فرص عودة واشنطن وطهران مجدداً للاتفاق النووى
16-2-2021

د. غادة عبدالعزيز
* باحثة متخصصة في العلاقات الدولية

تجمع الرغبة المشتركة في العودة للاتفاق النووي واشنطن وطهران، لكن لكلا الجانبين شروطه. ففي حين تشترط إدارة بايدن الامتثال الكامل لإيران بالاتفاق النووي قبل رفع العقوبات، تشترط إيران رفع العقوبات عنها أولاً للوفاء بالتزاماتها النووية. ومع استمرار حالة الجدل بشأن من يتخذ الخطوة الأولي ومحاولة إيران لفرض سياسة الأمر الواقع، دخلت فرص العودة للاتفاق النووي في نفق مظلم. وفي ظل هذا الجمود والانسداد، يحتاج الطرفان لرسم خريطة طريق جديدة لإعادة إحياء التفاوض؛ وقد يكون تخفيف العقوبات الأمريكية تدريجياً، بالتزامن مع امتثال طهران لكافة التزاماتها النووية، في ظل حراك دبلوماسي لإعادة التفاوض، أو تطبيق مبدأ "الأقل مقابل الأقل" سبيلا للخروج من هذه الدائرة المغلقة.

الموقف الأمريكي:

أعلنت إدارة بايدن رغبتها في العودة إلي الاتفاق النووي، وحددت معاييرها وشروطها بضرورة تراجع ايران عن الخطوات التي اتخذتها، والوفاء بكافة التزاماتها ووقف تخصيب اليورانيوم أولاً قبل رفع العقوبات عنها، موضحة أن عدم رفع العقوبات غرضه دفع إيران للعودة إلي طاولة المفاوضات.

وأوضح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، أن "واشنطن تسعى للعمل مع حلفائها وشركائها للوصول لاتفاقية أطول وأقوى مع إيران، تشمل ملف برنامج الصواريخ الباليستية وأنشطة طهران المزعزعة للاستقرار في المنطقة"، محذراً من استمرار خرق إيران للاتفاق النووي وأن امتلاكها للسلاح النووي، بات وشيكاً، مؤكداً أن "الدبلوماسية المبدئية" هي المسار الأفضل لضمان عدم امتلاك إيران للسلاح النووي.

وأضاف جون كيربي-المتحدث باسم البنتاجون- أن طهران "عاملاً لعدم الاستقرار، من خلال نشاطها المتمثل في دعم الإرهاب وتهديد دول الجوار"، وهو ما أكده أيضاً جيك سوليفان -مستشار الأمن القومي الأمريكي- وتشير هذه التصريحات إلي أن التقييم العسكري والاستخباراتي الأمريكي لأنشطة طهران لا يبشر بأن التقارب الأمريكي-الإيراني سيكون سهلاً أو وشيكاً.

وتوضح مواقف إدارة بايدن أن رغبة العودة إلي الاتفاق النووي مع إيران تترافق مع الرغبة في الاستفادة من سياسة الضغط القصوى التي اعتمدها الرئيس السابق دونالد ترامب لتوظيفها كورقة ضغط علي إيران لإجبارها علي التنازل في ثلاثة ملفات وهي "البرنامج النووي، وقبول التفاوض بشأن برنامج الصواريخ الباليستية، وأخيرا تغير سلوكها ووقف تدخلاتها المزعزعة للأمن والاستقرار في المنطقة".

الموقف الإيراني:

اشترط المسئولون الإيرانيون العودة للاتفاق النووي برفع العقوبات الأمريكية أولاً، حيث اشترط المرشد الإيراني، علي خامنئي، "رفع العقوبات الأمريكية أولاً حتي تتراجع طهران عن خطواتها النووية، مؤكداً أن إيران أوفت بجميع التزاماتها بموجب الاتفاق النووي لعام 2015، فيما لم توف واشنطن والدول الأوروبية الثلاث بتعهداتها".. وأضاف موقفنا نهائي ولن يتغير ومتفق عليه من قبل جميع أركان النظام"، وهي وجهة النظر المتشددة نفسها، التي أعلنها الرئيس الإيراني حسن روحاني ووزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف؛ حيث أعلن الرئيس الإيراني أن "واشنطن هي أول من انسحب من الاتفاق، وعليها اتخاذ الخطوة الأولى في العودة إليه"، ودعا وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف واشنطن للعودة سريعاً للاتفاق النووي دون شروط مسبقة ورفع العقوبات قبل 21 فبراير الجاري"؛ -حيث تعتزم إيران وقف الالتزام بالبروتوكول الإضافي للاتفاق النووي-، كما أوضح أن "ملف الصواريخ ونشاط إيران في المنطقة لم ولن يكون جزءاً من أي اتفاق نووي".

وقد حذر محمود علوي – وزير الأمن والاستخبارات الإيراني، "من مغبة الدفع بطهران نحو صناعة سلاح نووي في حال استمرار العقوبات الدولية، وأضاف أن ذلك لن يكون ذنب إيران، بل ذنب من دفعها إلى ذلك"، بينما أكد علي أكبر صالحي- رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية- "التزام هيئته بتطبيق القانون الذي صوت عليه البرلمان برفع نسبة التخصيب الى 20%"، وهو ما يعد انتهاكاً صريحاً للاتفاق النووي الذي يلزمها بمستويات تخصيب لا تتجاوز3.67 %، ويوضح أن إيران تستخدم الملف النووي كأداة للضغط علي واشنطن لرفع العقوبات عنها سريعاً، إلي جانب تحسين موقفها في أي مفاوضات مستقبلية.

إيران وآلية العودة:

في محاولة لكسر الجمود طرح وزير الخارجية الإيراني آلية "العودة المتزامنة"، بمعني أن تقوم إيران بالعودة من جديد إلى الالتزام بتعهداتها في الاتفاق النووي بالتزامن مع رفع واشنطن لكافة العقوبات المفروضة عليها، علي أن يلعب الاتحاد الأوروبي دوراً للتنسيق والتوسط لعودة واشنطن للاتفاق النووي، وتحديد الاجراءات التي يجب أن تقوم بها كل من طهران وواشنطن، إلا أن واشنطن والدول الأوروبية لم تتبن هذا الطرح.

 وقد بحثت ردود الفعل الدولية. واشنطن مع الترويكا الأوروبية "فرنسا وألمانيا وبريطانيا" ملف الاتفاق النووي وكيفية إحيائه، وفتح حوار مباشر مع طهران، إلي جانب الاتصال بحلفائها في المنطقة، وتحديداً "دول الخليج وإسرائيل".وفي هذا الإطار، قام منسق الشئون الخارجية في الاتحاد الاوروبي بزيارة إلي روسيا، كما صرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن المفاوضات يجب أن تشمل السعودية، فيما حذرت روسيا الإدارة الأمريكية من المماطلة في رفع العقوبات عن طهران، مقرةً باستحالة رفعها دفعة واحدة، مؤكدةً أهمية التوصل لتفاهم بين طهران وواشنطن قبل 21 فبراير الجاري لتجنب التصعيد، كما دعت إيران لضبط النفس".

ومن جانب آخر؛ندد بيان لكل من "فرنسا وألمانيا وبريطانيا" بقرار إيران إنتاج اليورانيوم المعدني، وطالب طهران بوقف هذه الأنشطة"، وهو ما رفضه وزير الخارجية الإيراني معللاً أن موقف إيران بخرق الاتفاق "يأتي متماشياً مع الفقرة 36 من الاتفاق النووي، والتي تنظم الإجراءات التي يمكن لطرف أن يتخذها إذا رأى أن الطرف الآخر لا يفي بالالتزامات"، وهو ما يؤكد عزم إيران الاستمرار في التصعيد، وفرض سياسة الأمر الواقع للضغط علي واشنطن لرفع العقوبات.

فرص نجاح المسار الدبلوماسي:

لا يعنى المسار الدبلوماسي لإدارة بايدن للعودة للتفاوض مع إيران عودة مجانية للاتفاق النووي، ومع ذلك هناك فرصة أمام المفاوضات لتحقيق مكاسب لكافة الأطراف، لكن هذا الأمر يعتمد علي إيران ورغبتها في أن تكون دولة طبيعية تسعي نحو التطور الاقتصادي والسلام مع جيرانها، والعودة للمجتمع الدولي.

ولإحياء الاتفاق النووي وضمان استمراريته؛ يجب أن يتم إشراك الدول الإقليمية التي تضررت بشدة من الدور الإيراني في المنطقة، ولاسيما دول الخليج، ومعالجة الثغرات والعيوب التي اعترت هذا الاتفاق، والربط بين الاتفاق وبرنامج الصواريخ الباليستية ونشاطات إيران في المنطقة، ومع ذلك تظل أغلب التكهنات تتعلق بصعوبة موافقة إيران علي تقديم تنازلات بشأن ملف الصواريخ الباليستية، بل إن بعضها ذهب لأن إيران قد تتحمل المزيد من العقوبات كي لا تُقدم تنازلات بشأن هذا الملف، لاسيما مع قرب موعد الانتخابات الرئاسية الايرانية في 18 يونيو المقبل، إلا أنها قد تُقدم بعض المرونة بشأن التهدئة في الملفات الاقليمية، خاصة ملف اليمن بما يخفف الضغط عليها، لكن بما يتوافق مع مصالحها.

كما قد تبادر واشنطن بتخفيف بعض العقوبات المادية علي إيران، مقابل عودة إيران تدريجياً للامتثال بالاتفاق النووي "تمهيداً لإجراء مفاوضات مباشرة". وفي هذا الإطار، نقلت وكالة بلومبيرج عن مسئولين في إدارة بايدن أن واشنطن تبحث تخفيف العقوبات المالية عن إيران بما لا يشمل مبيعات النفط لـ "مبررات إنسانية بسبب جائحة كوفيد- 19"، كما تبحث دعم تقديم صندوق النقد الدولي قرضاً لإيران لتخفيف تداعيات هذه الجائحة.

علي صعيد آخر يجب علي طهران أن تضع في حسبانها "سيناريو تجميد التفاوض" ونفاد صبر أمريكا بسبب التصرفات الإيرانية؛ وهنا ستكون طهران هي الخاسر الأكبر في ظل استمرار العقوبات الاقتصادية عليها، كما يجب عليها أن تضع في الحسبان أن هناك مؤشرات إيجابية من الجانب الأمريكي، منها مشاورات واشنطن مع الاتحاد الاوروبي وروسيا، إلي جانب تعيين روبرت مالي، أحد عرابي الاتفاق النووي عام 2015، كمبعوث أمريكي خاص للملف الإيران، وهو ما يؤكد جدية واشنطن في العودة للتفاوض، في حين لم تقدم إيران أي بادرة إيجابية لإقناع أمريكا للعودة للاتفاق.

ويطرح السفير الأمريكي دينيس روس -المستشار السابق للرئيس أوباما- رؤيته بأن واشنطن إذا ما أرادت الوصول إلي "المزيد مقابل المزيد" عليها أن تبدأ "بالأقل مقابل الأقل"، موضحاً أن "إحدى الطرق الكفيلة بكسر الجمود هي قيام واشنطن بتحويل تركيزها من معاودة الانضمام إلى الاتفاق النووي - بعد عودة إيران إلى الامتثال الكامل - إلى اتفاق قائم على مبدأ "أقل مقابل أقل"، أي أن تخفف العقوبات بدرجة محدودة، بينما تتراجع إيران عن أعمالها المخالفة للامتثال، والتي ستستغرق بضعة أشهر.

وعلي حد تعبير دينيس روس، فإن لاتفاق "أقل مقابل أقل" فوائد، منها أنه "سيقلص البرنامج النووي الإيراني بطريقة من شأنها أن تمدد زمن تجاوز العتبة النووية وتجعله أقل تهديداً، كما سيحافظ على نظام العقوبات الأمريكية، وسيكسب واشنطن الوقت لإنجاز الاتفاقات طويلة الأجل، والتي يأمل أن تمدد أحكام انقضاء الاتفاق النووي من جهة، وتؤدي إلى تفاهمات موازية بشأن الصواريخ البالستية وسلوك إيران في المنطقة من جهة أخرى، مما يطمئن دول المنطقة بشأن التهديد الإيراني والملف النووي".

 وأخيراً؛ لا يبدو أن التوصل لاتفاق نووي مع إيران طريقاً سهلاً، ولكن ربما تحقق المساعي الدبلوماسية لواشنطن والدول الأوروبية رسم خريطة طريق جديدة لإعادة إحياء التفاوض مرة أخري للاتفاق النووي وتعديله بما يعالج التحديات النووية وتحديات الأمن الإقليمي، مع الأخذ في الحسبان أن رفع جميع العقوبات المتعلقة بالبرنامج النووي لن يعطي الإيرانيين دافعاً لتغيير سلوكهم المهدد في المنطقة، وأن إيران ستستمر في نهجها التصعيدي للعودة للاتفاق النووي دون تغيير، أو علي أقل تقدير دون ربط برنامجها للصواريخ الباليستية ونهجها في المنطقة بالملف النووي، متكئة في ذلك علي حيلولة الفيتو الروسي والصيني، دون إصدار قرار من مجلس الأمن بشأنها.


رابط دائم: