الأداة الاقتصادية فى السياسة الخارجية الإيرانية.. العراق نموذجاً
12-2-2019

هدى رءوف
* باحثة متخصصة فى الشئون الإيرانية
منذ الغزو الأمريكي للبلاد عام 2003، اتبعت إيران أجندة جيوسياسية متعددة الأبعاد فى العراق من خلال دعم الحكومات التي يقودها الشيعة في العراق، وخلق نظام سياسي حليف، إلى توظيف الأداة الاقتصادية لإظهار قوتها الإقليمية عبر توسيع نفوذها فى العراق منذ 2003، ولتخطى التأثير السلبى للعقوبات الأمريكية فى عهد الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، حيث يمثل العراق منفذا لإيران فى الوقت الراهن. 
 
تطور التعاون الاقتصادى بين إيران والعراق:
وظفت ايران الأداة الاقتصادية لتأسيس علاقة تبعية اقتصادية لها. فمنذ عام 2003، عدّت إيران العراق بمنزلة أسواق مثالية للصادرات الإيرانية. ومنذ عام 2008، تحول العراق لمستقبل رئيسى للصادرات الإيرانية غير النفطية. ووفقاً لإحصاءات إدارة الجمارك الإيرانية، قامت إيران  بتصدير سلع غير نفطية بقيمة 580 مليون دولار للعراق في عام 2003. وبعد أربعة عشر عامًا، ارتفعت القيمة إلى 6.5 مليار دولار، وأصبحت إيران الآن رابع أكبر شريك للعراق، وتمتلك 6.4 ٪ من إجمالي واردات البلاد. بل إن السلطات الإيرانية تحدثت عن الهدف الطموح المتمثل في زيادة حجم التجارة إلى 20 مليار دولار. كما قدمت إيران فكرة اتفاقية التجارة الحرة مع بغداد. ويخدم العراق كوجهة رئيسية للخدمات التقنية والهندسية الإيرانية، ويوجد حاليا 49 مشروعا، 26 منها يجري تنفيذها في إقليم كردستان، في حين تتقاسم بغداد والبصرة المشاريع المتبقية. وتركز هذه المشاريع بشكل رئيسي على قطاعات، مثل الزراعة، والبنية التحتية للطاقة، والإسكان، والنقل، كما يمد العراق إيران بنحو 10% من الطاقة الكهربائية.
من جهة أخرى، تدفع إيران للعب دور في البنية التحتية بعد محاربة تنظيم "داعش" للمشاركة فى إعادة إعمار المدن التى تضررت، جراء وجود ذلك التنظيم الإرهابى، كما تسعى للعب دور فى البني التحتية للنقل في العراق، وأبرزها مشروع سكك حديد يربط مدينة خرمشهر الحدودية الإيرانية بميناء البصرة العراقي. لكن  الجانب العراقي لم يبد سوى القليل من الاهتمام بتنفيذ المشروع. ويمكن لمشروع السكك الحديد أن يربط إيران بسوريا عبر العراق.
ولدلالة الأهمية الاقتصادية للعراق لدى إيران أخيراً، تم خلال زيارة ظريف إلى العراق في يناير 2019، التى هدفت لزيادة التعاون النفطى بين البلدين، الاتفاق على إنشاء لجنة مشتركة مكلفة بتكرير نهر أرفاند المشترك، وتشغيله للنقل البحري للسلع. علاوة على ذلك، تتابع إيران التعاون السياحي، لاسيما في القطاعين الفرعيين للحج والصحة. وسبق أن استقبل رئيس الوزراء العراقى، خلال الأشهر القليلة الماضية، رئيس البنك المركزى الإيرانى. وفى أثناء الزيارة، أعلن رئيس الوزراء العراقى أن بلاده لن تكون جزءا من منظومة العقوبات الأمريكية على إيران، كما أن هناك زيارة مقبلة للرئيس حسن روحانى فى مارس المقبل للعراق. 
 
تزايد النشاط الاقتصادى فى العراق بعد إعادة فرض العقوبات الأمريكية:
لقد عرقلت العقوبات الأمريكية بشكل جلى سعي إيران الجيواقتصادي الطموح في العراق، لكن هذه الإجراءات دفعت إيران إلى التركيز أكثر على السوق العراقية. وقد أدى انخفاض قيمة العملة الوطنية الإيرانية بسبب العقوبات إلى توسيع صادرات إيران إلى العراق، مع جذب المزيد من السياح العراقيين، الذين وجدوا أن زيارة إيران أيسر من أي وقت مضى. 
خلال العقد الماضي، لم تتوقف بغداد أبداً عن البقاء على أجندة إيران الجيوسياسية. ومع إعادة فرض العقوبات الأمريكية والضغوط الاقتصادية المتصاعدة، فإن أجندة الاقتصاد في العراق هي خيار ضروري بشكل متزايد للدبلوماسية الاقتصادية الإيرانية. ويتوقع ان تستمر الصادرات غير النفطية للعراق، فى حين قد يتأثر قطاع النفط والطاقة بفعل العقوبات الأمريكية، التى سمح فيها ترامب بتسعين يوماً للعراق لاستئناف التجارة مع إيران. لكن فى تلك الحالة، لا بد أن توفر الولايات المتحدة الغاز المناسب لتوليد محطات الكهرباء، وتغذية المدن العراقية، وإلا فسيستمر استيراده من إيران. 
 

رابط دائم: