لقاء السفير بدر عبدالعاطي: أهم قضايا العلاقات المصرية الأوروبية والأفريقية
1-3-2021

علي بكر
* نائب رئيس تحرير السياسة الدولية وخبير الحركات المتطرفة

عقدت أسرة تحرير مجلتي "السياسة الدولية" و"الديمقراطية" لقاء مع معالي السفير الدكتور بدر أحمد محمد عبدالعاطي، مساعد وزير الخارجية للشئون الأوروبية، وذلك يوم الخميس الموافق 18 فبراير 2021، برئاسة الأستاذ أحمد ناجى قمحة رئيس التحرير، لمناقشة عدد من القضايا الاقليمية والدولية التى تفرض نفسها على الساحة، لاسيما تلك التى تتعلق بالعلاقات المصرية-الأوروبية، فى ظل ما تشهده تلك العلاقات من تطور مستمر، بعد أن أصبح "التوازن والانفتاح على كافة القوى الدولية"، وفي مقدمتها الاتحاد الأوروبي، عنوانًا للسياسة الخارجية المصرية.

فى بداية اللقاء رحب السيد رئيس التحرير بمعالى السفير بدر عبدالعاطي، واصفاً إياه بالنموذج الوطنى المشرف الذي يتفانى فى عمله وخدمة قضايا بلاده. فى المقابل، شكر معالي السفير أسرة تحرير المجلتين على هذا اللقاء، منوهاً على أهمية دور الإصدارين فى تناول القضايا المهمة على الساحة الدولية، منوهاً على أهمية دور الباحثين فى دعم صنع القرار من خلال ما يقدمونه من دراسات وبحوث العلمية فى شتى المجالات.

فى بداية حديثه أكد السفير بدر عبد العاطى أن العلاقات بين مصر وأوروبا مهمة لعدة اعتبارات، من أبرزها التاريخ والتقارب الجغرافي، هذا الى جانب مجموعة من الاعتبارات الثقافية والاقتصادية، فضلاً عن المصالح السياسية والأمنية المشتركة، وهو ما جعل كلا من الطرفين يدرك مدى أهمية الآخر بالنسبة له، خاصة وأنه أصبح هناك اقتناع أوروبي كامل بأن أمن واستقرار الاتحاد الأوروبي مرتبط بأمن واستقرار مصر، فضلاً عن كون أوروبا أكبر شريك تجاري بالنسبة لمصر، خاصة الاتحاد الأوروبي، والتي تعكسها بصورة واضحة التصريحات المستمرة لمعالى وزير الخارجية السيد سامح شكري، على غرار ما جاء في كلمته أمام الجلسة العامة لمجلس النواب 26 يناير 2021، والتي اكد خلالها علي العلاقات القوية مع دول أوروبا، وأنها على أعلى المستويات، والتي تنعكس في تبادل الزيارات مع هذه الدول، مشيرا إلى أن مصر نجحت في زيادة التبادل التجاري وتكثيف الاستثمارات في كافة المجالات، لاسيما ملف التطور التكنولوجي.

وكشف السفير عبد العاطى أن هناك مجموعة من المصالح المشتركة تحكم العلاقات المصرية-الأوروبية، حيث تحتاج مصر إلى أوروبا فى بناء شراكة اقتصادية قوية، من خلال تنفيذ مشروعات كبرى مشتركة، وجذب الاستثمارات والسياحة الأوروبية ونقل التكنولوجيا والخبرات الى مصر، لاسيما فى ظل توسع مصر فى مشروعات الطاقة، خاصة بعد تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط الذى تستضيفه مصر على أراضيها، والذى تحول بالفعل الى منظمة دولية.

 هذا الأمر أدى إلى تعزيز سبل التعاون بين الطرفين، خاصة في ظل حرص مؤسسات الدولية المصرية على تطوير هذا التعاون، وهو ما تشير اليه الاتصالات المتعددة التي يقوم بها معالى وزير الخارجية سامح شكري مع العديد من المسئولين الأوروبيين، منها اتصال سيادته بمفوض الاتحاد الأوروبي لسياسة الجوار ومفاوضات التوسع "أوليفر فاريلي"، في 3 فبراير 2021 لمناقشة فرص التعاون الممكنة بين الجانبين، والتعرف على المشروعات التنموية التي تنفذها مصر فى شتى المجالات، التي يتم عدد كبير منها بالتعاون مع شركات أوروبية.

 واستطرد السفير بدر عبدالعاطي، قائلاً، إن أوروبا في المقابل تحتاج إلى مصر باعتبارها أكبر دولة عربية لديها القدرة على اختراق العديد من الملفات الشائكة، من أبرزها الملفان الفلسطيني والليبي، والتي أثبتت الأحداث أنه لا يمكن لأى دولة أن تضطلع بنفس الدور المهم والمحوري الذى تقوم به مصر فى هذه الملفات، وهو ما يجعلها ركيزة الاستقرار الأساسية في منطقة الشرق الأوسط، يضاف الى ذلك دورها الكبير فى مجال مكافحة الارهاب والهجرة غير الشرعية، والتي أصبح كل منها مهدد خطير لأمن واستقرار الدول الأوروبية، هذا فى الوقت الذى سعت فيه بعض القوى الإقليمية إلى استغلال تلك الملفات في ابتزاز الدول الأوروبية.

ولفت السفير بدر عبدالعاطي أن مصر أضحت تلعب دوراً محورياً في تنمية العلاقات "الأوروبية-الإفريقية"، وهو ما يشير إليه الدور الذي يقوم به معالى وزير الخارجية الوزير سامح شكري في هذا الاطار، خلال حديثه مع الشركاء الأوروبيين، على غرار اتصاله بوزير الخارجية البرتغالي "أوجستو سانتوس سيلفا"، في 2 فبراير 2021، في إطار التنسيق المستمر حول سُبل دفع العلاقات الثنائية، والارتقاء بمستوى التعاون الأوروبي الإفريقي الذي يحظى باهتمام كبير من الجانبين.

وفى هذا الإطار، شدد السفير بدر عبدالعاطي على أن الاستثمار الأوروبي فى مصر وفى القارة الإفريقية يأتي علي رأس الأولويات المنظمة للعلاقات مع القارة الأوروبية، موضحًا أن مصر تسعى لجذب الاستثمارات لها وللقارة الإفريقية معاً، لفخرها بانتمائها للقارة الإفريقية وباعتبارها بوابة الدخول لإفريقيا بحكم الموقع الجغرافي والإمكانيات الاقتصادية الهائلة، وهو ما يجعل عليها  واجب ومسئولية جذب الاستثمارات الأوروبية لإفريقيا، لاسيما وأن مصر تعد مركزاً لوجستياً رئيسياً لحركة التجارة العالمية، خاصة من خلال الربط الملاحي بين مصر والموانئ الإفريقية، وهو ما يعظم المصلحة المشتركة ويجعل مصر وإفريقيا أكثر جاذبية للاستثمارات الأوروبية.

ونوهه السفير بدر عبدالعاطي إلى أن مصر من خلال دورها الريادي داخل القارة الافريقية، سعت خلال السنوات الماضية الى حث الدول الأوروبية على تقديم الدعم اللازم الى دول الساحل والصحراء، عبر تنفيذ مشروعات كبيرة تساهم فى خلق فرص عمل، وذلك لتحسين الأوضاع الاقتصادية المتردية فى تلك المنطقة، التي نتج عنها تفشى ظاهرة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، كما حرصت مصر على دعوة دول الاتحاد الأوروبي الى تقديم اللقاحات اللازمة لمواجهة جائحة كورونا للدول الإفريقية.

وحول جذب الاستثمارات الأوروبية إلى داخل مصر، كشف السفير بدر عبدالعاطي أن مصر سعت خلال الفترة الماضية الى تشجيع الشركات الأوروبية على الاستثمار داخل مصر، وتقديم الضمانات للازمة لتلك الشركات للحفاظ على رءؤس أموالها، خاصة في ضوء المناخ المواتى للاستثمار في مصر، ووجود فرص استثمارية هائلة في قطاعات مختلفة للاقتصاد المصري، فضلا عن نسبة الربحية الكبيرة للاستثمارات الأجنبية في البلاد، حيث تعد مصر الدولة الوحيدة الى تقوم بتنفيذ مشروعات كبرى على الرغم من جائحة كورونا العالمية، وهو ما يمنح ثقة كبيرة في الاقتصاد المصرى، ويخلق فرصاً واعدة للاستثمار.

وأشار عبدالعاطي إلى أن وزارة الخارجية وبتوجيهات من معالي الوزير سامح شكرى، وبالتنسيق مع وزارة التجارة والصناعة والقطاع الخاص المصري، قد نجحت في التوصل إلى اتفاقية جديدة مع بريطانيا في ديسمبر 2020 حصلت مصر بمقتضاها على عدد من المزايا الإضافية للمُصدر المصري فيما يتعلق بالصادرات من الحاصلات الزراعية.

كما أكد السفير عبدالعاطي، إلى أن هناك حاجة فى الوقت الراهن لإصلاح الخلل القائم في الميزان التجاري بين مصر والاتحاد الأوروبي والذى يصل إلى نحو 29 مليار يورو لصالح الدول الاوربية، هذا فى الوقت الذى يوجد فيه قدر من التخوف لدى الجانب الأوروبي للاستثمار فى المنطقة بشكل عام، وذلك بسبب بعض الازمات التى لا تزال ساخنة فى المنطقة على غرار الليبية والسورية، وهو ما دفع مصر لاتخاذ خطوات مهمة لطمأنة المستثمرين، كان من أبرزها  وضع "ضمانات للاستثمار" على أجندة الاتحاد الأوروبي والمفوضية الأوروبية، وقد تمت مناقشة ذلك باستفاضة من جانب سيادة الوزير سامح شكري والمفوض الأوروبي لسياسة الجوار والتوسيع، وهو ما سيشجع العديد من الشركات الأوروبية على الاستثمار داخل مصر خلال الفترة القادمة.

وشدد مساعد وزير الخارجية على أن السيد وزير الخارجية سامح شكرى كان حريصاً خلال الفترة الماضية على إجراء اتصالات مكثفة مع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أو غير الأعضاء فيه، فيما يتعلق بضرورة استعادة السياحة الوافدة إلى مصر، وقد تم بالفعل اقناع عدد من الدول الأوروبية لتستأنف رحلات الطيران العارض إلى مصر، وذلك فى ظل اقتناعهم بسلامة الإجراءات الاحترازية التى تتخذها مصر لمواجهة جائحة كرونا.

وحول الجهود المصرية لجذب الاستثمارات الى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، أوضح السفير بدر عبدالعاطي أن مصر بعد الزيارة الناجحة لوزير الخارجية السيد سامح شكري إلي موسكو في أكتوبر الماضي بصدد الانتهاء من تفاصيل الاتفاق الخاص بإنشاء منطقة صناعية روسية فى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وهو ما يتم العمل علي تحقيقه أيضاً مع الجانب الأوروبي. كما يجري حالياً الترويج على نطاق واسع للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس مع عدد من الدول الأوربية الأخرى، من أجل جذب أكبر قدر ممكن من الاستثمارات في تلك المنطقة الاقتصادية الواعدة.

كما استعرض السفير بدر عبدالعاطي التجربة المصرية الناجحة لمواجهة آثار فيروس "كورونا"، والتى تمكنت مصر من خلالها تحقيق المعادلة الصعبة بخلق حالة من التوازن بين الالتزام القوى بالإجراءات الاحترازية لمنع انتشار الفيروس والحفاظ في ذات الوقت على دوران العجلة الاقتصادية والاستمرار فى تنفيذ المشروعات الضخمة التى بدأتها الدولة المصرية خلال الفترة الأخيرة.

وفى نهاية حديثه، تقدم معالى السفير بدر عبدالعاطي بالشكر لأسرة مجلتي السياسة الدولية والديمقراطية، ورئيس تحريرهما الأستاذ أحمد ناجى قمحة على هذا الحوار الذى تم خلاله استعراض ابرز القضايا والملفات التي تتعلق بالعلاقات "المصرية- الأوروبية" لما تمثله تلك العلاقة من أهمية لتدعيم سبل الأمن والاستقرار في المنطقة، فى ظل التحديات الصعبة الى تواجهها خلال الفترة الماضية.

 

 


رابط دائم: