ليبيا فى طريق العودة
22-2-2021

جمال الكشكي
* رئيس تحرير مجلة الأهرام العربي

دقت وكالات الأنباء خبر إعادة فتح السفارة المصرية فى ليبيا، فبدت فى الأفق بشارات أمل تقول: إن الضوء قادم، والعودة قريبة جدا، واستعادة مقدرات الدولة باتت علي مرمي البصر، وإن إرادة الشعب الليبي هي التي تقرر مصيره، اختيار رئيس المجلس الرئاسي، ورئيس الحكومة خطوة فارقة وفاصلة، عودة القاهرة دبلوماسيا إلي طرابلس، تحمل رسائل عميقة علي جميع المستويات المحلية والإقليمية والدولية.

في مقدمة هذه الرسائل، أن القاهرة تؤكد للجميع أنها تقف علي مسافة واحدة من جميع الفرقاء الليبيين، سواء كانوا في الشرق أم الغرب أم الجنوب، وهذا يرسخ الدور والمسئولية اللذين قدرتهما القاهرة منذ بداية الأزمة في ليبيا، فقد اتخذت مصر وشركاؤها العرب، كل الخطوات التي أدت إلى هذا النجاح غير المسبوق في جميع المسارات الدستورية والاقتصادية والسياسية والعسكرية، وهنا تجدر الإشارة إلي الاجتماعات المكوكية (5+5) التي عقدت في مدينة الغردقة، وانطلقت منها إشارات البداية نحو الحلحلة وتحريك المياه الراكدة، إذ أن هذه الاجتماعات، أسفرت عن الخطوة الكبيرة، بفتح الطرق والمطارات بين الشرق والغرب، وهذا ما ساعد فى بناء الثقة التي أفضت إلي طريق الحل السياسي الذي بدت ملامحه الآن.

أيضا كان إعلان القاهرة في يونيو الماضي، هو محطة مركزية في مشهد استعادة الدولة الليبية بكل مؤسساتها العسكرية والسياسية والاقتصادية، فقد رسم إعلان القاهرة خريطة الطريق لجميع المسارات، التي تصب في صالح كل الأطراف، وتضمن تحقيق الاستقرار الليبي، فمن يدقق القراءة في بنود إعلان القاهرة ورسائله المباشرة وغير المباشرة، يتأكد له أن القاهرة كانت لديها رؤية إستراتيجية استباقية مدروسة بعناية شديدة، تنطلق في المقام الأول من أهمية وضرورة الحفاظ علي أمن واستقرار ليبيا، كجزء رئيسي من الأمن القومي العربي.

لم تكتف القاهرة بأنها قدمت تصورات وآراء وإستراتيجيات، بل إنها عملت علي الأرض مع جميع الألوان السياسية الليبية للوصول إلي نقاط التفاهم والمساحات المشتركة، برؤية أوسع تجمع ولا تفرق، وخير مثال علي ذلك نجاح القاهرة في قيادة محادثات المسار الدستوري، الذي انتهي باتفاق الجميع باستفتاء شعبي علي الدستور، وهذا في حد ذاته خطوة تقدمية تؤكد أننا أمام دولة ومؤسسات وإرادة شعب يحدد مصيره، ويكتب خياراته نحو الاستقرار وإعادة بناء الدولة.

إذن نحن أمام مشهد ليبي في مرحلة متقدمة، لم نكن نصل إليها قبل شهور قليلة، وبالتالي، فإن هذا التقدم يحتاج إلي آليات تحميه وتحافظ عليه، وفي الحقيقة هذه الآليات مسئولية الجميع، سواء في الداخل الليبي أم في المنطقة العربية أم علي مستوي المجتمع الدولي. ففيما يتعلق بآليات الداخل الليبي، فإنه لم تعد لديهم رفاهية إضاعة هذه الفرصة، وعلي الشعب الليبي أن يحمي هذا المسار، بعدم السماح لأية أطراف أو مجموعات تخريبية بصناعة الفتنة بين الشعب الليبي، هذا بالإضافة إلي ضرورة تكتل الليبيين لطرد وإخراج الميليشيات المسلحة، سواء التي جاءت بدعم تركي أم الموجودة فى الداخل، وتتلقي تمويلات ودعما خارجيا، فبقاء هذه الميليشيات سيكون دائما شوكة في ظهر الاستقرار الليبي، بينما التخلص من هذه الميليشيات بمثابة المفتاح الحقيقي لإعادة الاستقرار الأمني في ربوع البلاد، وربما هذا ما دعا البعض إلي الدعوة لاتخاذ مدينة سرت مقرا للمجلس الرئاسي والحكومة الجديدة، حتي لا يكونا رهناً لابتزاز الميليشيات فى طرابلس.

وفيما يتعلق بآليات الدعم العربي والإقليمي للحفاظ علي ما تحقق الآن في ليبيا، فإنني أري ضرورة أن يكون هناك دعم  عربي وإقليمي غير مشروط لجميع مسارات الحل الليبي، والعمل بكل قوة لإنقاذ الأمن القومي الليبي، الذي هو بدوره إنقاذ للأمن القومي العربي الإقليمي.

أما آليات الدعم التي يجب أن يقدمها المجتمع الدولي، فهي تتمثل فى أهمية الضغط الحقيقي على الأطراف، التي لا تزال ترسل المرتزقة والإرهابيين إلي الغرب الليبي، حتي تتوقف عن ذلك، فضلا عن ضرورة تقديم الدعم للمؤسسات التنفيذية الليبية، لتقوم بواجبها تجاه مكافحة الإرهاب، والهجرة غير الشرعية التي يستخدمها البعض ورقة لابتزاز الدول الأوروبية.

في النهاية أقول: إن ما قطعته الدبلوماسية المصرية والعربية من خطوات علي المسار الليبي، إنما هو إنجاز كبير يمكن البناء عليه، والوصول إلي المحطة الأخيرة التي يرجوها الشعب الليبي بإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، حتي تعود ليبيا إلي شعبها وحضنها العربي.

نقلاً عن: الأهرام العربي

 

 

 


رابط دائم: