موكب المومياوات‮.. ‬"كبسولة‮" ‬الوعي‮ ‬الأثري‮ ‬والحضاري
22-4-2021

د. إلهــام سيــف الدولــة حمــدان
* أستاذ العلوم اللغوية بأكاديمية الفنون وعضو اتحاد كتاب مصر

مازلت في حالة انبهار لامثيل له لا تنقطع ولن تنقطع منذ بدء متابعتي لاحتفالية الدولة المصرية لرحلة المومياوات الملكية من المتحف المصري بميدان التحرير حتى وصولها لمستقرها الأخير بالمتحف الحضاري بالفسطاط، وحتى لحظة كتابة هذا المقال. وظني أن هذه الحالة التي أمر بها يشاركني فيها الملايين في مصر وحول العالم، فهو حدث بحق غير مسبوق حين استرجع تفاصيله منذ بدأ الإعداد له وتداولته وسائل الإعلام معلنة عن قدوم حدث حضاري جلل، كم كانت محقة،فيا له من حدث يحكي عن حضارة شعب بأكمله، ويستنطق العالم إعجابا، فها هو المصري القديم مازال بيننا حاضرا بقوة بكل ما يمثله من تقدم في كافة المجالات، تشهد بها أعماله التي خلدها بأزميله في رسوماته ونقوشه وماتركه من أدوات متعددة الاستخدامات، وماخلد بها ملوكه وملكاته بواسطة فن التحنيط المعجز الذي لم يستطع العلم الحديث برغم طفراته الهائلة اكتشاف أسراره وفك شفراته حتى يومنا هذا برغم مابذله العلماء من جهد جهيد من محاولات استكشافية لفك طلاسمه، مما يدل على التقدم العلمي المذهل الذي عم حياة جدودنا الفراعنة العظماء.   

 لقد افتتح السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي بمنتهى الشموخ هذا الحدث التاريخي الكبيرالذي توقفت عقارب الساعة في جميع أنحاء العالم لتشهده وسط إعجاب لا يخفى، وانبهار لاينكر.     

 وقد جال الرئيس داخل بهو المتحف، يحيطه وزير السياحة الدءوب بشروح وافية لمحتوى المتحف ومايشتمل عليه من أقسام تتناول تاريخ آثار الجدود الشوامخ، فهو بحق، وعلى حد وصفه (كبسولة)، أجد أن أبناءنا في أمس الحاجة إلى تعاطيها حتى يتكون لديهم الوعي الأثري والحضاري المنشودين اللذين يعززان لديهم الانتماء الحقيقي لهذا الوطن العظيم بتاريخه القديم والحديث في آن معا، لتأصيل الهوية المصرية التي رسخها مجد الأجداد، ولينبني الوعي المفتقد لقيمة الإنسان المصري وقدراته الفائقة التي أسهمت في بناء أمجاد لا يمحوها الزمن مهما يمر، ولا السنون مهما تعددت.

لقد عشنا جميعنا حالة فريدة من نوعها حبانا الله بها، وأنعم علينا بكل تلك الهبات الثمينة منذ فجر التاريخ، وكتب لها الخلود لنتوارثها وتنعكس علينا شموخا وعزة ورفعة وفخرا.

وقد أضاف أوركسترا وكورال الاتحاد الفيلهارموني الساحر بقيادة ولمسات المايسترو المصري العالمي المبدع، نادر عباسي، والعازفين النوابغ، والمائزة سلمى سرور على الكمان، والرائعة رضوى البحيري على الإيقاع، رونقا خاصا لوقائع الاحتفالية،بتجسيده لمختارات الموسيقار هشام نزيه التي حاكت المناخ الأثري وعبق التاريخ، وتألقت الأصوات الرنانة الحنون مع الكورال، لنجمات الغناء المتألقة أداء وحضورا، ريهام عبدالحكيم،  والموهوبة الجميلة نسمة محجوب، والسبرانو الرائعة أميرة سليم،في أداء غنائي صعب يحتاج إلى حنكة وتمكن وإحساس عال استمتعنا به، حتى وإن غمضت علينا  بعض الكلمات المصرية القديمة.  

وكان الحضور الطاغي للفنانة الكبيرة يسرا، والفنان النجم خالد النبوي، وباقة من ألمع النجوم، شاركوا في الاحتفاء من خلال ظهورهم على شاشة العرض المسرحي لنستكمل معهم عناصر البهجة والسرور، تقدمهم أحمد السقا، وأحمد حلمي، ومنى زكي، ونيللي كريم، وأمينة خليل وهند صبري، وكذلك الظهور الخاص للفنان محمد منير مع كلمات المبدع أمير طعيمة في أغنية جميلة واكبت الحدث في وطنية وانسجام. وكانت إطلالة المذيعات مائزة للغاية كن في أبهى حلة وأناقة تليق بالمناسبة، صاحبها مهارة في التقديم والتعليق الذي ينم عن ثقافة حقيقية، ناهيك عن الموكب الفخم الذي جال شوارع قاهرة المعز، حتى وصل إلى مستقره. وكان في استقبال المومياوات فخامة الرئيس السيسي، مع انطلاق المدافع ترحيبا يليق بمكانة ملوك وملكات مصرنا المحروسة.  

إنها ليلة من ليالى ألف ليلة وليلة اجتمعت فيها كل عناصر النجاح المبهر التي كدّ واجتهد فيها كل عناصر العمل بإتقان وحرفية شديدة، قادها المخرج المتمكن عمرو عزيز.

 موكب المومياوات الملكية أظهر عظيمات مصر من بناتها. فقد غلبت مشاركتهن عزفا وغناء وتمثيلا وتقديما، فالمرأة المصرية ملكة متوجة -على مر التاريخ- على عرش الكون وخزائن الأرض قادت أقوى الجيوش واسهمت في بناء حضارة كتب لها الخلود، وكانت دوما قادرة على التحدي. فلنتذكر دوما انه قبل 1400 عام كانت بعض القبائل تدفن بناتها أحياء، وقبل ذلك بأكثر من 500 عام كانت هناك حضارة تتولى المرأة فيها المُلك والحُكم.

وقد أثبت الحدث أيضا أن مصر بلد الأمن والأمان، استطاعت تأمين حدث بهذه الضخامة وسط القاهرة المزدحمة بـ20 مليون نسمة، ومرت وقائع الاحتفالية بسلام، وهو ما يعد تحديا امنيا جديدا خضناه بعدما رسم الرئيس السيسي الخطوط الحمر المنيعة لكل المتربصين بمصر.

 فهو بحق اختبار جديد وتحد وضعتنا فيه الأقدار أمام العالم لنثبت مرة تلو المرة أننا مصر العزة والكرامة والتاريخ والصمود والتحدي صانعة المعجزات، ويقيني أنها لن تكون آخر تلك الليالي، ومازلنا نترقب القادم مع قيادة سياسية لديها الكثير في الجعبة من المفاجآت السارة لشعبها المتعطش دوما لجرعات متجددة من الأمل في الغد الأفضل ،ولم يخيب الله لنا أملا، بل أعطانا من فضله ونعمه بسخاء ونحن له لشاكرون، وعلى عطائه لحامدون .. مصداقا لقوله .. "وإن شكرتم لأزيدنكم".


رابط دائم: