المكتسبات المصرية من الترويكا الإفريقية
7-2-2021

جمال رائف
* نائب مدير تحرير مجلة أكتوبر

بانعقاد القمة الإفريقية رقم 34 وتسلم الكونغو الديمقراطية رئاسة الاتحاد تكون مصر قد أنجزت بنجاح عمل دام ثلاث سنوات داخل ترويكا رئاسة الاتحاد الإفريقي، التي تضم الرئيس السابق والحالي، وأيضا القادم للاتحاد وخلال تلك الفترة أضافت مصر الكثير للعمل القاري، كما عززت من وجودها الإقليمي بما أعادها عضوا فعالا ومؤثرا فى مختلف القضايا والأزمات الإفريقية.

العام الأول في الترويكا 

بانتخاب مصر لرئاسة الاتحاد عام 2019 أصبحت مصر عضوا بترويكا الرئاسة بصفتها الرئيس القادم، حيث كان الرئيس حينها راوندا بينما خلال تلك الفترة حشدت الحكومة المصرية جهودها بقيادة مباشرة من الرئيس عبدالفتاح السيسي، حيث عكفت الدولة المصرية عبر كافة مؤسساتها علي إعداد خطة محكمة تستهدف تحقيق عدد من الأهداف علي مختلف الأصعدة، سواء فيما يتعلق بالإصلاح الداخلي للاتحاد الإفريقي، أو تلك المتعلقة بإحلال السلام والاستقرار القاري، كما كان الجانب الاقتصادي وهدف إخراج اتفاقية التجارة القارية للنور إحدى اهم الاولويات المصرية، ولم تغفل الخطة أيضا الجانب الثقافي والفني والرياضي، ولهذا شهدت فترة الإعداد لقاءات مكثفة بين الرئيس السيسي ومختلف الوزراء بالحكومة المصرية، بالتوازي مع تحركات وزارة الخارجية المصرية عبر الوزير سامح شكري والسفراء المصرين بالقارة للتنسيق والترتيب مع مختلف دول القارة بهدف إنجاح رئاسة مصر للاتحاد الإفريقي  

خلال العام التمهيدي لرئاسة مصر للاتحاد داخل ترويكا الرئاسة، انخرطت الجهود المصرية مع الجهود القارية عبر المشاركة في كافة الاجتماعات والفعاليات، خاصة تلك المتعلقة بمجلس الترويكا عوضا عن كافة الاجتماعات الاخري كما حرص الرئيس عبدالفتاح السيسي علي حضور كافة الاجتماعات الإفريقية بنفسه، في سابقة لم تحدث منذ عقود، كما مهدت الدبلوماسية الرئاسية عبر زيارات الرئيس المتكررة للعواصم الإفريقية لإنجاح رئاسة مصر للاتحاد بعد أن خلقت روحا من التعاون والإخاء بين مصر والأشقاء في القارة بعد سنوات من الجفاء أذابتها الإدارة المصرية بذكاء بعد أن وضعت استراتيجية جديدة للتعاون الاقتصادي والسياسي مع دول القارة، كان نتاجها الوجود المصري الفعال بالعمل الإقليمي.  

لم يكن المرور للعام الأول بترويكا رئاسة الاتحاد الإفريقي بالأمر السهل بعد أن تعرضت عضوية مصر للتجميد في عام 2013 عقب ثورة 30 يونيو المجيدة، حيث كانت الصورة لم اتضح لدي بعض دول القارة، مما تطلب جهدا دبلوماسيا شاق للتواصل الإفريقي بعد سنوات عجاف شهدتها العلاقات المصرية - الإفريقية، وسرعان ما تحول الأمر من تجميد الي نشاط وحيوية انطبعت علي أداء الاتحاد نفسه، وهو ما دفع دول القارة للاستفادة من التجربة المصرية الملهمة علي كافة الأصعدة التنموية والاقتصادية، وأيضا فيما يتعلق بمحاربة الإرهاب وترسيخ الأمن والاستقرار، ومن ثم لم تتردد الدول الإفريقية في اختيار مصر رئيسا للاتحاد. 

رئاسة مصر للاتحاد الإفريقي

العام الثاني لمصر داخل ترويكا رئاسة الاتحاد الإفريقي، حيث كانت مصر علي رأس العمل القاري، وقد أعدت نفسها اعدادا يليق بقدراتها كقوة إقليمية كبري، وبالفعل حققت الدولة المصرية خلال فترة رئاستها للاتحاد إنجازات عظيمة علي كافة الأصعدة، وفيما يتعلق بالعمل المؤسسى داخل المنظمة استطاع الاتحاد برئاسة مصرية أن ينجز إعادة الهيكلة الإدارية، والتى تضمنت الشكل الجديد بمفوضية رئيسية، و6 مفوضيات فرعية تشمل النطاقات الجغرافية المختلفة للقارة، بينما حققت الإنجاز الأهم في تاريخ العمل الإفريقي بعد تحويلها من منظمة لاتحاد، وهو ما يتعلق بإنجاز اتفاقية التجارة الحرة الإفريقية هذا بجانب السير بخطي ثابتة وسريعة لإنجاز الكثير من أهداف أجندة إفريقيا 2063. كما كان لمصر السبق لقدرتها علي  إنشاء وكالة الفضاء الإفريقية ومركز الاتحاد الإفريقى لإعادة الإعمار والتنمية فى مرحلة ما بعد النزاعات ومقرهما القاهرة. مصر خلال فترة رآستها للاتحاد الإفريقي استطاعت إدارة قمتين إفريقيتين على مستوى القادة بنجاح، سواء كانت القمة العادية بأديس أبابا، أو القمة الاستثنائية بالنيجر. 

سياسية مصر الخارجية الساعية لتحقيق التعاون والشراكة وتعزيز السلام الإقليمى والدولى انعكست علي تحركات الاتحاد إزاء الأزمات الداخلية التى تشهدها القارة، أو على صعيد علاقة المنظمة القارية وعلاقتها مع مختلف أقطاب العالم. فعلى الصعيد القارى وبرئاسة مصرية دفع الاتحاد جهود السلام فى جنوب السودان وإفريقيا الوسطى، كما وضعت مصر ملفات شمال إفريقيا ضمن اهتمامات عمل الاتحاد، خصوصا فيما يتعلق بالأزمة الليبية. أما على صعيد السودان، فقد نجح المفاوض الإفريقى فى المساهمة بتهدئة الأوضاع الداخلية هناك، وكان شريكًا فى وضع خطة العبور للمرحلة الانتقالية، مما حافظ على استقرار الأوضاع فى السودان ،كما دعم الاتحاد الإفريقى مصالحات القرن الإفريقى وعمل جاهدًا على تهدئة الأوضاع بتلك المنطقة، خصوصا فيما يتعلق بالصومال، هكذا كانت تحركات مصر فترة توليها المسئولية فى الاتحاد داعمه للسلام والاستقرار، مما دفعها للعمل جاهدة أيضًا لتفعيل مبادرة "إسكات البنادق"، الأمر الذة يعزز أهداف أجندة الاتحاد، التى تهدف لفض النزاعات ووأد الصراعات. أما على صعيد علاقات الاتحاد الإفريقى مع العالم، فكانت آمال وطموحات الشعوب الإفريقية حاضرة في تحركات الرئيس عبدالفتاح السيسي كونه، رئيسا للاتحاد الإفريقي. حينها، حرص علي نقل تطلعات أبناء القارة الي منصة الأمم المتحدة، أو قمة مجموعة العشرين والسبع الكبار وغيرها من الملتقيات والمحافل الدولية، والتى ذهبت إليها مصر  الإفريقية المحملة بهموم وأحلام شعوب القارة الإفريقية، حيث طرحت العديد من المشروعات التنموية والأفكار البناءة لدعم التنمية المستادمة بالقارة، بل رسخت لأساس وثوابت واضحة لمن يريد الدخول إلى السوق الإفريقية من أجل الاستثمار. ويمكن تضمين تلك الثوابت في مبدأ تحقيق المنفعة المتبادلة، وهو الأمر الذى يضمن العدالة لدول عانت من استنزاف مواردها الطبيعة لمصلحة القوى الكبرى، وقد حرص الرئيس السيسى على حضور جميع اللقاءات الدولية المعنية بهذا الأمر، وعلى رأسها سبعة مٌلتقيات كانت الأهم، وهى: "القمة اليابانية، الروسية، الصينية، الألمانية، الإنجليزية، مجموعة العشرين، مجموعة السبع الكبار"، وغيرها من الفاعليات الاقتصادية. لم تكتف مصر بالتلويج والدعاية للاستثمار في القارة خارجيا، بل احتضنت القاهرة العديد من الفاعليات والمؤتمرات الاقتصادية، من أهمها مؤتمر الاستثمار بحضور الكوميسا، ومنتدى إفريقيا 2019 بالعاصمة الإدارية، بالإضافة إلى تدشين منتدى أسوان للسلام والتنمية.

محاربة الفساد كإحدى ضمانات استدامة التنمية أحد أهم الأهداف المصرية التي تم العمل عليه خلال فترة رئاسة الاتحاد، ومن ثم سعت أجهزة الدولة المصرية، بما فيها هيئة الرقابة الإدارية، إلى إيجاد سبل جديدة تتيح لأبناء القارة التعاون من أجل محاربة الفساد لينطلق المنتدى الإفريقى الأول لمكافحة الفساد بشرم الشيخ ليمثل ملتقى فريدا من نوعه بين أجهزة الدول الإفريقية العاملة على مكافحة الفساد في القارة، ولتحقق كافة تلك الإنجازات وغيرها الكثير لم تكتف مصر بقدراتها التقليدية، بل سعت لتسخير القوة الناعمة لدعم أهداف اجندة إفريقيا 2063، إذ دشنت منتدى الشباب العربى - الإفريقى، ومن ثم إعلان أسوان عاصمة الشباب الإفريقى، كما عملت الدولة المصرية علي تقديم  إفريقيا بشكل وصورة جديدة للعالم، من خلال استضافتها لعدد من الفاعليات الرياضية والفنية والثقافية، أبهرت العالم، وكانت محور حديث الجميع 

العام الثالث للترويكا 

سلمت مصر دولة جنوب إفريقيا رئاسة الاتحاد الإفريقي مطلع العام الماضي وأدراجه مليئة بالإنجازات علي كافة الأصعدة في ظل مراقبة من مختلف الدول الإفريقية تتطلع إلى إدراك ماذا سيفعل الرأيس الجديد بعد هذا النشاط غير المسبوق الذي أحدثته الرئاسة المصرية، ولكن للأسف طلت جائحة كورونا  لتعرقل طموحات الأجندة الإفريقية وخلقت تحديا جديدا وغير متوقع أمام رئيس الاتحاد ومجلس ترويكا الرئاسة، ومنذ اللحظات الأولي كان الحضور المصري علي مستوي القادة حاضرا في كافة الاجتماعات الإفريقية التي عقدت عبر تقنية الفيديو لمناقشة سبل التصدي للجائحة علي المستوي القاري، وتضمنت كلمات مصر خلال تلك الاجتماعات استراتجية واضحة ونقاط محددة يمكن العمل عليها لتقليل المخاطر المترتبة عن الوباء، سواء علي صعيد التداعيات الطبية والإنسانية، أو الاقتصادية والسياسية. وبالفعل خففت الرؤية المصرية بشكل عملي علي أرض الواقع من آثار الجائحة، واستطاعت القارة الإفريقية أن تحافظ علي نسبة منخفضة من المخاطر. 

التنسيق المستمر بين مصر ودول الترويكا، وهى جنوب إفريقيا والكونغو ظل مستمرا خلال العام المنقضي بشكل مكثف ودائم، وظهر هذا، سواء في تقارب وجهات النظر حيال الكثير من القضايا الإقليمية، وعلي رأسها رعاية المصالحة في جنوب السودان، ودفع المسار السياسي في السودان، ودعم الحلول السايسية في ليبيا، كما عملت مصر بشكل منفرد من خلال تقديم الدعم السياسي والاقتصادي، وأيضا الإنساني للكثير من الدول الإفريقية الشقيقة، خاصة تلك التي تعرضت لكوارث طبيعة أو للإسهام في تخفيف آثار جائحة كورونا، فضلا عن دعم مسارات السلام والتنمية بمختلف دول القارة الإفريقية 

مسار امتد علي مدار ثلاث سنوات، عملت مصر خلالها مع مختلف الدول الإفريقية التي شهدت بالقدرة علي الإنجاز والحكمة في اتخاذ القرار، والذكاء في اختيار التوقيت والخبرة الدبلوماسة التي أضافت للعمل الإفريقي زخما لن ينقطع، حيث إن نشاط مصر وعودتها للحضن الإفريقي لا يرتبط بمنصب إقليمي، فهي إرادة مصرية اتفقت عليها القيادة والشعب. نحن لإفريقيا العطاء، وهي لنا الأخوة والعطاء، ومن ثم ستواصل الدولة اهتمامها بالعمل الإفريقي وستبذل كل المستطاع لمساندة الأشقاء. فكيفما كانت مصر بعد ثورة ٢٣ يوليو هي مبعث التحرر وجلاء الاستعمار عن القارة، ستصبح ثورة 30 يونيو هي المحرك الأساسي للتنمية الإفريقية، والتى وترسخ السلم والأمن القاري. 

 


رابط دائم: