فرنسا..تحديات دوائر الارهاب في الساحل الإفريقي
16-2-2021

علي بكر
* نائب رئيس تحرير السياسة الدولية وخبير الحركات المتطرفة

على الرغم من الجهود الفرنسية الكبيرة لمواجهة الإرهاب المتصاعد في منطقة الساحل الإفريقي، والمتمثلة في تقديم الدعم والمشورة والخبرات العسكرية لجيوش المنطقة، الى جانب تدخلها العسكري المباشر من خلال قوة برخان، إلا أنها فشلت حتى الأن في القضاء على التنظيمات الإرهابية المنتشرة في تلك المنطقة أو حتى تحجيم نفوذها، وهو ما تعكسه قدرة تلك التنظيمات على الاستمرار في شن الهجمات الإرهابية بشكل مستمر، كان آخرها إعلان تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، في 12 فبراير 2021 مسئوليته عن الهجوم الذى استهدف أحد المواقع العسكرية التابعة للقوات المسلحة المالية في منطقة بوني وسط البلاد، مما أسفر عن مصرع 15 جنديا، إضافة الى الاستيلاء على كميات كبيرة من الأسلحة والذخيرة.

 وقد جاءت هذه العملية قبل أيام من قمة فرنسية - ساحلية مرتقبة ستعقد في نجامينا، عاصمة تشاد، يومي 15 و16 من شهر فبراير الجاري، ستضم الرئيس إيمانويل ماكرون ونظراءه رؤساء بلدان الساحل الإفريقي الخمسة (موريتانيا، ومالي، وبوركينا فاسو، والنيجر، وتشاد) بعد عام كامل على قمة مماثلة استضافتها مدينة بو جنوب فرنسا، وذلك لتقييم ما وصلت إليه الحرب على التنظيمات المسلحة الناشطة في منطقة الساحل، وهو ما يطرح تساؤلاً حول أهم التحديات أو العوائق التي تواجه القوات الفرنسية وجيوش دول الساحل الخمس في القضاء على التنظيمات الإرهابية التي يتزايد نفوذها في منطقة الساحل الإفريقي.

استهداف مستمر:

لم تكتف التنظيمات الإرهابية في الساحل الإفريقي بتعزيز وجودها وتوسيع نفوذها في تلك المنطقة، من خلال الضغط المتواصل على جيوش تلك المنطقة بهجمات إرهابية تكاد لا تنقطع، لمنعها من مواجهاتها بشكل فعال، بل حرصت طوال الفترة الماضية على استهداف القوات الفرنسية العاملة في إطار عملية برخان، إلى جانب القوات الأممية والدولية العاملة فى هذه المنطقة، كان من أبرزها قيام عناصر من تنظيم القاعدة في 30 نوفمبر 2020، بإطلاق مجموعة من الصواريخ على عدد من القواعد العسكرية الفرنسية والمواقع التابعة لقوات الأمم المتحدة في شمال مالي، في هجمات تبدو منسقة في توقيت واحد، وذلك بعد عدة أشهر من قيام عناصر التنظيم باستهداف مجموعة من الجنود الفرنسيين في النيجر في أغسطس 2020، مما أسفر عن مصرع ستة جنود، مما دفع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى التصريح بأن بلاده بصدد تعزيز قواتها الأمنية وتشديد إجراءات حماية الفرنسيين في منطقة الساحل الإفريقي.

 من اللافت للنظر أن ذلك الهجوم الذى استهدف الجنود  الفرنسيين، جاء بعد تصريحات لوزيرة الجيوش الفرنسية، فلورانس بارلي، في 13 يوليو 2020، قالت فيها إنه سيتم الشروع في نشر قوات خاصة مشتركة تابعة للاتحاد الأوروبي في منطقة الساحل والصحراء، لمواجهة الخطر المتصاعد للتنظيمات الإرهابية، وذلك للحد من الهجمات الإرهابية التي تستهدف جيوش المنطقة والقوات الفرنسية المرابطة هناك، مما يشير الى وجود العديد من المخاطر الإرهابية التي تهدد القوات الفرنسية في منطقة الساحل الإفريقي، خاصة أن المقاربة الأمنية الفرنسية تقوم على انتشار قوة برخان في أكبر عدد من المناطق، وعدم التمركز في نقطة واحدة، وذلك لمواجهة الانتشار الأفقي الواسع للتنظيمات الإرهابية.

كما أن هذا الهجوم جاء بعد نحو أسبوعين من إعلان جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، التي تعد المظلة القاعدية الكبرى في الساحل والصحراء مسئوليتها عن الهجوم الإرهابي الذي أودى بحياة جندي فرنسي في شمال مالي في 23 يوليو 2020، يعمل ضمن قوة برخان الفرنسية التي تضم ما يقرب من 5100 جندي فرنسى، وبعد أكثر من شهر على مشاركة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 30 يونيو 2020، كل من قادة موريتانيا، ومالي، وبوركينافاسو، والنيجر، وتشاد، في قمة نواكشوط لبحث سبل تعزيز القوة المشتركة لدول الساحل، والدعم المالي لجيوش هذه الدول، وبسط نفوذ الدولة على المناطق التي لم تعد خاضعة لسيطرة الجماعات المسلحة، وذلك للحد من مخاطر الإرهاب المتصاعد في تلك المنطقة.

 يشير هذا الأمر إلى أن الهدف من تصاعد استهداف القوات الفرنسية في الساحل الإفريقي، هو التشكيك في الجهود الفرنسية لمواجهة الإرهاب في تلك المنطقة، وأنها لا يمكنها القضاء على المجموعات الإرهابية النشطة برغم كل الجهود المبذولة، مما سيحبط عزيمة الدولة الأوروبية التي ترغب في الإنخراط في مواجهة تلك المجموعات الإرهابية في الساحل والصحراء، وهو ما عبر عنه الرئيس ماكرون خلال القمة بقوله "يجب أن تكون الحرب على الإرهاب في منطقة الساحل الإفريقي "قضية أوروبية".

تحديات كبيرة:

يمكن القول إن هناك مجموعة من التحديات التي تواجه الجهود الفرنسية لمواجهة الإرهاب في الساحل الإفريقي، منها ما هو متعلق بالطبيعة الجغرافية، وما هو متعلق بشكل الإرهاب، ويمكن تحديد أبرز تلك التحديات في النقاط التالية:

اتساع النفوذ القاعدي: تلقى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي العديد من الضربات القوية على يد القوات الفرنسية خلال الفترة الماضية، كان من أبرزها العملية التي استهدفت قائد التنظيم السابق "عبدالملك دروكدال" المعرف بـ"أبو مصعب عبدالودود" في الثالث من شهر يونيو 2020، من خلال عملية نوعية قامت بها القوات الفرنسية بدعم من شركائها المحليين في المنطقة، وصفتها وزيرة الدفاع الفرنسية فلورنس بارلي بأنها عملية قاصمة للجماعات الإرهابية، وهو ما دفع التنظيم الى مقابلة تلك التصريحات بتسجيل صوتي، نقله موقع "مؤسسة الأندلس"-الذراع الإعلامية للتنظيم- يتعهد فيه بـ"مواصلة القتال ضد القوات الفرنسية"، في محاولة منه لإثبات أنه لا يزال قادرا على ممارسة نشاطه برغم الضربة الفرنسية، ومن ثم يمكن القول إن اتساع النفوذ القاعدي صار يمثل تحدىا كبيرا أمام الجهود العسكرية الفرنسية، في تعدد مجموعات التنظيم وانتشارها على نطاق واسع، وهو ما يمكنها من شن الهجمات الإرهابية في مناطق متعددة من الساحل الإفريقي، خاصة أنه يصعب مراقبة تلك المجموعات في ظل تنقلها وتحركها بشكل مستمر، في ظل اعتماد التنظيم على استراتيجية "الانتشار التنظيمي"، وتخليه بشكل كامل مع مبدأ "السيطرة المكانية".

الصعود الداعشى: يتزامن تصاعد استهداف القوات الفرنسية وجيوش دول الساحل الخمس، بهجمات لا تكاد تنقطع، مع تصاعد ملحوظ لنشاط تنظيم داعش، الذي يقوده الإرهابي المخضرم أبو الوليد الصحراوي -المعروف بعدو فرنسا الأول فى الساحل الإفريقى- والذي يطلق على جماعته مسمى "ولاية الصحراء الكبرى"، والذى يسعى الى سحب البساط من تحت أقدام تنظيم القاعدة، وهو ما دفعه الى الدخول في مواجهات دامية مع عناصر ومجموعات قاعدية، كان من أبرزها المواجهات الدامية بين الطرفين التي وقعت خلال شهر ديسمبر 2020، أسفرت عن سقوط مئات من القتلى والجرحى من التنظيمين، وهو ما أكده تنظيم القاعدة، من خلال مجلته الأسبوعية الجديدة "ثبات"، في عددها السابع، الصادر في الخامس من ديسمبر 2020، والتي أكد فيها على قيام المجموعات الموالية له بشن سلسلة هجمات ضد مواقع تنظيم "داعش".

 ومن ثم، فإن هذا الصعود الداعشي سوف يترتب عليه تصاعد في هجمات التنظيم ضد القوات الفرنسية، لاسيما أن تلك القوات تعد الهدف المفضل بالنسبة للمجموعات الإرهابية في تلك المنطقة، خاصة أن مثل تلك النوعية من الهجمات قد تساعد التنظيم على استقطاب عناصر جديدة من المتطرفين للانخراط في صفوفه، كونها تعد من "الجهاد المقدس ضد الصلبيين" -على حد مزاعم التنظيم- وذلك في محاولة لعدم السماح لتنظيم القاعدة بتصدر مشهد الإرهاب في منطقة الساحل الإفريقي.

انتشار الافكار المتطرفة: يدرك المتابع لحركة التنظيمات الإرهابية والمتطرفة بشكل عام أنها تقوم على العداء للآخر، ويتصاعد هذا العداء بشكل كبير للغاية ضد القوات الفرنسية بشكل كبير، على أساس أن القتال ضد تلك القوات هو جهاد ضد الصليبين-على حد تعبير الأدبيات المتطرفة- وهو ما يلقى نوعا من القبول والتعاطف من قبل المتطرفين المنتشرين في المنطقة على نطاق واسع، مما يشجع العناصر المتطرفة على الانخراط فى شن الهجمات ضد القوات الفرنسية -على أساس أنه جهاد لا شبهة فيه- لاسيما في ظل المورثات الثقافية المنتشرة في تلك المنطقة، والتي تنظر الى فرنسا على أنها دولة احتلال، وأن وجودها العسكري في منطقة الساحل الإفريقي هو بمنزلة استمرار لذلك الاحتلال، وهو ما يمثل حافزا قوىا للمجموعات الإرهابية المختلفة على شن الهجمات الإرهابية ضد القوات الفرنسية الموجودة في دول الساحل الإفريقي، في ظل ما يمكن ان نطلق عليه التنافس الجهادى.

الهشاشة الحدودية: تلعب الطبيعة الجغرافية دورا في تصاعد الإرهاب في منطقة الساحل الإفريقي، في ظل مناطق حدود طولية مشتركة بين كل من مالي، وتشاد، ونيجيريا، وليبيا، بالإضافة الى بوركينافاسو، يصعب السيطرة عليها بشكل كامل، وهو ما شجع التنظيمات الارهابية، سواء كانت قاعدية أو داعشية الى جانب المجموعات الإرهابية القبلية، على غرار حركة تحرير ماسينا على اختراق تلك الحدود وتنفيذ هجمات ارهابية، وتطويق العديد من دول المنطقة، وهو ما جعلها تشكل ما يشبه الحزام الإرهابى الواسع حول القوات الفرنسية والمحلية، لاسيما بعد أن أصبح معظم تلك التنظيمات عابرة للحدود، مما يمثل تحديا كبيرا للقوات الفرنسية، حيث يصعب عليها مواجهة كل هذه المجموعات الإرهابية في توقيت واحد، خاصة في ظل ما تتسم به الطبيعة الجغرافية للمنطقة، حيث تغلب عليها الصحارى الشاسعة والدروب الجبلية الصعبة، ومن ثم يمثل العامل الجغرافي تحدىا كبيرا أمام القوات الفرنسية في مواجهة الإرهاب، في حين أنه يمثل حافزاً للتنظيمات الإرهابية للاستمرار في شن الهجمات الإرهابية.

أخيرا، يمكن القول إن الفترة القادمة قد تشهد مزيدا من الهجمات الإرهابية من قبل المجموعات القاعدية والداعشية، إلى جانب المجموعات المتطرفة العرقية ضد القوات الفرنسية المنتشرة في الساحل الإفريقي ومواجهة تلك المجموعات، خاصة في ظل التنافس فيما بينها على النفوذ والسيطرة في تلك المنطقة الحيوية، على نحو قد يزيد من حالة عدم الاستقرار في هذا المنطقة، لاسيما في ظل قدرة عناصرها على القيام بمثل تلك الهجمات.

 

 

 


رابط دائم: