمان في كل دورة انتخابية بسبب القائمة النسبية للأحزاب، وحسب نتائج كل حزب علي مستوي الولايات. فعلي سبيل المثال، ضم البوندستاغ في دورته الثامنة عشرة عام 2013 أربعة أحزاب فقط بنحو 603 مقعدا وهى: ( الاتحاد الديمقراطي المسيحي CDU / CSU بنحو 301 مقعدا، الحزب الديمقراطي الاشتراكيSPD193 مقعدا، حزب اليسار 64 مقعدا، حزب الخضر 63 مقعدا)، أما دورته التاسعة عشر فقد بلغ نحو 709 مقعدا ويعد رقما قياسيا في تاريخ المانيا بعد الحرب.


ويوضح الشكل السابق تشكيل البوندستاغ الألماني التاسع عشر، ويضم سبعة أحزاب تتمثل مجتمعه من خلال 709 أعضاء، وخلال البرلمان التاسع عشر شكل حزب البديل من أجل ألمانيا AfDإضافة جديدة للبرلمان بنحو 88 مقعدا، كما تم تمثيل الحزب الديمقراطي الحر  FDPمرة أخرى في البوندستاغ بعد غياب دام لمدة أربع سنوات بـ 80 مقعدا.

ما هي عتبة الـ 5% ؟

يتعين علي الأحزاب السياسية اجتياز عقبة الـ 5%، وتعني أن علي كل حزب الحصول علي 5% علي الأقل من أصوات الناخبين الثانية، أو أن يحقق الفوز في ثلاثة دوائر انتخابية علي الأقل بالتصويت المباشرة حتي يحصل الحزب علي حق التمثيل في البرلمان، ووضعت عقبة الـ 5% بهدف الحد من "التشرذم" الذي قد يسببه وجود عدد كبير من الأحزاب الصغيرة في البرلمان.

وخلال الانتخابات الحالية يقدم 47 حزبا سياسيا نحو 6211 مرشحا، علي القوائم الحزبية وبشكل فردي في كافة الدوائر الانتخابية بألمانيا، وأهم الأحزاب المتنافسة هي : (الاتحاد الديمقراطي المسيحي (يمين الوسط)، والحزب الديمقراطي الاشتراكي (يسار الوسط)، وحزب الخضر / 90  (أنصار البيئة)، والحركة الشعبوية اليمينية المتطرفة "البديل من أجل ألمانيا"، والحزب الديمقراطي الحر(ليبرالي)، وحزب اليسار الراديكالي "دي لينك").

نسب المشاركة في انتخابات البرلمان الألماني:

بلغ عدد الناخبين المسجلين في انتخابات عام 2017 نحو 61.5 مليون ناخب أما في انتخابات عام 2021 يبلغ عدد الناخبين المسجلين نحو 60.4 مليون مواطن الماني يحق لهم المشاركة في الانتخابات، ووفقاً لمكتب الإحصاء الاتحادي، يوجد ميل للانخفاض في نسب المشاركة في التصويت في الانتخابات البوندستاغ كما يلي: (عام 2017 نسبة المشاركة نحو  76.2% ، عام 2005  نحو 77.7%، عام  1990 نحو77.8% ، عام 1983 نحو 89.1%، عام 1972 نحو 91.1% ، عام  1949 نحو 78.5 % ) .


وتجدر الإشارة هنا إلي أن النظام الانتخابي في ألمانيا يتيح التصويت البريدي، وقد وصلت نسبة المشاركة عبر البريد نحو 23% في انتخابات 2017، ونحو 22% في انتخابات عام 2013، لذا فمن غير المرجح أن تؤثر جائحة كوفيد- 19 فى نسب التصويت في ألمانيا، علي غرار عدد من الدول الأخرى التي أجريت بها انتخابات خلال هذه الجائحة.

تشكيل الحكومة الألمانية:

 يجعل قانون الانتخاب الألماني من الصعب على أحد الأحزاب أن يتمكن من حكم البلاد منفرداً، لذا فإن تشكيل الائتلاف الحكومي هو القاعدة، والمرشحين لخلافة المستشارة أنجيلا ميركل هم: "أرمين لاشيت مرشح الاتحاد الديمقراطي المسيحي، وأولافشولتز مرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي، وأنالينا بربوك عن حزب الخضر". واللافت للنظر مؤخراً أن أرمين لاشيت يكافح من أجل اللحاق بأولافشولتز الذي يتقدمه حالياً بشكل طفيف في استطلاعات الرأي بنسب تأييد نحو 25%، أما مرشحة حزب الخضر أنالينا بربوك، مازالت تحتل المركز الثالث في هذه الاستطلاعات، ومع ذلك لا تنبئ استطلاعات الرأي بالضرورة عن نتيجة الانتخابات، لذا تبقي كل الاحتمالات مفتوحة في السباق علي منصب المستشارية.


رابط دائم: