" خيارات حرجة":| السيناريوهات المحتملة لطلب فلسطين العضوية الكاملة بمجلس الأمن
29-9-2011

د. نادية سعد الدين
* صحفية وباحثة من الأردن

تشهد أروقة مجلس الأمن الدولي خلال الأيام القادمة معركة دبلوماسية جديدة ، بعدما أحال الأمين العام للأمم المتحدة،بان كي مون، إليه أخيراً طلباً مقدماً من الرئيس محمود عباس لنيل عضوية الدولة الفلسطينية على حدود 1967 في المنظمة الأممية، رغم الضغوط الأمريكية- الإسرائيلية- الأوروبية التي مورست على الأخير منذ أشهر لثنيه عن هذه المبادرة.

وبذلك؛ ينتقل حراك التحالف المضاد إلى المنبر الأممي عقب إخفاقه سياسياً في طرح تسوية تأخذ بالحدّ الأدنى من المطلب الفلسطيني المدعوم عربياً باستئناف المفاوضات، وفق مرجعية حدود 1967 ووقف الاستيطان، بسبب الرفض الإسرائيلي المرتكن إلى الانحياز الأمريكي المفتوح، وحالة الانفصام الحاد بين القول والفعل التي اعترت المواقف الأوروبية عموماً من المسعى الفلسطيني في الأمم المتحدة، على غرار موقف فرنسا، بذريعة أن "الدولة يجب أن تكون نتاج المفاوضات الثنائية، وليست بديلاً عنها بخطوة أحادية الجانب".

ويقف على الجانب الفلسطيني المقابل خطاب ورؤية مختلفان تأخذان على خطوة السلطة الفلسطينية محاذير الانفراد والانتقاص من الثوابت والحقوق الوطنية، وفي مقدمتها حق العودة، مما يجعل الأخيرة أمام تحديات داخلية وخارجية وخيارات محدودة، تتداخل مع حجم الضغوط والمعطيات القائمة، والافتقاد للإجماع الوطني الفلسطيني، بما ينعكس على المسارات المرتقبة والنتائج المفترضة، ولكن غير المضمونة.

وإزاء ذلك؛ لا بد من التوقف أولاً عند السيناريوهات المحتملة لمسار طلب العضوية الكاملة في مجلس الأمن، باعتباره الجهة المخولة للنظر فيه، والتصويت عليه، ليتم بعدها تناول الخيارات المطروحة أمام القيادة الفلسطينية، في ضوء النتائج المتوقعة.

احتمالات الطلب الفلسطيني

من المنتظر أن يبدأ مجلس الأمن الاثنين 26 سبتمبر2011 أولى مداولات بحثه بشأن الطلب الفلسطيني لجهة قبوله أو رفضه، تمهيداً إلزامياً قبيل تحديد موعد الجلسة التي ستنظر فيه.

وتقوم عادة لجنة تضم مندوبي الدول الأعضاء في المجلس (15 عضواً، منهم 5 دائمون، و15 غير دائمين يتم انتخابهم من الأمم المتحدة لمدة سنتين) بدراسة الطلب من ناحية استيفائه للشروط الواردة، وفق الميثاق الأممي، تمهيداً لرفع توصياتها المرفقة بنتائج فحصها وتدقيقها له إلى المجلس، الذي إما أن يطرح الطلب للتصويت أو يؤجل بحثه تحت عنوان "مزيد من الدراسة" بهدف إفساح المجال أمام طرح صيغ ومبادرات للخروج من المأزق الراهن، من دون وجود مهل زمنية محددة لكليهما.

وأياً يكن؛ فإن مجلس الأمن يحيل التوصية بعضوية صاحب الطلب إلى الجمعية العامة، مرفقة بالقرار والسجل الكامل للمداولات التي جرت، بينما يقدم تقريراً خاصاً إلى الجمعية العامة، في حال التوصية بتأجيل النظر في الطلب أو بعدم قبوله. ولأن القرار هنا سياسي بامتياز، قبل أن يكون قانونياً، فإن طرح الطلب للتصويت يأخذ المسارات التالية:

الاحتمال الأول: يتطلب نفاذ طلب العضوية الكاملة في مجلس الأمن موافقة 9 أصوات خالية من الفيتو، تمهيداً لإحالته إلى الجمعية العامة للتوصية عليه بأغلبية الثلثين، أي 128 دولة من إجمالي 193 دولة عضوا في المنظمة الأممية.

 ويشكل ذلك، عند تحققه، مكسباً فلسطينياً من الجولة الأولى، حيث تصبح فلسطين دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة لها حق المشاركة والتصويت، بما يسهم، بالنسبة للقيادة الفلسطينية، في "تدويل الصراع قانونياً وسياسياً وتثبيت الحدود وفق 1967 وإلزام الدول الأعضاء في المنظمة الأممية بالتحرك لدعم الجهود الفلسطينية لانسحاب الاحتلال الإسرائيلي من دولة محتلة، والإقرار بعدم قانونية الوجود الإسرائيلي ضمن نطاق الدولة الفلسطينية العضو في المنظمة الدولية، طالما أنه بدون موافقتها، واعتبار وجود جيش الاحتلال ونصف مليون مستعمر في الضفة الغربية انتهاكاً لسيادتها وللقوانين الدولية".

ولكن هذا الخيار ضئيل الاحتمال، بسبب ترجيح استخدام واشنطن "للفيتو"، أو دفع أحد أعضاء مجلس الأمن للتصويت ضد الطلب ، حتى لا تجد نفسها مضطرة للجوء إليه. فإذا نجحت الجهود الأمريكية فى إقناع دولة من الدول التسع بعدم التصويت لصالح العضوية أو الامتناع، وبالتالي افتقاد الطلب لدعم 9 أعضاء في المجلس (الحد الأدنى المطلوب لنفاذ الطلب خالية من الفيتو)، فإنها ستخرج من مأزقها الراهن، وتحقق هدفها المشترك مع الاحتلال الإسرائيلي برفض طلب العضوية للدولة الفلسطينية.

وتلعب واشنطن في مساحة صفوف الدول الأعضاء في مجلس الأمن التي لم تعلن موقفها حتى اللحظة، حيث أعلنت ست من الدول الأعضاء الدائمة وغير الدائمة حتى الآن اعتزام الموافقة على الطلب الفلسطيني، وهى: الصين، وروسيا، والبرازيل، والهند، ولبنان، وجنوب إفريقيا، مقابل أعضاء مترددين أو لم يعلنوا موقفهم بعدْ، وهم بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، ونيجيريا، والجابون، والبوسنة، والبرتغال، فيما أعلنت كولومبيا أنها ستمتنع عن التصويت، مع بقاء الاحتمالات مفتوحة أمام إحداث تغيير في تلك المواقف في الساعات الأخيرة.

ويتداخل مع هذا الخيار احتمالات أخرى، فقد تستعجل الإدارة الأمريكية بدفع الطلب الفلسطيني إلى وضع النسخة الزرقاء، استعداداً للتصويت عليه، إذا تبين لها أنه لا يحظى بالأصوات الضرورية التسعة، وعندها يكون مصيره الفشل، وإحراج الفلسطينيين ومسانديهم في المجلس بالقول إن الفلسطينيين لا يحظون حتى بالحد الأدنى من الأصوات، وذلك بهدف تجنيب واشنطن استخدام "الفيتو"، تفادياً لانعكاساته على صورتها المتدهورة أساساً في العالم العربي، نتيجة مواقفها المتأرجحة من ثورات الربيع العربي.

الاحتمال الثاني: يتمثل في الطلب الفلسطيني من لبنان بطرح طلب العضوية فوراً للتصويت على المجلس، إذا تبين أنه يحظى بالحدّ الأدنى من الأصوات، بما سيضع واشنطن أمام استخدام "الفيتو" الذي تتجنبه.

الاحتمال الثالث: يقع في دائرة بحث واشنطن عن أسباب إجرائية "واهية" لإعادة الطلب من جديد أو عدم قبوله أو تعليق مناقشته لفترة زمنية غير محددة، تحدّ من قدرة الفلسطينيين على التحرك في الأمم المتحدة، وفي النهاية تعليق بحث الطلب"، بحسب تقدير وزير الخارجية الفلسطيني، رياض المالكي (جريدة الشرق الأوسط اللندنية، 24/9/2011).

بدائل التصويت بمجلس الأمن

وثمة بدائل لعملية التصويت في مجلس الأمن، من أبرزها :

أولا: صدور إعلان قوي ومقنع للجانب الفلسطيني العربي عن اللجنة الدولية الرباعية (الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وروسيا)، غير أن أعضاءها عاجزون عن التوصل إلى توافق، إذ تدعم روسيا الطلب الفلسطيني إلى الأمم المتحدة. ولم تحظ مقترحات الرباعية المطروحة حتى الآن بموافقة فلسطينية لاشتراطها الاعتراف "بيهودية دولة إسرائيل"، وباستئناف المفاوضات فوراً وبدون شروط وبدون ذكر لوقف الاستيطان، الأمر الذي يرفضه الجانب الفلسطيني.

ثانيا: عند فشل المسعى الفلسطيني في مجلس الأمن، يمكن الذهاب إلى الجمعية العامة لنيل الاعتراف "بدولة غير عضو"، أي صفة "مراقب"، مثل الفاتيكان حالياً وسويسرا حتى عام 2002. وهنا، لا بد من الحصول على تصويت 50% + 1 من الأعضاء، وهي متوافرة بالنسبة للجانب الفلسطيني، ولكن النصر المعنوي الكبير يحتم، بحسب عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير صائب عريقات، الحصول على الثلثين.

ويعدّ التوجه إلى الجمعية العامة مجرد قرار آخر غير ملزم، ما لم تمارس الإدارة الأمريكية الضغط على دول تعترف بدولة فلسطين لعدم التصويت لصالح القرار في الجمعية العامة، وفق صائب عريقات (جريدة الحياة الجديدة الفلسطينية، 6/8/2011)، كما لن يضيف الكثير من الامتيازات المتحصلة راهناً لمنظمة التحرير.

ويسمح الانتقال من مكانة "كيان مراقب" إلى "دولة غير عضو" "مراقبة"، وفق المراقب الدائم لفلسطين لدى الأمم المتحدة في نيويورك، السفير رياض منصور، "بالانضمام إلى المنظمات الأممية والدخول في الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، ومحاصرة سياسات الاحتلال الإسرائيلي الاستعمارية، وإنهاء ادعاءاته في الأراضي الفلسطينية المحتلة والمساهمة في عزلته"، على حد تعبيره.

ثالثا: يلوح بعض أطراف القيادة الفلسطينية بخيار ثالث يتمثل في التوجه إلى الأمم المتحدة ضمن البند المعروف باسم "تحالف من أجل السلام"، الذي تتخذ فيه قرارات الجمعية العامة صفة الإلزامية مثل قرارات مجلس الأمن، بديلاً في حالة استخدام واشنطن حق النقض "الفيتو". غير أن نتائجه غير مضمونة، حيث صدر البند ضمن سياق وضع حرب يهدد السلم والأمن الدوليين (عام 1950) باعتباره تطوراً أضيف إلى ممارسة هيئة الأمم عند وقوع الحرب الكورية، فلجأت إليه الولايات المتحدة بعد الاستخدام السوفيتي للفيتو، وقدمت آنذاك وثائق وحججا مهمة لدعم مسعاها.

فعند تعطيل مجلس الأمن بفيتو، تستطيع الجمعية العامة تولي الأمر بمقولة المحافظة على الأمن والسلم الدوليين، ولكن الأمر مختلف في الحالة الفلسطينية، حيث لا بد من إقرار أعضاء الجمعية العامة بأن الوضع الحالي يهدد السلم والأمن الدوليين، فضلاً عن التشكك بمدى التزام الاحتلال به، قياساً على تجربة تاريخية ممتدة من فيض القرارات الدولية التي تحفل بها الأجندة الأممية دون تنفيذ حتى اليوم.

رابعاً: تستطيع القيادة الفلسطينية أن تقدم طلب العضوية الكاملة للدولة الفلسطينية إلى مجلس الأمن مرة أخرى، في حال فشل مسعاها الحالي، كما تستطيع التقدم بطلب إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة للاعتراف "بدولة غير عضو"، في الوقت نفسه الذي ينظر فيه مجلس الأمن حالياً طلب العضوية الكاملة، وذلك لاختلاف الوضع عند كليهما.

خيارات القيادة الفلسطينية

لم يراود القيادة الفلسطينية أدنى شك بحجم التحديات التي ستتعرض لها نظير خطوتها صوب الأمم المتحدة، حيث لم يستبعد الرئيس عباس اصطدام طلب العضوية الكاملة في مجلس الأمن بالفيتو الأمريكي، في حال توافر الأصوات التسعة المطلوبة ، ولكن القرار جاء على وقع الخطوات الاستيطانية والتهويدية المتسارعة، في ظل فراغ سياسي مرشح للاستمرار مع بقاء الحكومة الإسرائيلية اليمينية في سدة السلطة.

وإزاء ذلك؛ حزم الرئيس عباس حقائبه وقفل عائداً من نيويورك إلى رام الله للشروع في اجتماعات ومشاورات مع أعضاء قيادة منظمة التحرير والقوى والفصائل الفلسطينية للبحث في الخيارات التالية لمرحلة ما بعد أيلول.

وتضع القيادة الفلسطينية عدة خيارات، وفق مسئولين فيها، مثل عضو اللجنة المركزية لحركة فتح نبيل شعث (جريدة القدس الفلسطينية 22/9/2011)، تتمثل أولاً في "مواصلة معركة العضوية في الأمم المتحدة، في حال فشل المسعى في مجلس الأمن، بالتقدم إلى الجمعية العامة بطلب لرفع مكانة تمثيل فلسطين من منظمة مراقبة إلى دولة مراقبة، تسمح بالانضمام إلى عضوية جميع وكالات الأمم المتحدة ومؤسساتها".

فيما يتمثل الخيار الثاني في العودة إلى المفاوضات، رغم أنه ضئيل الاحتمال بسبب الرفض الإسرائيلي لاستئنافها وفق مرجعية حدود عام 1967 ووقف الاستيطان، ولكن من غير المستبعد الخروج من زخم الحراك الأمريكي- الأوروبي الراهن بصيغة معينة ترضي كافة الأطراف، شريطة عدم إغضاب الجانب الإسرائيلي.

فالقيادة الفلسطينية لم تبارح دائرة التفاوض، حتى وهي تتحدث عن الخيار الأممي، حيث أبدت استعدادها غير مرة، وكان آخرها في الكلمة التي ألقاها الرئيس عباس أمام الأمم المتحدة، للعودة فوراً بعد سبتمبر إلى طاولة المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي، شريطة وضع مرجعية للعملية التفاوضية.

وثمة اعتقاد بأن الخيار الأممي ليس بديلاً عن التفاوض، وإنما خطوة على طريق تحسين شروطه، وتعزيز الموقع التفاوضي، بعدما وصل مسار المفاوضات إلى طريق مسدود عقب ثمانية عشر عاماً من مسيرة أوسلو، بخلق بيئة تفاوضية جديدة، من خلال تحسين المركز القانوني على المستوى الدولي عبر العضوية في الأمم المتحدة.

أما الخيار الثالث الحرج، وهو مطروح على طاولة البحث الفلسطينية، فيكمن فيما يسميه الرئيس عباس "تسليم مفاتيح السلطة"، لأن "الوضع الراهن لا يمكن أن يظل قائماً، ولا بد من حدوث تغيير". فبحسب عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، عزام الأحمد (جريدة القدس الفلسطينية، 24/9/2011) " نحن سلطة وهمية تحت الاحتلال، سلطة تتحمل مسئولية التعليم والصحة والأمن، بينما تسيطر سلطات الاحتلال على الأرض، وتقوم بنهبها والاستيطان فيها. وأمام انغلاق الأفق، فإن انهيار السلطة أصبح أمراً واقعياً".

وتعدّ هذه المرة الأولى التي يوضع فيها خيار تسليم مفاتيح السلطة للجانب الإسرائيلي رسمياً على طاولة البحث، مما يعكس حجم الأزمة الناجمة عن توقف المفاوضات، واستمرار الاستيطان، وبقاء السلطة محدودة غير قادرة على ممارسة أي حد من السيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، رغم تشكيك أوساط سياسية مختلفة بمسألة جدية الأخذ به، لمسوغات اعتبار السلطة معبراً لقيام الدولة الموعودة، ولكونها جهازا خدماتيا لا غنى عنه، ولارتباطها باتفاقيات مع الدول الغربية والمانحة بشكل يصعب التنصل عنها.

قصارى القول إنه أمام ما يشبه "الخلاص" الذي صورته السلطة بخطوة أيلول/سبتمبر  دون وضع البدائل، وبغياب عنصر الإجماع الشعبي الفلسطيني حولها، في ظل تعثر خطوات المصالحة الضرورية لحشد التأييد اللازم، وابتزاز المال السياسي الأمريكي، فإن الوضع يبقى في مأزق كبير.

وما يزيد من عمق الأزمة خاصية "الاستبعاد" وليس "التزامن"، بنأي الخيارات الأخرى، وفي مقدمتها المقاومة، عن البدائل التي تضعها القيادة الفلسطينية على طاولة البحث، في ظل فشل المسعى في الأمم المتحدة.


رابط دائم: