العودة للأمم المتحدة:| "ندوة" جدوى التوجه إلى المنظمات الدولية للاعتراف بالدولة الفلسطينية
28-9-2011

محمود عبده علي
* معيد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة

منذ إعلان الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" عن عزمه التوجه للأمم المتحدة لطب اعتراف دولي بدولة فلسطين وقبولها كعضو كامل في تلك المنظمة الدولية، أثناء انعقاد الدورة الحالية للجمعية العامة لأمم المتحدة، لم تتوقف ردود الأفعال الإقليمية والدولية، وتراوحت ما بين دعم عربي كامل، وتهديد إسرائيلي باتخاذ إجراءات انتقامية، وآخر أمريكي باستخدام حق الفيتو وحرمان السلطة الفلسطينية من المساعدات المالية، علاوة على تحركات اللجنة الرباعية لإثناء عباس عن اتخاذ تلك الخطوة.

وفي هذا الإطار، نظم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالدوحة في سبتمبر 2011 ندوة تحت عنوان "أيلول الفلسطيني: بين مسار أوسلو والعودة إلى المؤسسات الدولية.. الخطوة وجدواها وأبعادها القانونية والسياسية"، وذلك لبحث أهمية التوجه الفلسطيني للأمم المتحدة وأبعاده المختلفة، وما سينتج عنه من تداعيات محتملة قانونية وسياسية، إضافة إلى مواقف الأطراف المختلفة من هذا التوجه.

شروط الاعتراف بالدولة

يهدف التوجه الفلسطيني للأمم المتحدة إلى تحقيق أمرين؛ الأول: الاعتراف بدولة فلسطين في حدود عام 1967، والآخر: منح هذه الدولة عضوية كاملة في الأمم المتحدة.

أولا:- فيما يتعلق بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، يشير الباحث "داود خير الله"، في دراسته التي تحمل عنوان "عضوية دولة فلسطينية في الأمم المتحدة.. التداعيات القانونية والسياسية"، إلى وجود أربعة شروط أساسية للاعتراف بالدولة الفلسطينية، وفق ما تنص عليه اتفاقية مونتيفيديو بشأن حقوق الدول وواجباتها.

فعن الشرط الأول المتمثل في سكان دائمين، أشار"خير الله" إلى أنه شرط تستوفيه فلسطين. ولا يقتصر هذا الشرط فقط على ساكني الضفة الغربية وقطاع غزة، بل يشمل أيضا الفلسطينيين الذين أجبروا على مغادرة وطنهم ومنازلهم وممتلكاتهم، والذين يتمتعون بحق غير قابل للتصرف في العودة وتقرير المصير، وفق قرارى الجمعية العامة للأمم المتحدة 194 و 3236 اللذين اعتمدا في 11 ديسمبر 1947 و22  نوفمبر 1974.

ويرى أن الشرط الثاني المتمثل في أرض محددة يعد المعضلة الأصعب، مقارنة بالشروط الأخرى، فالحدود الفلسطينية غير واضحة المعالم. ورغم ذلك، يؤكد "خير الله" أن الممارسة الدولية تشير إلى أن غياب هذا الشرط قد لا يشكل عائقاً أمام الاعتراف بالدول الناشئة، وأبرز مثال على ذلك إسرائيل نفسها. فحتى يومنا هذا، لم ترسم إسرائيل حدودا لأراضيها، ولا تعرف إجماعا على تصور لمعالم حدودها، ومع ذلك فقد اعترفت بها بعض البلدان باندفاع، حتى قبل نشوئها.

وفيما يخص الشرطين الثالث، المتمثل في حكومة (سيادة)، والرابع، القدرة على إقامة علاقات مع سائر الدول، أشار "خير الله" إلى أن السلطة الفلسطينية تواجه تحديا في تحقيق هذين الشرطين. ولا يكمن هذا التحدي في الممارسات الإسرائيلية، إذ إن السيطرة الفعلية التي تمارسها إسرائيل على الضفة الغربية وقطاع غزة هي سيطرة محتل غير مشروعة، ولا بد لها أن تنتهي. وإنما التحدي قد ينبع من الطرف الفلسطيني نفسه، فكثير من الفلسطينيين يعتقدون أن السلطة الفلسطينية ورئيسها لا يمثلان الفلسطينيين في الشتات.

بالإضافة إلى الانقسام الواضح بين الضفة الغربية وقطاع غزة، والشكوك حول شرعية "محمود عباس" المنتهية ولايته. ومع أن مسألة الشرعية التمثيلية للسلطة الفلسطينية قد لا تترك أي أثر على الموقف الذي قد تتخذه الدول التي تؤيد الخطوة الفلسطينية، بحسب "خير الله"، فإنها قد توفر الذريعة القانونية لتبرير عزوف البلدان التي لا تميل إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية.

عضوية غير كاملة

لا يضمن حصول فلسطين على اعتراف الجمعية العامة بها كدولة عضوية تلقائية في الأمم المتحدة. فقبول الجمعية العامة لعضوية فلسطين لابد أن يكون بتوصية من مجلس الأمن الدولي، وفق ما تنص عليه المادة الرابعة من ميثاق الأمم المتحدة، وهو أمر لن تسمح الولايات المتحدة بحدوثه.

ورغم أن البعض طرح اللجوء إلى إجراء "متحدون من أجل السلام"- وهي آلية نادرا ما تستخدم، تستطيع من خلالها أغلبية الثلثين في الجمعية العامة للأمم المتحدة أن تلغي حق النقض الفيتو- كوسيلة للالتفاف على الفيتو الأمريكي، يرى "خير الله" أن هناك العديد من العقبات التي قد تعترض إمكانية تفعيل مثل هذا الإجراء كاعتراض بعض دول الجمعية العامة، واللجوء إلى محكمة العدل الدولية للفصل في مدى قانونية استخدامه للفصل في العضوية.

وللتغلب على هذه المعضلة، يقترح الباحث "أنيس مصطفى القاسم"، في دراسة تحمل عنوان "مغزى خطوة التوجه إلى الأمم المتحدة وأهميتها من زاوية النظر القانونية"، طرح موضوع الاعتراف بدولة فلسطين على الجمعية العامة دون ربطه قانونيًّا أو إجرائيا بالعضوية الكاملة أو المنقوصة.

وفي هذه الحالة، يكون التصويت في الجمعية العامة معبرا عن مدى التأييد الدولي لقيام دولة فلسطينية. ويرى كذلك أن الأسلم للشعب الفلسطيني وقضيته في الظروف الراهنة أن يبقى تمثيل الشعب الفلسطيني في الأمم المتحدة محصورا في منظمة التحرير الفلسطينية.

الموقفان الأمريكي والإسرائيلي

لم تخف الولايات المتحدة الأمريكية اعتراضها منذ البداية على المسعى الفلسطيني، وفق ما يراه الباحث "علاء بيومي" في دراسته التي تحمل عنوان "لوبي إسرائيل ومساعي الاعتراف الأممي بالدولة الفلسطينية". فقد أعلنت إدارة أوباما الوقوف ضد أي قرار في مجلس الأمن لقبول عضوية دولة فلسطين، وهو الأمر الذي أكده مجددا "أوباما" في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الأربعاء الموافق العشرين من سبتمبر الجاري.

وفيما يتعلق بموقف اللوبي الإسرائيلي، يؤكد "بيومي" صعوبة الحديث عن موقف واحد للوبي الإسرائيلي، مشيرا إلى وجود  ثلاثة توجهات أساسية لهذا اللوبي، تتمثل في:-

التوجه الأول هو أقصى يمين اللوبي الإسرائيلي، ويعبر عنه بوضوح بعض ممثلي المحافظين الجدد في عهد جورج بوش الابن. ويرى أنصار هذا التوجه أن "أوباما" أخطأ في إدارته لعملية السلام منذ البداية، وأن سياسته لم تقدر حاجة إسرائيل إلى الأمن، وقادت إلى رفع سقف توقعات الفلسطينيين، وفي النهاية فشل أوباما في إرضاء الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء.

التوجه الثاني يرى أن من مصلحة إسرائيل إحياء عملية السلام الآن قبل أي وقت مضى. ويتفق هؤلاء - بدرجة أو بأخرى - مع وجهة النظر القائلة إن الوقت لا يصب في صالح إسرائيل، فالسكان الفلسطينيون في تزايد، والمستوطنات تأكل الضفة الغربية؛ وقد يجد الفلسطينيون أنفسهم سريعا في موقف يستحيل معه بناء دولة فلسطينية مستقلة، ويفضلون المطالبة بدولة "ثنائية القومية"؛ وساعتها سوف تجد إسرائيل صعوبة بالغة في أن تكون دولة يهودية وديمقراطية في آن واحد.

التوجه الثالث ويعبر عنه موقف بعض منظمات اللوبي الإسرائيلي، مثل "إيباك"، ومنظمة "مشروع إسرائيل"، والتي تتبنى موقفا حركيا في الأساس، يقوم على مبدأ يمكن وصفه بأنه مبدأ الحشد لإسرائيل ومواقف حكومتها الآنية، بغض النظر عن تبعاتها.

أما بخصوص الموقف الإسرائيلي، فيشير "محمود محارب"، في دراسته "إسرائيل والتوجه الفلسطيني إلى الأمم المتحدة"، إلى أن الحكومة الإسرائيلية قد لوحت بأنها ستتخذ خطوات أحادية الجانب، إذا ما تمسكت السلطة بقرارها، وأصرت على الذهاب إلى الأمم المتحدة. كما أطلقت تل أبيب كذلك حملة دولية بغرض إفشال الخطوة الفلسطينية، أو التقليل من أضرارها.

وتتأسس المخاوف الإسرائيلية من التوجه الفلسطيني، بحسب "محارب"، على عدة اعتبارات، من أهمها أن الخطوة الفلسطينية تحمل بين ثناياها إمكانية تحرير السلطة الفلسطينية من أسر المفاوضات الثنائية، وأن تؤدي إلى زيادة استقلالية القرار الفلسطيني عن إسرائيل.

إضافة إلى أن نجاح فلسطين في الحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة سيمنحها مكانة دولية وقانونية جديدة تمكنها من مطالبة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بإرغام إسرائيل على إنهاء احتلالها، وفرض عقوبات صارمة على تل أبيب، في حال امتناعها عن ذلك.

ولعرقلة المسعى الفلسطيني، قد تلجأ إسرائيل إلى اتخاذ مجموعة من الخطوات الانتقامية من قبيل وقف تحويل أموال الضرائب الفلسطينية المستحقة للسلطة، أو التضييق على حرية قيادة السلطة الفلسطينية وحركتها، أو حصار السلطة الفلسطينية ومقاطعتها مقاطعة شاملة.

وقد تؤدي أي خطوة من هذه الخطوات إلى انهيار السلطة، وهو ما يعني إعادة الاحتلال الإسرائيلي المباشر للضفة الفلسطينية. كذلك، تملك إسرائيل إمكانية أن تضم رسميا مناطق من الضفة الفلسطينية المحتلة إليها، كضم بعض أو جميع الكتل الاستيطانية التي أقامها الاحتلال في العقود الماضية. لكن "محارب" يستبعد لجوء تل أبيب لأي من تلك الخطوات، نتيجة لعدم حصولها على الضوء الأخضر الأمريكي.

وفي حال نجاح الخطوة الفلسطينية في الأمم المتحدة، يرجح "محارب" أن تسعى إسرائيل إلى التوصل إلى تفاهم مع القيادة الفلسطينية على الاكتفاء بتلك الخطوة، وعدم المضي قدما بها، أو مطالبة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بمقاطعة إسرائيل، أو فرض العقوبات عليها. كما ستبذل جهدها في جر السلطة الفلسطينية إلى دائرة المفاوضات الثنائية بينهما.

التداعيات القانونية والسياسية

لا شك فى أن الاعتراف الأممي بالدولة الفلسطينية وقبولها كعضو في الأمم المتحدة سيحقق مجموعة من المكاسب للفلسطينيين، وهي مكاسب قانونية بالأساس تتعلق بالتكييف القانوني للصراع. ويجمل "داود خير الله" هذه المكاسب في: تمكن الدولة الفلسطينية من الانضمام إلى بعض المنظمات الدولية، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي, وكذلك تمتعها بصلاحية توقيع المعاهدات متعددة الأطراف، وبخاصة تلك المعنية بحقوق الإنسان.

كما أنه من المرجح أن تصبح الدولة الفلسطينية عضواً دائماً في المحكمة الجنائية الدولية، مما يمكنها من فتح محافل جديدة لمقاضاة المسئولين الإسرائيليين المسئولين عن ارتكاب جرائم ضد الإنسانية بحق الفلسطينيين، إضافة إلى نقل الصراع إلى الأمم المتحدة بدلا من المسار الثنائي، ومطالبتها بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي.

ومع ذلك، يؤكد "خير الله" أن مثل هذا الاعتراف لا يخلق واقعاً سياسيا، فالدولة التي تخضع للاحتلال لا تتمتع إلا بصفات قليلة جداً من صفات الدولة. كما أن نمط صنع القرار داخل الأمم المتحدة لا يوحي بقدرة تلك المنظمة على فرض الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ومتفقا مع وجهة النظر تلك، يقلل الباحث "أنيس فوزي قاسم"، في دراسته التي تحمل عنوان "المسعى الفلسطيني لطلب الانضمام لهيئة الأمم المتحدة"، من جدوى التوجه الفلسطيني نحو الأمم المتحدة، ويعدها مجرد "خطوة رمزية" قد تؤدي إلى "إنجاز معنوي" لا يعني شيئا في الواقع. فالهدف الرئيسي منه هو الضغط على إسرائيل للعودة إلى طاولة المفاوضات، والوصول إلى حل الدولتين، وهي مفاوضات لم تحقق أي نتيجة أو مغزى للفلسطينية طيلة عقدين من الزمان.

ويشير "قاسم" إلى أن منظمة التحرير الفلسطينية قد أحرزت بالفعل العديد من الإنجازات على المستوى الدولي والإقليمي والعربي، تجعلها في غنى عن القيام بمثل هذه الخطوة، فالمنظمة نجحت في الحصول على قرارات دولية وإقليمية تؤكد تمثيلها للشعب الفلسطيني. وأشارت بعض تلك القرارات إلى اعتبارها في الواقع دولة، وأن الأراضي التي تطالب بتحريرها هي أراض فلسطينية محتلة. وحصلت أيضا على عشرات القرارات الدولية من مجلس الأمن الدولي ومن الجمعية العامة للأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الإقليمية، تؤكد الوضع القانوني للأراضي الفلسطينية، باعتبارها "أراضى محتلة"، وأن إسرائيل دولة قائمة بالاحتلال، وملزمة باحترام قواعد القانون الدولي الإنساني، وقوانين حقوق الإنسان.

---------------------------------------------------

(*) الندوة عقدت في الدوحة في العاشر من سبتمبر الجاري، قبل خطاب الرئيس محمود عباس في الأمم المتحدة في 23 سبتمبر 2011 ، وطلبه  العضوية الكاملة.


رابط دائم: