مّنْ هو زعيم إيران القادم ؟
17-1-2019

د. سليم الدليمي
* كاتب وباحث عراقي
يعانى مرشد الجمهورية الإسلامية علي خامنئي، البالغ من العمر 79 عاما، وضعًا صحيًا معقدًا، إثر إصابته بالسرطان. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: من سيخلفه في حال وفاته؟ وبالتالي من سيكون المرشد الثالث للجمهورية الإسلامية الإيرانية؟ المعلومات المتداولة بشأن  تدهور حالته الصحية تثير الكثير من التكهنات حول الخليفة المحتمل، وهو أمر قد يُدخل إيران في مأزق حقيقي، لاسيما مع تزايد الغليان الشعبي بسبب تدهور المستوى الاقتصادي للسكان، وتراجع سقف الحريات، مقروناً بالضغوط الأمريكية المتصاعدة والهادفة إلى تغيير سلوك النظام الإيراني.  غياب خامنئي أكبر تغيير سياسي في الجمهورية الإسلامية، منذ وفاة المرشد الأعلى السابق، آية الله الخميني، الأب المؤسس للثورة الإسلامية عام 1989. ويكتسي المنصب المذكور أهمية كبيرة، تنبع من كون المرشد الأعلى هو الشخص الأقوى في البلاد، ويمتلك سلطات مطلقة تطول كل المؤسسات في الدولة، وهو الذي يحدد التوجهات الداخلية والخارجية  لإيران.
ومع وفاة المرشح الأكثر حظوة لنيل منصب المرشد آية الله محمود الشاهرودي في 24 ديسمبر 2018، فإن عملية إحلال مرشد جديد بدلاً عنه قد تزداد صعوبة مع تزايد ذلك الصدع الداخلي بين المتمسكين بخط مؤسس الثورة آية الله الخميني، وخليفته المرشد الحالي خامنئي، والمعروفين بـ(المحافظين)، وأولئك المتطلعين لإيجاد طريق ينقذ الثورة الإيرانية من احتمالات السقوط عبر طرح منهج ثوري بلباس أكثر انفتاحاً على العالم، والمعروفين ب(الإصلاحيين). وللإجابة عن سؤال من سيخلف المرشد؟ لا بد من طرح جملة من الإشكاليات قبل الإجابة على التساؤل، وعلى النحو التالي:
1. آلية اختيار المرشد 
بحسب المادة 107 من الدستور الإيراني، توكل مهمة اختيار المرشد الأعلى للثورة الإيرانية إلى "مجلس خبراء القيادة"، وهو المجلس المسئول عن مراقبة تنفيذ الدستور حرفيًا، خاصة ما يتعلق بتطبيق مبدأ "ولاية الفقيه العامة"، وهو  مؤلف بالكامل من علماء الدين، ويضم 88 عضواً يتم انتخابهم كل 8 سنوات، ويرأسه حالياً الأصولي المتشدد أحمد جنتي، فضلاً عن كونه الهيئة الدستورية الوحيدة التي تملك الصلاحيات لعزل المرشد بحسب المادة 111من الدستور  ذاته.
2. سمات المرشد
وضع آية الله الخميني مجموعة من السمات، على المرشح أن يتصف بها ليكون مؤهلاً لتولي منصب (المرشد الأعلى) كأن يمتلك بصيرة سياسية واقتصادية واجتماعية نافذة لا يتمتع بها القيادات من كبار السن، وكبار علماء الدين البعيدين عادةً عن المشهد السياسي. ويضيف آية الله الخميني أن مصالح الجمهورية الإسلامية تقتضي أن يتصدر لمنصب (الولي الفقيه) شخصية دينية معتدلة، ذات مكانة رفيعة، ولها باع طويل في الميدان السياسي داخل النظام، لتكون قادرة على تعزيز أهداف النظام، وتحقيق طموحاته. ومنذ تولىّ خامنئي المنصب عام 1989، أنشأ بصورة مطردة بنية فوقية أمنية واستخباراتية واقتصادية معقدة تتألف من أتباع موالين له بقوة، ولرؤيته للشكل الذي يجب أن تكون عليه الجمهورية الإسلامية .ويمكن أن توصف هذه البنيّة بـ"الدولة العميقة". وتحرص هذه البنية على أن يحمل الشخص الذي سيخلف خامئني الآراء المتشدّدة نفسها التي تحملها هي، ويكون ملتزمًا بتحقيق وحماية مصالحها على المدى الطويل.
وبحسب المادة 109 من الدستور،يجب أن يتصف المرشد بـ: 
أ‌. الكفاءة العلمية المطلوبة للإفتاء في الأمور الفقهية.
ب‌. العدالة والتقوى لقيادة الأمة الإسلامية.
ت‌. الرؤية السياسية والاجتماعية، والتدبير والشجاعة والكفاءة الإدارية والقدرة الكافية للقيادة.
3. السيناريوهات المحتملة لاختيار خليفة المرشد الأعلى:
أ‌. الاختيار بالتوافق: في حالة  عدم ترك المرشد الحالي علي خامنئي وصيّة بشأن ترشيح شخص  بعينه يخلفه بعد وفاته، فقد يلجأ مجلس خبراء القيادة إلى المفاضلة بين الخيارات المطروحة، فيتجه إلى الخيار التوافقي الأوحد إذا لم يظهر مرشح قوي.
ب‌. تشكيل مجلس قيادة ثلاثي: وهي العودة إلى السيناريو الذي تم اعتماده عام 1989 بإنشاء مجلس للقيادة يتألف من: رئيس الجمهورية، ورئيس السلطة القضائية، ورئيس مجلس خبراء القيادة، على أن تستغرق تلك القيادة الثلاثية مدة محدودة لحين تمكن القوى السياسية والدينية من الوصول لتسوية لانتخاب مرشد جديد.
ت‌. احتمالية تدخل الحرس الثوري وقوى الثورة الأخرى(الدولة العميقة): وهنا يلعب الحرس الثوري والمؤسسات العسكرية ذات النفوذ الاقتصادي الكبير، ومؤسسة بيت المرشد، دوراً بارزاً في تعيين خليفة لعلي خامنئي، فكل هذه المؤسسات تشكل الكتلة المهيمنة على السلطة، وبالتالي هي من ستتولى اختيار شخص تابع لخطها السياسي والفكري خليفة لخامنئي. ومع إزالة عقبة  رفسنجاني بعد وفاته في 2017 ، يمكن أن يكون للحرس الثوري دور محوري في تحديد من سيصبح الزعيم الأعلى المُقبل عبر  توجيه أعضاء مجلس خبراء القيادة لاختيار مرشح يتناغم مع مصالحهم.
4. أبرز المرشحين لمنصب المرشد
تطرح المؤسسة الدينية والتشريعية في إيران عددا من المرشحين لتولي منصب المرشد الأعلى، ويتميز هؤلاء بتمسكهم بمبادئ وتعاليم الثورة الإيرانية التي ترسخت على مدى السنوات الأربعين من عمرها. ويمكن النظر في سيرة كل واحد من هؤلاء المرشحين على النحو التالي:
أ‌. يقف في مقدمة هؤلاء المرشحين صادق أملي لاريجاني، المعين بأمر من المرشد رئيساً لمجمع تشخيص مصلحة النظام، عمره 57 عاماً، ولد في النجف بالعراق لأسرة ذات نفوذ كبير. وهو عضو منتخب لمجلس خبراء القيادة منذ عام 1998، وعضو في  مجلس صيانة الدستور، وعُين رئيسا ًللسلطة القضائية عام 2009، خلفاً لآية الله محمود شاهرودي، ولديه وجهة نظر معادية للغرب مطابقة تماماً لتلك التي يحملها  المرشد الأعلى، ويظهر ذلك جليًا في البيان الذي أصدره لاريجاني عقب ما حققه المعتدلون الداعمون لهاشمي رفسنجاني، وحسن روحاني من مكاسب في انتخابات مجلس خبراء القيادة في فبراير 2016، واتهم فيه المعتدلين بالتعاون مع السعودية ويريطانيا والولايات المتحدة. ويتخذ لاريجاني مواقف متشددة تجاه القضايا الداخلية والخارجية، مما وضعه في خانة "التيار الأصولي". ويحوز لاريجاني مؤهلات دينيّة جيدة. وقد وصفَ خامنئي لاريجاني بأنه "عالم بارع، وشجاع، وذكي، وثوري مجتهد، وكافأه على ولائه الشديد بتسليمه مناصب مهمة في النظام.
ويقيم لاريجاني علاقاتٍ طيبة مع الحرس الثوري، تمثلت في قيام الاستخبارات التابعة للحرس بإبداء تعاون أكبر مع السلطة السلطة القضائية-التي كان لاريجاني يديرها-في السنوات الأخيرة من خلال تنفيذ عمليات احتجاز للنشطاء المعارضين للثورة واستجوابهم.
إلآ أن ثمة عقبة رئيسة تقف في طريق لاريجاني، هي توجيه تهم  لعائلته بالفساد وعدم النزاهة. وذهب أعضاء في البرلمان الإيراني إلى حد اتهام لاريجاني ذاته بتحويل الأموال العامة إلى حساباته الشخصية في المصارف. ورغم أن هذه الادعاءات دُحضت في النهاية، فإنها لا تزال قادرة على منع صعود لاريجاني إلى المنصب الأهم  في إيران، خصوصًا إذ ما خلص أعضاء مجلس خبراء القيادة إلى وجود شبهات فساد تسئ لسمعة لاريجاني، أو أحد أفراد عائلته، الذين يعمل(4) منهم في مناصب عليا في حكومة المرشد الإيراني الحالي، وأبرزهم  شقيقه علي لاريجاني، رئيس مجلس الشورى (البرلمان).
ب‌. إبراهيم رئيسي، ويبلغ من العمر 58 عاماً، وعين في مارس 2016 رئيساً لمؤسسة (أستان قدس رضوي)، وهي منظمة ضخمة يسيطر عليها مكتب المرشد الأعلى، وتدير ضريح الإمام الرضا في مشهد. ومن خلال هذا المنصب، يشرف رئيسي على الإمبراطورية التجارية الكبيرة، والتي تحول الهبات المالية للجمعيات والمؤسّسات الدينيّة في إيران وخارجها. وعمل منذ عام 1980كقاض في المحاكم الثورية، إذ كان من بين أول مجموعة من علماء  الدين الشباب الذين دخلوا في نظام المحاكم الإسلامية، وكانت سنه حينها لا تتجاوز الـ(20) سنة. وفي عام 1988، أمر رئيسي، بصفته مدعياً عامًا للبلاد، بتنفيذ عمليات إعدام جماعية للسجناء السياسيين، بمن فيهم أعضاء حركة مجاهدي خلق المعارضة التي تدعو إلى الإطاحة بالثورة الإسلامية. وفي عام2004، تم تعيينه نائباً لرئيس القضاء. وعلى مدى عشر سنوات، كان رئيسي عضواً في مجلس إدارة شركة سيتاد، التي تخضع لسيطرة خامنئي، ولها نشاط واسع في قطاعات الأدوية، والعقارات، والاتصالات، والطاقة في إيران، وتملك أصولاً تبلغ نحو 95 مليار دولار. وهو يرتبط بعلاقات قوية مع ما يسمى(الدولة العميقة). إلا أن أكبر عائق يواجه رئيسي هو خلفيته الدينيّة المتواضعة، كونه لا يتمتع بالمستوى الفقهي المطلوب، ولا يتمتع أيضا بالسمعة الحسنة، فهو لم يدرس في المعاهد الدينية التي تؤهله لأن يكون عالم دين مرموقا. 
ت‌. مجتبى خامنئي (النجل الثاني للمرشد) هو المرشح الآخر المهم لتولي المنصب بعد وفاة والده، وهو من مواليد مدينة مشهد عام 1969. وقد انتقل إلى مدينة قم عام 1999 للدراسة الدينية، ويمتلك نفوذاً كبيراً على ميليشيا الباسيج والجماعات شبه العسكرية المتشددة الأخرى. وقد لعب دوراً كبيراً في القضاء على الحركة الخضراء التي اعترضت على نتيجة الانتخابات الرئاسية في يونيو 2009. وتبذل الحلقة المقربة من مجتبى خامنئي جهوداً حثيثة لتلميع صورته لتقديمه على أنه مرشح مهم لخلافة والده. وبما أن المذكور يفتقر إلى القاعدة الشعبية، وغير قادر على كسب تأييد أعضاء مجلس خبراء القيادة لتثبيت مكانته خلفاً لوالده، فهو بحاجة ملحة إلى دعم ومساندة الحرس الثوري والقوات العسكرية الأخرى أكثر من غيره من بقية المرشحين لتولي المنصب.
ث‌. آية الله مصباح يزدي: ولد عام 1935 في مدينة يزد، وسافر إلى النجف لتلقي علومه الدينية، ولكنه عاد بعد عام واحد بسبب الضائقة المالية. وتجمع آية الله يزدي علاقة قوية بآية الله الخميني، وقد قام يزدي بدعم من الأخير بتأسيس عدد من المؤسسات التعليمية، أهمها مؤسسة في طريق الحق، ومؤسسة باقر العلوم، ويرأس حاليًا مؤسسة الإمام الخميني للتعليم والبحث العلمي في قم، وعضو  مجلس خبراء القيادة. ويُعد موقف يزدي ضعيفًا نوعًا ما، لأنه لا يحظى بتأييد أي من التيارات السياسية داخل إيران، كما أن آراءه غالبًا ما تكون عرضة للانتقاد من داخل المؤسسة الدينية.
ج‌. الرئيس حسن روحاني مرشح هو الآخر لخلافة آية الله خامنئي، وهو يبلغ من العمر 70 عاما، ولكنه لا يتمتع بدعم أي من التيارات الأصولية المتشددة وقيادات الحرس الثوري والتعبئة، كونه مصنّف بانتمائه لجناح الإصلاحيين في إيران. ورغم ذلك يبقى ابناً للنظام الثوري. وعندما تقتضي الظروف، سيقف مع النظام السياسي بلا مواربة، رغم خلافاته العميقة والكبيرة مع المتشددين. وما يجدد الأمل لدى روحاني والمؤيدين له تلك السابقة التاريخية، التي يمكن أن تتكرر، والتي تجسدت باختياره علي خامنئي كمرشد لإيران، بعد وفاة المرشد الأعلى الأول خميني1989. فبعد رحيل مؤسس النظام الثوري، عدّ المراقبون المرشد الحالي خامنئي-الذي كان يشغل منصب رئيس الجمهورية- مجرد رقم في مجموعة بدائل متاحة، وليس البديل الأوحد، حيث افتقر خامنئي-آنذاك-إلى مؤهلات وكارزيما الخميني. بيد أن الرئيس الأسبق للبرلمان،والمقرب من آية الله الخميني، هاشمي رفسنجاني، أبلغ مجلس خبراء القيادة، فى اجتماع عقد في 4 يونيو 1989، أن الخميني عدّ خامنئي مؤهلاً لخلافته. وعلى هذا الأساس، انتخب مجلس خبراء القيادة المرشد الحالي بأغلبيّة 60 صوتاً، وهذا دليل يؤكد إمكانية تكرار السيناريو ذاته مع الرئيس الحالي حسن روحاني.
ختاماً،  فإن  الدولة العميقة لا تثق في حسن روحاني بسبب ميوله الإصلاحية، بينما لا يمتلك مجتبى قاعدة دعم شعبية واجتماعية. ويرجح أن يكون المرشد الأعلى المقبل واحداً من بين ثلاثة أشخاص، هم: صادق لاريجاني، وإبراهيم رئيسي، ومصباح يزدي. وسينحصر الصراع على منصب"الولي الفقيه" على الأكثر  بين صادق لاريجاني ومصباح يزدي تحديداً لكونهما يحظيان بعلاقات واسعة وقبول جيد من قيادات الحرس الثوري الإيراني، صاحب السطوة الأكبر على الساحة الإيرانية. وفي النهاية، ستحسم"الدولة العميقة" هذا الصراع بميلها إلى أحد االمرشحين.
ويعد آية الله صادق لاريجاني أنسب شخص لخلافة علي خامنئي من حيث المستوى الفقهي والعلمي، فضلا عن رئاسته لمجمع تشخيص مصلحة النظام، وعضو مجلسي الرقابة على القوانين، ومجلس خبراء القيادة، وهو مجتهد في أصول الفقه. جدير بالملاحظة، هنا، أنه كُتب لصادق لاريجاني أن يخلف آية الله هاشمي شاهرودي في المناصب التي شغلها لمرتين، الأولى حين خلف شاهرودي، وكان الأخير حيا يرزق في رئاسة السلطة القضائية فى أثناء احتجاجات 2009 ، والثانية بعد وفاته بأيام قليلة، حيث أصدر المرشد الأعلى قراراً بتعينه رئيسًا لمجمع تشخيص مصلحة النظام. ولمّا كان آية الله شاهرودي أقوى المرشحين لخلافة المرشد علي خامنئي في منصب الولي الفقيه، فإن تعيين آية الله صادق لاريجاني خلفًا له يعد بمنزلة تهيئة لتوليه منصب المرشد الأعلى، والجلوس على كرسي الزعيم،  بعد خامنئي.
 

رابط دائم: