إيران والحوثي والقرار الأمريكي
22-2-2021

جميل عفيفي
* مدير تحرير جريدة الأهرام

أثار قرار الولايات المتحدة الأمريكية برفع جماعة الحوثي من قائمة الجماعات الارهابية العديد من التساؤلات. فحيثيات القرار لم تقنع الجميع، لاسيما وأنه يعد بمنزلة اعتراف واضح من الإدارة الأمريكية الجديدة بالجماعة، رغم أنها لا تزال تثير الذعر في اليمن وتقاتل الحكومة الشرعية، الى جانب استهدافها المتكرر للأراضي السعودية، فضلاً عن تهديدها للمجرى الملاحي في البحر الأحمر، في محاولة منها للسيطرة على باب المندب، حيث نفذت العديد من العمليات الإرهابية ضد السفن السعودية. والأخطر من كل ما سبق أنها جماعة تابعة لإيران، حيث تتولى تمويلها وتسليحها، الأمر الذي يجعل القرار الأمريكى برفعها من قوائم الارهاب محيراً للغاية.

الحقيقة إن إيران دائما وأبدا تسعى الى أن تكون لها ذراع عسكرية أو بالمعنى الأدق ميليشيات تابعة لها في العديد من الدول، وهذا ما نشاهده في لبنان من خلال حزب الله، والحوثي في اليمن، وميليشيات عديدة داخل العراق، الى جانب وجود ميليشيات لها مرابطة فى سوريا، مما له أثر سلبي على الأمن القومي العربي بمفهومة الشامل، بل إنها تسعى الى أن تكون لاعبا أساسيا في أي تفاهمات أو رسم سياسات للمنطقة بوسائل ضغط ميليشياتها المسلحة الموجودة في هذه الدول.

إن السياسة الايرانية واضحة منذ زمن، وهي عملية المد الشيعي، وهذا ما شاهدته بنفسي في مدينة سراييفو بالبوسنة والهرسك في تسعينيات القرن الماضي، وقتها كنت أتابع أعمال الكتيبة المصرية المسئولة عن حفظ السلام بعد الحرب هناك، ولفت انتباهي أنه على الرغم من عدم فتح أي سفارة لدولة أجنبية، ألا أن ايران قامت بإنشاء صرح ضخم في قلب سراييفو ليكون مقرا لسفارتها، وكانت تقوم بتقديم الدعم المادي و العيني لأبناء العرق البوشناقي (المسلمين)، في إشارة منها الى أنها الداعم الأول للمسلمين هناك، فى حين أنها في باطن الأمر كانت تدعو الى المذهب الشيعي، في ظل وجود أعداد من المسلمين ليس لديهم معلومات ثقافة دينية تؤهلهم لمواجهة مثل تلك الدعوات، وبالتأكيد من بعدها كانت ترغب في تنظيم ميليشيات، ألا أن مخططها لم ينجح فيما بعد.

ونفس السيناريو نفذته إيران مع احتلال العراق في عام 2003، حيث تسللت عناصر إيرانية الى الجنوب العراقي وفتحت مكاتب لها هناك، وقامت بتنظيم ميليشيات مسلحة تابعة لها وأمدتها بالسلاح والمال، ليكون لها قدم قوية في الشأن الداخلي العراقي بما يحقق مصالحها بشكل كبير، وهذا ما تحقق على الأرض في الوقت الحالي.

إن قرار رفع جماعة الحوثي من قائمة الإرهاب لا يفيد التنظيم بقدر ما يثبت قدم إيران في اليمن، بما يؤثر بشكل مباشر على أمن الخليج بصفة خاصة، وعلى المنطقة بصفة عامة. فمن المعروف أن هناك تهديدا مستمرا من ايران لدول الخليج العربي، لاسيما وأنها تحتل ثلاث جزر إماراتية هي طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسي، كما أنها تسعى الى تصدير الفتنة الطائفية الى دول الخليج العربي من خلال حلفائها، حيث شاهدنا ذلك في أحداث البحرين في عام 2011، ولولا تدخل قوات درع الجزيرة بقيادة المملكة العربية السعودية في ذلك الحين، لأشعلت إيران مملكة البحرين بالكامل.

من المعروف أيضا أن إيران دائما وأبدا ما تهدد بعرقلة عمليات الملاحة في الخليج العربي من خلال مضيق هرمز، فى ظل قدرتها على إغلاقه في وجه ناقلات البترول، لذا فهي أيضا في الوقت نفسه تسعى الى إثارة الأزمات في البحر الأحمر ومحاولة السيطرة على مضيق باب المندب عن طريق ذراعها في اليمن، جماعة الحوثي، مما يؤثر بالطبع فى الملاحة في قناة السويس.

إن القرار الأمريكي جانبه الصواب لعدة أسباب أهمها:

أولا- أنه في ظل حكومة شرعية داخل البلاد ووجود جيش وطني، لا يمكن الاعتراف بأي ميلشيا تحمل السلاح وتقاتل الجيش الوطني كونها منظمة إرهابية.

ثانيا- إن حالة الاستقرار في اليمن التي تطمح إليها الولايات المتحدة –كما ذكر بيان وزير خارجيتها– لا يمكن لها أن تتحقق في ظل وجود طرف يحمل السلاح يسعى إلى الوصول بقوة السلاح، الى الحكم.

ثالثا- إن الوضع في لبنان واضح للعيان في ظل وجود دولة وميليشيا مسلحة (حزب الله)، وحالات الفوضى والبلبلة التي تشهدها لبنان وصولا الى الحالة التي هي الآن.

رابعا-  وجود إيران في المشهد، بالرغم من مواقفها العدائية لدول الخليج العربي، خاصة المملكة العربية السعودية، هو في الواقع استهداف للقدرة العسكرية والسياسية للمملكة في الوقت الحالي.

خامسا- أصبحت إيران تمتلك اليد الطولى في أي مفاوضات تتم من أجل حل الأزمة اليمنية، من خلال ميليشيات الحوثي، التي جعلتها الولايات المتحدة بهذا القرار شريكا أساسيا في أي مفاوضات أو حل للأزمة.

سادسا- إن جماعة الحوثي لن تقبل بأي ترضيات أو دور سوى السيطرة على حكم اليمن، وهو ما لا يمكن أن تقبل به الحكومة الشرعية، الأمر الذي سيزيد الأمر اشتعالا داخل اليمن.

الواقع الحقيقي إن إيران أصبحت تمثل تهديدا حقيقا للأمن والاستقرار في المنطقة بأسرها، ونفوذها يتمدد من خلال ميليشياتها المنتشرة، ودعمها للتنظيمات الإرهابية، وهو ما يفرض على الدول العربية أن تعيد حساباتها مرة أخرى لمواجهة هذا المد الإيراني الذي يهدد أمن واستقرار المنطقة.   


رابط دائم: