مصر أولاً.. لا للتعصب
10-2-2021

أحمد أيوب
* رئيس تحرير مجلة المصور

معلوم أنه منذ زمن، هناك منافسة لا تنتهى بين جماهير الأهلى والزمالك، صراع ديوك لا تصمت عن الصياح، أو كما يصفونه فيما بينهم، ناقر ونقير، لا تمر مباراة مهما تكن طبيعتها ومستواها إلا وتبادل جمهور وعشاق الفريقين النكات والإفيهات والسخرية التى فى بعضها منافسة رياضية مقبولة، ولكن فى أغلبها، وخاصة فى السنوات الأخيرة، حالة من الانتقامية والصراع الذى لا محل له، ولا مبرر لأن كرة القدم فى مجملها منافسة رياضية وليست معركة عسكرية تنسينا حتى إن هناك لحظات تحتاج منا أن نتكاتف ونساند فريقا، حتى لو كنا لا نشجعه، لأنه يمثل بلدنا وفوزه يعنى رفع علم مصر. 

ما حدث خلال الساعات الماضية عقب انتهاء مباراة الأهلى وبايرن ميونيخ فى كأس العالم للأندية كان نموذجا لا يمكن حسابه على المنافسة الرياضية، وإنما يمكن اعتباره مكايدة تتجاوز كل حدود الروح الرياضية. فالأهلاوية يعتبرون مجرد اللعب أمام بايرن ميونخ إنجازا عالميا مهما تكن النتيجة، وأن معنى هذه المباراة أن الفريق وصل إلى أعلى سلم المجد، صحيح انهزم بهدفين لكن وما المانع! فالبايرن نفسه هزم برشلونة ميسى بثمانية، وقهر توتنهام "سبيشيال وان" بسبعة أهداف، وهذا يعنى أن الأهلى فريق عالمى لم يهزم سوى بهدفين فقط.

أما الزملكاوية، فيرون أن الهزيمة كانت مذلة، وأن الفريق الألمانى كان مسيطرا، وصورة نوير، وهو يقف فى منتصف الملعب تملأ صفحات الفيس الزملكاوية، دليل على أن المباراة كانت فى اتجاه واحد، وأن الفريق الألمانى صال وجال كما يشاء فى الملعب ليهزم الأهلى بهدفين مع الرأفة.

المكتئب من الزملكاوية اعتبر النتيجة علاجا نفسيا أخرجه من حالته النفسية السيئة والحزينة. لأسباب أخرى اخترقت الفرحة قلبه واستعاد البسمة والتفاؤل، بوستات التحفيل المتبادلة ملأت الفيس بوك وكل وسائل التواصل الاجتماعى، لكنها للأسف وصلت فى بعض الأحيان إلى درجة الشتائم والأوصاف التى لا تليق بالجماهير والناديين، ولا حتى بنا كمصريين.

هل هذا صراع  رياضى طبيعى –بالطبع أقصد كلمة صراع- لأن كلمة منافسة لا تصلح هنا؟ 

المؤكد أن الإجابة لا.. فليس هناك ما يبرر هذا المستوى من التحفيل والشماتة المتبادلة واستخدام أسوأ الألفاظ والأوصاف، فى مباراة الأهلى فيها يمثل مصر. كما أن العلاقة بين الجمهورين فى طبيعتها ليست بهذا المستوى المتدنى، بل أكثر رقيا واحتراما، كلنا زملاء وأصدقاء وبعضنا أبناء عائلات واحدة.

إذن ما الذى حدث؟ 

ما الذى جعلنا نصل إلى هذا المستوى الكارثى من الشماتة التى أصبحت عادة تتكرر مع كل مباراة، من المحلة إلى بايرن ميونيخ، وتصل إلى حد فرحة الزملكاوية فى هزيمة الأهلى، حتى لو كان يمثل مصر فى بطولة دولية، أو سعادة الأهلاوية فى هزيمة الزمالك لو كان يخوض مواجهة باسم مصر. 

التحليل الأقرب من وجهة نظرى أن هناك من يسعى كى تظل هذه الحالة موجودة وأن تتصاعد، وإن قلت وتيرتها أو هدأت تدخل بوسائله ليشعلها من جديد عبر وسائل السوشيال التى لا نعلم من يديرها، ولا من أين يتحكم فيها ليوجه تصرفاتنا ويفرض علينا مواقفنا دون أن ندرى.

 لكن المؤكد أنه يريد أن تظل حدة الصراع فى أعلى درجاتها، والأهم أن تنمو ظاهرة الانتماءات الفئوية المختلفة على حساب الانتماء الوطنى، والساحة المناسبة لهذا الهدف هى الرياضة، وتحديدا الصراع التاريخى بين الشياطين الحمر وقلعة ميت عقبة. وكلما علت نغمة الأهلى والزمالك وغيرها من نعرات الانتماء الرياضى، اشتد الصراع وزادت الأجواء سخونة وتهيأت الظروف للفتنة التى تصل إلى حد تصنيف مؤسسات الدولة نفسها بالأهلوية أو الزملكاوية، من قبل اتخذت الفتنة والإشعال طريق الأولتراس، والآن تتحول السوشيال إلى البديل فى أداء المهمة. 

ما نحتاج إليه هو قدر من التعقل.المنافسة الرياضية بالتأكيد حالة عالمية، والتعصب الرياضى أصبح عرفا لا يغفل عنه أحد، لكن أن يتحول الأمر إلى صراع وشتائم وسخرية تتجاوز حدود القيم والأخلاقيات المجتمعية، وتصل إلى بيوتنا وأطفالنا عبر الفيس وتويتر فهذا ما يستحق أن نتوقف أمامه كثيرا، وندرس كيف نخفف منه، وصولا إلى التخلص من هذه الحالة تماما، والعودة إلى التشجيع الطبيعى الذى لا يتجاوز حدود الرياضة ومصطلحاتها. وإذا كانت صفحات الفيس بوك هى وسيلة الإشعال فالأولى بكل عاقل يمتلك صفحة أو حسابا على الفيس بوك أن يجتهد فى فرض لغة الاحترام، وإعادة التشجيع الرياضى إلى مساره الطبيعى، وأن يؤكد على استمرارية مبادرة "لا للتعصب"، لأنها ليست مبادرة لحماية الرياضة، بل لحماية الوطن وشبابه.

 


رابط دائم: