أردوغان يتسلل إلى باريس
1-3-2021

جمال الكشكي
* رئيس تحرير مجلة الأهرام العربي

استيقظ الفرنسيون الأيام الماضية على مانشيتات صحفية تقول: إن «أردوغان يتسلل إلى باريس». أجهزة الاستخبارات الفرنسية لديها المعلومات كاملة. أنقرة تلعب بنيران التطرف والإرهاب والقومية المقيتة، هواجس "العثمانلى" تصل إلى خرائط أقصى الغرب الأوروبى.

ميليشيات وتنظيمات وحركات قومية وأيديولوجية، متاجرة بالدين، أهداف أردوغان الدفينة تحاول التوغل داخل أوروبا. هذا المشروع التركى المتطرف يستحق التوقف.

المعلومات الاستخباراتية التى نقلتها وسائل الإعلام الفرنسية تفضح أدوات أردوغان فى اختراق باريس، المعلومات تقول: إنه يسعى جاهدا لخلق مجتمع مواز للدولة الفرنسية، بهدف الترويج لأفكار الدولة العثمانية القديمة، وبناء طابور خامس من الإرهابيين المتطرفين، وصناعة أدوات جديدة له فى كل مكان للتجسس ومحاصرة معارضيه.

اللافت للنظر فى هذه التقارير الاستخباراتية السرية،  أنها كشفت عن ملايين "اليوروهات" التى خصصها أردوغان لأنصاره فى باريس، وعن دوره فى تجنيد أتباعه للانضمام للأحزاب السياسية الفرنسية، كمحاولة منه للاختراق الناعم والعميق للنظام السياسى الفرنسى، سعيا منه للمشاركة والتأثير فى صناعة القرار، ظنا منه أن مثل هذا التدخل والوجود والتأثير، قد يقود فرنسا إلى غض الطرف عن سلوكيات أردوغان فى إفريقيا، وشرق المتوسط والقوقاز، لا سيما أن هذه التقارير، التى نالت اهتمام الصحافة الفرنسية، حذرت السلطات الفرنسية من النشاط العدوانى لتركيا، ودقت أجراس الخطر تجاه ما يقوم به أردوغان، ضد فرنسا والمصالح الأوروبية فى شرق المتوسط.

المعلومات الاستخباراتية السرية للأجهزة الفرنسية، وضعت أيديها على المخطط الكامل لأردوغان وجماعة الإخوان الإرهابية للسيطرة على مفاصل التجمعات العربية والإسلامية، وما يسمى بالمراكز الثقافية التركية والمساجد، والجمعيات الخيرية، لتعطيل خطة فرنسا لدمج هؤلاء داخل المجتمع، ومن ثم يستطيع أردوغان السيطرة عليهم، وابتزازهم واستغلالهم فى تحقيق أهدافه الشخصية، فى الضغط على دول الاتحاد الأوروبى.

الشىء الذى يستحق التوقف والقراءة بعناية فى هذه التقارير المهمة، هو تناولها قيام الرئيس التركى وشريكه دولت بهجلى القوى، بإحياء تنظيم الذئاب الرمادية، وهو التنظيم الإرهابى الذى يقوم باستهداف كل معارضى أردوغان من جميع القوميات الأخرى، خصوصا الأكراد والأرمن، وأن هذا التنظيم قام بملاحقة وتصفية عدد كبير من المناوئين للحزب الحاكم التركى، بمن فيهم سياسيون أوروبيون من أصول كردية مثلما حدث فى النمسا.

المخاطر التى كشفتها التقارير حول فرنسا، لم تختلف كثيرا عن المخاطر التى كشفها نفس التقرير عن بقية الدول الأوروبية، خصوصا ألمانيا والنمسا وهولندا، فالأخيرة اتهمت الأسبوع الماضى أنقرة بالوقوف مباشرة خلف غالبية التنظيمات الإرهابية المتطرفة داخل الأراضى الهولندية. أيضا أجهزة المخابرات الألمانية، فى العديد من التقاير، حذرت من خطورة النشاط التركى على الأراضى الألمانية، بل وصفته بأنه أخطر من داعش والقاعدة على الأمن القومى الألمانى.

ما كشفته التقارير الاستخباراتية الأوروبية، وما يقوم به أردوغان على أرض الواقع، لا سيما فى شرق المتوسط ضد قبرص واليونان، وما يحدث فى ليبيا وسوريا والعراق، يدفعنا للقول: إننا أمام مشروع تخريبى ممنهج يتفق مع سيناريوهات الوهم التركى، التى رسمت حدوده وفقا لخريطة عام 2050، كل هذا العبث الأردوغانى قطعا سيؤدى إلى مزيد من التعقيدات والصدام بين تركيا وجيرانها، ودول الاتحاد الأوروبى التى تستعد لفرض الحزمة الأصعب من العقوبات على تركيا فى مارس المقبل.

 وخصوصاً أن أردوغان لن يتخلى عن أوهامه، بل إنه يضرب عرض الحائط بكل القوانين والمعاهدات والمواثيق الدولية، وأنه لن يتفق إلا مع  جماعته الإرهابية، ومخططاته التخريبية، فخطره تجاوز حدود جيرانه المباشرين وألسنة نيران الإرهاب اقتربت من الثوب الأوروبى.

إذن المعلومات التى كشفتها أجهزة الاستخبارات تفرض وقفة فى مقدمتها: عدم تأخير تطبيق العقوبات الأوروبية، وضرورة التزام الدول السبع والعشرين بتفعيل هذه العقوبات، أيضا ضرورة تسريع الكونجرس الأمريكى، بتطبيق العقوبات التى جاءت فى قانون أعداء أمريكا ضد القيادات والعناصر التركية  التى تقف وراء هذه الأنشطة المشبوهة، وقيام المجتمع الدولى باتخاذ موقف صارم، من شأنه أن يلجم تصرفات أردوغان التى باتت ترتبط بشكل مباشر بتحركات وسلوكيات التنظيمات الإرهابية والمتطرفة، فى الوقت نفسه، على الدول العربية أن تتوحد فى مواجهة مخاطر الأوهام التركية، لاسيما أن الخريطة الجديدة المزعومة تضمنت الإقليم العربى بالكامل، وهذا التفكير - فى حد ذاته - لا يجب السكوت عليه أو التهاون فى التعامل معه.


رابط دائم: