أهمية دور وزارة الإنتاج الحربي في توطين وتعميق الصناعة المصرية
8-4-2021

عائشة غنيمي
* خبير اقتصادي ومسئول برامج وعلاقات دولية

يعتبر هدف توطين وتعميق الصناعة المصرية من بين الأهداف ذات الأولوية الأولى للدولة المصرية؛ إذ تكمن أهمية الصناعة المصرية في كونها قاطرة النمو الاقتصادي، ونواة التنمية الاقتصادية المستدامة. والمقصود بمصطلح توطين وتعميق الصناعة هو ضمان تحقيق العدالة المكانية في التصنيع محلياً، وتضافر وتكامل سلاسل التوريد على مستوى كافة محافظات جمهورية مصر العربية، فضلاً عن زيادة تعميق المكون المحلي في الصناعة، وصولاً بالمنتجات الصناعية ذات المكون المحلي بنسبة 100%، أخذاً في الاعتبار إدخال التكنولوجيا الحديثة في التصنيع وتطبيق معايير حفظ وترشيد الطاقة وفقاً للمواصفات العالمية في جميع المصانع. وفي هذا السياق، خطت الحكومة المصرية خطوات متقدمة حيال التنمية الصناعية المستدامة مع استهداف مضاعفة مساهمة قطاع الصناعة في الناتج المحلي الإجمالي، وزيادة حجم الصادرات المصرية ذات التنافسية العالية.

فالقطاع الصناعي المصري يزخر بالعديد من الصناعات ذات المزايا التنافسية العالية ؛مما يُمكن القطاع من إحداث طفرة تنموية هائلة من خلال تقديم عدد من الحوافز منخفضة التكلفة على الدولة، وذات عائد تنموي أكبر للاقتصاد المصري. وتجدر الإشارة أن القطاع الصناعي خلال العام المالي 2019/2020 استطاع تحقيق معدل نمو صناعي بلغ 6.3%؛ على الرغم من جائحة كورونا العالمية. وقد بلغت نسبة مساهمة الناتج الصناعي نحو 17.1% في الناتج المحلي الإجمالي، فضلاً عن استيعاب نحو 28.2% من إجمالي العمالة  المصرية؛ مما يؤكد على أهمية القطاع الصناعي في تخفيض معدلات البطالة، وخلق فرص عمل مستدامة ومستقرة ذات قيمة مضافة للاقتصاد المصري.

ونظراً لأهمية الصناعة المصرية، وريادة دور وزارة الإنتاج الحربي في توطين وتعميق التصنيع المحلي على مدار العقود الماضية، وتنمية الاقتصاد المصري، وجب التنويه عن دور وزارة الإنتاج الحربي في إحداث التنمية. إذ تم إنشاء وزارة الإنتاج الحربي في 23 أكتوبر 1954. ومن بين أهم أهداف وزارة الإنتاج الحربي تسليح القوات المسلحة المصرية، وتنمية الاقتصاد المصري، والمساهمة في تنفيذ المشروعات التنموية القومية. فلا يقتصر دور وزارة الإنتاج الحربي على تسليح  القوات المسلحة المصرية،وإنتاج وتطوير المعدات العسكرية، فحسب بل يمتد دور الوزارة لآفاق تنموية تشمل الأبعاد الاقتصادية والإجتماعية. إذ تساهم الوزارة في تعزيز التصنيع المحلي،وتعزيز القدرة التنافسية والانتاجية، فضلاً عن توفير الإمدادات المحلية اللازمة من السلع الغذائية الأساسية والاستراتيجية. وفي هذا السياق، تتدرج الأنشطة الاقتصادية التابعة لوزارة الإنتاج الحربي والجهات التابعة لها من تصنيع وتوريد السلع الغذائية الأساسية والاستراتيجية إلى تنفيذ المشروعات القومية على مستوى الجمهورية، وإنتاج سلع ومواد خام متنوعة. وتجدر الإشارة إلى أن تعاون الوزارة في المشروعات الوطنية الكبرى يعد تكاملاً فعالاً لمهامها الأساسية. وتهدف جميع إسهامات وزارة الإنتاج الحربي إلى تنمية الاقتصاد الوطني، والمجتمع، وخدمة الشباب، وزيادة تنافسية الصادرات من المنتجات الصناعية، والإحلال محل الواردات من السلع الوسيطة والسلع الأساسية.

وعلى مدار السبع سنوات الماضيين لعبت وزارة الإنتاج الحربي دوراً رائداً في تعظيم القدرات الانتاجية للاقتصاد المصري، خاصة تغطية احتياجات السوق المحلية من المنتجات الصناعية وتوفير السلع الأساسية للمواطنين بأسعار تنافسية؛ مما ساهم في نجاح تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي، خلال الفترة بين نوفمبر 2016 وحتى نهاية 2019. كما لعبت وزارة الإنتاج الحربي دورًا حيويًا في التغلب على التحديات التي هددت الأمن الاجتماعي والأمن الاقتصادي، خاصة خلال الفترة 2013-2014؛ حيث توفير احتياجات السوق المحلية من المنتجات الصناعية من أجهزة منزلية وسلع غذائية. كما أن الخدمات التي تقدمها الوزارة يتم توسيع نطاقها لتشمل إنتاج المنتجات المدنية، إلى جانب إنتاجها الرئيسي من المعدات العسكرية، اعتمادًا على الاستفادة من خبراتها في التصنيع لتوفير منتجات مدنية من سلع غذائية وسلع استراتيجية بجودة عالية، وبأسعار تنافسية لتنشيط الطلب المحلي، وتوازن السوق من حيث تعزيز جانب العرض وتغطية الطلب، أخذاً في الاعتبار أن تدخلات منتجات القوات المسلحة تساهم إلى حد كبير في إزالة التشوهات السعرية، وتحد من المضاربات واحتكار بعض السلع الأساسية من قبل بعض تجار الجملة والتجزئة.

وفي إطار تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة، تتبع الدولة النهج التشاركي والتنسيق الشامل والمتواصل توحيداً للجهود وتنفيذاً للخطط التنموية بالتوازي. ويتجلى ذلك واضحاً في التنسيق الشامل بين الوزارات والمؤسسات الحكومية الأخرى في مختلف القطاعات، فضلاً عن متابعة وتقييم الأداء لضمان تنفيذ الأهداف المرجوة من المشروعات واستراتيجيات التطوير والتنمية. وفي هذا الصدد، تتعاون وزارة الإنتاج الحربي مع الوزارت  والمؤسسات الحكومية. بالإضافة إلى تعزيز الشراكات مع القطاع الخاص واتحاد الصناعات المصرية؛ إذ يستحوذ القطاع الخاص على نحو 80% من أعمال الاقتصاد المصري، مما يجعله أحد المحركات الرئيسية للتنمية.

ومن بين الجهود المثمرة  للوزارة تطوير الإنتاج المحلي وفق المعايير الدولية، من خلال تعزيز التعاون مع كبرى الشركات العالمية، وكذلك تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص سعياً نحو الاستفادة من الخبرات العالمية والتقنيات التكنولوجية الحديثة في تحسين جودة الإنتاج، وزيادة القدرة الإنتاجية، وتنافسية عملية التصنيع، فضلاً عن تطوير سلاسل القيمة وخفض تكاليف سلاسل التوريد، مما عزز من القدرة التنافسية للصادرات المصرية في سياق تطبيق سياسة الإحلال محل الواردات.

وفي إطار الاهتمام بإدخال التكنولوجيا الحديثة في عمليات التصنيع، تستهدف الوزارة توطيد العلاقات مع الجامعات العالمية لإيفاد الباحثين المصريين إلى الخارج، واستقبال الخبراء أيضاً من أجل نقل التقنيات المتقدمة ومواكبة الثورة الصناعية الرابعة. كما تتعاون وزارة الإنتاج الحربي مع وزارة التعليم العالي في تطبيق البحث العلمي، واستكشاف تقنيات جديدة في التصنيع. ومن أهم الإنجازات إنتاج عدادات ذكية بنسبة 100٪ مصرية بالكامل تحت الإجراءات التجريبية بوزارة الكهرباء. بالإضافة إلى تضافر الجهود التنسيقة والتعاون تصنيع السيارات الكهربائية سعياً نحو التحول إلى تصنيع وسائل نقل العام كهربائية، مما يعزز من ترشيد الاستهلاك وحفظ الطاقة.

وفيما يتعلق بتعميق الصناعة المصرية في السكك الحديد، يذكر أن التعاون بين هيئة السكك الحديد المصرية ووزارة النقل ووزارة الإنتاج الحربي، حيث الشراكة بين وزارة الإنتاج الحربي وشركة بومباردييه استهدفت تصنيع القاطرات، من خلال المصانع المتخصصة التابعة لوزارة الإنتاج الحربي، والمصنع 200 العسكري، بالإضافة إلى إنشاء مركز صيانة لتجديد وتحديث المركبات التابعة لوزارة النقل وهيئة السكك الحديد. وتهدف الشراكة أيضًا إلى تحويل مصر إلى مركز إقليمي لتصنيع وإصلاح وتصدير القاطرات ومحركات القطارات إلى الدول الإفريقية والعربية والأوروبية.

وفي خضم تفشي كوفيد-19، قامت وزارة الإنتاج الحربي بدورًا رئيسيًا في جهود مصر لمكافحة الفيروس ، ومن بين أهم هذة الجهود تصنيع أكشاك التعقيم كجزء من الإجراءات الاحترازية للدولة للحد من انتشار كوفيد-19، إلى جانب إطلاق خطوط إنتاج جديدة لأقنعة الوجه، وذلك لتغطية الاحتياجات العاجلة في السوق المحلية وتوفيرها ومكافحة تشوهات الأسعار والمضاربة في السوق الرسمية والموازية.

وعلى صعيد تعزيز التسلح، الهدف الرئيسي هو تصنيع الأسلحة محليًا. إذ تعمل الوزارة على تأمين احتياجات الجيش من الذخيرة والعتاد، واكتساب أحدث التقنيات في التسلح. وفي هذا الصدد، تم افتتاح عدد من مشاريع الإنتاج الحربي الجديدة في مصانع عسكرية والمصانع المتخصصة في الذخائر الصغيرة والمتوسطة. مع الأخذ في الاعتبار إنشاء مزيد من المصانع لتصنيع الأسلحة وتطويرها لتصنيع أسلحة مصرية ذات مكون محلي يصل إلى 100%.

علاوة على ضرورة استمرار التطوير المترد لشركات والمصانع التابعة لوزارة الإنتاج الحربى تطوير الشركات والمصانع التابعة لوزارة الإنتاج الحربي، وتعزيز التعاون مع الخبرات العالمية من أجل توطين التكنولوجيا الحديثة في الصناعة المصرية، والاستفادة من الخبرات العالمية والتقنيات الحديثة سعياً لخلق آفاق جديدة في الابتكار والتطوير والاختراع؛ مما يجعل الصناعة المصرية ومنتجاتها أيقونة فريدة قادرة على التميز والتفرد في الأسواق الإقليمية والدولية.

وفي هذا الصدد، تم استهداف زيادة قدرات الأنشطة الإنتاجية وتطوير المعدات ومنظومة الجودة والتدريب والتسويق؛ مما يساهم في إنتاج معدات عسكرية ومدنية ذات جودة عالية. إلى جانب استمرار العمل على خلق توازن في الأسواق من خلال رصد احتياجات السوق المحلية من المنتجات الصناعية وتغطيتها، فضلاً عن التنسيق وتضافر الجهود في تنفيذ خطط التنمية الشاملة للدولة والمشروعات القومية، خاصةً مبادرة "حياة كريمة" وتطوير الريف المصريز، بالإضافة إلى المساهمة في ترشيد استخدام الطاقة ودعم الاقتصاد الأخضر سعياً لتنويع مصادر الطاقة الجديدة والمتجدة، ويتجلى ذلك في التنسيق والتعاون في إنتاج العدادات الذكية الخاصة بمختلف الخدمات كالكهرباء والغاز الطبيعي والمياه، وتصنيع أوتوبيسات النقل الجماعى الكهربائية، ومعدات الطاقة الجديدة والمتجددة، مثل تصنيع الألواح الشمسية.

أخيراً، تبذل الحكومة المصرية جهداً دءوباً في مواصلة خارطة الطريق التنموية، وتعزيز التنسيق المستمر بين استراتيجيات الوزارات والمحافظات والقطاع الخاص والمؤسسات الحكومية الأخرى، بما يُمكنها من السير قدماً نحو تحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة المستدامة؛ أخذاً في الاعتبار تنمية الصناعة المصرية كونها رافداً أساسياً ذات أثر متعدد الأبعاد في كل القطاعات.

 


رابط دائم: