القمة المصرية- الأردنية- العراقية: تحديات العمل العربى المشترك.. الأبعاد والدلالات
4-4-2019

د. منى سليمان
* باحثة فى العلوم السياسية.
اختتمت بالقاهرة يوم 24 مارس 2019 القمة الثلاثية بين الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي"، والعاهل الأردني الملك "عبدالله الثاني"، ورئيس وزراء العراق "عادل عبدالمهدي"، بإصدار بيان مشترك أكد عزم الدول الثلاث تعزيز التعاون بينها على الصعد كافة، لمواجهة التحديات الإقليمية الراهنة. وقد سبق عقد القمة اجتماع سداسي بين وزراء خارجية ومدراء المخابرات في الدول الثلاث لترتيب التنسيق الأمني والاستخباراتي فيما بينهم، خلال المرحلة المقبلة، لاسيما بعد الإعلان عن القضاء على آخر معاقل تنظيم "داعش" الإرهابي في سوريا والمخاوف المتعددة من تسلل عناصره لدول الجوار. ولذا، فإن نجاح عقد القمة يشير إلى تدشين محور عربي فاعل يضم (مصر، والأردن، والعراق)، الأمر الذي سيؤثر بشكل إيجابي فى التعاون المشترك بينها خاصة، وفى التعاون العربي- العربي عامة. 
تحديات متعددة: 
تكتسب القمة الثلاثية أهمية خاصة نابعة من حساسية التوقيت وطبيعة القضايا المثارة، حيث إنها تعد الأولى بين الدول الثلاث منذ عقود، وتسعى لإعادة التنسيق العربي المشترك، كما أنها تسبق عقد القمة العربية الـ 30 بتونس التي يعول عليها كثيرون في الخروج بنتائج مؤثرة تسهم في معالجة الملفات العربية الراهنة، كما تتزامن مع عقد القمة الثلاثية بالقاهرة تطورات متصاعدة في عدد من الملفات العربية، لعل أبرزها: 
*أزمة الجولان: أعلن الرئيس الأمريكي "دونالد ترمب" يوم 24 مارس 2019، خلال استقباله رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" في واشنطن، "الاعتراف بالسيادة الكاملة لإسرائيل على هضبة الجولان السورية المحتلة"، الأمر الذي أدانته ورفضته الأمم المتحدة، وجامعة الدول العربية، ومصر، وجميع الدول العربية، وفرنسا، وسوريا، وروسيا، لأنه يمثل تجاوزًا لمبدأ أساسي في ميثاق الأمم المتحدة الذي يقوم على "عدم جواز الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة"، كما أنه يمثل انتهاكا للقرار الأممي (242) الذي نص على انسحاب إسرائيل من أراضٍ احتلتها بعد حرب عام 1967. ونص البند الأول فيه على تأكيد مجلس الأمن عدم القبول بالاستيلاء على أراض بواسطة الحرب، والحاجة إلى العمل من أجل سلام دائم وعادل لكل دولة في المنطقة. و"ترامب" بهذا الإعلان يكون قد أنهى الدور الأمريكي كوسيط في أى مفاوضات سلام مقبلة. ويجب التأكيد هنا على أن الهدف الرئيسي من إعلانه في هذا التوقيت هو دعم "نتنياهو" قبل الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية في أبريل 2019 لاسيما بعد تورط الأخير في قضايا فساد ببلاده، وكذلك يمثل هذا الإعلان محاولة لإرضاء اللوبي الإسرائيلي وتيار المحافظين الجدد بالحزب الجمهوري ليضمن "ترامب" دعمهم له في حملة الانتخابات الأمريكية الرئاسية المقبلة، بعدما أعلن "ترامب" عن خوضه لها، واعترافه هذا سيعزز فرصه بالفوز، خاصة بعد الإعلان عن نتائج التحقيقات الامريكية والتي أكدت تبرئته من التواصل مع الحكومة الروسية خلال الحملة الانتخابية الأمريكية في 2016، فضلا عن أن هذا الاعتراف ربما يكون جزءًا من "صفقة القرن" التي يروج لها "ترامب" منذ عامين، ويؤكد أنها حل نهائي للصراع العربي- الإسرائيلي، وهي وفق المصادر الأمريكية تشمل ترتيبات سياسية واقتصادية لإنهاء الصراع العربي- الإسرائيلي وتطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية بشكل كامل.  
*القضاء على "داعش": أعلنت قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، يوم 22 مارس 2019، السيطرة التامة على قرية "الباغوز" شرق سوريا المعقل الأخير لتنظيم "داعش" الإرهابي، مما حظي بترحيب عربي ودولي كبيرين. بيد أن هذا لا يعني القضاء التام على التنظيم الإرهابي، حيث إن عددا كبيرا من عناصره نجحوا في التخفي والتسلل لدول الجوار بين النازحين واللاجئين، مما يمثل تهديدا للأمن القومي العراقي والأردني. كما كشفت مصادر غربية عن نقل عدد من قيادييه إلى غرب ليبيا، مما يمثل تهديدا للأمن القومي المصري. ولذا كان الاجتماع السداسي بين وزراء خارجية ومديري المخابرات في مصر والعراق والأردن ضروريا للتنسيق وتبادل المعلومات الاستخباراتية فيما بينهم لمنع تسلل تلك العناصر لداخل دولهم، لاسيما في ظل الخبرة المصرية الناجحة في مكافحة الارهاب والقضاء عليه بشبه جزيرة سيناء، والتي يمكن أن تنقلها للدول العربية.
*القضية الفلسطينية: تشهد القضية الفلسطينية تطورات متلاحقة، ومسارات عدة.  فهناك الاعتداءات المستمرة علي المقدسات الإسلامية في القدس الشريف والضفة الغربية، فضلا عن الحديث المستمر لواشنطن عن "صفقة القرن" لتسوية القضية الفلسطينية، والتي يحيطها الغموض، وأعلنت السلطة الفلسطينية رفضها، هذا بخلاف القصف الجوي الإسرائيلي على قطاع غزة والذي  كانت آخر حلقاته يوم 25 مارس 2019، ونجحت الجهود المصرية في وقفه ومنع تحوله لاقتحام إسرائيلي شامل للقطاع الذي يعاني بالأساس وضعا سياسيا وأمنيا هشا، إثر حملات المداهمة والاعتقال التي تنفذها حركة "حماس" ضد المتظاهرين في حملة "بدنا نعيش" التي انطلقت احتجاجا على تدهور الوضع المعيشي بالقطاع، هذا فضلا عن تعنت حركة "حماس"، مما أدى لتعثر استئناف جهود المصالحة الفلسطينية التي تقودها القاهرة.  
*قمة تونس: عقدت القمة الثلاثية قبل أسبوع من انطلاق القمة العربية الـ30 بتونس المقرر عقدها في 31 مارس 2019، حيث تمر جميع الملفات العربية بمرحلة انتقالية تتطلب تعزيز الدور العربي للتوصل لتسوية نهائية تحافظ على الدولة الوطنية ومؤسساتها. كما تشهد المرحلة الحالية تكثيفًا للتدخلات الأجنبية في الشأن العربي الداخلي، ومنها التدخل الإيراني المستمر في الشأن العراقي، والسوري، واللبناني، واليمني، والاحتلال التركي لشمال العراق وسوريا. وهناك على المستوى الدولي إرهاصات تغير في بنية النظام الدولي، حيث يتراجع الدور الأمريكي في بعض الإقاليم، مقابل صعود الدورين الروسي والصيني، فضلا عن الانقسام الأوروبي الحالي، مما سيكون له العديد من التداعيات على ملفات الشرق الأوسط تحديدًا نظرًا لكونه ساحة للتنافس الروسي- الأمريكي- الأوروبي، مما يتطلب صوغ موقف عربي موحد لمواجهة التدخلات الخارجية في الشأن العربي، وتنويع العلاقات العربية الدولية للاستفادة من التغييرات المتوقعة في بنية النظام الدولي. 
 
نتائج قمتي القاهرة:
شهدت القاهرة يوم 23 و24 مارس 2019 عقد قمتين، الأولي القمة المصرية- العراقية، والثانية القمة الثلاثية بين (مصر، والعراق، والأردن)، وذلك في إطار الجهود المصرية المكثفة لتعزيز التنسيق والتشاور العربي قبل عقد القمة العربية الـ30 بتونس، حيث:
*القمة المصرية - العراقية: عقدت يوم 23 مارس 2019 بالقاهرة القمة المصرية- العراقية بين الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي"، ورئيس الوزراء العراقي "عادل عبدالمهدي"، في أول زيارة خارجية يقوم بها الأخير منذ توليه منصبه قبل 6 أشهر. وقد أسفرت القمة عن توافق مصري- عراقي علي ضرورة إحداث طفرة نوعية وكمية في حجم التبادل التجاري والتعاون الإقتصادي والأمني بين البلدين، لاسيما أن القاهرة قد نجحت خلال السنوات الأربع الماضية في التصدي للتحديات نفسها التي يواجهها العراق حاليا، حيث نجحت القاهرة في مواجهة الإرهاب وفي برنامج الإصلاح الاقتصادي، ويمكنها نقل خبرتها الناجحة للعراق في هذين الملفين، حيث إن العراق يواجه أزمة اقتصادية طاحنة رغم كونه دولة نفطية، كما يواجه مخاوف من عودة تنظيم "داعش" الإرهابي، أو دمج عناصره وتشكيل تنظيم إرهابي جديد، فضلا عن معضلة إعادة إعمار المناطق العراقية المحررة من قبضة "داعش". ولذا، فإن التعاون الأمني والاقتصادي بين بغداد والقاهرة هو ضرورة لمواجهة تلك التحديات. ولم تقتصر الزيارة على القمة بين "السيسي وعبدالمهدي"، بل شهد الأخير مع نظيره المصري "مصطفى مدبولي" أعمال الملتقى الاقتصادي والتجاري بين مصر والعراق، بحضور عدد كبير من الوزراء ورجال الأعمال من الجانبين. وأعلنا عن عقد اللجنة العليا المشتركة المصرية - العراقية برئاسة رئيسى وزراء البلدين ببغداد في أبريل 2019 لمتابعة تنفيذ المشروعات الاقتصادية والقومية المتفق عليها بين الجانبين. 
*القمة الثلاثية: عقد الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي"، والملك الأردني "عبدالله الثاني"، ورئيس الوزراء العراقي "عادل عبد المهدي" قمة ثلاثية بينهم بالقاهرة يوم 24 مارس 2019. وتضمنت القمة شقين، الأول اقتصادي تنموي تجاري، حيث أعلنت الدول الثلاث عن بدء مشروعات قومية عملاقة بينها للربط البري والاستفادة من التواصل الجغرافي، كما سيتم تنفيذ مشروع أنبوب نفطي عملاق ينقل النفط العراقي عبر الأردن ليتم تكريره وتصديره من الموانئ المصرية للدول الأوروبية، والشق الآخر سياسي أمني يهدف لتعزيز التنسيق والتشاور فيما بين الدول الثلاث لمواجهة التحديات الإقليمية الراهنة التي تمثل تهديدًا غير مسبوق للأمن القومي العربي. وفي ختام القمة الثلاثية، أصدرت بيانا مشتركا يؤكد ثوابت الدول الثلاث لحل الأزمات العربية الراهنة تضمن ما يلي:   
1- القضية الفلسطينية هي قضية العرب المركزية، ودعم حصول الشعب الفلسطيني على جميع حقوقه المشروعة، بما فيها إقامة دولته على ترابه الوطني وعاصمتها القدس الشرقية وفق قرارات الشرعية الدولية والمرجعيات المعتمدة. (وهذا يؤكد رفض هذه الدول لما يتم تداوله عن "صفقة القرن" إذا كانت تخالف الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني).
2-أهمية مكافحة الإرهاب بكل صوره ومواجهة كل من يدعم الإرهاب بالتمويل أو التسليح أو توفير الملاذات الآمنة والمنابر الإعلامية (في رسالة مباشرة لدول عربية وإقليمية كقطر وتركيا تقدم الدعم اللوجيسيتي لجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية)، واستكمال المعركة الشاملة على الإرهاب، خاصة في ضوء الانتصار الذي حققه العراق في المعركة ضد تنظيم "داعش" الإرهابي، ودعم الجهود العراقية لاستكمال إعادة الإعمار وعودة النازحين وضمان حقوقه وحقوق مواطنيه التي انتهكتها عصابات داعش الإرهابية التي عدتها قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية. 
3-أهمية محاربة النعرات الطائفية والمذهبية التي تتناقض مع روح المواطنة والمؤسسات الديمقراطية وحماية استقلال البلدان العربية، ومنع التدخل في شئونها الداخلية. (وهي رسالة مباشرة لإيران التي تستخدم الشعارات الطائفية لتأجيج الوضع السياسي والتدخل في الشأن العربي في العراق وسوريا ولبنان واليمن ودول مجلس التعاون الخليجي). 
واختتمت القمة الثلاثية بيانها بتأكيد أن الاجتماع سيعقد بصفة دورية لتنسيق المواقف والسياسات فيما بين الدول الثلاث من أجل تحقيق مصالح شعوبها في الاستقرار والازدهار الاقتصادي، وتحقيق الأهداف المشتركة من خلال التعاون مع الدول الشقيقة والصديقة، وبناء علاقات دولية متوازنة، مما ينذر بإمكانية ضم دول عربية أو إقليمية أخرى لهذا التجمع الثلاثي. 
 
أبعاد استراتيجية: 
يعد عقد القمة الثلاثية المصرية- العراقية- الأردنية نقطة تحول في العمل العربي المشترك، وسيكون لها العديد من التداعيات على الصعد العربية والإقليمية والدولية، ومن بينها: 
*البعد العربي: زيارة رئيس الوزراء العراقي "عادل عبدالمهدي" لمصر هي الأولي له منذ توليه منصبه، مما يؤكد رغبته الشخصية في عودة العراق لمحيطه العربي، حيث إنه تعهد بعدم القيام بأي زيارة خارجية قبل استكمال أربع من حقائب حكومته الشاغرة، وهي (الدفاع والداخلية والعدل والتربية). بيد أنه تجاوز هذا التعهد لدقة التطورات الإقليمية التي تتطلب تحقيق أعلى درجات التعاون العراقي المصري، والعراقي – العربي، حيث شهدت الزيارة عقد القمة الثلاثية، وهذا يسهم في أن تصبح مصر نقطة الصلة بين أمن دول الخليج العربي والمشرق العربي، لاسيما العراق الذي يعد البوابة الشرقية للأمن القومي العربي، وتعرض خلال العقود الثلاثة الماضية لتهميش دوره العربي بفعل الاحتلال الامريكي له عام 2003 والنفوذ الإيراني الذي عمل على الإضرار بالعلاقات العراقية العربية. 
كما أن نجاح القمة المصرية- العراقية، والقمة الثلاثية يعزز الجهود المصرية لصوغ موقف عربي موحد قبل عقد القمة العربية المقبلة بتونس لمواجهة التحديات الراهنة. وفي هذا الإطار، جاء استقبال الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" لولى عهد أبوظبي، الشيخ "محمد بن زايد آل نهيان" بالاسكندرية يوم 27 مارس 2019، وكذلك زيارة وزير الخارجية المصري لواشنطن "سامح شكري" التي بدأت يوم 25 مارس 2019 وتستمر عدة أيام، حيث عقد لقاء مع نظيره الأمريكي "مايك بومبيو" لبحث مجمل القضايا العربية- الأمريكية المشتركة، لاسيما بعد إعلان ترامب السيادة الإسرائيلية على الجولان السورية و"صفقة القرن" التي رجحت مصادر أمريكية الإعلان عنها بعد الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية بنهاية أبريل 2019. 
*البعد الإقليمي: إن عقد القمة الثلاثية بين (مصر، والعراق، والأردن) والتي سبقته زيارة ناجحة للملك الأردني "عبدالله الثاني" لبغداد، يعد رسالة لإيران بأن الدور العربي المصري سيكون فاعلا على الصعد الاقتصادية والأمنية والسياسية في العراق ليسهم في عودة العراق للحاضنة العربية، وموازنة النفوذ الإيراني المتصاعد بالبلاد منذ عام 2003، وكذلك لتركيا التي تنتهك المجال الجوي والبري العراقي لملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني في مخالفة صريحة لجميع القوانين الدولية. كما أن العراق والأردن أعلنا على المستويين الرسمي والشعبي رغبتهما في تعزيز العلاقات مع مصر والاستفادة من الثقل المصري في الانفتاح بقوة على الدول العربية، مما سيؤدي لدعم الاستقرار بالعراق والأردن، وتعزيز الدور المصري العربي الإقليمي لمواجهة الأدوار الإقليمية الإيرانية والتركية. كما أن القاهرة سيكون لها دور بارز في تعزيز التعاون العربي الإفريقي خلال العام الحالي، الذي يشهد رئاسة مصر للاتحاد الإفريقي، مما يعزز الدور المصري- العربي- الإفريقي في مواجهة التحديات الأمنية والسياسية الراهنة. 
خلاصة القول إن مصر نجحت في تدشين محور عربي جديد يضم (مصر، والأردن، والعراق)، سيكون له العديد من النجاحات والإنجازات في تدعيم العمل العربي المشترك، وسيعمل على تعزيز الدور المصري كجسر بين المغرب والمشرق العربي، وأصبحت مصر تقود العمل العربي المشترك لمواجهة التحديات الراهنة، ولتعزيز التعاون العربي لتوفير مستقبل أفضل للشعوب العربية التي تعاني الحروب الأهلية والنزاعات منذ سنوات.
 

رابط دائم: