إنسانية مصر التى يحتاج إليها العالم
24-2-2021

أحمد أيوب
* رئيس تحرير مجلة المصور
ما استحق أن يولد من عاش لنفسه فقط، ينطبق هذا القول على الأفراد والدول أيضا، وتزداد أهميته فى ظل ما يعيشه العالم الآن من أزمات، فلا تستطيع دولة مهما بلغت قوتها وعظمة إمكاناتها أن تعزل نفسها أو تتخيل أن بإمكانها أن تعيش بعيدا عن الخطر أو تجنب نفسها وشعبها الأزمات، ومصر نموذج حاضر دائما للدولة التى ترفض أن تعيش لنفسها، بل تهب جزءا من جهدها وقوتها وفكرها وإنتاجها للآخرين، ليس تفضلا ولا منا ولكن شعور بالمسؤولية وعملا بالأخوة الإنسانية، مصر دولة كريمة فى العطاء، تاريخها الممتد عبر الزمان يقول إنها لم تبخل يوما على أحد بما ينفع الناس، حضارة مصر هى التى كانت الطريق لبناء دول وإقامة حضارات، فى الوطن العربى كان المصرى هو عمود الخيمة فى البناء، فكرا وصنعة ودعما.
 
ومنذ تولى الرئيس السيسى المسئولية جعل هذا المبدأ أحد ثوابت الدولة، وعندما نجحت مصر فى القضاء على فيروس سى بفكرة وطنية أبهرت العالم لم تبخل بها مصر على الآخرين ولم تغلق الباب على نفسها ولم تتاجر فى النجاح وتبتز به دولا، بل فتحت الباب للجميع ليستفيدوا من تجربتها، ومدت جسور المبادرة إلى قلب القارة الإفريقية الأكثر احتياجا لتقدم التجربة خالصة لشعوبها، فالقارة السمراء أبناؤها يعانون من نفس الفيروس اللعين، لكن إمكاناتهم المادية وظروف أغلب دولهم لا تسمح بحملات مماثلة لما قامت به مصر، ولم تقف القيادة المصرية مباهية بما حققته لشعبها وهو فى ميزان الإنجازات الإنسانية ثقيل ولا يقدر بثمن، لكنها أيضا أعلنت أن للأشقاء الأفارقة حقا فى النجاح المصري، مليون إفريقى شملتهم مصر بقرار رئاسى ضمن المبادرة لتعالجهم ضد فيروس سى، والمؤكد أن القارة لو احتاجت لأكثر من هذا ما ترددت مصر أن تمد يدها لتقدمه راضية سعيدة، فهى لا تتحدث عن الإنسانية كشعار بل كمبدأ تؤمن به وتطبقه فى سياساتها وعلاقاتها، وتضرب المثل فى التعاون المبنى على الأخلاقيات التاريخية التى لم تتخل عنها يوما، نموذج المساندة المصرية للصين فى عز محنة كورونا ما زال ماثل أمامنا، العالم كله كان يهرب من الصين ويدعو للابتعاد عنها خشية الوباء، بينما القيادة المصرية تارع لتمد يدها دعما ومساندة للصين حتى تخرج من الأزمة، ولذلك لم يكن مستغربا أن تلجأ بكين لرد الجميل بعد أن تعافت وامتلكت واحدا من اللقاحات المهمة عالميا، مشهد طائرات المساعدات الطبية المصرية للكثير من العواصم العربية والأوربية والإفريقية أيضا تأكيد على الأخلاقيات المصرية.. 
 
إنسانية مصر وقيادتها هى ما يحتاج اليها العالم اليوم، فى ظل إصرار دول غنية على أن تدمر أى منظومة هدفها ضمان التوزيع العادل للقاحات كورونا وحفظ نصيب الفقراء منها، الصراع على اللقاح الآن تجاوز كل خطوط الإنسانية ووصل إلى رغبة بعض الدول الغنية فى السيطرة على خطوط الإنتاج الخاصة باللقاحات، ساد العالم منطق من يملك هو فقط الذى من حقه الحياة، بينما الفقراء يعانون، منظمة الصحة العالمية تصرخ ومديرها العام يحذر من الخطر، ويؤكد أن استئثار الأغنياء باللقاحات لن يحمى العالم من الوباء، ومصر كانت أول من نادى مطالبا العالم المتقدم بالحفاظ على حق الدول الفقيرة فى الحصول على اللقاح، لكن العالم الذى تسيطر عليه الآن حالة الاستئثار والمنفعة المباشرة لم يستمع ولم يتفهم قيمة أن تكون الإنسانية عنوانه، فى هذه اللحظة الفارقة، نحو 92 دولة متدنية الموارد أو فقيرة لا تملك القدرة على المنافسة للحصول على اللقاح، ومنظومة كوفاكس التى أطلقتها الصحة العالمية كان من المفترض أن تتكفل بحماية حق هذه الدول وشعوبها، لكن يبدو أن أطماع الكبار ستظل متحكمة، وفى ظل هذه المناخ العالمى المؤسف نستحق أن نفخر بالنموذج المصرى وإنسانيته وأن ندعو العالم إلى الاقتضاء به، لأن فيه إنقاذا للبشرية.
 

رابط دائم: