فرنسا-أفريقيا: مصالح مشتركة وعوائد محتملة
20-5-2021

سمر عادل
* باحثة في الاقتصاد السياسي

 

توجه الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى باريس من أجل المشاركة في كل من مؤتمر باريس لدعم المرحلة الانتقالية في السودان، وقمة تمويل الاقتصادات الإفريقية. وهو ما يشير إلى العلاقات الوثيقة بين مصر وفرنسا من جهة، ومن الجهة الأخرى علاقة مصر بالسودان كعلاقة تاريخية، تعمل مصر على تطويرها ودعمها بشكل دائم، وازداد هذا الدعم في المرحلة الانتقالية والحرجة التي يمر بها السودان حاليًا على المستويين الاقتصادي والسياسي، ومن هنا تؤكد مشاركة مصر في مؤتمر باريس لدعم المرحلة الانتقالية في السودان، والذي دعا إليه الرئيس ماكرون على مدى الاهتمام والدعم المصري للسودان، كما تعكس مشاركة مصر الثقل الذي تتمتع به على مستوى القارة الإفريقية، وهو ما يجعلها عنصرًا فاعلًا على في إعادة التنمية وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى القارة.

سلط الرئيس المصري الضوء في القمة الخاصة بالسودان على أهمية تنسيق جهود المجتمع الدولي خلال تلك المرحلة التاريخية المحورية التي يمر بها السودان، أما المؤتمر الآخر فقد تناولت مصر فيه مختلف الأمور التي تهم الدول الإفريقية، وأهمها تعزيز الجهود الدولية لتسهيل اندماجها في الاقتصاد العالمي ومن شأن ذلك أن يسهم في تحقيق النمو الاقتصادي في مواجهة تداعيات أزمة فيروس كورونا، فضلاً عن تسهيل نقل التكنولوجيا، وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر. وتعرضت مصر في القمة أيضًا لمضاعفة سبل التعاون الاقتصادي والسياسي والعسكري بين البلدين، والتطلع إلى المزيد من الاستثمارات الفرنسية في مصر.

 العلاقات الاقتصاية والتجارية بين مصر وفرنسا ..عوائد مستقبلية:

يحتل اقتصاد فرنسا المرتبة السابعة على مستوى العالم، والثانية على مستوى أوروبا، كما بلغ حجم الاقتصاد الفرنسي 2.9 تريليون دولار، وهو ما يعني أن الاقتصاد الفرنسي في صعود مستمر، وبالتالي تمثل الشراكة بينه وبين مصر منفعة متبادلة، حيث إنها تعد شراكة من أجل التنمية، ومنذ عام 2014 ازداد حجم التبادل التجاري وحجم الاستثمارات الفرنسية بمصر، وقدرت قيمة الاستثمارات الفرنسية في مصر خلال العام المالي (2019-2020) بـ 349 مليون دولار مقابل 296.1 مليون دولار خلال العام المالي السابق، وهو ما يشير إلى ارتفاع بنسبة تصل إلى 17.9%، وتعمل في مصر 165 شركة فرنسية بعمالة تزيد عن 38 ألف شخص بحجم استثمارات يقرب من 5 مليارات يورو، ومن أهم القطاعات التي تعمل بها الشركات الفرنسية في مصر؛ المعدات والأجهزة الكهربائية، والسيارات، والصناعات الغذائية، والصناعات الدوائية ومستحضرات التجميل، والصناعات اللوجيستية. وفي هذا الصدد، وفي إطار القمتين أظهرت الشركات والمؤسسات الفرنسية اهتمامًا كبيرًا بالدخول فى شراكات اقتصادية وتنموية مع مصر من أجل تنفيذ العديد من المشروعات القومية التى تطرحها مصر.

بلغ حجم التبادل التجاري بين مصر وفرنسا ما يقرب من 3 مليار يورو عام 2020، وبلغت قيمة الصادرات المصرية إلى فرنسا ما يقرب من 650 مليون دولارا، ومن أهم الصادرات المصرية لفرنسا الخضراوات والفواكه والزيوت العطرية والزجاج والألومنيوم بالإضافة إلى بعض الأجهزة الكهربائية. أما على مستوى الواردات الفرنسية لمصر فقدرت بما يقرب من المليار و700 مليون دولار، ومن أهم ما تستورده مصر بعض المواد الغذائية والقمح، وبعض الآلات والمعدات والسيارات. وهنا تجدر الإشارة إلى أن بين مصر والوكالة الفرنسية للتنمية محفظة استثمارية ضخمة تقترب من المليار يورو. ومن خلال القمتين يتم وضع رؤية لزيادة التعاون الثنائي في مجال التبادل التجاري متضمنة لأنماط مستحدثة ما بين التصنيع المشترك وتوطين التكنولوجيا، فضلًا عن العمل على تنمية الريف من خلال المؤسسات الفرنسية التي تعمل في مجال البنية التحتية، وتطوير الخدمات الصحية والتعليمية.

 كما أن الفترة المقبلة في إطار الحضور المصري للقمتين سيتركز التعاون الثنائي بين البلدين في مجال الرقمنة، والذي بدأت بالفعل مصر الاتجاه إليه في ظل عمليات التحديث التي تقوم بها، بالإضافة إلى مجالات الذكاء الاصطناعى، وتكنولوجيا المعلومات، وتطوير الخدمات الإلكترونية، والعمل على تصميم مدن قائمة على التكنولوجيا وهي ما يطلق عليها بالمدن الذكية، بالإضافة إلى تحقيق مصالح مشتركة بين السوق الفرنسية والسوق المصرية، وهو في النهاية ما يؤدي إلى زيادة التبادل التجاري، وزيادة القدرة التنافسية للمنتجات المصرية في السوق العالمية، وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وهذه الاستثمارات ستعمل على تراجع معدلات البطالة والفقر، ونقل مباشر للتكنولوجيا وبناء قاعدة معرفية تحتاج إليها مصر بشكل كبير، بالإضافة إلى زيادة التعاون الفرنسي - المصري في مجال الاقتصاد الأخضر، وهو مجال حديث وغير تقليدي وبدأ التعاون الثنائي فيه منذ نوفمبر عام 2020 وذلك في إطار برنامج «التحول نحو الأنظمة المالية الملائمة مناخيا».

- العوائد الاقتصادية للسودان:

يعد مؤتمر «باريس لدعم المرحلة الانتقالية في السودان» بمثابة عودة السودان إلى المجتمع الدولي ومشاركة مصر في هذا المؤتمر تعبر عن متانة العلاقة الثنائية والتاريخية بين البلدين، كما أن مصر حاليًا لديها العديد من المشاريع المشتركة مع السودان من طرق ونقل وربط كهرباء وزراعة وغيرها، وكذلك يوجد تنسيق كامل بين البلدين فيما يتعلق بأزمة سد النهضة، ومصر تقدم كل الدعم لعودة الاستقرار للسودان وإعادة البنية التحتية ودعم الاقتصاد السوداني ليتعافى. لقد تحققت مكاسب اقتصادية للسودان جراء هذا المؤتمر، فأعلن الرئيس الفرنسي؛ أن فرنسا ستشطب كامل الديون المستحقة على السودان، والتي بلغت 5 مليارات دولار، بهدف تحرير هذا البلد الذي يشهد انتقالاً ديمقراطيا، والعمل أيضًا على تسوية سداد متأخراته من الديون لصندوق النقد الدولي من خلال إقراضه 1.5 مليار دولار، وفي هذا الإطار قامت السعودية بتقديم منحة للإسهام في تغطية الفجوة التمويلية للسودان لدى صندوق النقد، كما أعلنت ألمانيا أنها ستقدم 90 مليون يورو لمساعدة السودان على تسوية متأخرات ديونه مع صندوق النقد الدولي، ودعت واشنطن وصندوق النقد الدولي، أكثر من 20 دولة إلى تقديم الدعم من أجل تخفيف ديون السودان. وكل هذا الدعم سيجعل الاقتصاد السوداني قادرا على التعافي، والعمل على تنفيذ الإصلاحات السياسية والاقتصادية اللازمة للاندماج العالمي وجذب استثمارت أجنبية مباشرة.

- أفريقيا والعوائد المحتملة:

في إطار قمة «تمويل الاقتصادات الأفريقية»، والتي تقام من أجل دعم الاقتصاد الإفريقي خاصة أن اقتصاد القارة قد سجل العام الماضي أول ركود له منذ نصف قرن بنسبة تصل إلى 2.1% ، لذا ستعمل القمة على دعم ونقل التكنولوجيا إلى دول القارة الإفريقية، وذلك لتقديم الدعم لقطاع التكنولوجيا المالية والشمول المالى وكذلك البحث عن مزيد من الاستثمارات الأجنبية للدول الإفريقية، والاستفادة من التجربة المصرية في تطوير وتحسين البنية التحتية التى تعتبر من أهم العوائق لتنمية إفريقيا، وتوطين الصناعة في إفريقيا في ظل توافر الموارد الطبيعية، وكذلك مشاريع الطاقة، حيث يوجد حاليا نحو 600 مليون إفريقي بدون كهرباء وكذلك قطاع التعدين فأغلب المخزون العالمى من المعادن النفيسة في إفريقيا، وتوفير التمويل اللازم لتوفير لقاحات كورونا لجميع الدول الإفريقية، وكذلك مخاطبة البنك الدولي والمؤسسات المالية لزيادة حصة إفريقيا من وحدات حقوق السحب الخاصة بالبنك الدولى واتخاذ الإجراءات والخطوات اللازمة لتحقيق الاستدامة البيئية وتشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة على مستوى القارة. وفي هذا الصدد أكد الختام البياني للقمة على تخصيص حزمة من المساعدات المالية لخلق المحفزات الاقتصادية التي تحتاجها دول القارة الإفريقية. كما شدد البيان الختامي على ضرورة مواجهة الاحتياجات المالية لتعزيز النمو المستدام والأخضر، ودور القطاع الخاص في النمو الاقتصادي، بالإضافة إلى الموافقة على العمل باتجاه اقناع الدول الغنية بإعادة تخصيص 100 مليار دولار من احتياطيات حقوق السحب الخاصة لدى صندوق النقد الدولي بحلول أكتوبر القادم إلى الدول الإفريقية.

لقد حققت القمتان مصالح اقتصادية، سواء للسودان بشكل خاص أو لإفريقيا بشكل عام، وذلك في إطار الحضور المصري الداعم الذي حقق مكاسب اقتصادية كبيرة هو الآخر، لذا يمكن اعتبار هاتين القمتين بمثابة تحالفات اقتصادية جديدة لازدهار مصر اقتصاديا كدولة إفريقية وشرق أوسطية كبيرة، ودعم السودان في هذه المرحلة التحولية التي تمر بها مما يساعدها على الرجوع إلى حاضنة المجتمع الدولي. ومحاولة مساندة إفريقيا اقتصاديا ومواجهة ما لحق بها من أزمات اقتصادية، وتحديدًا على مستوى الدول الأقل نموًا.

المصادر:

-   الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

.https://capmas.gov.eg/Pages/GeneralNews.aspx?page_id

-   مستقبل الطاقة الكهرومائية في أفريقيا:

https://www.scidev.net/mena/source/un-convention-on-biological-diversity

    :Global economy watch: Predictions for 2021-

https://www.pwc.com/gx/en/research-insights/economy/global-economy-watch/predictions-2021

    : French investments in Egypt increased 17.9% during 2019/2020-

https://www.egypttoday.com/Article/3/103995/French-investments-in-Egypt-increased-17-9-during-2019-2020

      Sisi discusses expanding French investments in Egypt with France's economy minister-

https://english.ahram.org.eg/NewsContent/1/64/411434/Egypt/Politics-/Sisi-discusses-expanding-French-investments-in-Egy.aspx

France to lend Sudan $1.5 billion to pay off IMF debt, Germany offers assistance -

https://www.dw.com/en/france-to-lend-sudan-15-billion-to-pay-off-imf-debt-germany-offers-assistance/a

 : African Economic Outlook 2021-

https://knowledge-uclga.org/IMG/pdf/africaneconomicoutlook2021.pdf


 


رابط دائم: