دوافع ومخرجات حوار الفصائل الفلسطينية بالقاهرة
13-2-2021

د. حنان أبوسكين
* أستاذ العلوم السياسية المساعد بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية

استضافت القاهرة جلسات الحوار الوطنى الفلسطينى برعاية الرئيس عبدالفتاح السيسى فى 8 فبراير الجارى لمدة يومين بمشاركة 14 فصيلاً، فى مقدمتهم وفد كل من فتح برئاسة جبريل الرجوب، وحماس بقيادة صالح العارورى، بهدف ترتيب تنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية فلسطينية لأول مرة منذ الانقسام الفلسطينى الذى استمر نحو15 عاماً.

 فقد أصدر الرئيس محمود عباس مرسوماً فى 15 يناير 2021 قبل أيام من تنصيب الرئيس الأمريكي جو بايدن، مفاده إجراء الانتخابات التشريعية بتاريخ 22 مايو القادم، والرئاسية فى 31 يوليو على أن تعتبر نتائج انتخابات المجلس التشريعي المرحلة الأولى في تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني، وهو بمنزلة برلمان منظمة التحرير، ويتم استكمال المجلس الوطني في 31 أغسطس وفق النظام الأساسى لمنظمة التحرير الفلسطينية والتفاهمات الوطنية، بحيث تجرى انتخابات المجلس الوطني حيثما أمكن.

فى المقابل، وصل وفد لجنة الانتخابات التابعة للسلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة للقاء قادة الفصائل، والبدء بتسجيل الناخبين. وأعلنت مصر تزامناً مع الحوار، إعادة فتح معبر رفح مع قطاع غزة حتى إشعار آخر مما ينعكس إيجابياً على تحسين الأوضاع بالقطاع، ويحفز نجاح الحوار الفلسطينى، وذلك بعد نحو عام من تشغيله بصورة متقطعة واستثنائياً لعدة أيام فقط منذ بدء تفشى فيروس كورونا.

أولاً- دوافع الفصائل الفلسطينية للانخراط فى حوار القاهرة:

ترقب المحللون، فى الأوساط المهتمة بالشأن الفلسطينى عقد حوار القاهرة وما يسفر عنه من نتائج مما يطرح التساؤل بداية حول أسباب مشاركة الفصائل فى الحوار، وتتمثل فى:

  • احتواء غضب الشارع الفلسطينىتصاعدت المشكلات التى يواجهها الفلسطينيون، سواء فى غزة  أو الضفة  بسبب الانقسام السياسى، وسوء الأوضاع المعيشية، ومحدودية قدرة كل من السلطة وحماس على تلبية احتياجات المواطنين خاصة فى ظل جائحة كورونا.
  • تغير الإدارة الأمريكيةرغم تعهد جو بايدن فى أثناء حملته الانتخابية، بإبقاء السفارة الأمريكية بالقدس إلا أنه وعد ببذل جهود ليكون حل الدولتين قابلاً للتطبيق، وأن تحث إدارته الجانبين على القيام بمبادرات لإبقاء آفاق حل الدولتين على قيد الحياة. وقد يتيح هذا التوافق الفلسطينى إذا اكتمل الحديث بصوت واحد مع الإدارة الأمريكية الجديدة، واستئناف المحادثات مع الولايات المتحدة بعد قطيعة منذ عام 2017، إثر اعتراف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، وإعلانه لاحقاً خطة السلام المعروفة إعلامياً بصفقة القرن التى نصت على ضم اسرائيل لأجزاء واسعة من الضفة الغربية المحتلة.
  • تجديد شرعية مؤسسات السلطة الفلسطينيةتعتبر الانتخابات استحقاقا كفله القانون الأساسي الفلسطينى كل أربع سنوات، لكن الحالة الفلسطينية استثنائية، فلم تُجر أى انتخابات عامة منذ إجراء انتخابات المجلس التشريعى –البرلمان- مطلع عام 2006 التي فازت بها حماس، ثم سيطرت الحركة على قطاع غزة وحدث الانقسام مع السلطة في رام الله، فيما جرت قبل ذلك آخر انتخابات رئاسية وفاز فيها الرئيس محمود عباس، ومن ثم فهى ضرورة لتجديد شرعية المؤسسات التشريعية والتنفيذية، لاسيما أن ولاية الرئيس عباس قد انتهت، والمجلس التشريعى المنتهية ولايته أيضاً قد تم حله من قبل المحكمة الدستورية.
  • اقتراب إجراء الانتخابات الإسرائيلية وتقدم اليمين المتشددتجرى الانتخابات الإسرائيلية فى مارس القادم، وتشير استطلاعات الرأى فى الداخل الإسرائيلى إلى تصاعد شعبية اليمين المتشدد بجناحيه العلمانى والدينى، مما يعنى استمرار الاستيطان، والتهويد، والاعتداء على الفلسطينيين، ويعنى أيضا التأثير سلباً فى القضية الفلسطينية واحتمالات التسوية ما لم تكن هناك سلطة موحدة تواجه المماطلة الإسرائيلية. فقد أسهم الانقسام الفلسطينى في تهرب حكومة الاحتلال من الاستحقاقات الدولية في تطبيق قرارات الشرعية الدولية لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.

ثانياً- مخرجات الحوار الفلسطينى:

اختتمت أعمال الجلسات بإصدار وثيقة البيان الختامى باسم قادة وممثلى الفصائل والقوى الوطنية الفلسطينية، وأكدت الأطراف المشاركة على الالتزام بالجدول الزمنى الذى حدده مرسوم الانتخابات، مع التأكيد على إجرائها فى مدينة القدس والضفة الغربية وقطاع غزة دون استثناء، والتعهد باحترام وقبول نتائجها. ومراعاة تمثيل الأسرى وأسر الشهداء فى القوائم الانتخابية، وتتركز أهم النتائج فى:

  • تحديد السلطة القضائية المختصة بالفصل فى النزاعات الانتخابيةيعد الإشراف القضائي على الانتخابات، وتحديدًا المحكمة المخولة بهذا الإشراف، أبرز التحديات التي تواجه العملية الانتخابية. وفى حال إصرار السلطة الفلسطينية على منح المحكمة الدستورية أي دور، فإن هذا يحد من فرص التوافق على إجرائها، على أساس أن حركة حماس ترى أن المحكمة "غير شرعية" وتشكك فيها. وقد اتفق فى حوار القاهرة على تشكل محكمة قضايا الانتخابات بالتوافق من قضاة من القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، وتتولى هذه المحكمة حصراً دون غيرها من الجهات القضائية متابعة كل ما يتعلق بالعملية الانتخابية ونتائجها، والقضايا الناشئة عنها، ويصدر الرئيس الفلسطينى مرسوماً رئاسياً بتشكيلها وتوضيح مهامها استناداً لهذا التوافق وطبقاً للقانون.
  • تعديل قانون الانتخابات: يتم رفع توصية للرئيس للنظر فى تعديل بعض بنود قانون الانتخابات، مثل: تخفيض رسوم التسجيل والتأمين –نسبة مشاركة النساء– تخفيض سن الترشح.
  • ضمانات حرية العمل السياسى والدعاية الانتخابيةوذلك من خلال إطلاق الحريات العامة، وإشاعة أجواء الحرية السياسية التى كفلها القانون، والإفراج الفورى عن كل المعتقلين على خلفية فصائلية أو لأسباب تتعلق بحرية الرأى، وضمان حق العمل السياسى والوطنى للفصائل الفلسطينية جميعا فى الضفة الغربية وقطاع غزة، والتوقف عن ملاحقة المواطنين على خلفية الانتماء السياسى أو الرأى بما يوفر بيئة ملائمة لإجراء انتخابات نزيهة. ويصدر الرئيس محمود عباس قرارا ملزما بذلك، إضافة إلى تشكيل لجنة رقابة وطنية لمتابعة التنفيذ، وضمان توفير الحرية الكاملة للدعاية السياسية والنشر والطباعة وعقد الاجتماعات السياسية والانتخابية لأى طرف سياسى، علاوة على التعهد بتوفير فرص متكافئة فى أجهزة الإعلام الرسمية دون تمييز لجميع القوائم الانتخابية.
  • إجراء الانتخابات بالقدسأكد المشاركون على اتخاذ الآليات اللازمة التى تضمن إجراء الانتخابات بالقدس بجميع جوانبها ترشحاً وانتخاباً.
  • تأمين الانتخاباتتتولى الشرطة الفلسطينية  دون غيرها فى الضفة الغربية وقطاع غزة بزيها الرسمى تأمين مقار الانتخابات، ويكون وجودها وفقاً للقانون، مما يؤدى إلى حيادية الأجهزة الأمنية وعدم تدخلها فى الانتخابات أو الدعاية لأى طرف سياسى.
  • الرقابة على الانتخاباتتقوم الجهات المعنية فى مصر بمتابعة تنفيذ الاتفاق والمشاركة الفاعلة فى الرقابة على الانتخابات فى كل مراحلها.
  • معالجة الآثار الاجتماعية والقانونية للانقسام الفلسطينىإذ يتم تشكيل لجنة للتوافق على أسس وطنية شاملة، وتقدم تقريرها للرئيس، الذى يحيلها لحكومة ما بعد الانتخابات للتنفيذ.

خلاصة القول إن تلك النتائج  تعد خطوة إلى الأمام فى عملية المصالحة، وإعادة ترتيب البيت الفلسطينى، وإنجاح العملية الانتخابية، واستكمالاً لمجموعة الحوارات السابقة والجهود المصرية الدؤوبة فى إنهاء الانقسام وبناء شراكة بين الكل الفلسطينى.

 ويجب الأخذ فى الاعتبار احتواء وجهات النظر لاحقاً حول المحاصصة بين الفصائل على المقاعد ونسبة التمثيل، وأيضاً الحسابات  الإسرائيلية التى ترى أن السماح بإجراء انتخابات يمكن أن تفوز بها حركة حماس أو تحقق فيها مكاسب كبيرة يهدد مصالحها، لأنه قد يسمح بتعزيز سيطرة حماس وزيادة قدراتها العسكرية كما في قطاع غزة، فهى تسعى دوماً إلى إفشال أى جهود لتحقيق المصالحة الفلسطينية والوحدة  بين الضفة الغربية وقطاع غزة، كما حدث من قبل في أكتوبر 2017 فى القاهرة، مما يدفعها إلى عرقلة تنظيم الانتخابات في القدس ومحيطها، وربما اعتقال بعض المرشحين أو المشاركين فى الحملات الانتخابية.

 ومن جانب آخر، يجب على لجنة الانتخابات المركزية - برئاسة الدكتور حنا ناصر - التفكير فى خيارات بديلة لعقد الانتخابات فى القدس فى حالة رفض إسرائيل، مثل إتاحة التصويت الإلكتروني للمقدسيين. وسيتم عقد لقاء آخر خلال شهر مارس القادم بالقاهرة بمشاركة رئاسة المجلس الوطنى ولجنة الانتخابات المركزية للتوافق على الأسس والآليات التى سيتم من خلالها استكمال تشكيل المجلس الوطنى الجديد.

 


رابط دائم: