الرسائل الأمنية والسياسية لمعرض "إيدكس 2018 "
6-12-2018

د. إيمان زهران
* متخصصة في العلاقات الدولية والأمن الإقليمي
ثمة تحولات نوعية تشهدها الدولة المصرية فيما بعد 30 يونيو، ترتكز فى دلالاتها على إعادة تموضع الدور المصرى، ومراكز انتشاره، ومواقع ثقله. فلم تكن فقط الدبلوماسية السياسية والاقتصادية محورى الدولة بالتعريف، وإعادة استنباط الخارج، ولكن هناك نوعا آخر يتم اختباره فى الإقليم الشرق أوسطى انطلاقا من القاهرة ، متمثلا فى "الدبلوماسية الدفاعية" انطلاقا من مسارات أمنية عديدة تسارعت فى إبرازها قواتنا المسلحة فيما بعد 30 يونيو، والتى كان آخرها محورية فاعليات معرض "إيدكس 2018"، وما يحمله من "تنوع استراتيجي" لعدد من الرسائل الأمنية والسياسية للداخل والخارج.  
دلالات إيدكس 2018 
حمل إطلاق القاهرة لمعرض "إيدكس 2018" للصناعات الدفاعية والعسكرية عددا من الدلالات الرمزية، التى تتوافق مع طبيعة المرحلة السياسية، وما تحمله الأجندتان الداخلية والخارجية للرئيس عبدالفتاح السيسى خلال فترة ولاية الثانية، وذلك من خلال:  
- يعكس تنظيم القاهرة لمعرض "إيدكس 2018" مصفوفة الاقتصاد المصرى وقدرتها على النمو المنُتظم. فمعرض إيدكس، وغيره من المعارض الكبرى الإقليمية والدولية التي تشرف على تنظيمها القاهرة، يندرج ضمن توجه استراتيجي يستهدف تنويع "اقتصادات الدولة"، وإضافة محركات نمو قوية له، وذلك بتعزيز الاقتصاد الوطني من خلال العائدات الناتجة عن الخدمات التي تقدم على هامشه، والتي تنشط  بدورها الحركة السياحية والتجارية في الدولة. كما أن وجود هذا الكم الهائل من الوفود التجارية، التي تمثل الشركات العالمية، يُتوج بالعديد من الصفقات الكبيرة التي لها مردودها التجاري والاقتصادي المهم والمختلف على الدولة.
- أكد المعرض ما تتمتع به جمهورية مصر العربية من أمن واستقرار على مختلف المستويات، وهو ما انعكس على حرص الشركات الكبرى في مجال التصنيع الدفاعي على المشاركة في "إيدكس 2018" وعرض منتجاتها خلاله، فضلا عن تقدير دول العالم أجمع لمصر، ولمواقفها ولسياساتها المُتزنة والرشيدة التي تعلي من قيم  البناء والتنمية والأمن والاستقرار في محيطيها الإقليمي والدولي. 
- أظهر "إيدكس 2018" الإسهامات المصرية في تعزيز عوامل الأمن والاستقرار في العالم كله، فلقد مَثل نافذة مهمة للالتقاء بين الشركات المعنية بمعدات الدفاع، والخبراء المعنيين بهذا المجال، لتبادل الآراء حول أفضل السبل لمواجهة مهددات السلام والاستقرار في المنطقة والعالم أجمع، في ظل تزايد مصادر هذه التهديدات في البيئتين الإقليمية والدولية، وهو ما انعكس على تنامى مسارات التوسع بمجالات التعاون العسكري الإقليمي والدولي، والتي منها: إبرام اتفاقيات وتوقيع بروتوكولات تعاون عسكري مع القوى الدولية والإقليمية، وإبرام صفقات تسلح في إطار استراتيجية تنويع مصادر السلاح، والتصنيع العسكري المشترك، وكذلك التوسع في التدريبات والمناورات العسكرية الثنائية والمتعددة الأطراف الدولية كمناورة "النجم الساطع"، و"تحية النسر" مع الولايات المتحدة، و"حماة الصداقة" مع روسيا، ومناورة "ميدوزا" مع قبرص واليونان، و"كليوباترا" مع فرنسا، وأخرى عربية، أبرزها "رعد الشمال"، و"درع العرب1".
- عكس معرض "إيدكس 2018" الأجندة التنموية للولاية الثانية للرئيس عبدالفتاح السيسى، الذي يتجاوز من خلالها المحلية إلى الإقليمية والعالمية. فاستضافة القاهرة لمعرض"إيدكس"، وغيره من المعارض والفاعليات الكبرى، إنما تجسد تفوقها وسعيها المستمر إلى تحقيق الريادة، لكي تصبح مركزاً إقليمياً ودولياً متميزاً تتطلع إليه الأنظار في مختلف المجالات، ترجمة لـ"رؤية مصرية 2030 " وذلك بإطلاق معرض "إيدكس" واستمرارية تنظيمه بصفة دورية مستقبلا بداية من 2020، وهو ما يدعم خطة ترسيخ "الدور والمكانة المصرية" على خريطة تنظيم المعارض الدولية للصناعات الدفاعية في العالم. 
الجدير بالذكر أن معرض "إيدكس 2018" لم يكن التجربة المصرية الأولى فى ذلك المجال المتخصص بالصناعات الدفاعية والعسكرية، ولكن سبق ذلك معرض أسلحة مُصغر أُقيم فى مطار ألماظة عام 1987، إذ تم عرض الكثير من الأسلحة المصرية، بمشاركة عدة شركات، لكن الأمر لم يكتمل أو يستمر كثيرًا ليعاد إنتاج ذلك الحدث مرة أخرى ضمن أطر التفعيل وإبراز الدور الخاصة بالاستراتيجية المصرية "2030"، وما تحمله أجندة الولاية الثانية للرئيس من تحركات داخلية وإقليمية ودولية.  
 
رسائل متعددة  
ثمة عدد من الرسائل الاستراتيجية المختلفة لتنظيم وإطلاق مصر معرض "إيدكس 2018"، بعضها يتعلق بالأمن الداخلى، والآخر يتعلق بالترتيبات السياسية والأمنية الإقليمية والدولية، وذلك من خلال:  
- رسائل أمنية، فعدد من الرسائل الامنية عبرت عنها القاهرة بإطلاقها معرض "إيدكس 2018"، ويظهر ذلك من خلال :  
1. استكمال مصر تحديث منظومة البنية التحتية الدفاعية، وهو ما ظهر في إبرام صفقات تسلح نوعية في جميع المجالات العسكرية، البرية، والجوية، والبحرية، أبرزها ما تمثل فى صفقات حاملتى الطائرات: الميسترال "عبدالناصر" و"السادات"، والفرقاطات: الجويند، والفريم، والغواصات 902 الألمانية، وطائرات الرافال، وكذلك إعادة  تحديث وهيكلة القواعد العسكرية، مثل: تأسيس قيادة الأسطول الجنوبي، وبناء قاعدة محمد نجيب العسكرية.
2. إعادة إنتاج المُقدرات العسكرية والدفاعية المصرية، وذلك بتطويع صناعاتها العسكرية بالأنظمة التكنولوجية المتقدمة، مثل: النسخة المصرية من "الفرقاطة جويند" بالتعاون مع نافال جروب الفرنسية، فضلا عن تصنيع العديد من القطع البحرية الصغيرة والمتوسطة لسد احتياجات الأسطول البحري المصري.
3. نجاح التحركات الأمنية والعسكرية فى مجال مكافحة الإرهاب، وهو ما انعكس بشكل مباشر فى البيانات الخاصة بكل من وزارتى الدفاع والداخلية، وبصفة خاصة  بيانات المتحدث العسكرى حول سير ونتائج العملية الشاملة "سيناء 2018"، والدالة فى تحليلاتها الرقمية على انحسار عمليات الإرهاب في مصر، فضلًا عن التعاون في مجال مكافحة الإرهاب إقليميا ودوليا من خلال تبادل الخبرات والمعلومات الاستخبارية.
 
- رسائل سياسية، فعلى الرغم من أن "إيدكس 2018" يستهدف الصناعات الدفاعية والعسكرية وما تحتويه من رمزية أمنية، فإن هناك عددا من الرسائل السياسية تمثل أهمها فى :  
1. إعادة تموضع "الدور والمكانة" دوليا، حيث تستهدف الأجندة التنموية ورؤية مصر 2030 استعادة الثقل والمكانة الدولية لمصر، وهو ما ظهر فى قدرة الدولة المصرية - بعد النجاح فى تدشين "منتدى شباب العالم" للمرة الثانية دوريا وعلى التوالى- على إقامة وإطلاق معرض "إيدكس 2018" الذى بلغ عدد زائريه من مختلف أنحاء العالم ما يتجاوز الـ 10 آلاف زائر، وهو مؤشر مهم على اتساع مساحة المشاركة ، فضلا عن كبرى الشركات الدولية المتخصصة فى الصناعات الدفاعية والعسكرية، وهو ما يُعزز من المكانة المصرية إقليميا ودوليا، خاصة أن "إيدكس 2018" يُعد المعرض الأول من نوعه في منطقة شمال ووسط إفريقيا.
2. تطبيق سياسي وعسكرى لتعهدات السيد الرئيس عبدالفتاح السيىسى بحماية أمن المنطقة والإقليم، والتى اختصرها بعبارة "مسافة السكة"، وذلك بإبراز كفاءة الجيش المصرى وقدرته على صيانة وحفظ توازنات الأمن والاستقرار فى المنطقة بما يمتلكه من قوة عسكرية هائلة ومتقدمة فى مختلف أنواع الأسلحة، جعلته ضمن الجيوش العشرة الأولى فى العالم، فضلا عن سعية لامتلاك كل ما هو حديث فى مجال الصناعات العسكرية عالميا ليؤكد جاهزية وكفاءة القوات المسلحة المصرية لرد أى تهديد، وردع أى توجهات عدائية ضد مصر، أو الإقليم ككل.
3. إعادة إنتاج السياسات الإقتصادية والاستثمارية المصرية فى مجالات التسلح العسكرى استنادا للتحولات الإقليمية والدولية. فحجم الإنفاق العسكري يتزايد في المنطقة، مما يُمثل فرصة للإدراج في هذا المجال، وبالتالي شكل المعرض حدثاً استراتيجيا لاستقطاب الاقتصادات العسكرية، وهو ما يمنح مصر الفرصة لإعادة الترتيب بالمراكز الدولية في هذا المجال الأمنى والدفاعى الذي أصبحت معظم الدول تعتمد عليه، فى ظل اتجاه مؤشرات التسلح الدولي لتنويع مصادر السلاح، خاصة أن هذه الأسواق أصبحت مصدرا للتعرف على مسارات التسلح في العالم وطبيعته.
4. استمررية دعم  وتعزيز علاقات الدولة "الدفاعية" مع العالم الخارجي، فضلا عن الالتزام بالاستراتيجية المصرية نحو" تنويع مصادر التسليح"،  وذلك بالتزامن مع التدريبات المستمرة عبر المناورات العسكرية المختلفة لكل أفرع القوات المسلحة والمناورات المشتركة مع الدول الحليفة، وآخرها مناورة "درع العرب1". 
 
نخلص من ذلك،  إلى أن الدولة المصرية تسعى على مختلف مستوياتها السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والأمنية لإنجاز خطة التحرك الاستراتيجي للسيد الرئيس عبدالفتاح السيسى، والمتمثلة فى "رؤية مصر 2030"، وهو ما دلل عليه الحدث الأخير "إيدكس 2018"، وما حمله من رسائل سياسية وأمنية، تتلخص جميعها فى استمرارية تماسك وقوة الدولة المصرية، والنجاح فى التصدى لمحاولات العناصر التخريبية والإرهابية بالداخل، والمدعوم بأجندات خارجية تستهدف "إفشال" الدولة المصرية، فضلا عن الاستعراض لمُرتكزات ومكامن القوة المصرية بمختلف أوجهها، والداعمة لأجنداتها "الأمنية" المتعلقة بحماية أمن واستقرار الإقليم، ليتم إعلانها من القاهرة لكل دول العالم بأنه "من يمتلك مفاتيح القوة قادر على صنع السلام".
 

رابط دائم: