قراءة في أول خطاب لبايدن عن السياسة الخارجية الأمريكية
16-2-2021

عمرو عبد العاطي
* باحث ومحرر في مجلة السياسية الدولية متخصص في الشئون الأمريكية

عكس خطاب الرئيس جو بايدن الأول عن السياسة الخارجية بوزارة الخارجية الأمريكية يوم الخميس (٤ فبراير) تعهداته، خلال حملته الانتخابية خلال عام ٢٠٢٠، بأنه سيتبني بعض التغييرات الرئيسية لسياسات الرئيس دونالد ترامب الخارجية، استناداً إلى خبرته في قضايا السياسة الخارجية الأمريكية لعقود، حيث يخطط لإنهاء أربع سنوات من السياسات الانعزالية للولايات المتحدة خلال إدارة ترامب تحت شعار "استعادة القيادة الأمريكية"، لأن استراتيجية "أمريكا أولاً" التي حكمت السياسة الخارجية للإدارة السابقة جعلت "أمريكا وحدها"، لاسيما بعد رفضه للتعددية الدولية، وإضعافه للتحالفات والشراكات الأمريكية، وتقويضها لمعايير حقوق الإنسان، حيث شن ترامب حرباً على مؤسسة السياسة الخارجية داخل إدارته، ومهاجمة إجماع الحزب السابق على أن واشنطن لديها التزام بقيادة نظام دولي قائم على تعزيز الحرية وحقوق الإنسان وحكم القانون.

تراجع عن سياسات ترامب:

أعاد الرئيس جو بايدن خلال خطابه الاعتبار والمكانة لوزارة الخارجية الأمريكية في عملية صنع القرار الأمريكي، بعد سنوات من تراجع دورها وتهميشها، خلال سنوات حكم ترامب الأربع، حيث أكد بايدن على أن وزير الخارجية، أنتوني بلينكن عندما يتحدث، فإنه يتحدث بالنيابة عنه، مما يحمل -وفقاً لكلمات بايدن- عودة الدبلوماسية إلى صميم السياسة الخارجية الأمريكية.

ويعني بايدن بالقيادة الدبلوماسية إشراك الخصوم والمنافسين دبلوماسياً بما يحقق مصلحة الولايات المتحدة وتعزيز أمن الشعب الأمريكي. وقد ضرب مثالاً على ذلك باتفاق واشنطن وموسكو على تمديد معاهدة ستارت الجديدة لمدة خمس سنوات للحفاظ على المعاهدة الوحيدة المتبقية بينهما لحماية الاستقرار النووي، وكذلك الاستعداد للعمل مع الصين عندما يكون من مصلحة الولايات المتحدة القيام بذلك، رغم تعهده بالتصدي وبشكل مباشر للتحديات التي تشكلها بكين.

وقد أعلن الرئيس بايدن، خلال خطابه انفصاله عن سياسة الرئيس السابق ترامب، أن الولايات المتحدة ستصلح تحالفاتها، وستعمل مع المجتمع الدولي لمواجهة التحديات العالمية، مثل جائحة كوفيد-١٩، وتغير المناخ، وانتشار السلاح النووي، والتي لا يمكن أن تتعامل معها واشنطن بمفردها.

كما أعلن أن الولايات المتحدة لن "ترضخ بعد الآن في مواجهة تحركات روسيا العدوانية" بعد تدخلها في الانتخابات الرئاسية الأمريكية والهجمات الإلكترونية على المؤسسات الأمريكية، وتسميم مواطنيها، في اختلاف مع سياسة ترامب التي رفضت مراراً الأدلة التي تؤكد تدخل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الانتخابات الأمريكية ودور موسكو في عملية اختراق متطورة للغاية لمؤسسات الحكومة الأمريكية.

وفي اختلاف عن السياسة الخارجية الأمريكية، خلال إدارة ترامب تجاه الملف اليمني، أمر بايدن بوقف مبيعات الأسلحة وغيرها من أشكال الدعم للمملكة العربية السعودية في حربها ضد اليمن التي وصفها بأنها "كارثة إنسانية واستراتيجية"، بعد رفض ترامب بانتظام دعوات المشرعين الجمهوريين والديمقراطيين لوقف الدعم الأمريكي للرياض وعملياتها العسكرية في اليمن، وكذلك مبيعات الأسلحة لها بعد مقتل الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، متذرعاً بأن مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى الرياض "تخلق مئات الآلاف من فرص العمل" في الولايات المتحدة.

وفي تناقض مع سياسات ترامب، أعلن بايدن عن عودة الولايات المتحدة إلى اتفاقية باريس للمناخ، وعودة الانخراط في منظمة الصحة العالمية، وإلغاء الحظر المفروض على المسلمين من جانب بعض الدول لدخول الولايات المتحدة، وعودة برنامج قبول دخول اللاجئين للولايات المتحدة.

انتقادات للخطاب:

لم يتحدث الرئيس في خطابه عن العديد من قضايا السياسة الخارجية الحيوية بالنسبة للولايات المتحدة خلال ولايته، وفي مقدمتها البرنامج النووي لكوريا الشمالية، ولم يذكر الحرب التي تخوضها الولايات المتحدة في أفغانستان منذ عقدين، ولا الموعد النهائي المحدد في الأول من مايو المقبل لسحب القوات الأمريكية المتبقية، البالغ عددها 2500 جندي هناك. وقد التزم بايدن الصمت عن الاتفاق النووي الإيراني لعام ٢٠١٥، وعودة واشنطن إليه، على الرغم من أن خطة العمل الشاملة المشتركة ربما تعد أفضل مثالاً على التعاون الدولي متعدد الأطراف خلال العقد الماضي.

وعند حديث الرئيس عن بعض قضايا السياسة الخارجية، فإنه لم يقدم مقاربة لكيفية التعامل معها. فعلي سبيل المثال، لم يقدم بايدن الكثير من التفاصيل عن كيفية اختلاف إدارته في التعامل مع الرئيس بوتين عن الإدارة السابقة لدونالد ترامب، ولم يكشف النقاب عن أي عقوبات جديدة على الرئيس بوتين والمسئولين المقربين منه، ولا كيفية التعامل مع الانقلاب العسكري في بورما.

إن خطاب الرئيس الأمريكي بوزارة الخارجية الأمريكية لم يعالج معظم قضايا السياسة الخارجية الأمريكية، ولم يطرح رؤية وسياسات جديدة لتلك التي تطرق إليها، ولكنه شمل تغير في أدوات السياسة الخارجية لتكون أكثر تركيزاً على الدبلوماسية، وليس الأداة العسكرية، وربط السياسة الخارجية بالداخل الأمريكي، وبإعادة بنائه، وتوفير الوظائف، والازدهار من خلال اتفاقيات التجارة العادلة.

 أخيرا، فقد كان خطاب بايدن الأول عن السياسة الخارجية الأمريكية خطاباً تحفيزياً موجها - في جزء منه - إلى موظفي وزارة الخارجية الذين يتطلعون إلى شيء يرفع من روحهم المعنوية، ويعيد ضبط الوزارة بعد سنوات الضعف والقلق خلال إدارة ترامب، حيث غادر أكثر من ١٣٪ من كبار الموظفين الدبلوماسيين الوزارة، وقد ترك العديد من المناصب العليا بالوزارة شاغرة، أو تم شغلها من قبل المسئولين بالإنابة.


رابط دائم: